مقابلة نحو الاشتراكية مع كل من سمير نوري وخبات مجيد عضوا الهيئة التنفيذية للحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي وناشطا الحركة المجالسية في 1991

أجرى اللقاء مدير تحرير نحو الاشتراكية الرفيق صباح ابراهيم

الجزء الثاني والاخير

 

صباح ابراهيم: ماذا كانت مطالب المجالس؟ هل كانت هذه المطالب اصلاحية ام مطالب تدعي السلطة؟

 

خبات مجيد: سؤالك ذو جانبين ، الجانب الاول هو المطالب الاصلاحية والثاني يتعلق بالمجالس والقدرة السياسية. وحركة المجالس كانت تتضمن كلا الجانبين، حيث الشعارات والمطالب اليومية لهذه الحركة كانت واضحة لانها كانت حركة اجتماعية رغم انها كانت حركة حديثة وفي بداية نشوئها، كما كانت لها تصورات سياسية مختلفة، لان هذه الحركة لم يكن لها نهج شيوعي صرف، صحيح ان كوادر وفعالي الحركة كانوا من الشيوعيين لكن كان لها عشرات بل مئات الآلاف من المؤيدين والاعضاء الذين كانت لهم ميول وآراء مختلفة، لكن المطالب والشعارات المرفوعة من قبل حركة المجالس كان هو الخط الاساسي لها. احدى هذه الشعارات التي كانت تتحدث حول السلطة السياسية كانت " لا للبرجوازية" "البرجوازية لا تستطيع ادارة المجتمع"، "جاء دورنا" و " ايتها الرأسمالية ضعي سلاحك جانبا لانك لاتستطيعين اقامة نظام جديد، العمال فقط يستطيعون ذلك". وكما هو معلوم فان مجمل الشعارات كانت تدعوا الى إزالة الرأسمالية واقامة سلطة سياسية للعمال كبديل خلال سلطة المجالس. كما كان هناك عدد من المطالب اليومية وكلها كانت قابلة للتحقيق، كحرية الاعتصام وحرية التنظيم و الحرية السياسية الغير مشروطة والمساواة بين الرجل والمراة وتفكيك الميليشيات والقوى القمعية المسلحة ووضع نهاية للسجون، هذه كانت جزء من الشعارات التي كانت المجالس تطالب بها من اجل تحسين الوضع المعيشي للجماهير.

 

سمير نوري: حول المطالب والاهداف ليس لدي ما اضيف، لكن حول الشعارات استطيع القول بانه كانت هناك شعارات مرتبطة ارتباطا وثيقا بالطبقة العاملة كشعار 35 ساعة عمل في الاسبوع والذي انتقد فيما بعد من قبل بعض رافعي هذا الشعار، لكن برأيي فان رفع هذا الشعار كان في محله حيث ليس 35 ساعة عمل بل ان 30 ساعة كانت ايضا قابلة للتحقيق وهذا جزء من برنامجنا ونراه واقعيا لاننا رى بان المجتمع يمكن ادارته بثلاثين ساعة عمل مع يومين عطلة في الاسبوع في ذلك الحين. كان البرجوازيو القوميون يدعون بان هذه المطاليب تعجيزية لانه لن تكن توجد دولة لحد ذلك الوقت. واتذكر بأنني واجهت الحزب الشيوعي العراقي حول هذا الشعار في معمل النسيج، حيث كانوا يعتقدون بان على العامل  في هذه الظروف ان يعمل اربعة عشر ساعة في اليوم لان حكومتهم كانت حديثة النشوء.

اني اعتقد بأن هذا الشعار مايزال مطروحا، كما ان احدى الشعارت الأخرى كانت " المساواة بين الرجل والمراة" وكانت هذه احدى مطالب حركة المجالس، وحول مسألة السلطة نستطيع التحدث عنها في وقت آخر، كما كان للمجالس نقدا جديا على الحركة القومية الكردية والتي كانت من احدى السمات الرئيسية لحركة المجالس، بمعنى انها وضعت خطا فاصلا مع الحركة القومية الكردية واعطت خصوصية اشتراكية لحرمة المجالس.

احدى المطالب الاخرى  كانت " المحكمة العلنية" رغم ان المجالس و لقصر عمرها لم تستطع ان تحقق هذا المطلب الا انه كان جزءا من برنامج المجالس، حيث كان يطالب بمثول المجرمين امام محكمة علنية. ايضا مكافحة البيروقراطية الادارية في المعامل وطرد المدراء البعثيين السابقين كانت احدى المطالب على سبيل المثال المدعو "عزيز خوشناو" مدير معمل السجائر في السليمانية والذي حاولت المجالس طرده من ادارة المعمل الا ان الحزب الديمقراطي الكردستاني وقف وراءه. هذه باختصار مطالب الحركة المجالسية في كردستان في آذار 1991.

 

 

صباح ابراهيم: ماهي كانت نقاط ضعف المجالس؟

 

سمير نوري: ان احدى ايجابيات حركة المجالس هي انها كانت وسيلة لاستلام السلطة، مثلها مثل  البرلمان بيد البرجوازية. لكن احدى النقاط الضعف كانت تتمثل في ان هذه المجالس لم تكن لها برنامج  واضح ككل لادارة السلطة، حيث رغم انه كانت هناك امكانية لوقوع مدينتي اربيل والسليمانية تحت سيطرة المجالس لامتلاكها القوة الكافية لمنافسة الحركة القومية الكردية ولكن المجالس لم تكن لديها اي مخطط مستقبلي لتسليم السلطة وادارتها ويعتبر هذا من النقاط الضعف الرئيسية. لان المجالس لم تقل كلمتها امام البرجوازية ولم تقف بوجهها وتقول " انا السلطة وانا الذي يجب ان ادير المدينة" .انا لا قول ان المجالس لم تكن لها  اي  مواقف من هذا القبيل، حيث اظهرت اردتها في هذا النحو في عدة اماكن ولكن الافق الاساسي والمخطط المستقبلي كان غائبا و لهذا السبب لم تستطع حركة المجالس ان تشكل قوة مسلحة ومنظمة في وقت كان بامكانها تجهيز قوة قوامها 50 الف مسلح. ومنذ ما بعد ثورة اكتوبر لم يحاول الشيوعيون تسليم السلطة لذا فانهم في كردستان ايضا لم يحاولو الاستيلاء على السلطة لاننا كنا نعتقد بانه لم تحن فرصتنا بعد وكنا نعتقد ايضا بان الجبهة الكردستانية هي الأولى بالسلطة.احدى نقاط الضعف الاخرى كانت عدم وجود قوة سياسية منظمة وموحدة، حيث كانت القوى الشيوعية واليسارية مشتتة ومتفرقة، رغم ان منظمة التيار الشيوعي كانت احدى المنظمات القوية آنذاك ولكن كانت توجد منظمات بسارية اخرى لذا لم تكن لحركة المجالس قيادة موحدة واستراتيجية واضحة. هذه كانت نقطتي ضعف الرئيسيتين لحركة المجالس مما ادى الى عدم استطاعتها الاستمرار.

 

خبات مجيد: كانت للمجالس نقاط ضعف كثيرة ولكنني هنا اشير الى ثلاثة نقاط اساسية، منها الاوضاع السياسية التي كانت سائدة حين ذاك في العالم ،ففي فترة تشكيل حركة المجالس كانت هناك ادعاءات قوية حول سقوط الشيوعية والشعارات البراقة للبرجوازية الغربية حول الديمقراطية و السوق الحرة نتيجة انهيار الاتحاد الاسوفيتي،حيث كانوا يريدون ان يقولوا بان الشيوعية ذهبت الى غير رجعة وكانوا بهذا يريدون ان يمنعوا الشيوعية ويحرمونها. من هنا يمكنني القول بان عدم تمكن حركة المجالس من الاستفادة من الدعم العالمي هي احدى النقاط الضعف الاساسية لانها لم تستطع ان تكسب دعم الطبقة العاملة في الدولة الداعية للاشتراكية وفي الدول الراسمالية الاخرى . وكذلك عانت الحركة من التعتيم الاعلامي الذي فرضته البرجوازية الغربية واجهزتها الاعلامية  مما ادى الى عدم تمكنها من ايصال صوتها الى العالم والى وسائل الاعلام. كانت عدم وجود سلطة اشتراكية حقيقة في العالم كي تساند حركة المجالس وتمنحها القوة ويرفع معنويات الجماهير بهذا الصدد نقطة ضعف ، فحسب رأي لو لم ينهار الاتحاد السوفيتي وكان موجودا (( بغض النظر عن وجهة نظرنا نحن الشيوعيين في كردستان تجاه السوفيت)) و ساندت المجالس لكان ذلك بمثابة قوة معنوية كبيرة للجماهير في كردستان.

نقط الضعف الثانية كانت عدم وجود تجربة مسبقة. حيث لم تكن لدى الناس اية خبرة في المجالس وهذه التجربة كانت مبتكرة من قبل بعض الشيوعيين واليساريين الذين كان لهم إلمام ومعرفة بهذا الموضوع و معلوماتهم كانت مستوحية من النظرية الماركسية، مع الاخذ بالحسبان انهو منذ ثورة اكتوبر لم تحدث اي تجربة مشابهة في المنطقة ،.

نقطة الضعف الثالثة والتي اشار اليها الرفيق سمير الى جوانب منها هي ان الشيوعية واليساريين او الطبقة العاملة لم تكن مستفيدة من قوة طبقاتها السياسية لاستلام سلطة مدافعة عن العمال والكادحين والموالين لهم. حيث لايمكن للمجالس القيام بها لوحدها فلا بد من وجود حزب سياسي الى جانب حركة المجالس لان الحزب السياسي هو الذي يحدد الخط السياسي ويقود الفعاليات وينظم العمال والكادحين ويقوم بصياغة برنامج السلطة لما بعد سقوط النظام ويحدد نوعية النظام المستقبلي وبعد ذلك يقول"جميع الصلاحيات والسلطة للمجالس".

 

صباح ابراهيم: تحدثتم عن نقاط ضعف واشرتم الى ابرز نقاط الضعف  تتمثل في عدم وجود تجربة مسبقة وكذلك عدم وجود جزب سياسي، والآن لدينا تجربة كردستان وايضا لدينا حزب سياسي . لذا هل ترون اية امكانية لتكرار تجربة المجالس في العراق بصورة عامة وفي الوسط والجنوب بصورة خاصة؟

 

سمير نوري: الاوضاع التي كانت سائدة انذاك كانت مناسبة اكثر لتاسيس حركة المجالس حيث كان يوجد فراغ السلطة (ولايعني هذا بان العراق لايعيش ازمة فراغ السلطة حاليا، ولكن امريكا تحاول ملىء هذا الفراغ). برايي الاجواء الحالية التي تسود في العراق غير ملائمة لنشوء حركة المجالس بالصورة المطلوبة التي نريدها لانه أبان انتفاضة عام 1991 ضهرت حركة المجالس في كردستان لملىء الفراغ  الذي خلقه سقوط النظام العراقي . ولكن رغم ذلك وبصورة عامة نستطيع القول بانه توجد حاليا فرصة لتشكيل المجالس في جميع المحلات والاحياء ويمكن ذلك حتى مع وجود حكومة انتقالية، حيث ليس بالضرورة انشاء المجالس من اجل استلام السلطة بمعنى يمكن تشكيل المجالس كبديل للنقابات ، وارى بان احد الحلول للوضع الحالي هو تشكيل تنظيمات جماهيرية وطرحنا للجماهير هو تشكيل المجالس وادارة المعامل والاحياء والمحلات بانفسهم، وحسب وجهة نظرنا فان هذه المجالس تستطيع ان تطرد امريكا من المنطقة من جهة وتضع حدا للميليشيات الاسلامية من جهة اخرى . و اللافت للنظر ان حزب كورش المدرسي يريد في الدورة الحالية ان يشكل مظمة جماهيرية لادارة العراق واساس هذه المظمة هو التحالف مع الاحزاب البرجوازية والادباء القوميين وهذا ليس له اي علاقة بالشيوعية. لاننا نرى ان المجالس هي ديدن الشيوعيين ووسيلتهم وهي اكثر عملية ويجب ان توجه الجماهير الى ذلك المسعى.

 

خبات مجيد:  بصورة مختصرة اقول بانه توجد حاليا في العراق اجواء لتكرار تجربة المجالس بطيرقة وصورة اكثر فعالية وناجحة من سابقتها لان وجود حزب سياسي سوف يساعد كثيرا على تحقيق هذا الهدف ويكون له تأثيرا مباشرا ولكن يتطلب ذلك ان نبذلا جهدا لانه الاوضاع الحالية مختلفة عن اوضاع الثورة، فالوصع الحالي كما هو معلوم هو السيناريو الاسود، بينما في زمن الثورة الاوضاع ملائمة لطرح البديل والاحزاب السياسية تستطيع ان تنظم نفسها بشكل اسهل .

فالسيناريو الاسود فكك روابط المجتمع والسلطة السياسية واصبح عامل مساهم للقوى الرجعية في المنطقة التي تحاول ان تحسم الامور لصالحا بدعم من الغرب وتريد ان تديم هذا الواقع . من جانب آخر لقد خلقوا وضعا معيشيا صعبا حيث لاوجود لاستباب الامن ، اضافة الى وجود الميليشيات والقوى الارهابية والرجعية، فهذه جملة من المسائل والمشاكل التي تعاني منها الجماهير، لذا فان اية قوة سياسية تضع حدا لهذه المشاكل فانها تستطيع ان تمسك زمام السلطة وتطرح تصوراتها السياسية وتكسب ثقة الجماهير والاحزاب اليسارية والشيوعية والعلمانية تناضل من اجل ذلك وعلى الطبقات العاملة والكادحة ان ترص صفوفها وتقف خلف هذه القوى من اجل نهاية للارهاب وهذا الوضع المأساوي الذي يعيشه العراق . انني ارى بان حركة المجالس في هذا الوقت بالذات لها ضرورة تاريخية ولديها فرصة الضهور والتاسيس مادام هنالك فرصة للاجتماعات العامة والتنظيم و الفعاليات العلنية واقامة الندوات والتعبير عن الرأي . نستطيع اليوم ان نطرح المجالس كبديل لاصلاح الوضع الحالي وتحسينه وعلينا نحن الشيوعيين واليساريين ان نبذل جهودنا في هذا المجال، فاذا اردنا بناء عراق علماني ومدني وتشكيل قوة علمانية ومدنية فان مسؤولية ذلك تقع على عاتقنا نحن الشيوعيين والقوى الاشتراكية وعلى الجميع ان يلتفوا حولهم من اجل بناء مجتمع علماني مدني. وتشكيل المجالس هي الاداة الفعالة من اجل الوصول الى هذا الهدف.