مقابلة مع عصام شكـــري

 

حول ارتكاب السلطة

لـجرائم الاعـــــــدام

 

نحو الاشتراكية: لاشك أن قرار حكم الاعدام من أشد القرارات وحشية ولاإنسانية، حيث أنه من وجهة النظر الإنسانية والماركسية لايجوز لأي كان أن يسلب الحياة والروح من أحد مهما فعل ومهما كانت الظروف ومهما كان الجرم الذي ارتكبه فضيعا"!. باعتقادك لماذا تلجأ معظم النظم والحكومات البرجوازية ومن ضمنها العراق إلى اختيار هذا الحكم التعسفي البربري لمعاقبة المجرمين على أفعالهم؟

 

عصام شكــري: لاورد في البداية بعض الارقام عن احكام الاعدام الصادرة في دولتين هما  العراق والجمهورية الاسلامية الايرانية. حسب تقارير دولية فانه في العراق صدرت خلال العام 2009 احكام باعدام ما لا يقل عن 391 شخص وبالتالي اصبح العدد الكلي للمحكومين بالاعدام 1100 سجين اعدم منهم ما لا يقل عن 120 شخص. اما في ايران فان عدد المعدومين بلغ 388 و 112 حالة اعدام في الفترة بين اندلاع التظاهرات الثورية في حزيران ولغاية 5 آب. وبمعدل حالتي اعدام في اليوم. (تقرير منظمة العفو الدولية للعام 2010 ص 230 و ص 101—يغطي احداث عام 2009)

 

في العراق اذن امر باعدام اكثر من 1100 شخص  في العام 2009. هناك ايضا عشرات الحالات التي لم يبلغ فيها عن الاعدام ولم تفصح عنها السلطة. حكومة التحالفات الدينية القومية الميليشياتية هي من اكثر الحكومات ارتكابا لجرائم الاعدام جنبا الى جنب مع حكومات السعودية وايران والصين والولايات المتحدة. تلك الحكومات تقول انها تفعل ذلك لردع المجرمين ! ولكن اعدامات بالجملة في العراق فهل يرى احد أي تحسن امني؟. الصين مثلا تعدم الاف المواطنين بشكل سري لجرائم غير عنيفة وفي السعودية يقطعون الرؤوس في الساحات العامة لشرب الكحول او ممارسة الجنس وامريكا يتم الحكم بالاعدام لارتكاب جرائم القتل وبحجة ان المجتمع يشعر بامان اكثر. فهل ان نسبة الجرائم في امريكا اقل منها في فنلندا او فرنسا اللتان تحرمان الاعدام. في امريكا ما تزال نسبة الجرائم الاعلى وخاصة القتل. طبعا لن اتحدث عن ايران والسعودية فهي واضحة للجميع. ايران اعدمت رجلا رجما بالحجارة وهي الان تحاول اعدام سكينة اشتياني بالرجم ايضا. ان في ايران اكبر نسبة حالات اعدام في العالم؛ جمهورية وحشية لدرجة لا توصف.

 

لقد بدأت من الارقام واسماء الدول لاقول ان طلب الغاء حكم الاعدام ليست وجهة نظر رومانسية. انه مطلب واقعي وملح لمليارات من البشر. ليس وقف جرائم الاعدام مطلبي وحدي بل مطلب الملايين وخاصة العمال والكادحين والفقراء، ملايين من المحرومين والذين يطلبون التغيير وينشدون عالما افضل يمارس الاعدام ضدهم لكي يرتعبوا. ان المجرم في السلطة والحكومات لا يطاله قانون ولا عقوبة.  انه يقتل مرة وثانية وثالثة وربما يقوم بمجازر وتتراكم ثروته وتزيد ارصدته ولكن لا احد يمسه بل العكس تزيد جرائمه وتزداد حصانته وينظر اليه كأنسان محترم ومهاب.

 

نحو الاشتراكية: لقد تصاعد اصدار أحكام الاعدام في الآونة الأخيرة في مختلف المحاكم العراقية بحق مرتكبي الاجرام. كيف تقيم مثل هذه الأحكام الجائرة؟ وهل هي حقا" عقوبات يستحقها مرتكبي الجرائم الكبيرة؟ أم هي ردع لتخويف الجماهير بغية ترويضها لتأمين عدم قيامهم بالتمرد وكوقاية لعدم حدوث الأعمال الثورية من قبل الجماهير؟

 

عصام شكــري: الاعدام يمارس في العراق بحجة مقاومة الارهاب او الارهابيين او الاشتراك في مؤامرات وتفجيرات مع منظمات ارهابية. لكن هؤلاء الذين في السلطة يصدرون هم ايضا الاوامر بالتفجيرات واعمال القتل والاغتيالات وسفك الدماء. هل ان ايادي ميليشيات مقتدى الصدر ورؤساء تياره "السياسي" غير ملطخة بالدم؟ الم يقم المالكي باغتيالات وتصفيات لخصومه؟ الم يقم الطالباني والبرزاني بقصف القرى الكردستانية واعمال التهجير الواسعة ؟ الم يتهم الدليمي وغيره من قوى الاسلام السياسي السني بالارهاب ؟ الم يتضح ان حماية عادل عبد المهدي هم الذين قتلوا 8 من حراس البنك في العملية المعروفة وهربوا وطمطموا القضية ؟ هل هؤلاء ليسوا متهمين يجب ان يحاكموا ؟. يمكنني ان اناقش نظرية نسبة حجم العقوبة قياسا بالجريمة لو كنا في بلد ساسته ليسوا منخرطين انفسهم في اعمال تفجيرات وارهاب واغتيالات وتصفيات، ساسته ليسوا رؤساء ميليشيات ومجاميع قتل وفرق موت. الاعدام في العراق يجري كجزء من الارهاب السافر للميليشيات وهو متمم لاعمال التفجيرات العلنية والاغتيالات والتهديدات الطائفية بشن الحرب ضد بعضهم البعض. ان الاعدام هو وسيلة تلك الميليشيات للبقاء في السلطة التي تترنح كل يوم. ولكن اليوم فان احكام الاعدام تواجه استنكارا اكبر من قبل الملايين. الامر يواجه باعتراضات القوى الانسانية في كل انحاء العالم.

 

نحو الاشتراكية:  بطبيعة الحال إن مرتكبي الجرائم يستحقون العقوبات، وأقصد بالعقوبات حجزهم لغرض الإصلاح وإعادة التأهيل الاجتماعي، وذلك لتقوية الردع الاجتماعي المتمثل بالنظام القضائي القائم على المحاكم والقوانين المدنية العصرية وحق الدفاع عن الجاني والمجني عليه...إلخ، والسؤال هنا! هل يمكن إلغاء حكم الاعدام في بلد مثل العراق دون أن يؤثر ذلك سلبا" على نظام الردع الاجتماعي الذي يسعى لسد الطريق بوجه وقوع الجريمة؟

 

عصام شكــري: استغل سؤالكم لاثير نقطة اساسية برأيي وهو وحشية الطبقة الحاكمة. ان البرجوازية اليوم هي طبقة متوحشة ورجعية في نفس الوقت. في امريكا كما في السعودية وايران والعراق والاردن ومصر والصين وغيرها. يجب ان اركز على هذا المفهوم واعمقه.  البرجوازية طبقة لم يعد يهمها الردع الاجتماعي او القصاص او "العدالة" او حتى عقاب المتهم. البرجوازية تريد ان تبقى في السلطة باي ثمن. ارجو ان نفهم احكام الاعدام من هذا الباب وليس من باب احقاق الحقيقة وتحقيق ارادة المجتمع وردع الجرائم وحماية المجتمع. في ظل حكومة اشتراكية وبالغاء النظام الرأسمالي المبني على العنف والقسوة والاستغلال فان الامور ستتغير. لا يجب قتل الانسان ولا يجب ان يمس جسده. لا يجب ان تمس او تهان انسانيته مهما كان.  لا يجب ان يعذب او يتعرض الى اي توهين. نؤكد على معاملة المتهمين بشكل انساني ولائق وان يوفر لهم كل المجال للدفاع عن انفسهم. انه فرد في المجتمع ارتكب خطأ ويمكن اصلاحه وارجاعه الى المجتمع الذي عليه ان يوافق على هذا الارجاع. ان الاعدام ينهي حياة انسان للابد. ان الاعدام يحدد انه سيقتل من قبل "قادة المجتمع" لان المجتمع اراد ذلك.  المجتمع لا يريد الاعدام ولا يريد ان يرى قتل او وحشية لا تحت طائلة الجريمة ولا العقوبة. ان الدولة هي التي تريد وتنفذ الاعدام وليس المجتمع.

 

مسألة اخرى تنبع من النقطة الاولى. فما دامت الطبقة الحاكمة وحشية فانها ستعكس وحشيتها على المجتمع ويستمر اعادة انتاج القتل وتحقير الانسانية. ان الطبقة البرجوازية طبقة غير انسانية وما ينتج عنها هو غير انساني. ان العالم الان بحاجة الى بديل اخر. ليس فقط لانقاذ البشرية من الاستغلال والعبودية ومن الحروب والدمار ومن البطالة والجوع والفقر والحرمان والامية وتجارة الجنس وبيع البنات الصغيرات والسكن بمدن الخشب و الصفيح او لعب الاطفال في مجاري المياه القذرة في الالاف من مدن العالم. ان العالم اليوم بحاجة حتى الى نمط اخر من الحكم ومن "العدالة". ان القوى الحالية ودولها لم تعد قادرة على ان تحكم. ليس فقط بشكل غير عادل بل بشكل فيه ادنى معيار للتمدن. ليس ثمة قدرة لهذه القوى على الحكم دون وحشية و دين وطائفية واغتيالات ونهب وسرقات ومتاجرة. وارهاب باختصار اقول ان كان البشر يريدون عالم افضل بما فيه عالم ليس فيه قتل سواء من قبل المجرمين او من قبل الدولة فان عليهم اختيار الاشتراكية والسعي نحو الاشتراكية. الطبقة العاملة لها بديل انساني حتى في نظام العقوبات وبامكانها ان تشيد اسس مجتمع اكثر امانا بملايين المرات من غابة الوحوش البشرية التي يعيش فيها العالم اليوم.

 

نحو الاشتراكية: كما هو معرف إن الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي يعتبر من أشد المناصرين لالغاء حكم الاعدام. ولكم مواقف نضالية مشرفة بهذا الصدد في داخل العراق وخارجها. كما وأن برنامجكم " عالم أفضل " يؤكد على ذلك أيضا"، وبكل وضوح. وإذا أخذنا ذلك بنظر الأعتبار فكيف يتم التعامل مع الجريمة والمجرمين من وجهة نظر حزبكم بشكل خاص والرؤية الماركسي بخصوص ذلك بشكل عام؟

 

عصام شكــري: كما بينت ان الانسانية والتعامل الانساني وتحريم التعذيب والاعتقال التعسفي وتوفير اكثر ما يمكن من المجال لدفاع المتهمين عن انفسهم. عندما نكون في السلطة كحزب عمالي اشتراكي فاننا سنلغي فوراُ العمل بحكم الاعدام وايضا باحكام السجن المؤبد كجزء من مخلفات النظام البرجوازي الوحشي تماما كما الغت الثورة الفرنسية كل قرارات الملكية الاقطاعية وارست مجتمعا جديدا اكثر انسانية من السابق فان على العمال اليوم تلقى هذه المهمة.