مقابلة نحو الاشتراكية مع عصام شكــــري سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي حول الاحتجاجات الجماهيرية في العراق وسبل توسيعها وتقويتها

 

نحو الاشتراكية:بعد الاحتجاجات الجماهيرية التي عمت معظم مدن العراق في 25 شباط راينا بأن موجة المظاهرات قد خفت وحتى انعدمت في بعض المدن العراقية، باعتقادك ما هو السبب؟ وهل هناك آمال في تجدد وتوسع الاحتجاجات في المدن العراقية؟

 

عصام شکـري:الارهاب الحكومي وقمع ميليشياتها للاحتجاجات بشكل وحشي يشكل احد العوامل ولكن حدوث انهيار امني نتيجة تصاعد اعمال الارهاب الاسلامي أثر على تنظيم التظاهرات والخروج الى الشوارع. ولكن الجماهير لم ولن تسكت برأيي فانها تنتظر الفرصة للتظاهر من جديد وهناك دعوات عديدة للتظاهر وتصعيدد الاحتجاجات وهاهي الاحتجاجات تندلع من جديد في ساحة التحرير. الاوضاع في العراق كما تبدو بوضوح محتقنة جدا وان اي انفراج امني سيؤدي ولاشك الى نزول الجماهير بمئات الالاف من جديد الى الشوارع.

 

ان الانتفاضة الجماهيرية ستجدد قواها مع كل ساعة تمضي والعصابات الاسلامية القومية والميليشياتية مسيطرة على السلطة. وكما قلت فان القمع والبطش الذي تمارسه هذه الميليشيات الحاكمة  لا يستطيع سوى ان يفاقم الحقد الشعبي ضد هذه الميليشيات. برأيي ان تلك القوى قد سقطت وانتهت مرحلتها ( او كما يقال صلاحيتها)  كلها دون استثناء والان فان الجماهير تحاول ان تزيحها وان ما تشهده مدن العراق هو مجرد احماء لما سيأتي لاحقا.

 

نحو الاشتراكية:هل تعتقد بان الشعارات والمطالب التي رفعها المتظاهرون في معظم المدن العراقية اثناء احتجاجاتهم هي شعارات جماهيرية خالصة وتعبر عن التطلعات والأماني الجماهيرية، أم هي شعارات حزبية تقف خلفها قوى وأحزاب سياسية؟

 

عصام شكــري: الشعارات كلها جماهيرية وتعبر عن مطالب الناس. ولكن اود ان اتوقف عند كلمة الشعارات الحزبية. الشعار الحزبي  سياسي بالتعريف وان بعض المطالب تتجاوز المطالب المباشرة بالكهرباء والماء النظيف ومحاربة الفساد الى مطالب الحرية والمساواة وهذه هي شعارات بعض القوى السياسية ومنها حزبنا. ان لحزبنا شعارات ومطالب لا تنفصل مطلقا عن مطالب الجماهير ونحن نستنهل من مطالب الجماهير واوسعها راديالكية مطالبنا. انا لا اعتقد ان هناك في الواقع فصل بين النضال السياسي والنضال المطلبي. النضال السياسي في ظروف ثورية يرتدي طابع اجتماعي او اقتصادي وهذه مسألة تقررها الجماهير بنفسها

 

كما رأينا في مصر وتونس واليمن وسوريا وليبيا وايضا في العراق. ان الحركة الثورية الحالية في العراق مثلا وفي كردستان ايضا لا تكتفي بالشعارات المطلبية وان هكذا واقع يفرز قوى سياسية كثيرة تنزل بشعاراتها الخاصة. منها يلبي مطالب الناس بدرجات متباينة ومنها يميني ورجعي ولا يجيب على اي مطلب للجماهير. الجماهير هي صاحبة القرار ولكن حزبنا يريد ان يصيغ شعاراته من مطالب المجتمع والجماهير المحرومة. اذا االشعار السياسي ينبع من واقع معين اما ان تكون معبر عن ارادة الجماير او تكون جزء من الطبقة الحاكمة وقواها

 

اما اذا تعلق معنى الشعار الحزبي بالايديولوجيا او الشعارات الايديولوجية فانا لا اوافق على رفع شعارات ايديولوجية او عمومية ولا تجيب على واقع او مسألة سياسية محددة او مطالب تريدها الجماهير. يجب ان نجيب على مطالب الجماهير بشعاراتنا واهدافنا ولا نرفع اي شعار لا يلبي ويجيب على تلك المطالب. حزبنا مثلا يرى في شعارات او مطالب من قبيل نطالب بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة او نطالب بالمساواة التامة بين المرأة والرجل او بالحرية السياسية غير المشروطة لجميع القوى السياسية هي شعارات سياسية ومهمة وتعبر عن ارادة الجماهير وعن ثورتها ضد القوى الاسلامية والقومية الرجعية الحاكمة,

 

 

نحو الاشتراكية: ما السبب في استمرار المظاهرات الجماهيرية في بعض مناطق كردستان وتوسعها يوما" بعد يوم على عكس بقية المناطق العراقية؟

 

عصام شكــري: مجتمع كردستان يعيش بصورة شبه طبيعية منذ فترة طويلة اي منذ تراجع قوات صدام في العام 1991 اثر حرب الخليج. اليوم فان كردستان فيه اوضاع تمتاز من الناحية النوعية والاجتماعية بالامان والهدوء وبالتالي فان السيناريو السائد (على الصعيد الاجتماعي) قريب جدا من سيناريو الاوضاع في الدول الاخرى كتونس ومصر. ان الجماهير في كردستان اكثر تنظيما وان نفوذ الحركات الاسلامية والقومية والعشائرية اكثر ضعفا منها في بقية مدن العراق في حين ان قوى الاشتراكية والعلمانية تمتلك نفوذا اجتماعيا جيدا.

 

ولكن يجب ان انبه الى ان هذه الاوضاع في مسار التغير السريع. ان جماهير العراق ( خارج كردستان) شرعت هي الاخرى بتنظيم نفسها وان كانت ماتزال غارقة في الارهاب الاسلامي ومنه ارهاب السلطة واعوانها من "ألبلطجية" وعناصر الامن والمخابرات الا ان الجماهير الان تريد تنظيم نفسها وتتحرك بخطى سريعة جدا. وفي المحصلة النهائية فان تعبير (عكس المناطق الاخرى) يبدو لي غير واقعي بعض الشئ وكأن المدن العراقية الاخرى هامدة. ان الاحتجاجات مستمرة وان كمنت هنا او هناك فان سبب ذلك هو كما بينت ترجرج الاوضاع وانعدام الامان والارهاب الاسلامي واستعدادات الجماهير للاحتجاج مرة اخرى.

 

 

نحو الاشتراكية: هل صحيح بان الاحتجاجات والمظاهرات الجماهيرية في عموم مناطق السليمانية خاضعة لتأثير ونفوذ حركة التغيير وبعض القوى الإسلامية؟

 

عصام شكــري: كلا. العكس هو الصحيح. لقد جرت الجماهير باعتراضاتها وحركتها الثورية قوى كالتغيير (كوران) الى لعب دور المعارض للسلطة. ان الجماهير هي التي خلقت وسببت الصراع بين اجنحة القوميين الكرد من خلال نزولها بمئات الالاف الى الشوارع. ليس اليوم فقط بل منذ سنين. جل مطلب حركة التغيير وغيرها من قوى المعارضة البرجوازية الكردية هو تبادل الوجوه والادوار. حركة التغيير لا تريد اكثر من "تغيير تجميلي" في وجه السلطة المتهالك المتخلف. ان الجماهير تريد ان تزيح السلطة وحركة التغيير تريد بعض الرتوش وان تحتل مواقعها في نفس تلك السلطة. هذا التناقض لا يمكن اللعب عليه طويلا من قبل قادة حركة التغيير. ان حركة التغيير تختلف مع السلطة الحاكمة في كرستان ليس من منطلق مصالح الجماهير بل من منطلق عدم السماح لها بتقديم "حلولها" لازمة البرجوازية القومية الحاكمة في كردستان. ولكن ما فائدة تغيير وجه البرزاني والعشيرة البرزانية بوجوه نو شيروان مصطفى واعوانه ؟ فلديهم نفس الملامح القومية والرجعية والفاشية. الم يكن نو شيروان وبقية قادة التغيير جزء من السلطة القمعية؟ الم يرتكبوا المجازر ضد جماهير كردستان؟. الم يثروا على حساب فقر الجماهير والامها؟ الم يقمعوا القوى السياسية المعارضة لهم وخاصة قتل الشيوعيين؟ الجماهير في لحظة نصرها ستجلب هؤلاء  وتحاسبهم على تأريخهم الدموي اسوة بقادة الحكومة والحزبين الحاكمين. لافرق بين كوران واليكييتي والبارتي وكل من تلطخت يداه بدماء جماهير كردستان. يجب ان تطالب الجماهير بجلب كل هؤلاء الى المسائلة اليوم قبل الغد.

 

نحو الاشتراكية: لماذا اندلعت المظاهرات الجماهيرية في كردستان، فقط في المناطق الخاضعة لنفوذ الاتحاد الوطني الكردستان في الوقت الذي يؤكد فيه كل المراقبين والمحللين السياسيين بتشابه الظروف والأوضاع في السليمانية مع بقية مناطق كردستان الخاضعة لنفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني؟

 

عصام شكــري: مرة اخرى اقول ان الاحتجاجات والتظاهرات لا تعزى الى“الاتحاد الوطني“ او مناطق نفوذه بل الى قوة وقدرة الحركة الجماهيرية في تلك المنطقة والتي اجبرت الاتحاد الوطني على تقديم تنازلات عبر نضالات طويلة للجماهير. المسألة ليست ان الاتحاد الوطني ”اكثر مدنية“ او رحمة من البارتي العشائري. برأيي ان السبب يكمن في قوة كامب الجماهير ( او خندق الجماهير) في السليمانية والتي تسلحت بالعلمانية والتحرر والحركة المساواتية والنسوية لفترة طويلة ونتيجة تأريخ طويل من نضال الحركة العمالية والاحزاب الشيوعية وخاصة الشيوعية العمالية.

 

 الجماهير في السليمانية مثلا قدرة اعلى على تنظيم نفسها والاستفادة من الامكانيات المتاحة (تنظيم التظاهرات وطبع المنشورات والخطابات) والتي اجبرت الجماهير الاتحاد الوطني على الرضوخ لها عبر سنين وان الموقف من الاسلام السياسي والقوى العشائرية والتنظيم المدني وقوة المد العلماني والتحرري اكبر نتيجة تأثير الشيوعية العمالية في تلك المناطق. اما في الجزء الاخر فان التركيبة الاجتماعية قائمة كما حزب البارتي على الولاءات العشائرية والقبلية وان العنف الذي تستخدمه قوات الميليشيا القومية التابعة لسلطة البرزاني ضد جماهير اربيل او دهوك او في القرى والمناطق التابعة لهم هو من القسوة  ما يشكل حاجز جدي. ان الارهاب الذي تمارسه تلك القوى ضد الجماهير لا يعرف الحدود وان التصفية والاغتيالات مسألة عادية في قاموس تلك الحركات العشائرية والاسلامية الرجعية. ومن جهة اخرى ونتيجة للقمع فان ظهور ونشاط الاحزاب الشيوعية قد ووجه بالقتل والتصفية والاغتيالات كما حدث مع نظير عمر في دهوك ومع قادة شيوعيين اخرين كثر اغتالتهم ايادي الاسلاميين والقوميين وبتواطئ او مشاركة الاحزاب القومية الحاكمة.

 

بالنسبة لي ليس التحاق بقية مناطق كردستان بالسليمانية الا مسألة وقت. ان دليل ذلك هو اندلاع الاعتراضات في اغلب مدن المنطقة تقريبا.