ديمقراطية الــ 1 %

 

عصام شكـــري

ishukri@gmail.com

 

 

السيد البرزاني رئيس حكومة اقليم كردستان ابلغ الرئيس الامريكي باراك اوباما ونائبه بخطورة الوضع في العراق بسبب ”استئثار المالكي بالسلطة وتوجهه نحو الدكتاتورية“ حسب قوله. وقال ايضا انه حال توجهه الى اربيل سيهيئ اجتماع عاجل يحضره قادة الكتل السياسية العراقية ويدعو الى حوار جدي وصريح. وهدد البرزاني نوري المالكي بشكل مبطن بانه في حال عدم حضور الاخير او عدم التعاطي بايجابية مع هذه الدعوة فان اقليم كردستان ورئيسه سيرفضان وجود نوري المالكي كرئيس للحكومة العراقية. كما شبه رئيس حكومة كردستان نوري المالكي بصدام حسين في تصريح لجريدة الحياة قائلا ان الاخرين لا يعيشون على مكرمات القائد الجديد معبرا عن ان هذا غير مقبول وليس ممكنا.

 

منذ عشرين سنة وكردستان يحكم من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. والجميع يعرف مدى ديمقراطية تلك السلطة.  قبل فترة اغتيل صحفي شاب اسمه سردشت عثمان بعد ان نشر قصائد شعرية فضح فيها السلطة الحاكمة في كردستان ودرجة الفساد والمحسوبية والثراء الفاحش والفرعنة التي يتصرف بها رؤساء الميليشيات وزعماء القوميين الكرد بشكل عام وتحكمهم بالاوضاع ومدى البطش والاستئثار بالسلطة والقمع الذين يمارسوه ضد الاحرار ومحبي الحرية في كردستان؛ من صحفيين وادباء وكتاب وراديكاليين واشتراكيين وقادة عمال ونساء وشباب. ومازال البطش مستمرا.

 

غير ان السيد البرزاني يعرف ذلك وبالتالي فانه يتحدث عن الديمقراطية والدكتاتورية لا بمعنى حقوق البشر او الحريات الواسعة كحرية النقد والتعبير والصحافة او القلم او الاعتراض والاحتجاج، وانما يتحدث عن دكتاتورية المالكي بمعنى ان الاخير خطأ في تقاسم الكعكة معه! لقد تجاوز حصته التي منحها له الامريكان. الكعكة التي منحتها امريكا لرؤساء القبائل والاديان منذ العام 2003 كثمن لخدماتهم للجيش الامريكي لتنفيذ خطة المحافظين الجدد وجورج بوش في ملئ الفراغ والسيطرة على العالم.

 

وفي نفس الوقت فان البرزاني ينوه بشكل غير مباشر الى احتمالية استقلال كردستان تحت سيطرة القوميين الكرد كرد فعل على اعادة بروز القومية العربية للسلطة المركزية في بغداد ولنوري المالكي شخصيا. وفي اغلب الظن فانه يريد ان يستعمل تلك كعصا يلوح بها في الهواء حول وضع كردستان وموقعيته و“اقلمة“ وضع كردستان بتهييج تركيا القومية الاسلامية.

 

المسألة لا علاقة لها بحرية الناس وحقوقهم، بالمساواة، بحريات التعبير، بوقف عمليات القتل والجرائم المريعة ضد النساء في كردستان تحت "غسل العار" والتي اشتهر بشنها القوميون الكرد انفسهم خلال السنين الماضية حينما كانوا يحضرون قوائم باسماء النساء لكي يتم قتلهن من قبل ذويهن، والانتهاكات ضد الصحفيين والكتاب والادباء. والكل يعرف ان نسبة انتحار النساء في كردستان بحرق النفس هي الاعلى عالميا.

 

ان هذا التصريح الحاد واللجوء الى امريكا والاستقواء بها من اجل "ارجاع المالكي الى حضيرة الديمقراطية“ او حجمه الحقيقي يدل على مدى  انسداد افاق المجاميع  الاسلامية والقومية الحاكمة. ان تلك المجاميع تعاني من التمزقات داخلها من جهة، وبين بعضها البعض من جهة اخرى؛ من حزب الدعوة الى القائمة العراقية والفضائح النتنة التي تفوح حول ارهابية هذا او ذاك وانقسام تيار مقتدى الصدر يبروز(عصائب اهل الحق) التي ترى الصدر صار عميلا للمالكي ورضى بالفتات التي رميت له متهمة اياه ببيع مبادئه في سبيل كرسي مجلس العشائر المسمى البرلمان وخيانته لنهج الامام الجهادي اي المعادي لامريكا والذي تتزعمه شراذم سلطة الجمهورية الاسلامية المتصارعة هي الاخرى في ايران. كل هذه التقسيمات والتناحرات دليل على ان هؤلاء يتجهون نحو الهاوية اكثر فاكثر. ولكنهم في نفس الوقت يجرون كامل المجتمع معهم الى الهاوية لاغراقه بالدم والتخندقات العرقية والاثنية والطائفية.

 

لقد كسبت القوى الحاكمة في العراق (وخاصة القوميون الكرد) شرعيتهم في السابق من كونهم ادلاء للاحتلال الامريكي الذي نصبهم بالسلطة في انتخابات صورية معروفة. ولكن الاخير قد انسحب اليوم ولم يعد بحاجة لهم وبالتالي فان ما كان ميزة فريدة لهم اصبحت اليوم عديمة الجدوى.  فقدوا صلاحيتهم بفقدان نفوذهم السياسي وفشل امريكا على صعيد عالمي.

 

من ناحية اخرى فقد فشلت تلك القوى في انجاز اي تقدم في وضع المجتمع في العراق. اكثر من تسع سنوات والجماهير تنتقل من حرمان الى حرمان اكبر؛  من غياب الرفاه والطمأنينة الى غياب الخدمات، الى استشراء البطالة، وانعدام الكهرباء، الماء النظيف، الصحة، السكن، المساواة بين المواطنين عموما ومساواة النساء والفتيات وانحدار كرامتهن الانسانية خصوصا، غياب الحريات للشباب، القمع واجواء الملاحقات البوليسية وحملات قتل الصحفيين والاعلاميين والثوريين، وغيرها الكثير. ان فشلهم في الاجابة على المطالب المعيشية والاقتصادية والحقوقية هو الجذر الاصلي الذي يدفع البرزاني وعلاوي والمالكي الى الصراع ومحاولة رمي اسباب المشاكل على الطرف الاخر. فقد فشلوا في حل اي شئ وخاصة في تشكيل الدولة.

 

ومن جهة ثانية فان الصراع الاقليمي بين محور امريكا  من الاسلاميين السنة "المعتدلين" وبتوجيه ودعم الحكومة الاسلامية في تركيا والسعودية ومشايخ الخليج وبين محور الجمهورية الاسلامية الايرانية—قطب الاسلام السياسي العالمي يعمق من التجاذبات بين اعوان امريكا واعوان الجمهورية الاسلامية في العراق. ومن هنا اصطفاف اياد علاوي وكتلته واحتماءهم بالقوميين الكرد من خلال تهريب طارق الهاشمي لكردستان (بموافقة ومتابعة نوري المالكي !). ان تهريب الهاشمي وافتعال الازمة لم يكن شئ اعتباطي او جرى خارج السياقات بل جزء من الاستقطابية الاقليمية.

 

واخيرا هناك تأثير الثورات العميق على تشرذم وازدياد ازمة هذه القوى. فالحركة الاعتراضية المتنامية والثورية في المنطقة والعالم قد شرعت وتزداد. حركة 99 بالمئة هي تحديدا الثورة التي اشتعلت في تونس وانتشرت الى مصر وسوريا واليمن والعراق وايران وغيرها. وهي حركة الوول ستريت واحتلال المدن،في امريكا ومن ثم في اوربا وانحاء العالم. هذه الحركات المتباعدة ولكن المتناسقة نشأت في مجرى واحد وتنتمي الى جذر واحد هو معاداة الرأسمالية والاستغلال الرأسمالي والرغبة بانهاء وقوف العالم على رأسه وحل هذا التناقض السافر.

 

ان البرزاني والطالباني واياد علاوي ومقتدى الصدر وعمار الحكيم والهاشمي وغيرهم ينتمون الى الــ 1% التي تنتفض الجماهير ضدهم في كل مكان. جماهير العراق وكردستان والمنطقة والعالم خرجت ثائرة ضد ال 1% من اجل استرداد ارادتهم وحرياتهم ورفاههم ومدنهم وشوارعهم، لا في العراق فحسب بل في كل مدن العالم، فان هذه الحركة تنتمي الى نفس المطالب ولها نفس المحتوى الاعتراضي ضد الاقلية الجشعة التي تستحوذ على كل شئ وتجر حياة البشرية الى الحضيض والى القتل والتجويع.

 

ان القوى الاجتماعية التي تمتلك بدائل انسانية، قوى العمال والاشتراكيين واليساريين والعلمانيين والنساء التحرريات وكل محبي الحرية والانسانية، القوى التي تمتلك بديل مواطني وليس بديل طائفي او ديني او عرقي او عشائري غير مدنية مطالبة بادامة تحركها واستعدادها لجولة اخرى ثورية.

 

الطبقة العاملة، ذلك المارد العملاق الذي نشهد بداية تحركه في العراق ونهوضه وهزه للاوضاع هي تلك ال 99 بالمئة التي ينادي بها البشر في كل مكان، ان الطبقة العاملة تشمل الشباب والنساء والتحرريين والعمال والكادحين والمحرومين. ملايين وملايين منهم. هذا المارد العملاق هو الوحيد القادر، كما اثبتت الاحداث، على اخراج الاوضاع من ايدي الــ 1%، من الكوارث التي يسببها ال 1%، من صراعاتهم الشخصية التي تحمي مصالحهم الخاصة، استيلاءهم على الثروة وصراعهم على النفط والمغانم، هذا المارد هو القادر على وضع البشرية على مسارات اخرى مختلفة. مسارات انسانية.

 

هذا الكلام لا ينطبق تحديدا على العراق فحسب بل اصبح ينطبق على كل انحاء العالم لان الاوضاع باتت مرتبطة على صعيد العالم؛ فالوضع في سوريا مرتبط بالعراق، والعراق بمصر، والوضع على صعيد المنطقة العربية بايران واوربا كاليونان واسبانيا وايطاليا والمانيا وانكلترا وبالولايات المتحدة وهكذا. ان هذه مجرد بداية لما سيشهده العالم من نهضة ضد سيطرة وسلطة ال 1%.

 

ندائي بيوم العمال العالمي لجماهير العمال والثوار هو النهوض، التحرك، الاعتراض، الاحتجاج. زيدوا من اصراركم على مطالبكم ولا تقبلوا باقل مما رسمته الثورات في المنطقة من افاق لها بل طالبوا بما هو اعمق واكثر راديكالية. اخرجوا ال 1% من سلطتهم، اخلعوا سلطتهم وحولوا هذه السلطة لكم, انتم ال 99% من المجتمع. انتم الاغلبية الساحقة. انتم الاغلبية التي لا تملك شئ وهم الاقلية التي تملك كل شئ. اعيدوا الاوضاع الى ميزانها. ارجعوا مصيركم الى ايديكم. استرجعوا حياتكم. استرجعوا انسانيتكم. فليس لديكم ما تخسرونه سوى  اغلالكم. ولديكم العالم باسره لتربحوه. !