حول حرب اسرائيل على لبنان وموقف اليسار المعادي للامبريالية

حزب ريبوار احمد: خطوة جديدة الـــى الـــــوراء

 

عصام شكــري

  

 

الحرب الاخيرة لاسرائيل على لبنان زادت من فرص اليسار التقليدي في اظهار مواقفه "المعادية للامبريالية" ازاء الحرب الاسرائيلية على لبنان وفلسطين. فمن الشرق الاوسط الى اوروبا وامريكا الشمالية، وقفت تلك القوى موقفا رجعيا مهادناُ من الاسلام السياسي معتبرة اياه "مقاومة وطنية" ضد "الامبريالية والصهيونية". العشرات وربما المئآت من الاحزاب الشيوعية الكلاسيكية والمجاميع اليسارية التقليدية والقومية والشخصيات المدافعة عن صدام حسين ومقتدى الصدر وحسن نصر الله مثل جون كالاواي اعتبرت اليوم حزب الله "مقاومة" وممثلا لامال وتطلعات الجماهير وحامي " شرف الامة" ضد الهيمنة الامريكية والصهيونية الخ .

 

وقد انظم حزب ريبوار احمد والتيار اليميني المنشق عن الشيوعية العمالية الى قوى اليسار التقليدي والمعادية للامبريالية تلك اثر اتخاذه موقفاً يمينياً مهادناً للاسلام السياسي من الحرب الاخيرة خاطياً بذلك خطوة جديدة الى الوراء. واعلن في بيان اصدره ضد الحزب الشيوعي العمالي الايراني ان الحرب الاخيرة بنظره لا تشكل فصلاُ من فصول المواجهة والصراع الارهابي بين قطبي الارهاب في العالم ؛ ارهاب دولة امريكا وحلفاءها من جهة وقوى الاسلام السياسي من جهة ثانية بل كما يقول: "... حرب احادية الجانب، حرب طرف واحد. ان مسؤوليتها تقع كاملة على اسرائيل وامريكا وتعنتهما وغطرستهما الدموية"   *.

 

وعلى اساس هذا التحليل المموه للحقيقة هاجم موقف الحزب الشيوعي العمالي الايراني المندد بطرفي الصراع بحجة ان ذلك الموقف "يصب الماء في طاحونة امريكا واسرائيل". بتلك التبريرات حاول حزب ريبوار  الشد من عضد الاسلاميين في لبنان وفلسطين بامتناعه وسكوته عن نقدهم والتماس الاعذار لهم في أهم بؤرة لصراع القوتين الارهابيتين ؛القضية الفلسطينية والشرق الاوسط. وبين ذلك الحزب أيضا خطأ "وضع القوتين (أي اسرائيل وحزب الله) على قدم المساواة" و" في سلة واحدة" على اساس ان اختطاف حزب الله للجنديين الاسرائيليين كان "حجة" لشن اسرائيل الحرب. واخيرا اكد انتماءه التام الى مواقع اليسار التقليدي باعتباره لتلك الحرب هي حرب "هيمنة امريكية على المنطقة" وجزء من "مشروع الشرق الاوسط الكبير" معيدا نفس مواقف كورش مدرسي التي صدرت ابان حرب الخليج الاولى عام 1991 أثر المواجهة العسكرية بين التيار القومي العربي من جهة والغرب بزعامة امريكا من جهة اخرى بعد احتلال صدام حسين للكويت. وبالضد من مواقف منصور حكمت فان كورش مدرسي مازال  يحاول تمرير تحليلاته السابقة نفسها حينما كان التيار القومي العربي هو المواجه للغرب  في الشرق الاوسط بينما لم ينشأ الاسلام السياسي بعد كقطب عالمي  مباشرة بعد سقوط الكتلة الشرقية.

 

لم الهجوم الان؟

 

هجوم حزب ريبوار احمد على موقف الحزب الشيوعي العمالي الايراني  حول قضية الحرب يهدف تحديداً الى تغطية موقف حليفه التيار اليميني المنشق بزعامة كورش مدرسي من تلك الحرب. فقد اعتبر كورش مدرسي حزب الله في تلك الحرب جزءاً من "المقاومة" ضد اسرائيل. وبين في عدد من المواقف ان حزب الله يتمتع بقدرة ونفوذ جماهيري ويقوم ببناء المدارس والمستشفيات ويقدم الاعانات وله شعبية و انه يمثل الجماهير في التصدي للهيمنة الامريكية.

 

هذا الموقف الرجعي الواضح لكورش مدرسي من حزب الله احد اهم اركان الاسلام السياسي في المنطقة اليوم اثار انتقادات داخل اوساط حزبه واعتبر ميلاً يمينياً وابتعاداً عن الشيوعية العمالية. تبرع حزب ريبوار للقيام بــ" هجومه الاجهاضي" الاستباقي على الحزب الشيوعي العمالي الايراني كمحاولة لتغطية مواقف كورش مدرسي اليمينية ازاء حزب الله و انقاذ موقفه المنحاز الى الاسلام السياسي.

 

أي الموقفين منحاز؟

 

تعتبر قيادة حزب ريبوار ان موقف الحزب الشيوعي العمالي الايراني (المندد بطرفي الصراع - أي دولة اسرائيل وامريكا من جهة وحزب الله والاسلام السياسي من جهة اخرى) "يصب الماء في طاحونة امريكا واسرائيل". لكن المنطق يطلب منهم الرد على السؤال التالي: أي الموقفين منحاز؟ هل موقفهم هم ام موقف الشيوعية العمالية؟. لا يتطلب الامر اكثر من قدرة بسيطة على الاستنتاج: الحزب الشيوعي العمالي الايراني يندد بكلا الطرفين بكل وضوح؛ جيش دولة اسرائيل وميليشيات حزب الله معاُ. بينما كورش مدرسي و حزب ريبوار احمد ينددان بطرف واحد فقط هو امريكا واسرائيل (الامبريالية) ويسكتان عن حزب الله وحماس معتبرين ان الحرب هي من جانب واحد. ورغم ذلك يعتبر حزب ريبوار موقف الشيوعية العمالية مواليا لامريكا واسرائيل رغم تنديدها بطرفي الصراع معاً، ولا يعتبر موقفه وموقف شريكه حزب كورش مدرسي مواليا للاسلام السياسي والرجعية وهم ينددون بامريكا واسرائيل فقط!!. ان حزب ريبوار احمد بتنديده باحد طرفي النزاع فانما يقف وفي الاوضاع المشخصة الحالية موقفا مؤازراُ لحزب الله وقوى الاسلام السياسي الاخرى ويتخندق معهم بلا مواربة. اما الحزب الشيوعي العمالي الايراني فان تنديده بكلا الطرفين صريح ودعوته للنضال ضدهما بلا هوادة  جلية.

 

هل تقيم الحرب من خلال "عدد ضحاياها" ام نتائجها السياسية؟!

 

وفي معرض تبريره على اعتبار الحرب " احادية" و" امبريالية" يعتبر حزب ريبوار انه لا تجوز المقارنة بين قوتي الارهاب الاسرائيلي والاسلامي لانهما متباينتين كماً. بعبارة اخرى ان القوة العسكرية الاسرائيلية وحشية وضخمة الى درجة لا يمكن مقارنتها بقوة حزب الله (وصواريخ الكاتيوشا). صحيح ان اسرائيل مارست وحشية لم يسبق لها مثيل وقتلت المدنيين ودمرت لبنان بما لا يقاس بما قام به حزب الله في المدن الاسرائيلية الا ان ذلك ليس هو بيت القصيد. ان محور تحليل الحرب لا يأتى من خلال مقارنة القدرة التدميرية او عدد الضحايا البشرية في كلا الطرفين. ما يجب اخذه بنظر الاعتبار عند تحليل الوضع في حرب اسرائيل وحزب الله هو الاهداف والمرامي السياسي لطرفي الصراع لا قدرتهما على قتل البشر وبالتالي الحكم الساذج بجواز او عدم جواز المقارنة بينهما. ان المقارنة العددية والكمية تدل على ان حزب ريبوار يحاول ان يخفي نقده السياسي لحزب الله من اجل تبرير موقفه السياسي العام المساوم لقوى السيناريو الاسود في العراق ومنها قوى الاسلاميين الرجعية. ولو صحت مقولات حزب ريبوار احمد حول القدرة الكمية لقوتي أي صراع او حرب لما جاز لمنصور حكمت الحديث عن صراع قطبي الارهاب امريكا والاسلام السياسي في " العالم بعد 11 ايلول" لان دولة امريكا وجيشها وحسب تحليلات ذلك الحزب تتمتع بامكانيات تدميرية هائلة واكبر بما لا يقاس من امكانيات تنظيم مثل القاعدة ومجاميع الاسلام السياسي المقاتلة لامريكا. ان أي تحليل جدي لصراع عسكري يجب ان يرتكز على النتائج السياسية المحتملة والمآل التي ستؤول اليها تلك الحرب ونتائجها على الجماهير والمنطقة والاوضاع السياسية. وقد بين الحزب الشيوعي العمالي الايراني ان تلك الحرب وبذلك المنظار حرب رجعية.  لو كان لحزب الله قدرة صاروخية اكبر او اكثر فتكاُ او لديه طائرات مقاتلة او مدفعية او راجمات صواريخ  فهل كان سيكون هناك ادنى شك في انه كان سيستعمل تلك القوة لقتل اكبر ما يمكن من المدنيين في اسرائيل واحداث اكبر قدر من الدمار؟!. لم يخف أي مسؤول في حزب الله رغبته في قتل اكبر ما يمكن من المدنيين تماماً كما فعلت اسرائيل - الفرق هو ان اسرائيل استطاعت ان تقوم بما تريد بينما حزب الله نفذت قدرته التدميرية. لقد اطلق حزب الله في اليوم الاخير وقبل وقف اطلاق النار بينه وبين الجيش الاسرائيلي 240 صاروخ على شمال اسرائيل في زيادة عددية كبيرة عن الايام السابقة لهذا اليوم. ماذا يعني ذلك؟ يعني ان صواريخه كانت في حالة نضوب متسارع وعندما ادرك بان الحرب على وشك التوقف قرر دفع كل ما في ترسانته من اجل قتل اكبر ما يمكن من البشر على الجانب الاخر.

 

ان مقولة عدم وضع القوتين او الطرفين على "قدم المساواة" هي حجة تقدم من اجل تبرير عدم نقد حزب الله وحماس للتغطية على اسباب استدارتهم نحو اليمين وبدء عملية المساومة والدبلوماسية مع قوى الاسلام السياسي. ولا علاقة لتلك المقولة بواقع الصراع والحرب ونتائجها العملية بل بمواقف ذلك الحزب وحلفاءه من التيار اليميني المنشق لكورش مدرسي من الاسلام السياسي والرغبة في عدم مسه بالنقد والسكوت عنه وتبرير مواقفه.

 

بين حزبنا والحزب الشيوعي العمالي الايراني ماهية تلك الحرب بانها رجعية سياسياً لانها ستقوي من الرجعية في كلا الطرفين وخاصة قوى الاسلام السياسي في الشرق الاوسط وتمنحه دماء جديدة من اجل البقاء وتجديد قواه وادامة نفوذه على المسارات السياسية وهيمنته على الاوضاع ليس في لبنان فحسب بل في فلسطين وايران والعراق وسوريا وبقية الشرق الاوسط.  ومن جهة اخرى ذكر الرفيق حميد في مقالته حول الحرب ** انها كانت ستظل رجعية بالمعنى السياسي حتى ولو لم تسقط فيها ضحية واحدة. ولكن الحرب بين اسرائيل وحزب الله كارثية من الناحية الانسانية ايضاً وخاصة ضد جماهير لبنان. الا ان كون الحرب كارثية انسانياً  لا يعني ان نقيم تحليلنا السياسي على تلك الاعتبارات. وعلى سبيل المثال سبق ان وقفت حركتنا من صراع امريكا مع الطالبان موقفا مختلفاً وبينت ان تلك الحرب بين الطرفين الرجعيين ستؤدي الى اضعاف او سحق حركة الطالبان باعتبارها حركة شديدة الوحشية والرجعية ومعادية للجماهير في افغانستان وان اثار اقتلاع حركة الطالبان ستكون حتماُ لصالح جماهير افغانستان. وفي نفس الوقت نددت بشدة بقتل المدنيين الابرياء في تلك الحرب.

 

حرب اسرائيل على لبنان وحل القضية الفلسطينية: السؤال المحوري

 

وقد استعمل حزب ريبوار احمد القضية الفلسطينية كوسيلة للهجوم على الحزب الشيوعي العمالي الايراني وحركة الشيوعية العمالية متهما اياها بوضع شروط لحل القضية الفلسطينية، وانها "تقلب" المعادلة في طرح منصور حكمت حول ان القضاء على جذر الاسلام السياسي يتطلب انهاء معاناة جماهير فلسطين من خلال ايجاد دولة فلسطينية وبلا شروط. ذلك الطرح لحزب ريبوار احمد هو مثال صارخ للفهم الميكانيكي المسطح لطرح منصور حكمت وعلاقة الاسلام السياسي بالقضية الفلسطينية كما وضحها في ابحاثه. ان العلاقة بين الظواهر علاقة ديالكتيكية (تفاعلية) لا علاقة ميكانيكية خطية (سبب ونتيجة). ان السؤال المحوري الذي يجب طرحه اليوم لا يتعلق بنوع الحل ، فالعديد من القوى اليوم ترى ان الحل يكمن بانشاء دولة متساوية الحقوق للفلسطينيين مجاورة الى دولة اسرائيل، ان السؤال الجوهري يتعلق بطريقة الوصول الى هذا الحل او التكتيك السياسي أي: كيف يمكن الوصول اليوم الى تحقيق الدولة الفلسطينية متساوية الحقوق ؟. ومن ذلك يمكن الاستدراك : من تلك الاطراف الفاعلة في القضية الفلسطينية تشكل عقبة اليوم في مسار تحقيق تلك الغاية؟. هذا سؤال سياسي وليس نظري. الجواب عليه يضع طرح الشيوعية العمالية في مساره الصحيح ويزيل العقبات عن ذلك المسار. ان طرفي القضية هما اليوم عقبة بوجه انجاز ذلك الحل؛ كل من حكومة اسرائيل اليمينية وحماس الاسلامية. ان حكومة حماس اليوم هي في السلطة وهي ترفض الاعتراف باسرائيل أي ترفض ايجاد حل قائم على التفاوض. ولسنا بحاجة الى ان نبين موقف دولة اسرائيل التاريخي المعيق لحل المسألة الفلسطينية. لقد ماطلت تلك الدولة طويلا ضد حل القضية الفلسطينية ورفضها لاقامة أي دولة فلسطينية (متساوية الحقوق لا ملحقة بدولة اسرائيل). ان الرفض اليوم يأتي من جانب الاسلام السياسي الذي وصل الى السلطة بعد ان قبلت القوى القومية الفلسطينية ومنها فتح والفصائل المنظوية تحتها ورئيسها السابق عرفات والحالي محمود عباس بوجود دولة اسرائيل والتفاوض معها على هذا الاساس. ان حماس عقبة امام طرح الدولة الفلسطينية وهي ممثل لتيار الاسلام السياسي الذي يعتبر ان اسرائيل دولة غير شرعية ويجب رميها في البحر ولا مجال للاعتراف بها باي شكل. ان الحزب الشيوعي العمالي الايراني وحزبنا الشيوعي العمالي اليساري العراقي يبين وبوضوح كامل وغير مهادن او متستر بديماغوجيا البرجوازية "المقاومة"  للجماهير بان الاسلام السياسي هو عقبة بوجه امال الجماهير الفلسطينية وتطلعاتها في حياة افضل ويدعوا من هذا المنطلق الى ازالة تلك العقبة بالنضال ضدها بلا هوادة.

 

باي منهج بامكاننا فهم العلاقة بين القضية الفلسطينية و الاسلام السياسي؟

 

ان القول بان الاسلام السياسي هو نتيجة للقضية الفلسطينية وليس العكس لا يعني مطلقاً بان الاسلام السياسي نفسه  ليس عقبة امام حل الدولة الفلسطينية. فقط من يرى الظواهر بمنظار ميتافيزيقي بامكانه القول بان الاسلام السياسي اليوم يمثل نتيجة سلبية وغير متفاعلة لعدم التوصل الى حل الى القضية الفلسطينية وهو بانتظار حل القضية الفلسطينية لكي يحل نفسه  وبشكل تلقائي اثرها!. ان العلاقة بين القضية الفلسطينية والاسلام السياسي تتطلب فهما ديالكتيكيا لتلك العلاقة لا الميتافيزيقي الذي ينظر الى الظواهر كتراكمات كمية متجاورة او تحكمها علاقات سببية مباشرة. الا ان حزب ريبوار احمد ومن خلال ذلك يود ان يقول بان قوى الاسلام السياسي هي قوى حل القضية الفلسطينية لا قوى عرقلة. أي انها جزء من الحل لا من المشكلة !. وعلى هذا الاعتبار يبني مواقفه الواهمة ازاء الاسلام السياسي وبقية قوى السيناريو الاسود في العراق.

 

المجتمع الطبقي والدين – السبب والنتيجة

 

ان الماركسية قد اوضحت لنا كيفية تحليل الواقع السياسي والاجتماعي بطريقة ديالكتيكية. من خلال الماركسية استطعنا ان ندرك علاقة الدين بالمجتمع الطبقي على سبيل المثال ( وبدرجات متفاوتة من التجريد النظري). فالدين هو نتيجة للتقسيم الطبقي للمجتمع. وبالتالي فان انهاء الدين بشكل كامل (او جعله مسألة شخصية باخراجه من الميدان الاجتماعي) سيأتي بعد القضاء على المجتمع الطبقي. ولكن وفي نفس الوقت فان الفهم الديالكتيكي يبين بان الدين، وفي نفس الوقت، يلعب دوراُ عائقاُ وكابحاً امام مسار قوى التغيير (الطبقة العاملة والجماهير المستغلة – بفتح الغاء) من اجل انهاء المجتمع الطبقي نفسه والقضاء على الرأسمالية. ان نقد الشيوعية للدين على هذا الاساس يهدف الى ازالة عقبة امام الجماهير الطامحة في القضاء على المجتمع الطبقي وتحقيق مجتمع المساواة. وبنفس الطريقة، بامكاننا فهم علاقة التمييز بالمجتمع الطبقي. فاقامة المساواة الكاملة بين المرأة والرجل مستحيل دون ازالة الطبقات (اساس التمييز الجنسي المعاصر). ولكن ، وفي نفس الوقت فان القضاء على الطبقات يتطلب النضال بلا هوادة من اجل تحقيق المساواة الكاملة اليوم وفي هذه اللحظة بين المرأة والرجل وازالة هذه العقبة البرجوازية من طريق الجماهير ونضالها لانهاء المجتمع الطبقي واقامة مجتمع حر ومتساو. فقط بهذا المنطق الديالكتيكي الحي وضع ماركس نقد الدين في اعلى مكانة لنقد المجتمع البرجوازي وتحطيم بنيته الايديولوجية. حزب ريبوار احمد وبمنهجه الميتافيزيقي يرى ان نقد الدين وقواه الكابحة سيضع شرطاُ "امام الجماهير" لتحقيق مجتمع بلا طبقات !!. وهنا قد رجعوا بالنقد الى مرحلة ما قبل"الايديولوجيا الالمانية"***.!

 

الدولة الفلسطينية المتساوية الحقوق والدولة العلمانية في العراق: مقاربة لنفس المنهج التساومي من الاسلام السياسي

 

حزب ريبوار احمد يود توفير المبرر النظري لممارساته السياسية المساومة في العراق ايضا. انه يحاول خلق انسجاماً بين نظريته وبراكتيكه السياسي؛ تحقيق دولة علمانية ولا قومية عن طريق تساومي غير راديكالي مع قوى معادية للعلمانية. هذا غير ممكن. لسنا بحاجة الى اعادة التأكيد على تجربتهم العملية في هذا المجال. ان تاكتيكهم نابع من "بحوث" كورش غير القابلة للتطبيق في ايران بحكم الظروف: أي بحوث الائتلاف مع القوى الرجعية الاخرى من اجل اكتساب القوة عن طريقها. وكما ان الحزب الشيوعي العراقي قد وضع نفسه في خندق الاسلام السياسي والقوميين وصار يناضل من متاريس الرجعية و"برلماناتها"، فان حزب ريبوار احمد يناضل هو الاخر خارج مؤسسات الميليشيات الرجعية الحاكمة عن طريق المساومة مع قوى هي ذاتها معادية للعلمانية وللجماهير وتشكل جزء مهم من قوى السيناريو الاسود في العراق. ان هدف تحقيق الدولة العلمانية في العراق او الدولة الفلسطينية متساوية الحقوق في فلسطين او اسقاط الجمهورية الاسلامية في ايران يتطلب تكتيك سياسي ماركسي وراديكالي يحشد القوى اليوم ضد قطبي الصراع الارهابي الرجعي العالمي. علينا توضيح العقبات المادية الحقيقية امام طريق الجماهير لانشاء الدولة العلمانية وغير القومية في العراق من اجل تخطيها فوراً. اننا وللاسباب الواردة نطالب بنزع سلاح القوى والميليشيات والمجاميع الاسلامية والقومية والعشائرية وبشكل متساوق مع مطلب اخراج القوات الامريكية والبريطانية من العراق باعتبارهما عقبتين ماديتين وواقعيتين امام انشاء الجماهير لمثل تلك الدولة. اما حزب ريبوار احمد فانه يعارض محور امريكا والغرب فقط في العراق دون ان يحدد منهجه لانقاذ الجماهير من الاسلام السياسي والقوميين في العراق او أي اعتبار لكون تلك القوى تقف عقبة امام انشاء دولة علمانية وغير قومية. ان منظمة "مؤتمر حرية العراق" هي مثال ساطع على "اليسارية التقليدية" المعادية للامبريالية والتي تكتسب في سياق الاوضاع في العراق اليوم ابعاداً اكثر رجعية.  ان موقف الشيوعية العمالية هو في التصدي والنضال ضد قوتي الارهاب العالميتين أي دولة امريكا ومحورها والاسلام السياسي وتشعباته وفي القضية الفلسطينية قلب الصراع بين تلك القوتين فاننا نشدد من ذلك الموقف والنضال.

 

الحرب حلت معضلات اقطاب الاسلام السياسي في المنطقة وقوت نفوذهم

 

لقد ساعدت حرب اسرائيل وحزب الله اقطاب الاسلام السياسي في المنطقة على حل معضلاتهم السياسية ومأزقهم. فالجمهورية الاسلامية كانت تواجه مأزق الملف النووي الذي استطاعت اسرائيل مساعدتها على طيه من خلال هجومها العسكري الكاسح على لبنان. بينما كان حزب الله يعاني من تراجع نفوذه السياسي وافلاس سياساته القائمة على "التحرير" و" العدو الصهيوني" الخ. لقد عرف حزب الله تماماُ بان مواجهته مع اسرائيل واختطافه للجنديين الاسرائيليين سيؤدي الى مواجهة والى ازمة خطيرة لانه يدعي معرفة"خصمه اللدود". كان مدرك تماما لما يفعل وعرف ان الحرب ضرورية له لانقاذ وضعه ومشاكله (ومن يمثل اقليمياً) داخل لبنان. ربما لم يكن يتصور "حجم" الرد ولكنه عرف بان الازمة مع اسرائيل ستزيد من نفوذه ولهذا قام بما قام به من تصعيد. اما سوريا فهي الاخرى كانت في مأزق ووضع متراجع بعد اظطرارها بضغط امريكي الى الانسحاب من لبنان والانكفاء داخل حدودها وهي اليوم في مواقع افضل بكثير من السابق حتى داخل لبنان نفسه. وكذا الامر لحماس والتي كانت تعاني من مأزق "الاستفتاء" الذي طرحه محمود عباس و"الرئاسة الفلسطينية" كحل للازمة السياسية في الاراضي الفلسطينية واستعادت شعبيتها التي كانت قد بهتت كثيرا قبيل هذه الحرب.  وكذلك الامر في العراق حيث تم رفع صور حسن نصر الله جنبا الى جنب مع مقتدى الصدر وتم استعادت الروح القتالية للاسلام السياسي الشيعي في العراق ضد امريكا ونظمت التظاهرات الكبيرة لاستعراض قواه في العراق. وباختصار وجدت قوى الاسلام السياسي في الحرب الاسرائيلية فرصة سانحة لاستعادة مواقعها المفقودة وافلاسها الجماهيري وانسداد افاقها داخل مجتمعاتها وهي اليوم اكثر قوة جراء تلك الحرب من السابق. لم يأت حزب ريبوار على ذكر هذه التداعيات السياسية للحرب وانما اكتفى وبشكل ساذج بمقارنة الاثار الانسانية لتلك الحرب والدمار الحاصل وخاصة في لبنان باعتبار ان اسرائيل هي الاقوى والاكثر قدرة تدميرية في تلك الحرب.

 

استنتاج

 

بموقفه الجديد فان حزب ريبوار احمد والتيار اليميني للمنشقين بقيادة كورش مدرسي يخطوان خطوة اخرى الى الوراء باعلان مساومتهما مع الاسلام السياسي وذلك بالتأكيد يشكل انعكاساً لمواقفهم التساومية في العراق، ولكنه وبنفس الوقت اعلان اخر لهم بان الطريق الذين سلكوه يزيدهم بعداً عن مسارات الشيوعية العمالية ويساهم في ايجاد المبررات والذرائع لقوى الاسلام السياسي لاستمرار وجودها وزيادة نفوذها داخل المجتمع. ان الشيوعية العمالية تتصدى لقطبي الرجعية والارهاب في المنطقة معاً لانها تعتقد بان طريقاً ثالثا يجب رسمه للجماهير. ان معسكر الجماهير المتمدنة – المعسكر الثالث بامكانه وحده دفع القوتين الرجعيتين والارهابيتين في المنطقة الى الوراء وبالتالي يزيد من فرص تدخل الجماهير في حل قضاياها سواء في فلسطين او لبنان او العراق او ايران او عموم الشرق الاوسط.

 

————————————————

* بيانه الاخير حول الحرب بين اسرائيل وحزب الله.

** انظر العدد 49 من نحو الاشتراكية - هجوم اسرائيل على جماهير لبنان كارثة سياسية وانسانية، يجب ان يتوقف القتل الجماعي الآن  - حميد تقوائي

*** الايديولوجيا الالمانية مؤلف لماركس وانجلز نشر لاول مرة في ثلاثينيات القرن العشرين وفيه وضعا اسس المادية التاريخية و الديالكتيك ونقدا بحدة الاتجاهات الميتافيزيقية للفكر في المانيا.