لقاء تلفزيون المعسكر الثالث مع عصام شكـــري  حول استقالة الجنرال مشرف والاوضاع في الباكستان

 

 

باتي دي بونيتاس: اهلا بكم في تلفزيون المعسكر الثالث. اليوم سنلقي نظرة على الباكستان والتطورات المثيرة للاهتمام هناك. يبدو لي ان هناك 4 عناصر قد حدثت هنا اولها استقالة الجنرال مشرف وثانيها ان التحالف الحاكم قد حرم تنظيم طالبان في باكستان وثالثها انهم قد اعادوا بعض القضاة الذين خلعهم مشرف من مناصبهم في نوفمبر الماضي واخيرا ترك نواز شريف من حزب الرابطة الاسلامية للتحالف الرباعي. معي على الخط عصام شكـــري سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي اليســاري العراقي للحديث معه حول الامر. اهلا بك عصام.

 

عصام شكـــري: اهلا بك.

 

باتي دي بونيتاس: عصام، انها اوقات مثيرة للاهتمام في الباكستان اليوم. ماذا تعتقد لم استقال مشرف الان؟

 

عصام شكـــري: ان استقالة مشرف جاءت نتيجة ضغط التحالف الرباعي وفي نفس الوقت، ضغط الغرب، بسبب التهديد باقالته من قبل البرلمان في حال حصولهم على عدد الاصوات الكافي للمضي في عملية الاقالة. وقبل ان يحدث ذلك قرر مشرف ان يقدم استقالته في خطابه التلفزيوني في 18 اب. ولكن قبل ان اسهب في الحديث عن ذلك اود ان اشير الى مسألتين: اولهما ان دولة الباكستان قد تم اقتطاعها من الهند قبل 61 سنة على اساس ديني، لكون الباكستان هي الجزء المسلم من الهند، وعلى هذا الاساس تم عزلها من الهند في العام 1947 وتأسيس دولة مستقلة. هذا يعطينا خلفية تاريخ هذا البلد وتأسيسه. وثانيا اود الاشارة الى ان الجنرال مشرف الذي اصبح جزءا لا يتجزأ من حرب جورج بوش والحكومة الامريكية اليمينية على الارهاب بعد 11 أيلول كان في الواقع حليف قوي للطالبان قبل 2001. ذلك يوضح ان الجنرال مشرف قد غير موقفه بشكل حاد بعد احداث 11 ايلول لكي يكون جزء من سياسة الولايات المتحدة الرجعية والعسكريتارية اثناء الحرب واحتلال افغانستان والعراق ومن ثم تحول الباكستان الى واحدة من نقاط المواجهة الساخنة بين قطبي الارهاب العالميين؛ اي امريكا من جهة والاسلام السياسي من جهة اخرى. اعتقد ان استقالته جاءت لاسباب متنوعة، ولكن السبب الاساسي لاستقالته، برأيي، جاءت بسبب انهيار النظام العالمي الجديد لامريكا وافلاس سياساتها، اي ان امريكا بعد فشلها في العراق الذي شكل ويشكل حلبة الصراع الاساسية، قد استغنت عن مشرف وبرأيي ذلك هو السبب الاساسي لاستقالته وتنحيه. ان البرجوازية؛ سواء المحلية في الباكستان او العالمية وتحديدا في الولايات المتحدة قد قررت ان هذا الشخص ونموذجه الذي يعتمد على الجيش وفي هذه المرحلة لم يعد صالحا لتمثيل مصالحها في الباكستان وجنوب غرب اسيا وخاصة ان الباكستان تجاور افغانستان والعراق بؤرتي الصراع. تلك العوامل برأيي تمثل موضوعيا الاسباب التي دفعت مشرف للاستقالة، بعد شعوره بالضغط من قبل الغرب والتحالف الرباعي الذي يتزعمه كل من حزب الشعب والرابطة الاسلامية، وقد بينت في مقدمة البرنامج ان التحالف نفسه هو تحت تحت الضغط وان اول الاعراض ذلك الضغط هو انسحاب نواز شريف وانظمامه الى الجبهة الاسلامية. ان التحالف بين الرابطة الاسلامية وحزب الشعب قد املته شروط بقاء تلك القوى على الساحة السياسية وبالتالي فانه بزوال اهدافهم التاكتيكية ( بازاحة مشرف ) فان من المحتمل ان ينحل التحالف وينهار.  ربما سنشهد خلال الايام القليلة القادمة اختلافات اخرى بين عناصر هذا التحالف ودخول الباكستان في حالة من عدم اليقين.

 

باتي دي بونيتاس: اعتقد انك ذكرت نقطة جديرة بالاهتمام وهي ان الرابطة الاسلامية لم تعد جزء من التحالف وان دداري هو المرشح الرئاسي. ولكن هناك من يقول ان خروج نواز شريف من التحالف الرباعي قد يعني ذهابه الى التحالف مع احزاب دينية اكثر تشددا ولكي يمارس ضغطا ما من اجل معارضة الحظر على المقاتلين الاسلاميين. وبالرغم من ان حظر طالبان باكستان يمكن ان يكون امر ايجابي ، هل يمكن ان نتوقع تعقيدات اخرى بسبب ذلك الامر؟

 

عصام شكـــري: علينا ان نتذكر ان الباكستان هي قاعدة مواجهة بين قطبي الارهاب واقصد القاعدة ممثلة بتنظم "طالبان باكستان“ وبين الغرب بزعامة امريكا. علينا ايضا ان نتذكر ان الولايات المتحدة الامريكية نفسها تشهد تغييرات سياسية وقد عبرت عنها بالقول افول النظام العالمي الجديد بمعنى افول نهج اليمين المتطرف في الحكومة الامريكية. بنظري هناك العديد من الامكانيات المحتملة الان. ان مجئ باراك اوباما مثلا قد يؤدي الى تقليل الضغط في الصراع مع الاسلام السياسي ومايسمى الحرب على الارهاب وهو ليس صداميا كما اليمين الحاكم. ولكن السبب الاساسي لترك نواز شريف التحالف الرباعي هو عدم وجود ارضية مشتركة بينه وبين حزب الشعب (عدا عن الرغبة المشتركة في التخلص من مشرف وابعاد الجيش). من الناحية الايديولوجية نواز شريف اسلامي ينتمي الى معسكر الاسلام السياسي. ولكن نواز شريف اسلامي موال لامريكا وبهذا المعنى فانه ربما، ومن خلال قفزته الى احضان القاعدة ومايسمى الاسلاميين المتطرفين، فانه سيحاول لعب دور مستقبلي كوسيط بين الغرب من جهة والتنظيمات الاسلامية المقاتلة من جهة اخرى. برأيي ان اسلام سياسي ” مدجن ” هو الحل المناسب للولايات المتحدة والغرب. لا اود ان انظر نظرة غير موضوعية الى المستقبل ولكني اعتقد ان ذلك احد الاسباب. والسبب الاخر هو تحقيق التحالف الرباعي لهدفهم التاكتيكي اي اقالة مشرف. وحيث انهم يمثلون شرائح مختلفة من البرجوازية في الباكستان فان من المحتمل ان يشهد تحالفهم انقسامات اكبر في المستقبل المنظور. وعليه فان نواز شريف يختار جانب الاسلام السياسي في هذا الصراع.

 

باتي دي بونيتاس: لقد ذكرت حول دور امريكا والانتخابات الامريكية. ان لامريكا مصالح في الباكستان ولديها قوات في افغانستان وهم يراقبون الحدود عن كثب مع الباكستان بالاضافة الى ضغطهم على الجيش الباكستاني الذي يحرس الحدود الباكستانية الافغانية.  اذن امريكا تريد العلاقة مع الباكستان في وضع جيد.  لا اظن ان امريكا لديها اعتراض على العسكريين كما في الماضي ولكن هل تعتقد ان امريكا تفضل نواز شريف ام حزب الشعب؟

 

عصام شكـــري:لا اعتقد ان امريكا تمانع التعامل مع اي طرف بما فيها الطالبان بشرط متابعة الخطة التي تضعها امريكا لدور باكستان في المنطقة حسب الخطة المقبلة والتي لا يعرف احدا للان اي شكل ستاخذه. اود القول ان الجنرالات والجيش الباكستاني قد استخدما بشكل متكرر من قبل الغرب لتحقيق اهدافه. نتذكر الجنرال ضياء الحق والذي اصدر حكم الاعدام  على الرئيس السابق ذو الفقار علي بوتو والد بنظير بوتو. من الجدير ملاحظته انه في وقت الحرب الباردة فان ذو الفقار علي بوتو كان شخصية مرموقة موالية للسوفييت. وداخليا كان يحاول ان يرسخ العلمانية ويمنح حريات اكبر للنساء كما كان يحبذ نموذج الدولة القوية المسيطرة على السوق. الغرب وجد في ذو الفقار علي بوتو خطرا على مصالحه وحليفا للسوفييت وبالتالي دعم انقلابا عسكريا لضياء الحق ضده من اجل التخلص منه. ولم يكتف ضياء الحق بذلك بل هاجم الشيوعيين والتحرريين في الباكستان

 

اليوم تغيرت الصورة ليس لان الشيوعية لم تعد خطرة او ان الطبقة العاملة ضعيفة بل لان الخلفية التي تجري الاحداث امامها قد تغيرت: من قطبين عالميين متصارعين احدهما تقدمي والاخر رجعي، الى قطبين عالميين كلاهما رجعي وكلاهما ارهابي. اليوم امريكا تستخدم الجيش من اجل القضاء على الاسلام السياسي ، وكما ذكرت انت من خلال تأمين الحدود مع افغانستان  ان امريكا لا تريد لطالبان ان تسيطر على السلطة السياسية. برأيي امريكا تريد اسلام سياسي موالي لها وللغرب وبدعم واسناد الجيش الباكستاني. وتاريخيا فان البرلمان كان هو صيغة الحكم التي اتبعتها البرجوازية في الباكستان بعد تقسيم الهند ( رغم الانقلابات العسكرية ) لذا فان الرجوع الى البطش والاستبداد العسكريين لن يكون مناسبا  لمصالح البرجوازية الان. اعتقد ان الجيش هو في خدمة الغرب ضد الطبقة العاملة والشيوعيين والعلمانية والتي برأيي لها قاعدة قوية جدا في الباكستان. اعتقد ان دور الجيش الان هو في دعم نظام اسلامي "ديمقراطي" موال للغرب في الباكستان.

 

باتي دي بونيتاس: من المعروف ان كلا الحزبين: حزب الشعب والرابطة الاسلامية كانا في السلطة وتم الانقلاب عليهما من قبل الجيش. هل تعتقد ان هناك دعم مالي قوي سيقدم من الغرب بشروط معينة كما جرت العادة؟ .

عصام شكـــري: ان المال والمساعدات الاقتصادية او القروض قد استخدمت دوما من قبل الغرب كطعم في دول العالم المتخلفة. ولكن في حالتنا قد تكون تلك المساعدات او الاغراءات بصيغة ميزات اقتصادية تمنح لقطاعات معينة من البرجوازية الباكستانية وخاصة تلك التي يمثلها حزب الشعب كبعض رجال الاعمال وقطاعات معينة من النظام المصرفي وفي نفس الوقت فان حزب الشعب يمتلك شعبية اقوى وهو اكثر اجتماعية من الرابطة الاسلامية الرجعية المدعومة من السعودية. لا اعتقد ان المال يشكل مسألة اساسية هنا ولكن السياسات الاقليمية تلعب دوراً وكما نعرف ان السعودية تلعب هذا الدور في السياسة الباكستانية لانها احد اقطاب الاسلام السياسي في المنطقة واعتقد انهم قد يدعمون نواز شريف في هذا الاطار. ذلك هو الاتجاه العام لحركة الاوضاع في الباكستان.

 

باتي دي بونيتاس: ولكن تعرف ان الاوضاع التي ادت الى استقالة مشرف تظمنت مشاورات بين امريكا وبريطانيا والسعودية مع الجنرالات الباكستانيين. هل تعتقد ان السعودية وامريكا ليسا على نفس الخط اذن؟

 

عصام شكـــري: اعتقد انهما على نفس الخط. اعتقد انهم يريدون نوعا من الاستقرار في المرحلة الانتقالية التي تمر بها الولايات المتحدة نفسها. هناك فرصة وصول الديمقراطيين للسلطة رغم اني لا اقصد ان الديمقراطيين سيكونون مختلفين بشكل راديكالي عن اليمين الامريكي. انهم يريدون الهدوء والحفاظ على تمثيل مصالحهم بالاضافة الى رغبتهم في بقاء ايران اكبر عدو لامريكا في المنطقة تحت نظرهم من قبل نظام ( في الباكستان ) قد يسيطر عليه الجيش. كل تلك العوامل تدفع الشركاء الثلاثة امريكا وبريطانيا والسعودية الى الاصطفاف على نفس الخط او المسار وهو بناء نظام موالي لامريكا ومعادي لايران.

 

باتي دي بونيتاس: بعض الناس يقولون ان المستقبل السياسي للباكستان يظهر معتما. ويقولون ايضا ان الديمقراطية ليست مناسبة للجماهير في الباكستان وان الجماهير لا تعرف ما تفعله بالديمقراطية. ما رأيك بذلك؟

 

عصام شكـــري: لا اعتقد ان هذا نقدا جديا. ليس لان الديمقراطية في العالم الثالث هو ملهاة سخيفة لا علاقة لها بحاجات ومطامح الناس واقصد العلمانية وحقوق النساء والعمال والمجتمع المدني والحرية والمساواة. بل لان تلك القيم والتي تمثل حاجات الناس الفعلية ليس ممثلة بالديمقراطية. الديمقراطية تعكس اي قيم سائدة في ذلك المجتمع بشرط ان يكون لها القدرة والعضلات لتمثيل وجودها سياسيا. على سبيل المثال فان الديمقراطية في ايران تجلب اقذر القوى وتسلطها على الجماهير المتمدنة وكذلك الامر في السعودية. الباكستان اكثر تقدما بقليل من خلال تأثر النظام الباكستاني بالعلمانية المتبعة والقوية الاصول في الهند المجاورة. اعتقد ان الديمقراطية هنا لا تمثل او لن تقدم اي شئ للناس في الباكستان وفي اية انتخابات ديمقراطية فان الاسلام السياسي هو الذي سيفوز. و لا ادري بالظبط معنى الديمقراطية هنا غير معنى تغطية الاستبداد البرجوازي او تبرير حكم الطبقة البرجوازية ودكتاتوريتها ورميها للاوضاع من كارثة الى اخرى ضد ملايين العمال. لدي نقد جدي على الديمقراطية نفسها ولا ادعو الى الديمقراطية على هذه الاسس بل الى نموذج المجالس الجماهيرية واتمنى ان يكون لجماهير باكستان هذا الشكل من صيغ حكم الطبقة العاملة وان يدفعوا من خلالها بقيم انسانية كالعلمانية- اي فصل الدين عن الدولة - والمساواة الكاملة بين المرأة والرجل، في حين ان الديمقراطية تجلب القوى الرجعية والمتخلفة بحجة كونها اغلبية. ولنتصور وهلة لو ان شخصا كنواز شريف سياتي من خلال الديمقراطية حينها سنعرف اي حرية واية مساواة سيحصل عليها الملايين من الكادحين والعمال والنساء في الباكستان.

 

باتي دي بونيتاس: هناك تقارير متعددة تحدثت عن تحول الناس المحليين في بعض المناطق على الحدود ضد حركة الطالبان وانهم حرقوا بعض المقرات في المناطق التابعة لطالبان. وهناك من يتحدث ان القتال ضد حركة الطالبان هو عمالة لصالح الولايات المتحدة. اي من هذين الطرحين برأيك سيفوز في النهاية؟

 

عصام شكـــري: اعتقد ان الناس يكرهون حركة الاسلام السياسي. قد يستطيعون التعبير عن ذلك عندما يكونون في حالة طبيعية او لديهم الوسائل للتعبير عن ذلك او حين لا يكونون تحت طائلة الجوع او تهديد الحرب القذرة بين امريكا وحلفاءها والاسلام السياسي، فانا اعتقد ان الناس قادرين على تخليص العالم من هذه الحركة البربرية. ليس فقط الطالبان بل الحركة الاسلامية في ايران والسعودية ونواز شريف ومقتدى الصدر وحماس ونصر الله وكل الحركات الاسلامية الرجعية. ببساطة تلك الحركات رجعية ومعادية وشديدة العداء لطموحات وحريات البشر. انهم معادون للنساء وللحرية والمساواة وقيم التمدن. انا لا افهم الادعاء القائل بانك ان كنت معادية للاسلام السياسي ستكونين عميلة لامريكا. اعتقد ان هناك معسكر ثالث وجبهة مستقلة وهي بالتاكيد جبهة البشر. مليارات البشر الذين لا يريدون الطرفين ويريدون قدرة على الاختيار ولكنهم للاسف غير قادرين على المضي في تلك الحركة الانسانية لان الحرب بين قطبي الارهاب هؤلاء تغلق مساراتهم وتعرقل مساعيهم من اجل الوصول الى عالم افضل ومستقبل اكثر اشراقا.

 

باتي دي بونيتاس: عصام سنترك الموضوع عند هذا الحد ونشكرك جزيل الشكر.