حفظ الامن والنظام وهدنة الصـــــــدر!

 

عصام شكـــري

ishukri@gmail.com

 

مرة اخرى خرج مقتدى الصدر لابساً  الكفن وتكرم على محور امريكا نوري المالكي ورايان كروكر بتمديد ”الهدنة“ التي اعلنها قبل ستة اشهر لستة اشهر اخرى. مهزلة جديدة، ليس للصدر بالطبع ولكن للمالكي وحكومته الدمية ولجورج بوش. المالكي من جهته لا يفوت مناسبة الا ويتبجح فيها بان خطته في حفظ القانون والنظام تحرز النجاحات بدليل تخفيض حجم العمليات الارهابية. ولكن لو كانت تلك الخطة ناجحة حقاً فليجيب المالكي على السؤال التالي: كيف يسمح  وهو رئيس وزراء دولة، لمعارض ان يمنح المهل الواحدة تلو الاخرى للحكومة ويهدد بشكل مبطن بانه قد يبدأ بعدها بكسر الهدنة ويديم حربه ضدها او ضد حلفاءها ؟!. ما معنى ذلك؟! اليس الاحرى، لو كانت تلك الحكومة قادرة فعلا على مسك الاوضاع و”حفظ الامن والنظام“ او قادرة عليه ان تقوم بنزع سلاح ميليشيات مقتدى الصدر وغيرها من التنظيمات الاسلامية الارهابية؟! لم يخرج "ألسيد" كل فترة ليتكرم بتمديد ايقاف نشاطات عصاباته الاسلامية واعطاء حكومة المالكي وطبعا الجيش الامريكي مهل اخرى؟!.  أي انسان في العراق يدرك بان تمديد المهلة لا تعني سوى هدنة لحرب مستمرة. انه تأجيل لتهديداته باشعال الوضع مرة اخرى في مناطق الجنوب وبغداد وتحويل المحلات السكنية والشوارع الى ساحات معركة. وذلك يعني ايضا، وببساطة، ان ميليشيات الحكومة (اي قوات بدر وميليشيات حزب الدعوة المؤتلفة والتي تسمي نفسها جيش) لا تريد نزع سلاح ميليشيات الصدر. هل الامر متعلق بكون تلك الميليشيات تنتم لنفس الطائفة الاسلامية؟  لا اعتقد. لا يبدو ان الامر متعلقا ب"رغبتهم" في نزع سلاح ميليشيات الصدر او عدم رغبتهم. بل بعدم ”قدرتهم“. انهم عاجزين عن ذلك. 

والا فان مصداقيتهم السياسية التي انهارت منذ فترة طويلة كانت بامس الحاجة الى ذلك لكي يثبتوا ولو  شكلا انهم قادرين على لعب دور اجهزة دولة مدنية ومعاصرة. كيف نجحت خطة قانون حفظ الامن والنظام اذن وجيش المهدي ”المنتظر“ يسرح ويمرح ويمنح المهل للحكومة ويهدد باستمرار المعركة؟!. السؤال الذي يسأله الناس في العراق هو: متى سينقلب مقتدى الصدر على الوضع ويبدأ باثارة الرعب والفوضى في الشوارع من جديد؟!.

 

ان تمديد المهلة هو ”هدنة“ وهو تعبير وان كان عسكريا الا ان  حركة الاسلام السياسي المقاتلة لامريكا والغرب وحلفاءه تستعمله للدلالة السياسية على انها لن تتصالح مع العدو: من مقتدى الصدر في العراق ، الى تنظيمات القاعدة واسامة بن لادن والطالبان في افغانستان، الى حركة حماس في فلسطين، الى حزب الله في لبنان، الى التنظيمات الاسلامية في الجزائر ومصر والمغرب، الى الجماعات الاسلامية في الباكستان الخ: كلها تعلن هدنة مع اسرائيل ، هدنة مع امريكا، هدنة مع اوربا ، هدنة مع الشيطان، وهكذا. هذه الهدنة تخدم هدفا سياسيا لحركة الاسلام السياسي. انها جواب سياسي على وضع  تظطر فيه تلك الحركة الارهابية الى انزال سلاحها والكمون بانتظار تغير اتجاه الريح. بعبارة ما يقول مقتدى الصدر لجورج بوش : انتبه !  لن ارمي سلاحي بل ساريحه قليلا واعطيك مهلة!.

 

حركة الاسلام السياسي لا قيمة سياسية لها دون بندقية وتفجيرات ومفخخات وسلاح وحرب مستمرة ضد المستكبر والكافر والشيطان والصليبي الخ (من هنا لبس الكفن كتعبير بربري عن التفاني حتى الموت)، تماما كما ان لا معنى لأيمن الظواهري او اسامة بن لادن او بقية التنظيمات الاسلامية دون الكلاشنكوف بجانبهم في تسجيلاتهم ”الجهادية“ التي يكرهها ويمقتها الناس.

على جماهير العراق ان تدرك ان مقتدى الصدر وكل حركة الاسلام السياسي الارهابية لن تستطيع ادامة وجودها دون سلاح وارهاب. هل هذا هو نجاح المالكي وجورج بوش في العراق؟!!. هؤلاء الموالين لامريكا والمطبلين للحرية والديمقراطية وسخافات ”العراق الجديد“ عاجزين تماما على نزع سلاح ميليشيات مسلحة حتى بوجود قرابة 180 الف عسكري امريكي يحتل العراق؟!! اي نجاح لخطة حفظ القانون والنظام هذا؟!!

 

ان احلال ظروف مجتمع طبيعي وامن لن تحلها تصريحات جوفاء لاحد الاسلاميين الذين تحركهم خيوط الادارة الامريكية، بل عن طريق تأمين شروط وجود هكذا مجتمع . تلك الشروط تبدأ بنزع فتيل القوى الاسلامية والامريكية المتقاتلة ؛ اي اخراج امريكا ونزع سلاح الصدر وبن لادن وكل الميليشيات الاسلامية والقومية في العراق. ان ذلك يتطلب تشكيل جبهة انسانية واسعة لتحقيق تلك الشروط . هذه مهمة مازالت غير منجزة وتعطلها القوى السياسية الرجعية الحاكمة في العراق وهي غير قادرة ابدا على انجازها. ان تلك المهمة تقع حتما على عاتق القوى الانسانية في كل العالم. وان تدخل تلك القوى اساسي في تغيير معادلة ما يجري في العراق. العراق يجلس على برميل بارود. بامكان أي اسلامي له عصابة مسلحة اشعال المجتمع وقلب شوارع مدنه الى ساحات معركة مع القوات الامريكية او الحكومية في اللحظة التي يختارها.

 

ان الحكومة الدمية للمالكي تكذب على الناس بالقول ان الاوضاع تتحسن وتسير نحو التطبيع في حين انها عاجزة عن نزع سلاح احدى اكثر القوى الاسلامية الارهابية والرجعية في العراق ناهيك بالطبع عن اخراج القوات الامريكية والبريطانية التي تتحالف معها ( بل انها تحاول تمديد بقاء تلك القوات ايضا). ان المهل التي يتكرم بها الصدر تعني وضع الجماهير في حالة انتظار جولة جديدة من سفك الدماء والعبث بامان الناس والفوضى وسلب راحة الناس. اما ادعاءات المالكي فمحاولة فاشلة لايجاد موضع راسخ لقدمه في الرمال المتحركة التي تسير بها سلطته.