الهدوء الذي يسبق الطوفان!

 

سمير نوري 

بعد 17 شباط، لا أحد في كردستان يقتنع بأن يعود الأوضاع الى سابق عهدها. فلا جماهير كردستان يكتفون بما طالبوه ونزلوا وتواجدوا في الشارع من أجلها، ولا قوى المعارضة يستطيعون كالسايق المناوشة في ظل سلطة الأتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، ولا السلطة نفسها مقتنعة أن تستمر بنفس الأشكال السابقة في علاقتها مع الجماهير والقوى المعادية لها، ولذلك فقد أظهر كل طرف هذا الواقع بطرق مختلفة. يقول ملا بختيار العضو العامل في المكتب السياسي للأتحاد الوطني، إذا لم نقوم بتنفيذ الاصلاحات الجدية، فإن الجماهير سينزل الى الشارع مرة" اخرى. ويقول مسعود البارزاني بأن أوضاع كردستان ليس مثل أوضاع مصر وتونس بل، مثل السودان. وقال نوشيروان مصطفى إننا نعلم ماذا نريد؟ نظام مؤسساتي وطني، أما الجماهير الداعية للحرية والشيوعيين فان مطاليبهم واضحة في جبهة معينة والتي تمثلت بالخبز والعمل والخدمات والسلطة المباشرة للجماهير. وانني في هذه المقالة سأتحدث عن هذه المسارات قدر الامكان وسأضع أمام الأنظار عوامل اندلاع انتفاضة اخرى والتي أتوقعها في القريب العاجل.

لقد تزامنت أنتفاضة جماهير كردستان مع اندلاع الأنتفاضة في المنطقة وخصوصا" بعد سقوط دكتاتورية بن علي وحسني مبارك في كل من تونس ومصر واتساع مدى هذه الثورات لتعم كل المنطقة من شمال أفريقيا وحى الشرق الأوسط، وكان واضحا" أن الشرارة الأولى لأندلاع تلك الثورات قد بدأت عندما أقدم محمد بوالعزيزي على حرق نفسه في تونس ضد البطالة والفقر والأستبداد البوليسي وعلى أعقاب ذلك الحدث الأليم تحول هذا الأعتراض إلى ثورة وضمت الى نفسها كل أؤلئك الذين كانوا يعانون على أمتداد عشرات السنين من نفس الظلم والبؤس، ولذلك فان مسعود البارزاني عندما يقول بأن انتفاضة جماهير كردستان لم تندلع من أجل نفس مطالب أقران محمد بو العزيز فأنه من وراء ذلك يرمي الى القول بأن أوضاع كردستان لا تشبه أوضاع مصر وتونس. ولكن الرجال والنساء في كردستان قد نزلوا الى الشوارع في العديد من المرات في السنين المنصرمة الا ان الثورات الحالية قد زرعت قوة وارادة  ذاتية في صفوف الجماهير دفعتهم الى الميدان وتركت البرجوازية الكردية في حالة الخنوع والذهول، ويبدو ان نوشيروان مصطفى يشاطر مسعود البارزاني في الرأي حول مسألة اختلاف هذا الوضع مع تونس ومصر ولكنه  ليستنتج  منها شيء آخر ويمررها في سبيل اخر، وسأتحدث عنها فيما بعد.

ان ما حدث في المنطقة ان لم يكن أكبر أهمية" من انهيار جدار برلين، و11 سبتمبر.. إلخ، فهي على الاطلاق لم تكن أقل أهمية" منها بالنسبة للتاريخ البشري. ومثل هذه الأحداث التاريخية العظيمة تحصل نتيجة" لتراكم طويل ترافقها بالضرورة عند نقطة معينة تغيير كبيرة بزاوية 180 درجة لتشكل انعطافة تاريخية عظيمة. ولهذا فان ثورات تونس ومصر والمنطقة ومن ضمنها كردستان أيضا" هي تلك الانعطافة في التاريخ والتي لا يمكن بالتفسير والتأويل تحويلها الى شيء اخر. وبما أن البلدان التي تسمى بالعربية والاسلامية، لم تشهد زهاء قرن من الزمن مثل تلك الثورات، فهذا يبين العمق التاريخي الشامل لهذه الثورات وتظهر على أن هذه المنطقة تمر الان بتحولات جذرية وان كل البرجوازية العالمية وبرفقتها برجوازية المنطقة منهمكين لاعاقة تلك التحولات واانهائها بأقل التكاليف. ولكن هذه الثورات قد أوصد الباب أمام مرحلة مظلمة من تاريخ البشرية والتي بدأت منذ عقدين من الزمن، بسقوط جدار برلين التي انتهت مرحلة العالم الثنائي القطب وبدأ أحداث الخليج والحملة على العراق. وفي ذلك الحين فأن كل من وجد من مناصري الانسانية ودعاة الحرية والثورية قد بدأت تحت عنوان موت الشيوعية بافتعال أكبر حرب ضد العالم أجمع، وقالوا بأن العالم قد أصبح محلا" للصلح والسلام وأبدية السوق الحرة ورأس المال والراسمالية وإعلان دفن فكرة الثورة والثورية، وأمام أنظارنا جميعا" تم جرد انسان القرن العشرين من انسانيته وغيروا العالم الى العشرات من بؤر الحرب وجعلوا مئات الالوف من البشر ضحايا للحروب القومية والدينية والطائفية والعشائرية اضافة الى تعرض العديد من المجتمعات للانهيار الاقتصادي والاجتماعي. وبهذا فان رأسمالية السوق الحرة التي حلت محل رأسمالية الدولة كانت ذلك الموديل المنتصر والذي انهار بأقل مدة بعد انهيار ولستريت والتي بسببها تعرض كل العالم لأزمة اقتصادية حادة والتي من جرائها ذهل كل المفسرين والمنظرين البرجوازيين ولم يعلموا بأي حديث أو نظرية ينبغي تغطيتها، وبذلك كان نصيب السواد الأعظم من سكان العالم هو الفقر والبطالة والحرمان والجوع وهذا الوضع مستمرة لحد الآن. وعلى هذا الأساس فإن سفر باراك اوباما الى اوربا كان لأجل معالجة جروح البلدان المتضررة مثل: اليونان والبرتغال وكذلك لحثهم على سلب كل منجزات الطبقة العاملة في أوربا، أما بهذا الخصوص فان احصائيات المنظمات الدولية تشير الى أن الوضع المتدهور لسكان العالم وخصوصا" في تلك البلدان التي تسمى بالعالم الثالث قد سبب في جعل الجوع والبطالة والحرمان من حصة أكثرية سكان العالم بغية بقاء النظام الرأسمالي واقفا" على رجليه.

ثورة تونس ومصر أنهت تلك الدورة وقد أنهت في نفس الوقت كل تلك النظريات التي كانت تنادي بها البرجوازية والتي من جرائها أصبح حتى بعض قوى اليسار ضحية" لتلك التصورات، لأنهم كانوا يتصورون بأن عهد الثورات قد ولت ولأن مقولة الثورة تعني العنف، وينبغي أن يتم تغيير السلطة بالثورة البنفسجية أو البرتقالية، وكان واضحا" ان ما يسمى بتلك الثورات لم تكن في الأصل ثورات بل كانت تشكل مجموعة من العمليات السياسية لسيطرة الدين والحركات الدينية والقومية والأثنية. ومن خلال انتقال السلطة من يد ليد أوجدوا أشد السلطات رجعية" ليشكلون جزء" من التغيرات التي حدثت في اطار النظام العالمي الجديد. في حين كانت ثورة تونس ومصر تعني ظهور الانسان في الميدان ليمسك بيده تقرير مصيره بنفسه، وفي الى الخطوات أثبت الجماهير أنه بأقل  التكاليف  أطاحوا بأخطر سلطة قمعية مثل مبارك وبن علي الذين كانو، يتلقون الدعم الغربي والامريكي، ويشكلون الحلفاء الاستراتيجيين لامريكا. ولذلك فان الثقة بالإرادة الجماهيرية والثقة بالثورة واعادة الأعتبار للثورة والثورية في ذهن وفكر الانسان الكادح، كانت تعتبر انجاز آخر لهذه الثورة والتي أعطت حرارة أكثر ونضج أكثر للحركات الانسانية الداعية للحرية والمساواة ولذلك نقول أنه عندما تحاول احدى ناشطات الحركة المساواتية للنساء سياقة السيارة في السعودية فأنها تلمح الى ثورة المنطقة وبدعم من تلك الثورات تشغل محرك سيارتها وتقودها الى مركز المدينة وتتحدى كل العصابات الارهابية التابعة ( للنهي عن المنكر والأمر بالمعروف ).

للموضوع بقية