حدودهم تنتهي هنا

 حول برنامج الرفاق الاصلاحيين

 

عصام شكــري

ishukri@gmail.com

 

عندما سعت الولايات المتحدة الى تشكيل الحكومة المؤقتة في بغداد قلنا بان القوى الاسلامية-الطائفية والعشائرية-القومية الموالية لامريكا لن تستطيع القيام بمهمة تشكيل الدولة. لان تلك الهيئة عاجزة، بحكم خصيصتها البنيوية (اي كونها قوى دينية طائفية معادية للتمدن والمواطنة المتساوية)، على لعب دور ادامة حكم البرجوازية واعادة انتاج الرأسمالية في العراق. وعلى اساس فقدان تلك التشكيلة البرجوازية المتخلفة للامكانية الموضوعية تلك، فان تحديد الصفات الاخرى للسلطة المنصبة من قبل امريكا يصبح مستند على اساس واضح. بنفس القدر فانه لا انتخابات تلك المجاميع الدينية-القومية التي جرت في نهاية العام 2004  ولا دستورها الذي يشكل احد محاور الصراع اليوم بين اطراف وتيارات البرجوازية بضراوة تمتلك بنظر الشيوعية العمالية، الشرعية والمصداقية.  ان كون تلك القوى هي تكوينات من عصابات وشراذم دينية وطائفية وعشائرية يجعلها عاجزة عن اتمام مهمة اجراء انتخابات او كتابة دستور. انها قوى غير متمدنة.

 

طرح تيار اليمين في حركة الشيوعية العمالية نقده للدستور مؤخرا واصفا اياه بالفاشي وبانه مؤامرة. وفي نفس الوقت طرح ذلك التيار بديله للجماهير لتخليصها من تلك"المؤامرة" وهو الانتماء الى منظمة حرية العراق لانهاء الاحتلال و" تقصير" يد الاسلاميين والقوميين وتأسيس الدولة العلمانية-اللا قومية. ولكن بديلهم لانهاء الاوضاع الحالية لم يأت (مرة اخرى) على ذكر اي من القوى التي سيكون بامكانها تحقيق الدولة العلمانية (الاطاحة بالمجاميع الاسلامية - القومية الحالية ) وطرد " الاحتلال" و تقصير ايادي الاسلاميين؟. وفق اي برنامج سياسي ستنظم عملية تعبئة قوى الناس في الشارع؟. هم يتحدثون عن جماهير مثقلة بالارهاب والجوع وقلة الحقوق والبطالة والتمييز واللامساواة. ولكن هل ستستطيع منظمة جماهيرية بلا برنامج سياسي ان تقوم بتعبئة الجماهير في وضع كهذا لطرد امريكا وتقصير ايادي الاسلاميين وانشاء الدولة العلمانية؟. الحل الذي يطرحه تيارهم في الحقيقة ليس مثاليا، كما يبدو، بل هو طرح تساومي.  ان عدم وجود برنامج اشتراكي لهذه المنظمة معناه ان برنامج القوى الاخرى المؤتلفة في المنظمة الشعبوية هو الذي سيطبق - اي برنامج البرجوازية.

 

ذلك بالطبع يحيلنا الى نظرياتهم كما وردت في "البحوث" السابقة للجناح اليميني المنشق عن الحزب الشيوعي العمالي الايراني ونظيره العراقي القائلة بان تحرك الجماهير الثوري ( في ايران) غير وارد الان، وان على الناس القيام بالعصيانات المدنية المهذبة بدلا من الثورة. هذه ليست مقاربات قديمة لبحوثهم فانها حدثت مؤخرا ايضا. اشير هنا الى تحليلات ذلك الفصيل بشأن الوضع الاخير في كردستان ايران ووصفهم لتحرك الجماهير العارم ضد النظام الاسلامي بانه تحركا "قوميا" سرعان ما غيروه الى: "جماهيري – ثوري" بعد ان طمحوا الى خمود التظاهرات ولكنها تأججت. ان فهم تلك الخصيصة التي يحملها تيارهم بشكل عضوي– اي محاولة اطفاء اي شعلة توهج لدى الجماهير واحالتها الى قنوط مرير من اجل تبرير المنهج التساومي مع البرجوازية، هو بلاشك امر ضروري لكل العمال والاشتراكيين.

 

منذ فترة قمنا بنقد الرسالة المفتوحة لسكرتير اللجنة المركزية للتيار اليميني – الحزب الشيوعي العمالي العراقي، في اوائل اوكتوبر من عام 2004 . في تلك الرسالة عبر عن شروط الاعتراف بالانتخابات التي كان يجهز للقيام بها وهي ان تكون حرة ونزيهة وان يتم حماية الجماهير والاحزاب من الارهاب والقتل اثناء الانتخابات!. ولكن فيما بعد تم اطلاق صفة المهزلة على الانتخابات ودعي الى مقاطعتها. والحقيقة ان الموضوع كان تراجيديا اكثر منه مهزلة. ان تلك الرسالة تعبر وباوضح ما يمكن عما نود قوله بشأن نقدهم للظواهر الرأسمالية. فالهدف الحقيقي لوضع شروطهم لاجراء الانتخابات لم يكن " التدخل لمصلحة الجماهير" او " احضار الجماهير الى الميدان" كما حاولوا التبرير، بل من اجل جس لزوجة الارض تحت ارجلهم املا في الاشتراك في " المهزلة". ان الاشتراكي الحقيقي يعمل ويناضل من اجل استحضار قوة طبقته وتحويل الطاقة الكامنة للجماهير الى قوة مادية يستطيع ان يواجه بها قوة البرجوازية سواء كانت قمعية ام مالية  ام تفاوضية.

 

ان اقتراح بديل منظمة حرية العراق كحل للخلاص من الوضع الحالي يأتي منسجما مع الحل للانتخابات. انه مجرد غلاف براق. وفي نفس الاثناء يتعالى الادعاء بان الوقت غير ملائم للنضال من اجل الاشتراكية لان الجماهير تعيش مع "المؤامرات" والاحتلال. ويبدو ان الخطر الذي يواجه هذا التيار الاصلاحي هو ذات الخطر الذي تواجهه القوى البرجوازية الاخرى الاسلامية والقومية ونفس الخطر الذي تواجهه امريكا في العراق؛ اي خطر النهوض الجدي للحركة الاشتراكية والعمالية في العراق وطرح بديلها الاشتراكي فوراً دون لف او دوران. ان النضال الوحيد الممكن من اجل احلال الدولة العلمانية هو في النضال من اجل الدولة الاشتراكية. ليس ذلك في اجندتهم بالطبع. فحدودهم تنتهي هنا.