مقابلة نحو الاشتراكية مع عصام شكري حول الاحداث الثورية الحالية في مصر ومختلف تداعياته السياسية

 

نحو الاشتراكية: لقد تطورت في الأيام القليلة الماضية الاحداث الثورية في مصر بشكل واسع ودموي. باعتقادكم لماذا تطورت الاحداث في مصر على هذا النحو الدموي؟ والى ماذا يتطلع الجماهير الثائرة في مصر بعد اسقاط نظام حسني مبارك وفي هذه المرحلة من انتفاضتهم الثورية؟

عصام شكــري:الجماهير بعد ان  عاشت تحت حكم المجلس العسكري والحكومة المؤقتة لعصام شرف فانها عرفت ما جرى وهي اليوم تعرف حجم المؤامرة التي قامت بها قوى الثورة المضادة. الجماهير ترى ان الاوضاع في ظل حكم المجلس العسكري تزداد تدهورا وان القمع والاعتقالات والارهاب الرسمي من قبل قوات الشرطة والجيش تزداد وهناك حالات قتل في التعذيب وسجن للمتظاهرين وهناك ممارسات اكثر وحشية من نظام حسني مبارك نفسه. ان الجيش وقادته والامن والمخابرات والداخلية كلهم اجزاء متكاملة من النظام القديم. الناس تتظاهر من جديد مطالبين بحكومة مدنية تظم عناصر الثورة. وقد عجلت هذه العملية من اجراء الانتخابات واليوم فان النتائج مازالت في حالة فرز ولكن المؤشرات تدل على صعود تيارات الاسلام السياسي. هذه احد نتائج استيلاء الجيش على السلطة.

نحو الاشتراكية: كيف تقيم دور قوى اليسار والعلمانية المصرية في هذه المرحلة الثورية الجديدة ؟ وهل تتوقع بان قوى اليسار والعلمانية قد بات مؤهلا" لقيادة وتنظيم الجماهير الثورية في هذه المرحلة؟ وما هي أهم مواضع الضعف والقوة لدى تلك القوى؟

عصام شكـــري: الحركة العمالية والطلابية في مصر هي الابرز وقد انطلقت الشرارة الاولى للثورة واديمت من قبلها. اليوم وبعد اسقاط النظام برزت بعض التيارات الشيوعية والاشتراكية وبدأت تأخذ مساحة اكبر من ذي قبل. ان العملية الثورية الجارية حاليا تطور القوى والاحزاب الثورية داخلها وتكسبها مراسا سياسيا بسرعة كبيرة. المسألة التي الاحظها على قوى اليسار هو وجود تيارات راديكالية ولكنها لم تبلغ بعد القدرة على التأثير على الطبقة العاملة المصرية. هذا من جهة، ومن جهة اخرى فان تلك القوى تفتقد الى بدائل سياسية واضحة، بدائل تستطيع ان تجمع كل المجتمع حولها؛ واقصد مسألة الاشتراكية، المرأة، الشباب، العلمانية وهكذا. ان الطبقة العاملة المصرية توصف بان لها حركتها الخاصة واغلبها حركة مطلبية صرف وليس لديها اي تدخل سياسي يذكر. كما تعترف بعض فصائل الاشتراكيين وتطالب بضرورة ما يسمونه "التلاحم" مع الطبقة العاملة. هذه برأيي مقتربات غير دقيقة ويجب تصحيحها. فليس المطلوب "التلاحم" مع العمال كما تحاول البرجوازية ان تفعل، بل المطلوب من حزب اشتراكي عمالي ان يقود الطبقة العاملة سياسيا ويمثلها في الصراع السياسي على السلطة ويرفع رايتها داخل المجتمع عاليا. هذا الحزب لديه الكوادر الشبابية الثورية والاشتراكية في مصر برأيي الان ولكن تنقصه الافاق التي تطرحها الشيوعية العمالية والتي كان ماركس يطرحها باوجهها السياسية والاجتماعية الواسعة. ان الحزب السياسي للطبقة العاملة لا يعني انه حزبا يهتم فقط برفع مسائل اضرابات العمال ومطالبهم ويضعهم في ساحة التحرير بل ان يكون الصوت السياسي للطبقة العاملة وبدائلها الاجتماعية. انني لا اتحدث عن التاكتيكات السياسية؛ اشتراك في الانتخابات ام مقاطعتها، ولكن ان يتحول الى حزب سياسي ويهتم بمصير السلطة السياسية من قلب نضاله العمالي فان ذلك غير واضح لحد الان؛ مازلنا نرى اعتراضا على حكم العسكر ولكن التصدي للبدائل السياسية للبرجوازية بشكلها الملموس والعيني غير موجود وان الجماهير بحاجة الى من يقودها ضد الطغم التي يهيئ لها الجيش وقوى النظام القديم والبرجوازية العالمية واقصد قوى الاسلام السياسي؛ ليس فقط على انها بدائل "رأسمالية" من الناحية الاقتصادية بل بدائلها الاجتماعية الرجعية المعادية للمرأة وللمساواة ولحرية التعبير والنقد والشباب وكل ما هو متمدن. ان التصدي والوقوف ضد قوى الاسلام السياسي كان واجبا ملحا من البداية وقد نبه حزبنا عليه من الايام الاولى لانداع الثورة المصرية. وانا مدرك الى ان الثورة تتطلب مواجهة النظام واسقاطه في البداية (رغم ان حزبنا قد نبه وحذر الى ضرورة التصدي الى الاسلام السياسي وفضحه وكشفه) ولكن حينما ينجلي الغبار عن الميدان وتبرز القوى الجديدة البديلة للنظام والامتداد له فان على الاشتراكيين العماليين ان يواجهوا هذه القوى تحديدا ويبدأوا برص صفوفهم من خلال النضال ضدها وليس التعبئة الفكرية والايديولوجية حول الطبقة العاملة. مسألة اخرى اود الاشارة اليها سريعا وهي ان يخرج الاشتراكيون في مصر من اعتبار الطبقة العاملة "مظلومة" و"ضحية". يجب ان تبرز رايتك كقوة جبارة في المجتمع؛ كقوة قائدة، تعلن عن نفسها كقائد للجماهير وليست ضحايا للعسكر والمشير والحثالة الذين لملموهم من هنا وهناك لتمثيل البرجوازية. ان الطبقة العاملة يجب ان تبرز كقائد للمجتمع وحزبها السياسي يجب ان يتصرف كقائد للمجتمع. هذه العقلية اليسارية المفروضة على الطبقة العاملة يجب ان تنتهي. ان العامل لا يأتي من من يعتبره ضحية. يريد ان يرى قوته.

نحو الاشتراكية: لقد اعلنت حركة الاخوان المسلمين عدم المشاركة في الانتفاضة الثورية الحالية. فما هي أهم الأسباب والخلفيات السياسية التي دعت هذه الحركة لاتخاذ مثل هذا الموقف؟ وهل ان عدم مشاركتهم في الانتفاضة الحالية امر سلبي أم ايجابي بالنسبة للانتفاضة والجماهير الثائرة في مصر؟ ولماذا؟

عصام شكــري: الاسلام السياسي لم يكن له ضلع في اي من الثورات التي اشتعلت في مصر او تونس او ليبيا ولكنهم اليوم يجلبون كبديل الطبقة البرجوازية التي تجد نفسها في مأزق حيث انها تفضل التعامل مع قوى رأسمالية قادرة على لجم الحركات الثورية في المنطقة الواحدة تلو الاخرى. البديل الاسلامي "المعتدل" هو طرح اوباما والحزب الديمقراطي منذ مجيئهم للسلطة. ولكن الامور الان تميل نحو التحقق حيث يصعد الاسلام السياسي للسلطة نتيجة لقوة تنظيماته ومساندة الغرب وامريكا له وايضا عناصر من النظام القديم التي مصالحها المالية والتجارية الرأسمالية متشابكة مع الاخوان المسلمين الذي يسيطرون فعليا على العديد من المفاصل الاقتصادية في مصر. الاخوان المسلمون والسلفيون الارهابيون لم يكونوا جزء من الثورة بل هم احد الد اعداء الثورة. وهم مكروهون في الشارع المصري ولكن تحكم العسكر بالسلطة والترويج لحنكتهم و"حكمتهم" ومحاولة الاسلاميين ان يلعبوا بهدوء لمعرفتهم ان ادوارهم اليوم تحتم عليهم ان يكونوا "سياسيين" فان مجيئهم للسلطة هو مسألة مخطط لها جيدا. حتى في واشنطن. ولكن، وعلى عكس التوقعات بان مصير الثورة ستحدده قوى الاسلام السياسي ومن خلفه الجيش والغرب فاني ارى ان العكس سيحدث. ان فشلهم في الحكم مؤكد وانه سيكون المسمار الاخير في نعش هذه الحركة البربرية بكل شقوقها. ان مجئ الاسلاميين وكره الجماهير للدولة وللسلطة ومقتها للجيش والشرطة والداخلية في الوقت الراهن سيعني التصعيد الثوري المستمر ويزيد من مقاومة الجماهير للسلطة الحاكمة ويهيئ لمرحلة مقبلة مختلفة.

نحو الاشتراكية: كما هو معروف كان دور مؤسسة الجيش المصري في المرحلة الاولى من الثورة المصرية حياديا". فلماذا في هذه المرحلة من الثورة سلكت تلك المؤسسة القمعية سبيل القمع واستخدمت القوة المفرطة لضرب الثورة؟ وهل تتوقع بان هذه المؤسسة الرجعية والقمعية ستتمكن بمثل هذه الممارسات القمعية من الاحتفاظ بالسلطة السياسية؟ وكيف تقيم دور بقية القوى السياسية البرجوازية الرجعية من هذه الممارسات القمعية ومن الاحداث الثورية الحالية؟

عصام شكــري: اختلف معكم في ان دور الجيش حياديا. هذه ابواق امريكا والاعلام العالمي يصور الامر على هذه الشاكلة. ان الجيش كان من البداية سلبيا ازاء الثوار والثورة ولم يحميها. كيف ترى الدولة تهجم على الجماهير ببلطجية وزارة الداخلية وتنهال عليهم بالسكاكين والعصي وتقف تتفرج، وبعد ذلك تسمى موقفك حياديا ؟!. انه موالي للسلطة بشكل حقير ولكن مهمة القمع كانت موكلة بالداخلية لاسباب خاصة تتعلق بتغلغل الجيش المصري في المجتمع.

لقد اوكل للجيش مهمة ابقاء الطبقة الحاكمة والدفاع عن المؤسسات البرجوازية والطغمة الحاكمة كما هي. هذه المهمة هي التي يجب على الجيش تنفيذها. ان انتقاله الى تشكيل المجلس العكسري الاعلى قد وضعه مباشرة على طرف نقيض مع الثورة وبالتالي اصبح استخدامه للعنف والقتل والقمع سافرا وغير مستتر، ولم يعد حتى بالامكان الادعاء بانه حياديا لانه الطرف المواجه الوحيد للجماهير. ما اعرفه من الوضع في مصر يتبين ان التيارات الاسلاميية تتفاوض مع الحكم العسكري وربما ستشكل حكومة مدنية بعد اجراء الانتخابات. دور الجيش محدود ولكن التظاهرات العارمة في ساحة التحرير قد اسرعت بخروجه من الميدان وربما يخرج من الساحة السياسية ويبقى وراء الكواليس. ان الدرس الذي تعلمته الثورة الان (وقد نبهنا الى اهمية التعرف الى ذلك مسبقا) هو ما يعني ابقاء الجيش كما هو وابقاء المؤسسة العسكرية كما هي وعدم تحطيم الثورة لها تسليح الجماهير بدلا عنها. هذا درس يجب ان اكرره هنا. ان الجيش كان الحلقة التي لم تنجح الثورة في تفكيكها وتحطيمها واحلال مجالس الجماهير المسلحة محله.

نحو الاشتراكية: هل تتوقع تواطئ امريكا وبقية الانظمة الغربية مع المجلس العسكرية المصري بغية استخدام القوة لاجهاض الثورة؟ وما هو موقف قوى اليسار ودعات الحرية والمساواة في الدول الغربية من الاحداث الثورية الجارية في مصر؟ ولماذا التضامن الاممي مع الثورات الجارية في المنطقة ليس بالمستوى المطلوب؟ وكيف يمكن تفعيل دورهم بهذا الخصوص؟

عصام شكــري: لقد سمعت انه اثناء قمع الثورة التي بدأت في كانون الثاني الماضي فان قيادات الجيش المصري قد تم استدعاءها الى واشنطن على عجل. ولكن دون ذلك فان الواضح هو ان الجيش كان درع البرجوازية في مصر وان يظمن الا تخرج الامور عن سيطرة الطبقة المالكة وابقاء العمال والكادحين والثوريين والنساء الثائرات بحدود تغيير رأس النظام. الجيش هو القوة القمعية للبرجوازية. هذه مقولة الماركسية ولكن ان تراها بتفاصيلها على الارض، تدرك حجم الاجرام الذي يمكن للبرجوازية ان تقوم به حين تتهدد كامل سلطتها. لقد بدأت مطالب الناس بحقوقهم البسيطة والاولية كالضمانات الاجتماعية والصحية وحقوق المعتدى عليهم في التظاهرات واعالة اسر الشهداء من الثوار وغيرها كثير ولكن الحكومة المؤقتة التي شكلت تحت ذراع الجبش اثبتت انها اكثر معاداة للناس من حكومة حسني مبارك التي اسقطتها الثورة. هذا درس اخر تعلمته الثورة. ان الحكومة الثورية يجب ان تتشكل فورا من قوى الثورة ولا تترك الامور بيد الجيش ليهيئ لمجئ حكومة بديلة. ولكن مرة اخرى، الجيش المصري لعب هنا دورا محوريا في كسب السلطة والحفاظ عليها لغاية تهيئة العناصر الرجعية الاكثر مناسبة له ولسلطة رأس المال في مصر. الجيش برأيي كان عنصر حاسم. وللاسف انخرط الجميع في كيل المدائح للجيش وكونه حامي الوطن وجزء من الشعب وهكذا يرى الناس كيف ان الجيش هو عدو الشعب الاول وليس حتى عدوا لاسرائيل.  

نحو الاشتراكية: انتم في الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي كيف ترون مستقبل الانتفاضة الحالية في مصر خصوصا" وفي المنطقة عموما"؟ وبماذا تنصحون القوى الثورية والجماهير الثائرة في مصر وعموم المنطقة؟ وما هي أهم مواقفكم السياسية العملية من هذه الثورات؟ 

عصام شكــري: لقد كتبت رسالة لرفاقنا " الاشتراكيون الثوريون " وضحت فيها بصفتي سكرتير اللجنة المركزية مقترحاتي بشأن احداث الثورة المصرية وبين ملاحظات عمومية. وقد عبرت عن ملاحظاتي: 1) يجب تشكيل حزب اشتراكي عمالي لشن نضال سياسي واسع النطاق، اقصد بواسع النطاق على صعيد سياسي شامل وواسع وليس في زاوية من المجتمع؛ و 2) التصدي والوقوف بحزم لقوى الاسلام السياسي وكشف بدائلها باعتبارها بدائل معادية للجماهير ليس على الصعد الاقتصادية فحسب بل على صعيد الحريات والمساواة والتمدن ومحاربة المرأة وقمع الشباب والبطش بحرية التعبير وغيرها و3) طرح البديل السياسي الاني لهم بتشكيل حكومة ثورية ذات شروط محددة تظم القوى التي شاركت بالثورة وليس القوى التي ينصبها الجيش في انتخابات تجري تحت ظلاله و 4) ابراز راياتهم وسيمائهم الاجتماعية وطرح انفسهم كبديل اشتراكي للمجتمع (كامل المجتمع) بمعنى ابراز القوة الاشتراكية المنظمة سياسيا وحزبيا لكي يلتف حولها الجماهير. برأيي الموضوع ليس متأخرا. انه امر ملح وان الاحداث القادمة تحمل في طياتها الكثير من الصراعات وان ولوج قوى الشيوعية العمالية سيرفع من منصة الصراع ويزيد الاستقطاب الطبقي في مصر لصالح العمال والاشتراكيين. ان دخول الاشتراكيين العماليين الى الميدان، ميدان الصراع الاجتماعي من اوسع ابوابه وقيادة الحركة الثورية ، والتي لم تنطفا لهذه اللحظة هو مسألة حياتية للثورة المصرية ولشعب مصر. ليس ب"الالتحام" بالطبقة العاملة، بل بابراز حزبها السياسي، بابراز السياسات العمالية والاشتراكية ووضعها على الاجندات وفرضها على السلطة والترويج الواسع النطاق لها داخل المجتمع. يجب ان يتحولوا الى لاعبين سياسيين في المجتمع وان يمتلكوا عقلية السلطة لا عقلية المعارضة. اعتقد ان في مصر كوكبة من الشباب الاشتراكي الواعي والمقتدر ولكنه بحاجة الى الراديكالية السياسية التي تجعل منه ممثلا لاكثر الجماهير تقدما وتحررية في مصر. ان الاسلام السياسي وقيمه غير متماشية اطلاقا مع ثورية وراديكالية جماهير مصر وتمدنهم والطبقة العاملة وامالها الانسانية العريضة. هذا الحزب سيكون املا بعالم جديد فتحت افاقه مشرعة الثورة المصرية.