مقتل بن لادن، وأفول الإسلام السياسي!

 

جليل شهباز

gelilshahbaz@yahoo.com

كما هو معلوم، لقد سطع نجم الإرهابي بن لادن على أعقاب أحداث 11  سبتمبر المأساوية، وبرز لدى مراكز الإعلام العالمية والمؤسسات الاستخباراتية في العالم كزعيم للإسلام السياسي المتطرف. وبعد أحداث سبتمبر استغلت امريكا وحلفائها هذا الحدث المأساوي لتصفية حساباتها السياسية والعسكرية والاقتصادية مع التكتلات العالمية الاخرى تحت عنوان الحرب على الإرهاب. ومنذ ذلك الحين أصبح بن لادن وتنظيمه الإرهابي القاعدة بمثابة العدو الأول لكل القطب الغربي الذي يقوده امريكا، وبطبيعة الحال، كان الغرض من اعلان ذلك الحرب معروف للجميع، ألا وهو محاولة يائسة لفرض مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي خطط له خبراء ومفكري البرجوازية الأمبريالية في دهاليز البيت الأبيض والبنتاكون منذ عشرات السنين. فحركوا ماكنتهم الإعلامية الجبارة لتغرس في ذهن المجتمع الغربي خصوصا" والعالمي عموما" وكأن بن لادن وتنظيمه الإرهابي شبح رهيب يهدد الأمن والاستقرار العالمي في كل لحظة فحشدوا له الجيوش والأساطيل وكل آلتهم العسكرية المدمرة والرهيبة ثم أعلنوا الحرب على أفغانستان ونظامه الإسلامي الوحشي وذلك لمعاقبتهم على إيوائهم للعدو الأول لامريكا، وبالطبع كانت نتيجة الحرب معلومة حتى قبل إعلانه، وعلى أثر الضربات العسكرية المدمرة والغزو العسكري لذلك البلد المدمر أصلا" من جراء الحرب مع السوفييت والممارسات السياسية البربرية لحركة طالبان، فقد تمكنت القوة الغازية من احتلال ذلك البلد في غضون أيام معدودة وبسبب عملياتهم وضرباتهم العسكرية الرهيبة لم يبقى حجرا" على حجر في عموم أفغانستان ونصبوا على الفور تلك الفزاعة التي تسمى حامد كرزاي حاكما" صوريا" على ذلك الركام الذي خلفته غزوهم والتي تسمى بدولة أفغانستان، والحق يقال، كانت إزاحة حركة طالبان والقاعدة من على صدر المجتمع الأفغاني أمرا" حسنا" ولكن لم يكن ذلك الهدف الإنساني هو الذي يسعى البيت الأبيض وحلفائهم إلى تحقيقه بل، كان تحقيق ذلك الهدف هو البداية للتنفيذ العملي للمخطط الامريكي الرجعي والتي تمثلت بجلب الجيوش والماكنة العسكرية لبناء القواعد العسكرية في مناطق النفوذ السياسي والاقتصادي في مختلف مناطق الشرق الأوسط، كضرورات لا بد منها لتنفيذ مشروعهم الأسود، ونتيجة" لتلك الأهداف والمخططات والسياسات، اللآإنسانية والرجعية لامريكا وحلفائها في أفغانستان تمكن فلول حركة طالبان والقاعدة من تجميع قواهم بسرعة مذهلة بالإضافة إلى كسب الدعم الجماهيري لسياساتهم وممارساتهم الإرهابية وبدأوا بتنفيذ العمليات العسكرية ضد امريكا وحلفائها وهي مستمرة لحد هذه اللحظة. وعلى الرغم من أن تنظيم القاعدة لم تتمكن، بعد جريمتهم  في الحادي عشر من سبتمبر، من تنفيذ أية عملية إرهابية نوعية اخرى في العالم، إلا أن الماكنة الإعلامية الامريكية الغربية ظلت تلفق الأكاذيب وتبالغ كثيرا" في تضليل الرأي العام الامريكي الغربي حول بقاء خطورة تهديد القاعدة للأمن والاستقرار العالميين وذلك لتبرر بها بقاء قواتها العسكرية في الشرق الأوسط وتحريكها إلى أية منطقة في العالم إذا دعت الضرورة إلى ذلك. ولكن بالمقابل كيف كانت الصورة الحقيقية للأسلام السياسي المتطرف؟ في الحقيقة لم تكن دور ونفوذ الإسلام السياسي المتطرف بعد الغزو الامريكي لأفغانستان والعراق بتلك الخطورة التي تصورها الإعلام الامريكي الغربي لتشكل أي خطر يذكر على الأقل في العالم الغربي وخصوصا" في امريكا، صحيح أن القاعدة كانت تمتلك بعض الخلايا النائمة في بعض البلدان الغربية إلا أنها لم تكن قادرة على القيام حتى بأتفه التحركات المريبة التي من شأنها أن تهدد الأمن والاستقرار لا في تلك البلدان ولا في بقية مناطق العالم وذلك بسبب الرقابة الأمنية والاسخباراتية الصارمة التي فرضتها مختلف المؤسسات الأمنية والاستخباراتية في تلك البلدان، وبالطبع كانت تلك الإجراءات الأمنية أمرا" حسنا"، لأن أمن وسلامة واستقرار المواطن الغربي تعتبر من أهم مسؤوليات الأنظمة الغربية. وبهذا فإن هاجس تهديد الأمن من قبل القاعدة وبقية منظمات الإسلام السياسي المتطرف لم تكن سوى وهما" غرستهة الإعلام الغربي المضلل في ذهن المواطن الغربي علما" أن تهديد تلك المنظمات للأمن والاستقرار في العالم الغربي لم تكن حتى بمستوى التهديد الذي شكلته المنظمات اليسارية المتطرفة في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم ومع ذلك فإن الاعلام الغربي لم تضخم وتبالغ في نقل الصورة البشعة لتلك المنظمات أسوة" بما فعلته مع المنظمات الإرهابية الإسلامية، وعلى الرغم من أنه بعد أحداث سبتمبر المأساوية تمكنت المنظمات الإرهابية الإسلامية من تنفيذ بعض العمليات الإرهابية المحدودة، إلا أن ذلك يعتبر أمر طبيعي في ظل سيطرة النظام الرأسمالي على الحياة الاجتماعية في العالم ذلك لانه على امتداد تاريخ النظام الرأسمالي كانت مثل تلك العمليات الإرهابية أمرأ" مألوفا"، ولذلك فإن مقتل بن لادن سوف لن ينهي الإرهاب. ذلك لأن كل منابع الإرهاب موجودة في قلب النظام الرأسمالي وإن ظاهرة الإرهاب بكلا شكليها أي ارهاب الدولة من جهة والارهاب الغير رسمي التي تمارسها مختلف المنظمات السياسية من جهة اخرى، تعتبر نتيجة حتمية ومباشرة لطبيعة النظام الرأسمالي القائمة على الاستغلال الوحشي لقوى الانسان العضلية والعقلية بغية ديمومة حركة وتراكم رأس المال وبطبيعة الحال كان دوما" يرافق كل ذلك واقع التفاوت الطبقي بشكل واضح وشفاف والذي يتميز باستئثار أقلية ضئيلة من المجتمع بكل ملذات الحياة وترفها من جهة، وحرمان أكثرية المجتمع من كل أسباب العيش الكريم من جهة اخرى، وبالاضافة الى ذلك تلجأ الطبقات الحاكمة بأستمرار إلى فرض الظلم السياسي على المجتمع وذلك من أجل تعزيز سيطرتها الاقتصادية والاجتماعية والفكرية على المجتمع وبالتالي ترسيخ موقعها الطبقي داخل المجتمع لتكون مستعدا" لمواجهة كل أشكال الاعتراضات الاجتماعية التي ستواجه بالضرورة نظامها الوحشي اللاإنساني ولذلك فإن، سلب الحريات وهضم الحقوق والاستبداد والقمع السياسيين وازدواجية المعايير في التعامل مع مختلف القضايا الدولية، والفقر المدقع والبطالة والحرمان من الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليمية بالاضافة الى شيوع أشد العادات والتقاليد الاجتماعية الرجعية في الكثير من بلدان العالم، تعتبر أهم ما يميز النظام الاجتماعي البرجوازي، وتعتبر في الوقت نفسه، من أهم الأسباب التي تؤدي الى ظهور التطرف بمختلف أشكاله والأمر سيان فيما اذا كان ذلك التطرف تطرفا" دينيا" أم يساريا" أو قوميا"... إلخ، وعلى هذا الأساس فإن ظاهرة التطرف ومن ضمنها التطرف الإسلامي تعتبر ظاهرة ملازمة لفعل قوانين النظام الراسمالي في الحياة الاجتماعية، وطالما بقي النظام الرأسمالي جاثما" على صدر الإنسانية فإن التطرف بكل أشكاله ستبرز بين الحين والآخر كردة فعل انسانية سلبية على وحشية النظام الرأسمالي. واذا كان الأمر كذلك، فما الذي دفعت امريكا والغرب لتضخيم هذه المسألة والمبالغة بتصوير بشاعة التطرف الاسلامي بهذا الشكل المخادع؟. لقد أشرنا فيما سبق بأن احدى العوامل التي دفعت امريكا والغرب لفعل ذلك تمثلت بمسألة تبرير جلب القوات العسكرية الى المنطقة والبقاء فيها وتحريك القوات العسكرية وفقا" لمصالحهم الحيوية في المنطقة، في حين ان العنصر الأهم الذي دفع الغرب نحو التضليل بذلك الخصوص هو أنه بعد انهيار القطب الشرقي وتفكك الاتحاد السوفيتي وانهاء مرحلة الحرب الباردة والثنائية القطبية، فإن النظام العالمي الجديد القائم على الأحادية القطبية كان بحاجة الى عدو شرس ورهيب لإعادة هيكلة مؤسساتها العسكرية والسياسية والادارية وذلك لاحتواء الفوضى والحروب ومختلف أشكال المنازعات والتناحرت القومية والمذهبية التي عمت العالم وخصوصا" في مناطق نفوذ القطب الشرقي السابق وذلك للأستعداد والتحضير لمواجهة التكتلات السياسية والعسكرية الجديدة التي تكونت أو في طريقها للتكوين بعد انهيار القطب الشرقي وذلك من أجل السيطرة على مناطق النفوذ السياسية والعسكرية والاقتصادية وخصوصا" السيطرة على منابع النفط وبقية مصادر الطاقة وبهذه الصورة فقد بدأت امريكا والغرب حربها ضد الارهاب الإسلامي على أعقاب أحداث سبتمبر المأساوية واعلان الإرهابي المقبور بن لادن عن مسؤليته لتلك الأحداث في كل من أفغانستان المجاورة للعملاق الصيني والذي يعتبر أهم منافس اقتصادي وسياسي وعسكري في الحاضر والمستقبل لامريكا والغرب وذلك ليكونوا مستعدين لكل الاحتمالات الناتجة من الدور الصيني في مختلف القضايا الدولية والتي من شأنها أن تهدد مصالحهم وتنفيذ مخططاتهم وبرامجهم الرجعية واللاإنسانية، وكذلك في العراق الذي يشرف على منطقة تنتج أكثر من نصف احتياجات العالم من الطاقة والتي تحتوي أيضا" على أكثر من ثلثي االأحتياط العالمي من مصادر الطاقة اضافة" لتحولها إلى مركز مهم لالتقاء كل التناقضات والتناحرات الدولية في المنطقة والتي يمكن من خلال أوضاعها تمرير أكثر السياسات رجعية" ووحشية" التي تساعدهم على تنفيذ مخططاتهم بسهولة وبأقل التكاليف.

وبينما كانت امريكا وحلفائها منهمكين في تنفيذ مخططاتهم السياسية اندلعت الثورات الجماهيرية العارمة في الكثير من البلدان العربية والتي على أثرها سقط اثنين من أهم خدمهم من على سدة الحكم في كل من مصر وتونس، وليس هذا فقط بل، ومن جراء استمرار العاصفة الثورية في المنطقة فان عروش الكثير من خدمهم الاخرين مهددة بالسقوط، وبما أن تلك الثورات قد اندلعت من جراء أهم الاحتياجات الانسانية الاساسية والحرمان من الحقوق والحريات ومن أجل رد كرامتهم الإنسانية، فكان كل ذلك يشكل تهديدا" مباشرا" للنفوذ والهيمنة الامريكية الغربية في المنطقة قبل أن تشكل تهديدا" للأنظمة الأستبدادية الفاسدة في المنطقة العربية، وبسبب الأوضاع الثورية التي تمر بها المنطقة وكل تداعياتها أصبحت البرجوازية العالمية وأنظمتهم السياسية الرجعية عاجزة" عن التدخل بغية التأثير على مجرى الأحداث الثورية في المنطقة بما يتناغم ومصالحم الحيوية في المنطقة فكان تدخلهم في تلك الأحداث سواء كان سلبا" أو إيجابا" يتعارض كليا" مع مصالحهم العمومية في المنطقة ولذلك فكانت مواقفهم السياسية وسياساتهم العملية متذبذبة بين التأييد الخجول لتلك الثورات والأنتفاضات الجماهيرية وبين الصمت والسكوت عن الجرائم والتعامل اللاإنساني للحكام المستبدين وأجهزتهم القمعية ضد الجماهير الثائرة، وقد أشرنا الى تفاصيل كل هذه المسائل في مقالاتنا السابقة، ولما كانت كل التطلعات الجماهيرية وكل رغباتهم وأمانيهم الإنسانية يتعارض بشكل مباشر مع مختلف البرامج والمخططات والسياسات التي تنفذها امريكا وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط عموما" والمنطقة العربية خصوصا"، وبما أن المد الثوري لازال في تصاعد مستمر، فكان توقيت مقتل بن لادن أمرا" ضروريا" لتتزامن مع هذه الأوضاع الملتهبة في المنطقة، ولذلك فإن تنفيذ تلك العملية في هذا الوقت بالذات قد حملت بعض الرسائل للعالم أولها: استعراض للقوة العسكرية الامريكية وابراز قدراتهم وكفائتهم في التعامل مع كل حالات التهديد وكل السياسات والأحداث التي تعادي مصالحهم الحيوية في العالم، وقد تعمدوا على تنفيذ تلك العملية بأسلوب القرصنة الدولية وعدم الاكتراث للقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية التي تمنع ذلك، وثانيهما: الإيحاء للعالم وخصوصا" للجماهير العربية الثائرة بأن خطر تنظيم القاعدة وبقية منظمات الإسلام السياسي المتطرف لازال باقيا"، وألى أن يإمكانهم الوصول الى اي مكان يبتغون فكما أن زعيمهم بن لادن قد تمكن من الاختباء لمدة خمسة سنين في اهم منطقة أمنية في باكستان، فبامكان البقية أيضا" ان يصلوا الى أي هدف يبتغون، ولذلك فإن مقتل الارهابي بن لادن بتلك الطريقة الوحشية كان الغرض منه هو حث مراكز القوى الجديدة التي ستنشأ في المنطقة العربية على أثر الثورات الجماهيرية في تلك البلدان، على عدم نسيان الدور والنفوذ والقدرة العسكرية الامريكية في الموازنات والمعادلات السياسية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وتحذيرهم وتخويفهم لعدم معادات المصالح الامريكية، أما ثالثهما: هو ترويض مختلف المنظمات والقوى والأحزاب السياسية المتطرفة وغير المتطرفة من شتى الألوان والمشارب ذات التوجهات السياسية والفكرية المعادية لامريكا للخضوع للإرادة السياسية الامريكية وحثهم للتحرك وفق الاستراتيجيات السياسية الامريكية وبموجب مختلف مخططاتهم وبرامجهم الرجعية.. ولكن مهما فعلت امريكا وحلفائها فإن خطر المنظمات الإرهابية والمتطرفة ستظل موجودا" وستهدد مصالحها باستمرار لأنها نتيجة حتمية لاسباب ترتبط بالطبيعة المتناقضة واللاإنسانية للنظام الاجتماعي البرجوازي، ولكنه إذا أرادت امريكا وحلفائها أن تخفف من خطر المنظمات الإرهابية وخصوصا" إرهاب الإسلام السياسي المتطرف على أمن واستقرار الأنظمة البرجازية الفاسدة، هو عدم الوقوف بوجه قيام وتكوين أنظمة سياسية قائمة على الإرادة الجماهيرية الحرة في منطقة الشرق الأوسط وحل القضية الفلسطينية على أساس الحل العملي المناسب مع الرغبة والإرادة الجماهيرية في فلسطين وتوفير كل العوامل التي ستساعد على التعايش السلمي بين الدولة الأسرائيلية والفلسطينة.

28 أيار 2011