لقد سبق وان اكدنا بان البرجوازية في العراق عاجزة اليوم عن الاتيان بالبديل العلماني وتحقيق المجتمع المدني والعلمانية في العراق.

 

ان البرجوازية العالمية (الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية) تستمر بالتحالف ودعم قوى البرجوازية المحلية (من الاسلام السياسي والشراذم القومية العشائرية) لحاجته لها. انها تدعم مطالب تلك الحركة منها وشروط ترسيخ تلك القوى في السلطة بظل الظروف التي خلقتها  امريكا في العراق من خلال الحرب. ورغم ما يبدو ظاهرا بان ذلك الدعم هو تكتيك من الغرب يهدف الى تحقيق الاستقرار في العراق واحراز نصر ما على شاشات الفضائيات الا انه في الحقيقة ركيزة اساسية لمنهج البرجوازية الغربية وامريكا تجاه حركات الاسلام السياسي الموالية لها سواء في العراق او افغانستان اوايران او دول اخرى. 

 

ان تصريحات زلماي خليل زاد السفير الامريكي في بغداد حول ضرورة ان يكون "الاسلام مصدرا اساسيا" في القانون تختزل بعمومية هذا الميل الامريكي - الغربي تجاه الاسلام السياسي والقوى العشائرية والقومية الاخرى. كما ان الدور الذي لعبه في عملية اقناع شيوخ الاسلام المعترضين على مسودة الدستور تبين اهمية الدور الذي تمنحه امريكا لقوى الاسلام السياسي من كل الاطياف والالوان السوداء في العراق.

 

وخارج العراق تبدو اوربا وبحكم علاقاتها السياسية الاكثر توافقا مع احد اكبر اقطاب الاسلام السياسي في المنطقة اي الجمهورية الاسلامية الايرانية اكثر قدرة على التعبير عن هذا النهج.  ورغم تصاعد حدة الخلافات بين امريكا وايران حول البرنامج النووي لايران فان الغرب يفضل التساوم والمهادنة مع ذلك النظام خصوصا انه يخشى ان تؤدي الصدام العسكري ( وعلى عكس العراق) الى احداث تخلخل يؤدي حتماً الى صعود اليسار والحركة الشيوعية العمالية والقوى العمالية الراديكالية الى السلطة نتيجة المد الثوري الحالي في ايران والنقمة الجماهيرية العارمة تجاه النظام الاسلامي على عكس ما جرى في 1979. لذا فان التصعيد العسكري  للغرب مع النظام الاسلامي في ايران يبدو مستبعدا. تصريحات جاك سترو وزير خارجية بريطانيا تؤكد هذا المنحى وتبين بان من " المستبعد جدا" اللجوء الى الضربة العسكرية لايران رغم ان الغرب يعرف بان النظام الاسلامي يصرف الملايين من الدولارات حاليا على تطوير برنامجه النووي.

ومن جهة اخرى فان الاحصاءات تبين بتضاعف حجم التبادل التجاري بين اوروبا وايران ثلاثة اضعاف بين العام 2000-2005 رغم تصاعد دموية النظام الاسلامية وارتفاع عمليات الاعدام ضد المخالفين السياسيين والعمال والنساء المتحررات الى الضعف خلال نفس تلك الفترة.

ان هذا النهج للغرب في التعامل مع الاسلام السياسي يبين بان البرجوازية الغربية قد قررت الاتكال تماما على هذه الحركة الرجعية السافرة من اجل تحقيق مصالحها في المنطقة.

ومع الموقف من النظام الاسلامي في ايران الا ان الوضع في العراق يبقى الاكثر دلالة على تواطئ الغرب مع الاسلام السياسي وبالضد من الجماهير وطموحاتها. ان هذه العلاقة ستؤدي الى تحطيم القاعدة المادية للمجتمع المدني في العراق تماما كما حدث للمجتمع الايراني على مدى الخمسة والعشرين سنة الماضية. انها ستخضع الملايين من البشر المتمدن المتعطش للحرية والمساواة الى عصابات  تنتمي الى شاكلة الطالبان وملالي ايران.

 

ان الاحداث في العراق وخاصة ماحدث مؤخرا من قتال بين عصابات الاسلاميين والقوات البريطانية تبين بان التوتر كان محكوما بصدام بين اجهزة مخابرات اقليمية ودولية. الا ان جماهير البصرة تعرف بان الصراع المحتدم بين قوى الاسلام السياسي التابعة لايران والمخابرات البريطانية لا يعدو ان يكون خلاف طارئ.  ان الجماهير تتساءل: لم لم تنبس الصحافة الغربية بحرف او كلمة نقد تجاه تلك الشراذم الاسلامية التي حولت البصرة الى مرتع للاسلاميين ولعصابات اطلاعات الايرانية والتي ابدلت صور صدام بصور الخميني وخامنئي ورهط المعممين اياه؟

من حق جماهير البصرة وكل العراق ان تسأل لم لم يتحدث احد في الصحافة والاعلام الغربي عن اعتداءات الاسلاميين على مجموعة من طلبة وطالبات كلية الهندسة المحتفلين بالتخرج وقتل احد الطلبة والاعتداء على الطالبات وضربهن؟ الجماهير المتمدنة تتساءل لم لم يتحدث احد عن مضايقة قوات بدر وجماعات الصدر للفتيات الصغيرات وارجاعهن الى البيون واكراههن على ارتداء الحجاب الاسلامي؟ لم لم تتحدث وسائل الاعلام عن جرائم قوات بدر والمجلس الاعلى وعصابات الصدر ضد النساء ورمي الاحماض عليهن في وضح النهار؟ لم تسكت الصحافة الغربية على تحول البصرة العلمانية الى محافظة تحكمها عصابات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سيئة الصيت؟

 

لقد امتلأت مدن العراق برايات الاسلاميين وصارت الجمهورية الاسلامية الايرانية تجند عملاءها لكي يسيطروا على كل مرافق الدولة في مدن الجنوب حتى انها باتت  تستورد ااعوانها الاسلاميين العاطلين عن العمل من خارج حدود العراق وتحديدا من لبنان حيث استجلبتهم واسكنتهم في ابنية رفاقهم الاسلاميين . ان اعلام حزب الله اللبناني الصفراء ترفرف على مباني المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق فلم لم يحرك البريطانيون ساكناً؟؟.

 

ان سياسة احتضان الحكومات الغربية للاسلام السياسي وقواه الرجعية والبربرية في العراق رغم انف الجماهير العلمانية والمتمدنة تهدف الى تسهيل تحقيق الهيمنة السياسية للغرب وخصوصا امريكا على المنطقة.

 

ذلك يأتي من خلال تفتيت المجتمع المدني ومحاربة العلمانية وتحويل المجتمع الى ساحة صراع اثني ومذهبي وديني تظطرم فيه الاحقاد ويعاد تعريف كامل المجتمع على اسس بغيضة لفظتها البشرية منذ قرون طويلة. ان ابقاء المجتمع تحت سطوة الاسلاميين والقوى العشائرية والقوميين  في العراق سيحقق لامريكا ابقاء اليسار وكل القوى الاشتراكية والشيوعية والثورية التحررية وكل النساء المتحررات والعلمانيين والعمال الراديكاليين تحت المراقبة الدقيقة وفي احسن الاحوال مختبئين في بيوتهم خوفاً من القتل وحز الرقاب.

 

ان تسليط قوى الاسلام السياسي والرجعية المحلية والبدء بالتحضير لوضع المجتمع على حافة الاحتراب الداخلي الطائفي او المذهبي او الاثني هي خصيصة النظام العالمي الجديد. انها ليست منتجا عرضيا عفويا كما تحاول اجهزة دعاية امريكا والغرب الادعاء. تلك الاجهزة تكذب حينما تقول ان الاوضاع المزرية في العراق (السيناريو الاسود) ان هي الا مرحلة عابرة من مراحل تطور العملية السياسية نحو الديمقراطية. هذه المرحلة ستسحب المجتمع الى الخلف ولن تدفعه سنتيما واحدا الى الامام.

 

كلما تعالى صراخ امريكا بالديمقراطية وانهاء الدكتاتورية كلما عملت اكثر على مغازلة القوى الاكثر انحطاطا وعداء للانسانية في المجتمع وتسليطها على مقدراته. ان التدهور الذي يشهده العراق ومجتمعه على كل الاصعدة هو احد نتائج السياسة الامريكية. ان وضعهم لدستور اسلامي رجعي وعمل عشرات الاستفتاءات المزيفة عليه لن يثنينا كاشتراكيين وعمال وعلمانيين ونساء وطلبة على النضال من اجل العلمانية والمجتمع المدني الحر المتساوي.

 

ان القوى الاشتراكية والطبقة العاملة  قادرة وعلى العكس من البرجوازية العاجزة—الا من وسائل الدمار والقتل على بناء الدولة العلمانية الحديثة والمجتمع المدني. ندعو الجماهير المحبة للحرية والتمدن للانخراط معنا لدحر مشروع الدولة الاسلامية الرجعي وتأسيس الدولة العلمانية — دولة الحرية والمساواة والرفاه لكل المواطنين.