خطاب اوباما في القاهرة

هنتنغتون – بوش، هيئة جديدة !

عصام شكــري

 

نقلت وكالات الانباء خطاب باراك اوباما في جامعة القاهرة يوم 4 حزيران والذي وجهه الى مايسمى "العالم الاسلامي". وقد ارتأيت ان اعلق على الخطاب لاحاول استقراء الافكار الواردة فيه والتي غطيت بمساحيق التظليل التي يستخدمها القوميون العرب والاسلاميون وادعياء اليســار حول ”الامل“ الذي يطرحه اوباما والسياسة الامريكية الجديدة وغيرها. ان جوهر ومغزى خطاب اوباما يمكن تلخيصه قبيل الدخول في نقد افكاره الواردة في الخطاب فقرة فقرة بالتالي:

 

يشيد اوباما خطابه في جزئه الايديولوجي على نفس مباني صاموئيل هانتنعتون الفكرية والفلسفية والمسماة ”صراع الحضارات“ ولكنه بدلا من القول بحتمية الصدام بين ”الحضارات“ فانه يروج اليوم ل ”التقاء الحضارات“. ان السؤال لا يتعلق بالتقاء او صدام الحضارات بل بمدى مصداقية مقولة ان البشرية مقسمة الى حضارات وان الاسلام يمثل احداها.!

 

اوباما في الواقع يديم استخدام افكار هنتنغتون التي استفاد منها كثيرا قادة النظام العالمي الجديد ويعيد انتاجها بشكل او هيئة مختلفة. ان خطابه هو عبارة عن رسالة موجهة من امريكا الى، لا دولة بعينها، بل الى  ”الاسلام“. ان توجيه رئيس قامت دولته على اساس علماني رسالة الى ” دين “ بدلا من توجيهه الى بشر لفيه دلاله على ان  المخاطبين هم قادة حركات الاسلام السياسي المعادي لامريكا في محاولة لاستجلابهم الى طاولة المفاوضات.

 

في خطابه يعتبر، تماما كما قادة الاسلام السياسي، كاسامة بن لادن واحمدي نجاد وحركة الطالبان،  يعتير ان الاسلام ”أمة“ مستقلة بذاتها دون حدود او ملامح. وان الاسلام كتلة كلية الانسجام تتكون من بشر يدينون بالولاء والطاعة للدين الاسلامي ويأتمرون بأوامر ملاليه وشيوخه صباحا ومساءا..!في الوقت الذي يغيب فيه اوباما عن عمد ارادة وكفاح مئات الالاف من التقدميين والتحرريين والنساء والاشتراكيين داخل ما يسميه "العالم الاسلامي" ويعتبر الا وجود لهم.

 

الا ان الايديولوجيا اليمينية لصاموئيل هانتنغتون والتي يعاد انتاجها بهيئة جديدة ليست الاساس بنظري. انها تغطية فكرية وديباجة ثقافية يلقيها اوباما اولا لالباس الوجه السياسي لامريكا قناعا اكثر قبولا و"تسامحا". فمن الناحية السياسية يحاول اوباما ممثل البرجوازية الامريكية، بهذا الخطاب، تدشين سياسة امريكا العالمية الجديدة والتي تنتهي بها مرحلة القطبية الثنائية الصراع بين قطب ارهاب دولة امريكا وقطب ارهاب الاسلام السياسي واستبدالها بسياسة التقارب وعقد الصفقات. ان من المعروف ان ذلك لم يحدث الا حين فشلت امريكا كليا اثر احتلالها للعراق وافول نظامها العالمي الجديد وفشلها على صعيد عالمي من الناحية الاقتصادية ايضا.

 

اوباما بسياسته الجديدة التي يطرح خطوطها العامة في هذا الخطاب يريد ارجاع صدارة امريكا للعالم ولكن من خلال الاعتراف بشرعية قوى الاسلام السياسي؛ شرعية سلطة الاسلام السياسي ومنحهم القبول من البرجوازية العالمية والاعتراف بسهمهم في الرأسمال العالمي. ذلك برأي البرجوازية الامريكية سيتيح المجال لاعادة ترتيب اوراقها وتثبيت موقعية جديدة لها ازاء "الكتل" السياسية والاقتصادية الاخرى كاوربا الموحدة و روسيا الاتحادية والصين والهند وغيرها.

 

ان ترهات اوباما حول ما يسميه ” الحضارة الاسلامية“ وغيرها تشير الى اعتباره ان الاسلام حضارة مختلفة وان الشعوب التي تعيش تحت نير الاسلام السياسي هي شعوب ”مسلمة“ وسعيدة بايمانها وبحجابها وبملاليها هي تظليلات سفيهة. ولو كان اوباما يتحدث امام توماس جيفرسون او جون ادامز او بنجامين فرنكلين وهو دائم التبجيل ل“ الاباء المؤسسين " لكانوا قد سفهوا خطابه وربما طردوه من المكان واصفين اياه بالانتهازي ومداعبة الدين.

 

وفي خطابه بدأ اوباما بديباجة ايديولوجية لتأكيد طروحات صاموئيل هانتنغتون, بالنسبة له كان ذلك ضروريا لكي يمهد الطريق امام طرح برنامجه السياسي بشكل كامل.

 

هنا ساتتبع نفس سياق خطاب اوباما واقسم تعليقي عليه حسب المقاطع التي وردت على جزئين : الاول فكري والثاني سياسي. (مع ملاحظة ان العبارات المحصورة داخل اقواس والغامقة هي كلام اوباما).

 

يقول الرئيس الامريكي في مقدمة خطابه:

 

" نلتقي هنا في يوم يحدث فيه توتر شدد بين الولايات المتحدة والمسلمين في كل مكان، وجذور التوتر ترجع إلى ماضي كبير ووجود نزاع وحروب دينية وقد زادت هذه التوترات بسبب الحقبة الاستعمارية التي حرمت البلدان الإسلامية من الكثير من الحقوق."

 

 كما بينا، فان اوباما هنا يضع امريكا الدولة بمواجهة ”الاسلام“ الدين. بعبارة اخرى انه يقارن بين دولة لها حدود جغرافية ونظام سياسي وثقافة وشعب مع ”دين“ بلا حدود ولا ملامح سياسية ولا كيان، رئيس دولة يخاطب وهم او مجموعة من الافكار. كيف يتوقع اوباما ان يسمع الرد من تلك الفكرة-الدين؟. بالتأكيد يدرك انه لن يحصل على جواب من ”الوحي“ نفسه، بل من بشر واقعيين. ولكنه في نفس الوقت ينحط بالسياسة الى حضيض الخرافة الدينية .

 

ولكن ان يتم مخاطبة ( دين ما ) فهذا يعني، من الناحية الواقعية، ان اوباما ( التقدمي شكلا الرجعي مضمونا ) يضع نظرية هنتنغتون في صلب عقيدته الايديولوجية على انه ممثل “حضارة الغرب“ الذي يخاطب ممثلي حضارة الخصم - ”حضارة الاسلام“. انه يدعوهم الى سواء السبيل ” وبالموعظة الحسنة“. ودون استعارة الجعبة اللفظية الاسلامية فانه يدعوهم الى التشاور.  وقبل الدخول في مناقشة المشروع السياسي له علينا ان نكشف مسألة "الحضارات" تلك. هل فعلا هناك حضارات متعددة؟ ام حضارة انسانية واحدة تشمل قيما انسانية مشتركة تقوم على مبادئ الحرية والمساواة والرفاه والحقوق العالمية المتساوية للبشر دون تمييز بالجنس والعقيدة واللون والمعتقد والدين والاثنية، وليس ثمة حقوق موجودة في هذه الحضارة ومعدومة في تلك!. ان الموضوع يمس العديد من الجوانب ولكن مسألة المرأة وحقوقها العالمية تبرز الى الصدارة عند الحديث عما تقدمه مفاهيم الحضارات المتصارعة ( او الملتقية ) من تنازلات فظيعة في حقوق النساء خاصة ازاء اعتبار الاسلام تلك الحضارة الاخرى. ولكن مهلا، فاوباما ”التقدمي“ والبشوش لا يريد للمرأة المسلمة او التي تعيش تحت سواطير الاسلاميين سوى التمتع ب“حقوقها“ في ارتداء الحجاب وممارسة دونيتها الانسانية بحرية على اعتبار انها ثقافتها وحضارتها الاسلامية. ولو قرأتم الخطأ اي تصريح للظواهري او مقتدى الصدر او السيد حسن نصر الله لسمعتم نفس الشئ. ان اوباما والاسلاميين لديهم نفس الكلام حول المرأة.

 

" لقد تم التعامل مع البلدان الإسلامية بدون احترام لتطلعاتها وبسبب العولمة والحداثة نظر المسلمون بعين العداء لأمريكا، كما استغل المتطرفون هذه التوترات وكان لهجمات سبتمبر دور في تصعيد هذه المشاعر وكل هذا أدى إلى مزيد من عدم الثقة والخوف، وطالما أن علاقتنا تحدد بالاختلافات فإننا نزيد قوة من يسعون للكراهية ويرفضون السلام، ولكن علينا أن ندفع باتجاه مخالف."

 

يعزف اوباما هنا على وتر مفضل لدى قوى اليسار التقليدي والقوميين العرب وهو وتر الامبريالية والكولونيالية. انه يعبر عن تلك الافكار بمهاجمة الحداثة مدعيا ان الغرب قد اخطأ في التعامل مع البلدان الاسلامية ( البرجوازيات القومية ) من خلال ادخال الحداثة والغربنة والتصنيع وبناء المعامل وتحسين النظام الصحي والتقنية واحداث تغييرات في البنية الاجتماعية وتحويلها من عشائرية دينية الى مدنية طبقية والى نهوض حركة عمالية ونسوية راديكالية وظهور مفكرين اشتراكيين واحزاب علمانية وقيام الدول البرجوازية بالطبع. انه يعتذر عن ذلك ويقول كان يجب احترام تطلعات تلك الشعوب في ادامة الخلافة الاسلامية وفرض الحجاب على النساء وتحقير المرأة بقوانين الشريعة وابقاء المجتمع اسيرالعلاقات البطرياركية العشائرية والدينية لان ما نثمنه نحن في الغرب، ليس بالضرورة يتلائم مع ”قيم“ الاسلام وحضارته. هذا هو فحوى كلام اوباما. ترديد لعبارات اليسار الرجعي المعادي فقط للامبريالية والذي رأيناه يمشي مع اتباع بن لادن في مظاهرات ضد الحرب.

 

ولكن حتى لو قبلنا بذلك التفسير التافه لدخول ”العالم الاسلامي“ الى علاقات الانتاج الرأسمالية والمجتمع المدني الملازم لها وحدوث الانقسام الطبقي وبروز مسألة اظطهاد المرأة وانعدام حقوقها وبدأ الاعتراضات العمالية على الاستغلال وبدء انتشار الافكار الغربية والتنويرية والاشتراكية، فان الواقع التاريخي لعلاقة الغرب مع الاسلام السياسي يبين بان امريكا قد دأبت على تقوية حركة الاسلام السياسي وتسليطه على المجتمع وليس نشر الافكار التنويرية. اوباما يقول للاسلاميين الان: نحن مخطأون، لكم حضارة مستقلة وحاولنا ان نجعلكم غربيين ولكن الان حان الوقت لتتمتعوا بحضارتكم الاسلامية دون تدخل منا. ولو رجعنا قليلا الى الوراء لرأينا ان الاسلام السياسي لم يكن له اية مشكلة مع الغرب او ما يسمى الامبريالية فقد كان زعماء الاسلام السياسي دوماً وفي معظم الحالات حلفاء للغرب وكان الغرب دائم السعي لاستخدام الاسلام ورجال الدين من اجل ضرب الشيوعية وقيم المساواة والتمدن والحرية والافكار الاشتراكية التحررية وان تاريخ العراق في الخمسينات والستينات يشهد على ان القوميين العرب والاسلاميين كانوا ينالون الاهتمام والدعم من  الغرب في حين كان الشارع يضج بالاحتجاجات العمالية والنسوية والعلمانية واليسارية والاشتراكية.  عن اية حداثة يتحدث اوباما ؟ ان الغرب وامريكا وفي حمى محاربة السوفييت قد جلبت شخصيات كالخميني من فرنسا ليحرفوا مسار الثورة الايرانية ويأمنوا وجود الحزاب الاخضر المحاصر للسوفييت. اما قصة لادن وتسميته بمقاتل من اجل الحرية فمعروفة وهم الذين اسسوا له معسكرات التدريب داخل افغانستان ومدوه بكل الاموال والخبرات اللازمة. من دعم حركة الطالبان وقواها؟  ان الغرب قد جلب الاسلام والاسلاميين من حواشي المجتمع ووضعه في السلطة. عن اية حداثة خطأ الغرب في تصديرها "للعالم الاسلامي" يتحدث اوباما اذن؟

 

" جئت إلى هنا إلى القاهرة لأسعى لبداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي على أساس أن أمريكا والإسلام ( التأكيد لي) ليستا في صراع وإنما توجد بينهما مصالح مشتركة ومبادىء مشتركة مثل العدل والكرامة والتسامح. "

 

ينظر اوباما بعيون الطبقة البرجوازية الامريكية وصناع الايديولوجيات اليمينية الامريكية ومفكريها الى العالم على انه مقسم الى حضارات متنازعة. حضارة امريكية او غربية من جهة وحضارة اسلامية وصينية وهندية الخ. اوباما لا يريد مبارحة افكار اليمين الامريكي المعروف بالمحافظين الجدد ومنظريهم كهانتنغتون وفوكوياما. يخاطب اوباما ”المسلمين“ في المقطع السابق ولكنه لا يخاطب مواطنين بل الاسلام. انه لا يخاطب مجتمعات مدنية بل الدين او ربما يقصد رعايا الدولة الاسلامية الكبرى ويسميهم ”مسلمين“. هل يجرؤ اوباما على مخاطبة مواطني اوربا مثلا بتسميتهم بالمسيحيين؟ . انه يتعمد التمييز  بين الحقوق المدنية للمواطنين في الغرب و “انعدام“ حقوق المواطنين في المناطق المبتلاة بالاسلام السياسي. في الغرب هناك مواطنين لهم حقوق مرسومة اما في ”الحضارة الاسلامية“ فالفرد ليس له وجود. انه مسلم فقط. حقوقه وواجباته وافكاره ومعتقداته ونشاطه يجب ان ينبع كليا من القرآن – من الدين الاسلامي. حتى لو كان هناك الاف او ملايين من العلمانيين والمحلدين او من اتباع ديانات اخرى فهم مسلمون ( او اهل ذمة) لانهم يعيشون في "الحضارة الاسلامية“. انه الفكر الرجعي العنصري والتمييزي ذاته لجورج بوش. نفس الماهية الفكرية والايديولوجية للبرجوازية اليمينية التي كانت تحكم امريكا في عهد جورج بوش.

 

في المقطع الثاني من عبارته السابقة يقول اوباما ان بين امريكا ( الامة ) وبين الاسلام ( الدين ) سمات مشتركة مثل العدل والكرامة والتسامح. ولو اخذنا كلامه على محمل الجد واعتبرنا انه مقارنة بين نصوص الدستور الامريكي وآيات القرآن مثلا للاحظنا ان الفروقات بين الوثيقتين هي نفس القفزات التي تطور فيها المجتمع البشري منذ عهد البربرية المتأخرة حتى الرأسمالية التنافسية.

 

يحمل اوباما شهادة محاماة من جامعة امريكية مرموقة، ولكنه عند ظهوره كسياسي برجوازي فان تزوير التاريخ والمقارنات اللا علمية بين“ دستور برجوازي“ وضع في زمن الرأسمالية و“نص ديني” وضع قبل 12 قرنا يصبح شيئا مقبولا لديه. ولكن لننته من ذلك ونرجع الى اصل كلماته حول انسانية وعدالة المبادئ المشتركة لامريكا والاسلام !!. فمن الاشتراك بالانسانية والتسامح  والعدل نستنج التالي: قيم امريكا في حرب الفيتنام وضربها لهيروشيما وناكازاكي بالقنبلة النووية كانت تجسيدا لقيم العدل والتسامح والكرامة !!

 

اما ممارسات الاسلام في المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية وافغانستان في قطع رؤوس الصحفيين، وتحقير النساء، وممارسة التعذيب الاسلامي الوحشي بالرجم بالحجارة والجلد بالسياط وتزويج الفتيات بعمر الاطفال الى شيوخ طاعنين في السن وقطع رؤوس العمال الاجانب فهو مثال للعدل والكرامة والتسامح. !!ً.

 

" أحضر إلى هنا وأدرك أن التغير لن يحدث بين عشية وضحاها وأعلم أن هناك الكثير من الجدل حول هذا الخطاب ولكنني على قناعة بأنني إذا أردت أن أمضي قدمًا فعلينا أن نفتح قلوبنا ونقول كل ما بداخلنا، ولابد ان تكون جهود لكي نستمع إلى بعضنا البعض كما يقول القرآن إن علينا دائمًا أن نقول الصدق، وهذا ما أريد فعله أن أتحدث بالحقيقة بأفضل الوسائل الممكنة وبالتواضع الكافي وبإيمان بأن ما يجمعنا هو أكثر مما يفرقنا. "

 

يعتقد اوباما هنا ان "الرعايا المسلمين"سيهبون للانصات له بمجرد سماعهم تملقه للقرآن.!. انه يخدع نفسه بانهم سيحترمونه لانه ييستشهد بوثيقة يعتبرها الملايين من البشر سببا في مصائبهم وكوارثهم وانعدام حقوقهم. ان الدين بالنسبة للملايين ( داخل ما يسميه  العالم الاسلامي ) يعني قطع الرؤوس والجلد والرجم بالحجر وتعذيب النساء واعدام الاطفال وتزويج القاصرات ويعني الوحشية والقمع السياسي والاجتماعي. ولكن هل يتمتع اوباما بشئ من الصدق هو الاخر في ذكر اي من تلك الممارسات ؟ ام ان تتبع المراجع القرآنية هو شئ عسير عليه؟ ورغم ذلك فان اوباما يعرف جيدا مدى تسامح وعدالة احمدي نجاد وخامنئي وشيوخ حليفة امريكا المملكة السعودية!

 

" أنا أقول هذا كمسيحي ولكن والدي يأتي من عائلة فيها كثير من المسلمين وكنت أسمع في إندونيسيا صوت الأذان وفي حداثتي كنت أتعامل مع المسلمين كثيرًا وأعرف من التاريخ أن الإسلام حمل مشعل النور والعلم لمئات من الأجيال وهذا مشابه لعهد النهضة الأوروبية، وإن روح الابتكار والإبداع لدى المسلمين أنارت الحضارة في العديد من المجالات، والحضارة الإسلامية أعطتنا مفاتيح التقدم في الكثير من مجالات الثقافة، وعلى مر عصور التاريخ برهن الإسلام على روح التسامح الديني والتجانس العرقي. "

 

اوباما تعود ان يسمع وهو مراهق صوت الاذان كمسيحي. في اندونيسيا هو امريكي زائر لن يمسه ضرر من سماع الاذان وبكل رومانسية. وبالنسبة لاوباما فالاذان هو "ثقافة" او حضارة مختلفة؛ تنوع حضاري ربما. تماما كمن يتناول الطعام الفيتنامي في مطاعم الغرب. ثقافة مختلفة. ولكن اوباما ليس امرأة في افغانستان او العراق او الجزائر او الباكستان. انه ليس شابا يعيش في السعودية او ايران، انه يفكر بالاسلام كمسيحي - امريكي يعيش كسائح مع اب ثري في اندونيسيا. سخافات اخرى من سخافات "التعددية الثقافية" لما بعد الحداثة.


" الإسلام كان جزءًا من حكاية أمريكا فقد كانت أول دولة اعترفت ببلادي هي المغرب وعند توقيع اتفاقية طرابلس قام ثاني رئيس لأمريكا بالتأكيد على عدم وجود أي خلاف مع العالم الإسلامي، والمسلمون الأمريكيون كانوا دائمًا مواطنون مهمين ولهم إنجازات كبرى ولهم أدوار في قمة الأهمية لرفعة الولايات المتحدة، وعندما انتخب أول أمريكي مسلم للكونجرس استخدم المصحف نسخة معينة منه كانت لدى أحد المؤسسين الأوائل لبلادنا. ولقد عرفت الإسلام في ثلاث قارات قبل أن آتي إلى هنا وأريد أن أحارب ضد كل الصور السلبية التي يظهر بها الإسلام حيثما ظهرت وأشعر أن هذا من واجبي، ولكن نفس هذا المبدأ لابد أن ينطبق على تصورات المسلمين تجاه أمريكا فعلى المسلمين أن يدركوا أن أمريكا ليست صورة الامبراطورية عادية, فبلادنا تأسست على أساس المساواة وبذلنا تضحيات كبيرة لإقرار هذا الحق ولقد صاغت بلادنا كل الثقافات في كل الكرة الأرضية وكرسنا أنفسنا على أهمية خلق كيان واحد يتوحد من العديد من الأعراق والأجناس وبهذا انتخبت أنا باراك حسين أوباما، وإنني لست حالة فريدة في قصة حياتي ولكنها فرصة ممنوحة لكل الملايين المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة. والحرية في أمريكا لا تختلف عن حق ممارسة الشعائر والعقائد ولذلك توجد مساجد كثيرة جدًا في بلادنا، ولقد كان هناك إقرار لحق النساء المسلمات في ارتداء الحجاب، ولذا لابد ألا يكون هناك شك في أن الإسلام هو جزء من أمريكا، وأمريكا تعترف بحق مشاركة الجميع في تحقيق الطموحات القائمة على الأمن والأمان والعيش بكرامة. "

 

اوباما مرة اخرى يتلاعب بالتاريخ ليناسب اغراضه الايديولوجية واهدافه السياسية؛ اي مداعبة قوى الاسلام السياسي. انه يبذل جهدا كبيرا من اجل جر ارجل قوى الاسلام السياسي المعادية لامريكا الى طاولته. يزيف تاريخ البرجوازية الامريكية الثوري من اجل تبرير ما يفعله الان ! امريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي لم تؤسس على الدين بل على اساس فصل الدين عن الدولة ( التشريع الاول في الدستور الامريكي تأثرا بالثورة الفرنسية) . الا ان الطبقة البرجوازية الحالية، سواء لاوباما او لاي حكومة اخرى في العالم، طبقة رجعية تماما واوباما احد ابناءها. انه يؤكد على الجوانب الرجعية في الدستور الامريكي والتي ابرزها اليمين على مدى تاريخ الولايات المتحدة من اجل اعادة موضعة الدين داخل المجتمع كما حدث ايام حكم المحافظين الجدد. اوباما ينتقي بانتهازية تليق بجورج بوش والمحافظين الجدد اجزاء توافق مشاريعه السياسية . انه يتبجح بكثرة عدد المساجد في امريكا وان هناك "حق" للنساء في ارتداء الحجاب ويعتبر ان الاسلام جزء من امريكا. اما النظام الصحي في امريكا ووضع الفقراء والمحرومين والعمال وحتى من معتنقي الاسلام فلا يهم وان كان الاسوأ في العالم.  ان الفخر بان امريكا دعمت الاسلام هو في الحقيقة نقطة ادانة لسياسة اليمين المتطرف التي كان حري باوباما امتلاك الشجاعة الكافية لنقده والاعتراف بان الدين لم يكن له ان يحوز على تلك المكانة لولا سياساته. ولكنه عاجز عن ذلك وليس لديه الا بدائل اعادة اجترار جورج بوش واقطاب اليمين ولكن بهيئة مختلفة اكثر قبولا.

 

" بالطبع إن الاعتراف بإنسانيتنا المشتركة هو البداية فقط لأننا لا نريد الكلمات فقط لتلبية احتياجات مجتمعاتنا ولابد أن نواجه التحديات المشتركة لتحقيق ذلك، ولقد تعلمنا من خبراتنا أن كل خطر يتهدد أي جزء في العالم فإن هذا يهدد كل دول العالم، وهذا ما يعنيه أننا يجب أن نتشارك في هذا العالم وهذه مسئولية تقع على عواتقنا وهي مسئولية صعبة على أية دولة وحدها أن تتحملها، وهذا ما يؤكده التاريخ أن أي نظام عالمي يرفع أمة بعينها فوق بقية الشعوب مصيره الفشل والاندحار، ولذا علينا أن نتبنى الشراكة الحقيقية لتحقيق أهدافنا المشتركة ومواجهة التحديات، وكل هذا لا يعني أن نتجاهل مصادر التوتر بل على العكس علينا أن نواجه كل التوترات بشجاعة حقيقية ودعوني أقول لكم إنني أستطيع أن أحدد قضايا محددة لابد أن نواجهها جميعًا. "

 

ان الاسلام ليس مجتمعا. وان ليس وجود لما يسمى المجتمع الاسلامي. هناك دول ومجتمعات متباينة فقط. ولكن الادعاء بوجود مجتمع اسلامي ضروري لاوباما ليرسخ فكرة ان الافراد في تلك المجتمعات ليسوا مواطنين بل كتلة حضارية تموج بالايمان والتقوى الدينيين. اوباما ومن خلفه هانتنغتون وفوكوياما وجورج بوش يريدون القول ان المواطنية موجودة فقط في امريكا اما في الاسلام فهناك الحجاب والتقاليد والتقوى والدين الاسلامي. وبهذا فان اوباما يطابق تماما افكار قادة الاسلام السياسي. ان الاعتراف بان هناك مجتمع امريكي ومجتمع "اسلامي" هو ترسيخ لفكرة ان الاسلاميين في السلطة ويبغي الان الاعتراف بهم هكذا والتفاوض معهم على هذا الاساس بدلا من الاصطدام بهم. ان ذلك يجري على حساب حقوق ملايين من البشر وخاصة النساء اللواتي يعانين من الاحتقار وسلب الحقوق على يد ممثلي ”الحضارة الاسلامية“.

 

ولكن للنساء التحرريات والقوى العلمانية والاشتراكية رد ولا شك على اوباما.

 

سنكمل الجانب السياسي من الخطاب في العدد القادم