تصريحات الطالباني في نيويورك

اعلان اصطفاف وتخندق في معسكر ارهاب دولة امريكا

 

عصام شكــري

 

سببان اساسيان لتصريحات جلال الطالباني في نيويورك حول طلبه (كرئيس دولة) بابقاء امريكا لقواعد ”صغيرة“ في العراق بعد الانسحاب الامريكي لصد "التدخل الأجنبي" من الدول المجاورة للعراق: اولهما اعلان الحركة القومية الكردية على لسان احد ممثليها عن اصطفافها وتخندقها غير المشروط في معسكر ارهاب وعسكرتارية دولة امريكا ومحور الغرب مقابل قطب الاسلام السياسي ودوله في المنطقة من جهة؛ وثانيهما، وكامتداد للسبب الاول، حسم أي احتمالات او حسابات لاضعاف السلطة القومية الكردية في مناطق كردستان العراق و ”تركها وحيدة“ امام زحف الجيش التركي من جهة او بوجه تحالف من ”الحلفاء“ الحاليين من ميليشيات الاسلام السياسي الحاكمة وبدعم مباشر من الجمورية الاسلامية في ايران.

 

ان الاصطفاف غير المشروط للطالباني مع عسكريتارية قطب امريكا وارهاب جيشها يأتي  في الوقت الذي يواجه فيه هذا القطب في العراق الضغط المستمر؛ فهناك المعارضة المتنامية داخل امريكا للحرب  على العراق ومحاولة جهات عدة حتى داخل سلطة بوش على كشف اكاذيب المحافظين الجدد حول اسباب شن الحرب وتراجع الدعم الشعبي لذلك النهج، والوضع المحرج الذي تواجهه االحكومة الامريكية على صعيد عالمي فيما تسميه "حربها على الارهاب". فالمعلومات التي اوردها تقرير المخابرات الامريكية يشير، مرة اخرى، الى كذب الساسة اليمينيين في البيت الابيض حول نجاحهم في القضاء على الارهاب وكسر شوكته وبدلا من ذلك يعتبر وبوضوح ان حرب امريكا على العراق قد ادت الى تصاعد الارهاب العالمي بشكل كبير. واعتبر التقرير المخابراتي ان العراق قد اصبح القضية المقدسة لقوى ارهاب الاسلام السياسي في العالم مما جعلها ساحة المواجهة الرئيسية لها مع معسكر امريكا.

 

 ازاء هذا الوضع تبدو القوى القومية الكردية الحاكمة مركزيا و“فيدرالياً“ عارية و بلا اي "حماية" ازاء قوى الاسلام السياسي المتنامية وقواه ؛ سواء من كان منها صديقا لامريكا او من كان مقاتلا شرسا لها.

 

وبينما تتموضع الميليشيات الاسلامية في خنادقها وتنهش المجتمع وتزرع الطائفية والمذهبية وتسفك دماء الجماهير وبدعم دول الاسلام السياسي في المنطقة فان القوميين الكرد اصحاب "الاسهم الكبيرة" في "استثمارات" امريكا في العراق يهابون من ترك امريكا لهم في غابة من الاعداء المستقبليين (داخليا وخارجيا). ان اعلان التخندق المباشر في معسكر امريكا يحاول ان يجيب على الحاجة الى الاطمئنان من تداعيات المستقبل.

 

ومن جهة اخرى فان تركيا ودولتها القومية المعادية لاستقلال كردستان وصاحبة الاطماع في مدينة كركوك ولعبها على الورقة القومية لاظطهاد التركمان، تشكل هي الاخرى احد اهم المخاطر التي تواجهها الحركة القومية الكردية في العراق.

 

ان الطالباني يهدد تلك الدولة بورقة حزب العمال الكردستاني القومي التركي بينما (ولسخرية القدر) يعلن الاخير وفي نفس الوقت بانه سيلقي السلاح ويستمر بالنضال السياسي من اجل حقوق الشعب الكردي في كردستان التركية.

 

وفي نفس الوقت يخشى الطالباني من تصاعد نفوذ الاسلاميين في العراق بشقيهما؛ الموالي لامريكا او من يسمون بالمعتدلين من ”نوري المالكي“ وحزب الدعوة الاسلامية او الموالين للجمهورية الاسلامية الايرانية من الجماعات والميليشيات والقوى الاخرى وعلى رأسها المجلس الاعلى والتيار الصدري . ومن جهة اخرى فان ما يسمى بالقوى ” السنية“ المعتدلة التي فتحت امريكا معهم خطوطاً من اجل“ تفتيت“ بقية الاجنحة السنية المقاتلة تشكل هي الاخرى مصدر خطر على حركة الطالباني مع زيادة تمثيلها الطائفي من خلال رفعها لشعارات معادية لامريكا.

 

ان كل هذه القوى تشكل بمجموعها حصيلة لحرب امريكا على العراق وجزء لا يتجزأ من نظامها العالمي الجديد وسيناريوها الاسود الدامي في العراق. فالطائفية والاسلام السياسي والرجعية وتمزيق الجماهير والمجتمع المدني وتراجع العلمانية والفقدان التام للطمأنينة والامان وتدهور الوضع المعيشي والسياسي والمازق الحاد الذي يعيشه المجتمع يأتي بسبب تسلط كل هؤلاء على مقدرات المجتمع ولكنه في نفس الوقت يعبر ويعكس حالة التمزق التي تعيشها نفس تلك القوى الاسلامية والقومية في صراعها المحموم من اجل تقاسم النهب والارباح والحصص وال“فيدراليات“.

 

ان زعماء الاحزاب القومية يطمحون في الاستيلاء الكلي على مدينة كركوك بسبب وجود النفط في تلك المدينة.   ويصرح وزير المصادر الطبيعية في حكومة كردستان آشتي هورامي بان منطقة كردستان تمتلك ” امكانية جيدة“ للمصادر الطبيعية حيث يقدر الاحتياطي ب 45 مليار برميل من النفط الخام و 100 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. ومن المؤمل ان يتم تصدير هذه الموارد وجني ارباحها في الجيوب العميقة لتلك القوى من خلال مد انبوب اخر من مدينة كركوك الى ميناء سيفان التركي يمر عبر كردستان. 

 

وفي نفس هذه الكردستان تتصاعد وبشكل حاد مشاكل الجماهير وتعاني من الحرمان بشكل كبير وتتزايد احتجاجاتهاعلى عمليات النهب وسرقة قوتها من قبل الميليشيات القومية الحاكمة. ان الجماهير تدرك ان طلب الاحزاب القومية الكردية وقادتها بابقاء القواعد الامريكية لن يفعل اكثر من تقوية تلك الميليشيات بوجه الجماهير المعترضة وبالتالي سيمثل عقبة جدية في احتمال قيامها بالتصدي لتلك القوى في حال وقفت امريكا بقواتها لاجال طويلة الى جانبها. الجماهير تدرك ايضا بان حديث الطالباني الهزلي عن ” منع التدخل الاجنبي“ هو من باب ذر الرماد في عيونها وارعابها مجدداً بخطر الصراع القومي مع دولة تركيا هذه المرة ( بعد ان زال خطر القوميين العرب في بغدا