مشروع أمريكا في العراق

من مجتمع المواطنة الى مجتمع المذاهب والاثنيات المتصارعة

 

عصام شكــري

ishukri@gmail.com

 

ان ما يجري اليوم في العراق من هجوم على الانسانية في العراق وتقسيم الناس على اسس مذهبية وقومية وطائفية واثنية وزج المجتمع في مشروع اجرامي لتفتيت نسيجه الاجتماعي من خلال وشم الجباه بالاختام الطائفية وابعاد الجماهير عن التمدن الاجتماعي وقيم المواطنة والانسانية والمساواة والحرية هو افراز قيحي من افرازات ألنظام العالمي الجديد لامريكا بعد انتهاء الحرب الباردة. انه ظاهرة عالمية وليست محلية عراقية.

نشهد كل يوم فقدان المجتمع العراقي لقدرته في المحافظة على هويته المدنية نتيجة للاطار السياسي الذي وضعته البرجوازية الرجعية الطائفية - القومية المدعومة من امريكا والمعادية لها. ان الدولة الطائفية القومية اليوم منغمسة في مشروعها التقسيمي ضد الجماهير وهي بحكم وضعها كجهاز قمعي لحماية مصالح البرجوازية ( المحلية منها والعالمية) تبغي ممارسة دورها الرجعي هذا ضمن الاطار الذي وضعته امريكا وهي تتنافس فيما بينها في عملية تفتيت النسيج الاجتماعي وتحطيم اسس مجتمع المواطنة. وبدلا من ذلك فان البرجوازية تسحب المجتمع سحبا وبشكل يومي تجاه تحوله القسري الى ساحة خربة لتجمع كيانات من العشائر والقبائل والطوائف والاديان والمذاهب والملل.

ان سياسة النظام العالمي الجديد والتي تشكل الخلفية الفكرية والسياسية لخط مسار البرجوازية في العراق اليوم بشكليها الموالي والمعادي لامريكا ليست سياسة مصممة للعراق حصراً، وهي ليست سياسة عرضية او اعتباطية شاءت الولايات المتحدة ان "توجدها" نتيجة ما يسمى زيفا وكذبا "الموزاييك العراقي" او " الواقع العراقي التعددي". وهي اضافة الى ذلك ليست حالة هابطة من علياء السماء لا تمثل مصلحة لطبقة بعينها في المجتمع العراقي.

ان هذه السياسة التفتيتية والتشرذمية الطائفية - القومية المعدة كنسخة مشوهة  لديمقراطية ما يسمى "العالم الثالث" هي سمة النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الامريكية بعد سقوط القطب الشرقي وهي "مكرمة" من مكارم أمريكا لمجتمعات تلك الدول. ان زج الدول في الحروب الاثنية والقبائلية والمذهبية والصراعات العرقية من قبل اليمين البرجوازي العالمي كما حصل في البوسنة والهرسك ويوغوسلافيا والصومال ورواندا وكشمير وافغانستان والعراق وغيرها كلها تشير الى معالم السياسية الامريكية في تفتيت المجتمعات   "العالم ثالثية" وتحويلها من مجتمعات مواطنة تتمتع بشئ ما صغير ومحدود من الحقوق ولو الشكلية الى مجتمعات مذاهب وملل وطوائف تشحذ اسلحتها لنحر الاخر – تلك هي السمة السافرة الرجعية للنظام العالمي الامريكي الجديد في عالم القطب الواحد.

ان هذا النظام العالمي الجديد كسياسة رسمية خارجية للدولة الامريكية هو شرط من شروط ادامة سطوة الرأسمالية العالمية المعاصرة. فتفتيت المجتمعات التي تتدخل امريكا فيها بحجة محاربة ارهاب الاسلام السياسي او نشر الديمقراطية القبلية - المذهبية وانهاء دور المواطنة والمدنية وقيم الانسانية والمساواة والحريات الاساسية والرفاه واحكام قبضة الجوع والعوز على الملايين من العمال كلها تعد شروط ضرورية لادامة سطوة تلك البرجوازية وترسخ مكانتها من خلال مراكمة الارباح وسياسات النهب.

ان النظام العالمي الجديد يتجسد اليوم في العراق باكثر الصور وضوحا. فالجمعية الوطنية والتي اعتمدت المحاصصات الطائفية والمذهبية واسست لدولة "الديمقراطية" المذهبية – القومية العشائرية وتأسيس حكومة لا يمتلك وزرائها الا مؤهلات طائفية سخيفة ورجعية هي جزء بسيط من اجزاء الماكنة التفتيتية للمجتمع والتي تحاول البرجوازية دفعها في العراق قدماً.

ان نظام التعددية او "النسبية الثقافية" في الغرب هي في حقيقة الامر تجسيد محلي غربي للنظام العالمي التفتيتي الجديد في الغرب عموما. فالبرجوازية اليمينية في الغرب وهجوم التيارات الريغانية والثاتشرية والمحافظة الجديدة (نيو- ليبرالزم)على مكتسبات الجماهير وتمتعهم بمكتسبات مواطنتهم ومساواة المرأة بالرجل وحقوق الاطفال والشباب والطلبة ناهيك عن انتزاع حقوق العمال والكادحين في الغرب اصبحت كلها جزءا من سياسة اليمين الامريكي المدجج باستراتيجية النظام العالمي الجديد ولا يمكن تمييزها تماماً عن سياسة الضربات الوقائية shock & Awe وتفتيت المجتمعات "العالم ثالثية" وذات "الثقافات الخاصة". ورغم الحروب الارهابية بين قطبي ارهاب الدولة الامريكية من جهة وارهاب الاسلام السياسي عالميا من جهة اخرى ورغم التجويع وافقار الملايين وسلب حقوقهم وبرغم الخصخصة واثارة النعرات الطائفية والقومية وبرغم محاولة تصوير البشر وكأن طموحاتهم متنافرة ومتعارضة وليست انسانية مشتركة تمتلك خصائص مشتركة في الحرية والمساواة والرفاه والاماني الانسانية في كل انحاء العالم فأن قوى العمال واليسار والتمدن والاشتراكية حاضرة وهي قادرة حتما على تحدي هذا النظام الوحشي الدنئ للرأسمالية.

اننا في الحزب الشيوعي العمالي اليساري نلفت انظار الجماهير في العراق الى مخططات البرجوازية العالمية والعراقية الموالية والمعارضة لامريكا في حفر خنادق الطائفية والمذهبية والقومية والعشائرية وتحطيم اركان المجتمع المدني ونبذ العلمانية وخلق النعرات الطائفية وسلب انسانية الانسان. ندعو كل الجماهير الى الالتفاف حول قيم العلمانية والتمدن الاجتماعي وعدم الانسياق وراء المذهبية والقومية. ندعو الجماهير الى تقوية صفوفهم والالتفاف حول حزبهم الشيوعي العمالي اليساري لان هذا التيار بامكانه ارجاع هوية الانسان الانسانية المستلبة من خلال تحقيقه للدولة الاشتراكية وبناء مجتمع الانسانية؛ مجتمع الحرية والمساواة والرفاه لكل المواطنين.