تصريح صدر الدين القبانجي احد ملالي مدينة النجف و“القيادي“ في المجلس الاسلامي الاعلى حول احقية الشيعة في حكم العراق لانهم اغلبية اثارت لغطا داخل اوساط المجاميع الاسلامية الشيعية الحاكمة وبين الملالي والشيوخ ورؤساء الميليشيات و“اعضاء البرلمان“. وقد تصدى لتلك التصريحات مجموعة من هؤلاء بعضهم نوابا استنكروا فيها تلك التصريحات. الا ان اهم تلك الاجابات جاء على لسان علي السيستاني الذي عبر عن عدم رضاه على تصريحات القبانجي وقال انها لا تمثل الشيعة وان الاغلبية تقاس بالوسائل السياسية والانتخابات وليس بحجم طائفة معينة.

 

ما قاله القبانجي  تعبير واضح عن سياسة احد قوى الاسلام السياسي التي جلبتها امريكا للسلطة وثبتت مواقعها وحاولت ان تمنحها نفوذا واسعا وخاصة في جنوب العراق وبدعم مباشر من الجمهورية الاسلامية ومخابراتها ولكنها اليوم لم تعد بحاجة لها بعد ان قررت دعم المالكي وحزب الدعوة باعتباره اكثر فائدة لها وللغرب وان الدولة المركزية التي يحاولون من خلاله انقاذ نموذجهم المنهار في العراق لا يتقبل اليوم اي قوى منافسة او معرقلة لذلك المشروع.

 

ومن هنا جاء رد علي السيستاني على القبانجي. ارد يبدو في ظاهره انه يجري داخل المؤسسة الدينية وبين اصحاب العمائم  و“المرجعية“ ولكنه في الواقع رد من احد قوى الاسلام السياسي لطرف اخر وبشكل متواري. ان جواب علي السيستاني هو دعم وتثبيت لهيبة سلطة امريكا وحكومة المالكي التي يحاول المجلس الاعلى وبعض القوى داخله ان يتحركوا للتشكيك بها وخلق المشاكل لها.

 

لذا فان من الخطأ النظر الى تلك التصريحات على اعتبار انها مناوشات دينية او ترهات رجال دين. انها كانت لتكون كذلك حتما لو كان العراق لا تحكمه الميليشيات والمجاميع الاسلامية والطائفية. ولكن الاسلام السياسي هو قوة حاكمة اليوم في العراق وان علي السيستاني يمثل احد القوى التي تستند لها امريكا في انجاح مشروعها في العراق.

 

ومن جهة اخرى يخطأ ايضا من يظن ان الامر متعلق بالتنافس على تمثيل مصالح ”ألشيعة“ او الجماهير في الجنوب, ان الامر هو الاخر لا علاقة له بمصالح الجماهير شيعة كانوا ام سنة ام غير ذلك.

 

ان الربط الاساسي لتلك التصريحات هو بالموقعية السياسية للقوى التي يمثلها كل من رجلي الدين اؤلئك.

 

فالقبانجي يريد ان يستخدم الجماهير التي يوصمها بوصمة طائفية وبوقاحة من اجل ان يدعم موقف حزبه الاسلامي الذي وضع نفسه ( او وضعه المالكي ومن خلفه امريكا ) في صفوف المعارضة المتراجعة.

 

ومن جهة اخرى فان

ردود علي السيستاني تمثل منهج هذا التيار الديني (المرجعية) في دعم ومساندة حكومة المالكي التي نصبتها امريكا ودعم لهيبتها المعدومة ازاء القوى التي تحاول النيل منها. ان الامر لا علاقة له بالشيعة او غير الشيعة بل بصراع سياسي واقعي وليس صراعات دينية او  عقائدية في مخيلاتهم.

 

ان التصريحات تلك هي  تعبير عن وجود ازمة حادة داخل صفوف حركة الاسلام السياسي التي وصلت الى السلطة عن طريق الحرب المدمرة التي قتل فيها اكثر من مليون مواطن عراقي مدني وتم الاجهاز على المجتمع المدني.

 

الجماهير في العراق  مسلوبة الارادة السياسية. ارادتها وحريتها واختيار قواها السياسية وشكل حكمها معدوم وغائب بسبب وجود احتلال امريكي من جهة وبطش الميليشيات والقوى الدينية والطائفية من جهة اخرى؛ من جيش المهدي الى ميليشيا بدر وجيش القدس وعصابات بن لادن والعشائر والصحوات والبيشمركة وكلها تشهر اسلحتها ومفخخاتها وتحاول فرض سطوتها وهيمنتها بالتخويف.

 

لو قيض للجماهير ان تتخلص من هذه القوى وتم فسح المجال لتنافس القوى السياسية في العراق بشكل حر وفي ظروف طبيعية وآمنة ودون ميليشيات او احتلال لقامت الجماهير قبل كل شئ بالتأكد اولا من تخلصها كليا من رجال الدين واحزاب الاسلام السياسي والاحزاب الدينية والطائفية والقومية والاثنية الذين يعتاشون على هذا الواقع المرير.