الانتخابات في العراق

 هل من يطالب بالعلمانية؟!

عصام شكري

secular2004@yahoo.com

 

ان الجواب على هذا السؤال لا يستدعي بالضرورة الحديث السياسي عن الانتخابات الجاري الاعداد لها في العراق بالمعنى الضيق للكلمة. لسنا بصدد تحليل شرعية الانتخابات او حقانيتها في تمثيل الجماهير وارادتها السياسية المستقلة.  وهي وان مثلت مطلبا جماهيرياً متمدناً ومحبباً على قلوب الناس بعد سنوات عجاف من تغييب الرأي تحت حكم الفاشية القومية الا انه وبظروف العراق الحالية فانها لا تمثل الا مطالب اطراف اخرى لا علاقة لها بالجماهير واحقاق حقوقها.

 كما ان الجواب على مدى تمثيل العلمانية من قبل أطياف البرجوازية العراقية المشتركة في العملية المسماة انتخابات حتى وان كانت تسمي نفسها "يسار" وممثلة للشعب وقواه، لا يهدف الى "أدلجة" العلمانية كما قد يظن. فالعلمانية كما هي شكل لتنظيم المجتمع يكون فيه الدين مستقلا عن الدولة ومؤسساتها من جهة وعن انظمة التربية والتعليم من جهة اخرى وبحكم تعريفها هذا تصبح ميلا اجتماعيا لطبقة بعينها. العلمانية ليست مطلبا "للشعب" كما يدعي بعضهم. انها مطلب الطبقة العاملة في هذا المجتمع لانها اليوم (وأؤكد على كلمة اليوم) تمثل مصالح و
آمال هذه الطبقة بالذات وليس اية طبقة اخرى. غني عن القول ان الطبقة العاملة اليوم تعني الاغلبية الساحقة من المواطنين في العراق.

وفي العراق، فان ترسيخ العلمانية تعد ضرورة ليس فقط من اجل تأسيس مجتمع مدني فحسب، بل  تعني ذروة مطلب ترسيم مجتمع المواطنة المتساوية تمهيدا لتحقيق مجتمع المساواة الكاملة. هذا المطلب يرسي دعائم مجتمع اكثر تطورا ويزيل من امام الملايين من مواطنيه العوائق التي تضعها القوى المسيطرة عليهم لزيادة تغريبهم الاجتماعي واحساسهم بالدونية تسهيلا لاستغلالهم.

وبهذا المعنى تستحوذ العلمانية على أوسع المعاني تحررية يكاد ان يكون ثورياً.

أما عدو العلمانية  -الدين-  فيخلق الاحساس بالدونية لدى المواطنين لانه يقسمهم على اسس وهمية مزيفة. انه يحفر بينهم الخنادق والفواصل ويجسد بشوفينيته المقيتة تجاه المرأة العداء السافر تجاه كل قيم المساواة والحرية بشقيها الفردي والاجتماعي ويقضي على العقلانية.

من هذا المنطلق تعد العلمانية اليوم مطلبا عاما لا بالمعنى الشعبوي الديماغوجي بل بالمعنى الطبقي كما قلنا. انه مطلب الطبقة العاملة والمحرومين والنساء والشباب وليس البرجوازية بعد ان وضعت الاخيرة نفسها في خندق واحد مع قوى الدين والرجعية الاجتماعية ليس في العراق فحسب بل وفي كل العالم.

ولو تناسينا المعادلة السياسية المعتمة القائمة اليوم في العراق وشئنا ان نحاكم الانتخابات من وجهة نظر العلمانية ( اي بمجرد فصل الدين عن الدولة وليس عن الامكانية الواقعية الفعلية لذلك)  فهل بامكان هذه الانتخابات تحديدا ان تسير بالمجتمع نحو العلمانية ( ناهيك عن تحقيق مفهوم المواطنة المجردة!!) ام ستؤدي الى المزيد من طغيان المؤسسات الدينية وتدخل الاسلام السياسي في شؤون المجتمع واستهتاره بحياة الناس ؟.

نظرة سريعة تؤدي بنا الى القول كلا. ليس من مطلب للعلمانية بين القوى البرجوازية حتى بين تلك التي تضع نفسها الى اليسار-  وتحديدا ما يسمى بقائمة الشيوعيين واليساريين والديمقراطيين "اتحاد الشعب". لم يرد في برنامج هذا التحالف ما يشير الى رائحة العلمانية. بل الحقيقة ان برنامجهم "الوطني" ينادي اجتماعيا بأكثر المطالب تخلفا وهبوطاً حتى ضمن الاطر الضيقة للمطالب العامة. فبدلا من الدعوة الى فصل الدين عن حياة المجتمع العراقي الذي اكتوى بنار الخرافة وقمع لاجيال بالخزعبلات الدينية واليوم بالممارسات والتطبيقات الاسلامية المتوحشة وأكتوت النساء فيه خصوصا بسياطه وحملاته التحقيرية والدونية والتدخل الفض للمعممين بشؤون المجتمع وخصوصا شؤون الاطفال والفتيات والنساء والشباب فان هذا التحالف البرجوازي "اليساري" راح يطلب احترام حرية الاديان ولم ينبس بكلمة عن العلمانية؟!!!

هذا التحالف االيساري المزيف ورغم كل هذا الدم الذي يسيل انهارا في العراق من جراء تسلط الدين ومشايخه الهمج مازال بحاجة بنظرهم الى المزيد من الاحترام والتبجيل.

ذلك يثبت ماقلناه في ان البرجوازية المعاصرة اليوم في العراق باتت رجعية وليست تقدمية كما كانت في اربعينات وخمسينات وستينات القرن الماضي ولو اوكلت المهمة الى من يعرف نفسه بين صفوفها على انه قوة "تحررية".

والسؤال هنا هو لم يقول برنامج "اتحاد الشعب" بان الدين غير محترم حقا في العراق ويؤكد على وجوب احترام الاديان؟ ولم لم يطلب احترام نقد الاديان مثلاً؟ او احترام حق التعبير عن الرأي ولمَ تقديس الدين الى هذه الدرجة بينما الانسان غير مقدس بعرفهم؟ هل ينافقون الاسلاميين؟ ولماذا؟.

ذلك يدل على معنى اساسي وهو ان هنالك خوف جدي من العلمانية التحررية وميل الجماهير نحوها بتسارع يزعزع معه من سلطة هؤلاء.

أي منصف ولو بالحدود الدنيا يعرف بأن في عراق اليوم مجتمع اجبر على تنفس  الخرافة كما يستنشق الاحياء رائحة عفن الموتى. ان قوى الاسلام السياسي "غير المحترمة في العراق حسب رفاقنا اليساريين في اتحاد الشعب" والتي مازالت بحاجة الى طلبات احترامها في برامجهم الانتخابية تقوم بفرض الزيجات الاجبارية على الفتيات باعمار 7 سنوات و 9 سنوات الى المجاهدين والشيوخ والائمة والعلماء الابرار وبحماسة.  النساء يعانين اشد المعاناة من تسلط الرجولية المدعومة من الدين (غير المحترم بعد في العراق؟؟!!) والاهانات تحف بهن في الشوارع والبيوت والدوائر والمعامل وحتى في مطابخهن التي اجبرن على الانكفاء فيها هربا من جحيم الدين وتمييزه.

 الناس في احلامهم وحياتهم الخاصة وخلواتهم علمانيون ومتمدنون. وهم يفصحون كل عن تمدنهم وعلمانيتهم كل ما سنحت الفرصة لهم بذلك. الا ان القوى المسيطرة على مقاليد الامور اليوم باتت تروج للدين واحترامه كوسيلة لتحميق الناس واضفاء الابدية والالهية على واقعهم المريض غير العادل. الجامعات مثلا صارت مرتعا للخرافة والجهل وصارت جلسات مناقشة رسائل الماجستير تفتتح بأيات من "الذكر الحكيم" وحفنة من الاقوال الدينية الخرافية ومن قبل نفس الدكاترة والتدريسيين!!.

ياللعار ان يتم هذا في مجتمع سبق الجميع في تبنيه لاسس المدنية والعلمانية والراديكالية.

*******************

اخيراً كلمة لادعياء اليسارية ان كفوا عن النفاق والمزايدة على العلمانية والماركسية والتمدن واتركوا هذا الرداء والبسوا عمائمكم الاصلية. فلن تستطيعوا ابقاء سيوف الدين مشرعة على رقاب المجتمع العراقي طويلاً.