مواجهة الفقر في العراق، مسألة سياسية !

حسب احصاءات رسمية يوجد في العراق 10 ملايين انسان تحت خط الفقر

عصام شكــــري

ishukri@gmail.com

 

كشف رئيس اللجنة العليا للتخفيف من الفقر يوم الاثنين 24 ايار 2010 عن وجود قرابة 10 مليون عراقي يعيشون دون خط الفقـر.

واضاف ان خط فقر الغذاء في العراق هو 34,250 دينار اي حوالي 29 دولار شهريا. اما خط فقر السلع والخدمات غير الغذائية فقد حدد ب 42,646 اي 36.2  دولار امريكي بما مجموعه  76,896دينار اي حوالي 65.2 دولار امريكي شهريا وهو ما يمثل مستوى خط الفقر في العراق. وقال نفس المسؤول ان هناك بالتحديد 9.6 مليون انسان في العراق يعيشون تحت هذا الدخل، اي ان دخلهم الشهري اقل من 65 دولار.

 

واللجنة العليا للتخفيف من الفقر هي هيئة شكلت بالتعاون بين وزارة التخطيط و البنك الدولي لتوضيح الواقع الاقتصادي في العراق.

وهنا نورد عدة ملاحظات حول ما يسمى بتخفيف الفقر:

 

1)  المجتمع في العراق ليس محطما اجتماعيا وسياسيا فحسب بل قد حطموه اقتصاديا. ومعيشيا فالجماهير العمالية والكادحة والمحرومة وملايين النساء لا تعاني فقط من ارهابهم وتفجيراتهم وقتلهم الجماعي وميليشياتهم الاسلامية والقومية والعشائري والهمجية بل من افقارهم وتجويعهم وسلبهم لحقوقهم المعيشية وكل مكتسباتهم وتحت تسمية   ”الفقر“.

2)  ولنفكركيف انهم يستخدمون كلمة الفقر وكأنها ناتج عرضي لعملية طبيعية !. يجب ان نمعن التفكير في معنى ان تشكل هذه السلطة الميليشياتية التي انهالت على المجتمع تمزيقا وترويعا وتهجيرا وتفجيرا وافقارا لجنة بمعية اكبر مؤسسة لصوصية عالمية للتخفيف من الفقر!. ولكن، من المسؤول عن الفقر ؟ هل القوات الامريكية؟ ميليشيات مقتدى الصدر؟ تنظيمات القاعدة؟ اياد علاوي وجماعة القوميين العرب والاسلاميين في جبهة التوافق وبقية ”المشايخ“، نوري المالكي ام عمار الحكيم وميليشياته ؟ ام اصحاب القصور الفاحشة الثراء على رؤوس جبال كردستان المليئة بالمسابح والمتزهات بعشرات الكيلومترات ؟ من المسؤول عن الفقر الان في العراق؟.  وهنا ايضا اود ان اسأل مادخل البنك الدولي في العراق؟ ولم يمد خزانة الميليشيات بملايين الدولارات ويسجلها ديونا بفوائد باهظة؟ اليس لديهم ما يكفي من اموال النهب والسرقات ليدعموا على الاقل البطاقة التموينية ويبنوا مجمعات سكنية  بحدود انسانية دنيا ؟ ما انجازات البنك الدولي على صعيد مكافحة او تخفيف الفقر في اي بقعة من العالم ؟. خذوا اي دولة ”حررها“ البنك الدولي وستروا مافعله بجماهيرها العمالية والكادحة وحالة الافقار الفظيعة التي خلفتها ”برامج التنمية“؛ من مصر الى البرازيل ومن افريقيا الى روسيا والصين والارجنتين، ملايين العمال العاطلين والفقراء والمحرومين وديون متراكمة تعجز الدول عن سداد اجزاء من فوائدها. لم يقدم البنك الدولي طوال تاريخه غير المشرف سوى السياسات التقشفية والشروط التسليفية الحقيرة التي تشترط الخصخصة للادانة. فهل ان مثل هذه المؤسسات ستحل مشكلة الفقر في العراق وهي جزء من قوى الافقار والاستغلال العالمي؟. اسألوا اي انسان يعمل في منظمات اليونسكو او بقية المنظمات الانسانية الدولية وسيقول ان العالم يعيش في كارثة وان هذه المؤسسات المجرمة هي المسؤولة عن تلك الكارثة. وها هم يتحدثون اليوم عن تخفيف الفقر في العراق وكأن الفقر قد هبط من السماء وليس بفعل سياساتهم الاجرامية، لبث الرماد في عيون العمال والكادحين والمحرومين والظهور بمظهر المخلص والمنقذ للجماهير من الفقر.

3)   نقطة اخرى تتعلق بدقة الاحصاءات الواردة في عمل تلك اللجنة. ان من المشكوك به جدا ان تلك الارقام واقعية. فمن جهة فان العينات التي يتم اخذها في هذا الصدد لها مشاكل جدية  حتى في الدول والمجتمعات العادية فما بالك بمجتمع يقتل فيه الناس بسبب اسماءهم ! يفجر فيه الاطفال في الاسواق؟ وتتناثر فيه جثث المارة على الارصفة وعلى واجهات المحلات؟. يضاف الى الاوضاع غير الطبيعية  ان اجراء الاحصاء من قبل لجان مشكلة من قبل الدولة الميليشياتية نفسها وليس مؤسسة بحثية او جامعة مستقلة يعني واقعيا ان الارقام ستتعرض الى التغيير لتلائم الهدف السياسي لتلك السلطة ولاظهار  الفقر بشكل ”مناسب ومعتدل“. فمن يريد ان يظهر عجزه عن توفير الحياة اللائقة ؟

4)  العراق فيه اعلى نسب بطالة للعمال في العالم وفيه اجواء وظروف حرب ودمار وقتل ووضع المرأة فيه في الحضيض وكذلك وضع الاطفال والشباب والطلبة في اسوأ احواله. هناك تراجع شامل على كل الاصعدة؛ الخدمات والصحة والتعليم واالفساد في الادارات واجهزة ما يسمى الدولة وهناك غلاء الاسعار مقارنة مع الدخول والجمود في معظم مفاصل الاقتصاد. في العراق الناس لا تشرب المياه النظيفة والكهرباء ليست موجودة في كل المناطق او في كل الوقت بشكل طبيعي والملايين يعيشون في بيوت لا تمتلك ادنى المواصفات اللائقة بالسكن وحتى ضمن نطاق ما يسمى دول العالم الثالث. دخول الناس لا تسمح لهم بدفع الايجارات المرتفعة او وان من المرجح بشكل مؤكد ان نسبة الفقر داخل الطبقة العاملة العراقية اكثر بكثير من الارقام المعلنة ولا اتصور انه سيكون اقل بكثير من 20 مليون انسان في الواقع.

5)  وفي كل الاحوال ولنفترض ان ما يقولونه صحيح فان هناك الان وحسب اعتراف تلك السلطة 10 ملايين انسان جائع في العراق ؛ ملايين من الاطفال والنساء والشباب والرجال يعيشون على الكفاف ولا يدرون كيف سيسدون رمقهم ورمق اطفالهم  في اليوم التالي ولا من اين سيدفعون الايجار او اجرة النقل. ان عشرة ملايين انسان هو ثلث سكان العراق. اي ان ثلث سكان العراق جوعى ويعانون في فقر مدقع!. ولكن هل ان الجماهير التي دخولها تقع فوق خط الفقر بقليل مرفهة وليست فقيرة ؟ كم عدد هؤلاء البشر؟ 5 مليون، 10 مليون اخرى ؟!

 

******

ليس سبب الفقر في العراق اقتصاديا بل سياسيا. فلو كانت الاوضاع طبيعية والسياسة مستقرة والمجتمع طبيعي لقلنا ان الاسباب اقتصادية وتتعلق بالنضال ضد الدولة او الرأسماليين من اجل تحسين الاوضاع ورفع مستوى الاجور او الخدمات ولكن الاوضاع تسيرها الميليشيات وهي كارثية على كل صعيد وبالتالي فان الجوع والفقر هي نتائج للوضع الاجتماعي—السياسي الكارثي وليس العكس.

 

القوى الحالية ليست قادرة على حل الوضع السياسي بمعنى تشكيل الدولة المتعارفة وارجاع المجتمع الى الحالة الطبيعية وبالتالي فان تشكيل عشرات اللجان لن يحل ابسط مشكلة اجتماعية ناهيك عن الفقر او البطالة او الفساد او ظواهر فظيعة كجرائم قتل النساء بداعي الشرف والمتاجرة بالجنس للالاف من الفتيات   او  اسلمة المجتمع ب“البغاء المستتر“ المسمى زواج المتعة او الصيغة او تعدد الزوجات واستشراء المخدرات وترك ملايين الطلبة لمقاعد الدراسة وغيرها.

 

ان الفقر في مجتمع حطموه بالدبابات والهامرات والطائرات الامريكية وزرعت فيه الميليشيات والعصابات الاسلامية والقومية والعشائرية والطائفية وجمعوا فيه كل حثالات الارض وسحقوا حقوق المرأة واحلوا الشريعة الاسلامية البربرية  والقوانين العشائرية محل القانون المدني والمجتمع الممزق طائفيا ودينيا محل المجتمع المدني ووضعوا ملله اسلامي وئيس عشيرة في كل زقاق ليس سوى مظهرا اخر من الكارثة الواسعة التي تعيشها الطبقة العاملة في العراق على ايدي هذه الحفنة الرجعية.

 

ان الفقر مسألة سياسية في العراق وان نضالنا ضد الطبقة المستغِلة يجب ان يكون، على ذلك الاعتبار نضالا سياسيا لا مطلبيا محدودا او جزئيا، ناهيك عن تركه بيد نفس القوى التي اجرمت بحق الجماهير وجوعتها وانتهكت حقوقها. ذلك لا يعني مطلقا عدم  خوض النضال الاقتصادي من اجل تحسين ظروف معيشة الجماهير باقصى الحدود ولكنه يعني فقط تحويل النضالات المطلبية والاحتجاجية للطبقة العاملة والجماهير المعترضة الى جزء غير منفصل عن نضال سياسي اوسع بكثير  تشنه الطبقة العاملة ضد الطبقة البرجوازية المستغِلة من اجل ازاحة بدائلها واحلال البدائل الانسانية محلها؛ نضال سياسي لانهاء كل الكارثة التي احلوها في العراق وليس اجزاء او عوارض تلك الكارثة.

 

ان ذلك النضال السياسي للطبقة العاملة يتخذ بالضرورة اليوم شكلا اشتراكيا ويجب ان يشن على اوسع جبهة اجتماعية؛ نضال من اجل المساواة  والحرية بين كل البشر، باوسع معاني المساواة واكثرها راديكالية، بكل الاشكال وفي جميع المجالات، نضال يستجلب اوسع الجماهير العريضة الى ميدان الصراع من اجل استرجاع ارادة المجتمع المسلوبة.

النضال السياسي الاشتراكي هو المسار الصحيح لحل مسألة الفقر وانهاء كل الدمار الذي جلبته هذه الطبقة الوحشية للمجتمع في العراق . ذلك النضال يمتلك اداته السياسية في العراق وهو الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي. ساندوا حزبكم من اجل الفوز بالحرية والمساواة والرفاه.