الجماهير الفلسطينية:

ضحايا معسكري الارهاب

مقابلة "كانال جديد" مع حميد تقوائي حول مجزرة المدنيين الابرياء في غزة

الجزء الثاني

 

 

ناصر اصغري : الباسيج، القوة شبه العسكرية للنظام الاسلامي في ايران قد دعي للتوقيع على ارساله الى القدس. ووضعت مكافأة قدرها 1 مليون دولار على رأس حسني مبارك، وهكذا دواليك. ما الدور الذي يلعبه النظام في ايران هنا ؟

 

حميد تقوائي : حسنا، اعتقد ان دور النظام كبير هنا ، من منظور سياسي ، وكذلك من وجهة نظر الدعم المالي والعسكري له لحركة حماس وحزب الله. لاحظ ، هذه الحرب تحدث في وقت كان النظام فيه يضعف على الصعيدين المحلي والإقليمي. وبقدر تعلق الامر بالظروف السياسية المحلية ، بامكانك رؤية ، من ناحية ، أن خامنئي يدعم أحمدي نجاد ، لتشكيل كتلة معه ، وذلك استعدادا لاقامة ما يسمى بالانتخابات. وفي المقابل ، ترى المنشقين الذين يزدادون تصديا لما يسمى القائد الأعلى (خامنئي). حتى في أوساط المتشددين هناك الآن الكثير من الذين لا يوافقون خامنئي واحمدي نجاد. الانقسامات داخل النظام آخذة في الازدياد. صحيفة (كاركوزاران) تم حظرها، رفسنجاني يتعرض لهجوم ، وهو ، بدوره ، يستجوب احكام وقرارات خامنئي ، وبوجه عام ، لا أحد يفكر كثيرا بعد الان بمن يسمى القائد ! من منظور إقليمي ، خلال الاشهر القليلة الماضية فان الولايات المتحدة انتهجت سياسة دفع النظام بعيدا عن الدول الغربية مما أدى إلى نوع ما من العزلة السياسية. لدرجة أنه حتى سوريا اليوم اصبح لها علاقات وثيقة بالغرب اكثر من ايران. الدول الغربية اتخذت مبادرات لاقامة علاقات اوثق مع الدول العربية ولكنها استبعدت ايران. لذلك ، في ظل هذه الظروف الداخلية والإقليمية فان النظام بحاجة أيضا لهذه الحرب لاهدافها الانتقالية والدبلوماسية  قصيرة المدى. خامنئي كانت لديه فرصة ، مرة أخرى ، لرفع نفس الراية القديمة اياها ، وإصدار فتوى جهادية موجهة إلى "مسلمي العالم".

وقد صرح شريعتمداري الذي يسيطر على صحيفة كيهان بان اراقة دماء كل الصهاينة واليهود "حلال" ، كلما كان ذلك ممكنا. انهم يرسلون الباسيج الى منطقة الحرب. وهذا كله ، بطبيعة الحال ، يحدث في خضم تصدعات داخلية حادة داخل النظام. يحدث كل ذلك ضمن إطار هزلي يجد النظام نفسه بها اليوم. على سبيل المثال ، فان الباسيجيون الذي تم حزم امتعتهم للذهاب الى الحرب يتوقع أن يمنحوا الحرية في اختطاف طائرة للتوجه الى ”الكفار المعتدين“ !

 

هناك الآن هكذا حجج مثيرة للسخرية كتلك، تدور بين الفصائل المختلفة للنظام. انهم بحاجة لهذه الحرب لمجرد اليأس. انهم بحاجة الى التنكر الكامل ليتمكنوا ، مرة أخرى ، من اغتنام مثل هكذا خدع كالدفاع عن الأطفال الفلسطينيين (بينما هم في الوقت نفسه يقومون باعدام الاطفال) على أمل الخروج من الحالة المشوشة ، وبذا يمكنهم من شراء بعض المبررات لانفسهم.

ومع ذلك ، وحيث تعلق الامر بالجماهير الايرانية اعتقد انهم أكثر الناس إدراكا للقضية الفلسطينية. لقد شهدوا نظام الجمهورية الاسلامية. انهم يعرفون تماما الإسلام السياسي ولن يصدقوا دموع تماسيح الملالي مهما كان السبب الذي يذرفونه من اجله.  انهم يعرفون أن قلق النظام ليس على جماهير فلسطين ، وهم يعرفون أن النظام يدعم  ارهابيين ومنظمات مثل حماس وحزب الله من اجل التقدم باجنداتهم الخاصة. وبالنسبة للطبقة العاملة الايرانية ، بالنسبة للغالبية العظمى من الناس الذين ، على مدى الأعوام الثلاثين الماضية ، عانوا من قمع النظام ومن التعذيب والقتل الجماعي باسم 'محاربة الشيطان الاكبر '، 'النضال ضد اسرائيل ،' الاستيلاء على القدس عن طريق كربلاء'، وما شابهها من شعارات ترهات ، فان دعم النظام لجماهير فلسطين ليس أكثر من مهزلة. ولكن ، للأسف ، هذه العقلية ليست مشتركة ، أو على الأقل ، ليست مشتركة بقوة ، في عموم المنطقة . وهذا هو السبب في ان النظام بامكانه الاستناد الى سخريته من الناس في ادعاء مساعدة الشعب الفلسطيني ، معربا عن امله فى الحصول على الموقعية الاجتماعية - السياسية في البلدان العربية ، في فلسطين نفسها ، في لبنان ، وحتى في العراق ، وبالتالي يكون قادرا على إحياء نفسه سياسيا في المنطقة. هذه هي ضرورة الحرب للنظام. وعلى حد قول بعض المحللين الغربيين ، فإن هذه الحرب هي حرب بالوكالة. انه نوع من الصدام غير المباشر بين الجمهورية الاسلامية واسرائيل. انها مواجهة بين معسكرين ارهابيين. هذه الحرب ، في رأيي ، كما ذكرت من قبل ، سواء من حيث مضمونها ، والظروف السياسية التي أدت إليها ، هي حرب في إطار الحرب الدولية للارهابيين. انها الحرب التي تقودها عسكرتارية الولايات المتحدة ضد الإسلام السياسي ، وليست حرب ضمن إطار نضال الجماهير الفلسطينية من أجل الاستقلال ضد اسرائيل الغاصبة. هذه هي حرب ارهاب ، وبالتالي ، من وجهة النظر السياسية ، هي حرب رجعية ، غير انسانية ومستنكرة.  ان جماهير فلسطين وايضا جماهير اسرائيل هم ضحاياها الوحيدين. مصالحهما ليست ، بأي شكل من الاشكال ، ممثلة في هذه الحرب.

 

 ناصر اصغري: قادة بعض الدول الاسلامية ، والتيارات السياسية الاسلامية والقومية ، يدعون بأن حماس قد انتخبت من قبل الجماهير ، وبالتالي فإنها تمثلهم. ما رأيك في هذا التمثيل للشعب الفلسطيني من قبل حماس؟

 

حميد تقوائي : كما أشرت سابقا ، فإن شعب إيران أفضل من يعرف المعنى الحقيقي لهذا الادعاء. نفس الشيء يقال عن أحمدي نجاد حول انتخابه من قبل الشعب ، أو أن الخميني او خاتمي قد انتخبهم الشعب. نحن على معرفة بالآلية التي من خلالها ، وتبعا للظروف ، بامكان تيار سياسي ان يظهر من  صناديق الاقتراع ، وخاصة في دول مثل ايران أو فلسطين. هكذا حكومات تخرج احدهم من صناديق الاقتراع في الوقت الذي تراه مناسبا. في هذه الحالة بالذات ، وحتى مع افتراض وجود انتخابات نزيهة ومستقيمة ، فان السياسات التي تقوم بها حماس لا علاقة لها بمصالح الشعب الفلسطيني.

   بمعنى ما ، حتى هتلر تم انتخابه وتمتع بقاعدة اجتماعية كبيرة ، ولكن ذلك لا يعني انه يمثل مصالح الطبقة العاملة والشرفاء من جماهير ألمانيا. كان الامر نفسه في حالة الخميني. والجمهورية الاسلامية حديثة النشأة حصلت في البداية على 90 فى المائة من الاصوات ، وكان ذلك امرا حقيقيا ، لأن الناس كان لديها اوهام حول طبيعة هذا النظام. الا انه كان واضحا منذ اليوم الأول أن لا علاقة للنظام بمصالح الجماهير. واليوم الناس تعرف ذلك. الآن لم يعد هناك حاجة لذكر "الانتخابات" اللاحقة لخامنئي ، خاتمي ، أحمدي نجاد ، وغيرها. لذلك ، ينبغي علينا وضع الجدل حول الانتخابات جانبا ، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بدول مثل ايران وفلسطين ، فالانتخابات لا تثبت شيئا على الإطلاق في مجال السياسة الواقعية.

 السؤال هو، أساسا ، حول السياسة التي تنفذها حركة حماس والتي هي سياسة اجرامية من المنظور الإنساني ، وغير ذات صلة بالمصالح والمطالب المشروعة للجماهير الفلسطينية من منظور سياسي. ليس لحماس هدف اقامة دولة فلسطينية. ان طموحها الايديولوجي هو إبادة إسرائيل. انها لا تعترف بوجود اسرائيل. حسنا ، إذن ، بهكذا لافتة ، بامكان حركة الاسلام السياسي ، بطبيعة الحال ، الإبقاء على الخلاف إلى الأبد. لأن عدم الاعتراف بإسرائيل يعني ، في الواقع ، أنه لا يمكن أن يكون هناك أي تفاوض ، وأي دبلوماسية. لن تتفاوض أي حكومة في أي وقت مع طرف يقول لها " أنا لا اعترف بكم". حسنا ، ان ذلك يصبح هبة منحها الله لاسرائيل، لانها هي الاخرى ليست مستعدة للتفاوض والاعتراف بدولة فلسطينية. في أفضل الحالات ، أن اسرائيل مستعدة لاظهار القبضة الحديدية والاعتراف بشئ من " الحكم الذاتي" في مخيمات اللاجئين. ذلك هو اقصى ما ترغب اسرائيل القيام به. وبالتالي ، هي في حاجة الى معسكر مضاد يرفع راية الاسلام ضد "الكفار الغاصبين" قائلا ان اسرائيل يجب ان تمحى من على الخارطة ، لذلك فهي تجيب، حسنا، هنا تنتهي المفاوضات وتبدأ "معركة الرمق الاخير "!. حماس خلقت هذا الوضع ، وأنه ليس لها أي نوع من الصلة بمصالح الفلسطينيين الذين يريدون العيش في سلام ، في ان يحصلوا على بلدهم ، ويتم الاعتراف بهم ، شأنهم في ذلك شأن أي بلد آخر في المنطقة ، إرسال سفير للأمم المتحدة ، وانتخاب رؤسائهم ، وهكذا.

بظل المناخ السياسي الراهن ، وخاصة في اعقاب السخط الناجم عن عمليات القتل الجماعي التي ترتكبها إسرائيل ، فان من المرجح ان تزداد شعبية حماس. ومن الواضح أنه في ظل هذه الظروف ، فإنه كلما قتلت اسرائيل المزيد من الناس فان حماس ستستفيد ، على الرغم من ان حماس لا تقل اجراما عن اسرائيل. واذا نظرت عن قرب وتصغي للظروف التي يعيش فيها الناس وحاجتهم لحياة كريمة ، لاقامة دولة فلسطينية ، على قدر من الحياة الطبيعية  لا يعيشوا بظل اطلاق النار من الدبابات والطائرات المقاتلة والمدافع على أساس يومي ، وبعد ذلك سترى ان حماس تتحرك في الاتجاه المعاكس. الترويج للحرب هو جزء لا يتجزأ من سياسة حركة حماس بقدر ما يلقي احمدي نجاد الاسرائيليين في البحر مرة بالأسبوع. وهذا ليس خطئاً غبيا. ليس الأمر  أن النظام في إيران لا يفهم خطابه السياسي. انه يعرف جيدا ما يفعله. وبالمثل ، فإن حركة حماس ترفع راية إبادة إسرائيل لأنه بظل هذه الراية يمكنها جمع الحركة الرجعية للاسلام السياسي حولها. نحن (في الحزب الشيوعي العمالي الايراني) اعتبرنا دائما ان واحدة من الممتلكات السياسية والمصادر ، التي تتغذى عليها حركة الإسلام السياسي ، هي القضية الفلسطينية. هذه الجريمة ضد الشعب الفلسطيني كانت من الناحية التاريخية قد  ارتكبت من قبل إسرائيل ، بدعم من الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى ، وحركة رجعية اخرى قد استفادت من ذلك بنفس القدر من أجل تعزيز مصالحها الخاصة ، وبناء عليه ، لا تريد حتى ان تحل المسألة. من يريد ان يضع رأسماله السياسي للبيع ؟ انها لا تريد للمسألة ان تحل لأنها طالما كانت موجودة فان الإسلام السياسي يظل بأمل أن يكون شخصا ما في مسألة "من صاحب من ؟" في السياسة ، وقوة لا يستهان بها ، وبالتالي الحصول على موقع اجتماعي. هذه هي الأسباب التي تدفع حماس الى عدم رغبتها في رؤية حل للقضية الفلسطينية أبدا ، وكما قلت ، فإن الإسلاميين ، بصفة عامة ، قد اختطفوا هذه القضية لكي يتقدموا باجندتهم الخاصة.

 

الجزء الثالث والاخير في العدد القادم

ترجم المقابلة عن النص الانكليزي عصام شكــــري. تم نسخ المقابلة من الفارسية وطبعها هادي فاكفي. ترجم النص الفارسي الى الانكليزية جمشيد هاديان. نشر للمرة الاولى في  نشرية WPI briefing - 207 ، 31 كانون الثاني 2009.