اعدام مواطن

عصام شكـــــري

 

صباح يوم الاربعاء 11 تشرين الثاني 2009 تم اعدام المواطن من كردستان ايران، احسان فتاحيان.

 

بالنسبة للقراء في العراق، قد يثير هذا الخبر انتباههم لثانيتين او ثلاثة. قد يقال: " مئات او الاف في العراق يقتلون ! فما معنى ابراز هذا الخبر عن انسان اعدمته السلطات الايرانية، ربما لانه قام بعمل ارهابي ضد السلطة ".  تعليقات اخرى قد تكون اقل ايضاحا، ساخرة، لا ابالية، تبريرية، او اي شئ اخر. ولكن توقفوا رجاءاً. فالمسألة ليست هكذا. المسألة ليست مجرد "قتل" . انها "قتل" ترتكبه طبقة مسيطرة وظالمة ضد طبقة اخرى مظلومة. انها اذن سياسة. اعدام مواطن مسألة سياسية بل هي في صلب السياسة.

 

اعدام مواطن بلاغ سياسي، عمل سياسي، ممارسة سياسية، في غاية الاهمية، للطبقة البرجوازية، عمل له مكانة مرموقة لدى تلك الطبقة؛ تتبجح به وتفتخر بمراسيمه، تلك الطبقة التي تحمي رأس المال من " الانسان "، من العامل. المسألة تتجاوز حدود انسانية مهدورة وانسان يتم اعلامه بساعة فناءه. الاعدام وسيلة، سلاح، اداة، ممارسة بكل طقوسها، قوانينها، حكامها، قضاتها، محاكمها، محامييها، موظفيها، "عرضه حاجييها "، سجونها، جلاديها، ملاليها وشيوخها، اعلامييها وصحفييها، ومثقفيها، متصلة، ومتجذرة في قلب النظام السياسي المعاصر، ممارسة تنبع من القرآن، من السنة والاحاديث، متصلة بالاسلام، بالاديان، بايديولوجيا الاوطان والاقوام، باليمين الاجتماعي، بكامل الفكر البرجوازي المعاصر. الاعدام يبرز في ملامح وسيماء الطبقة الحاكمة التي لن تتمكن من البقاء كطبقة استغلالية، لا في العراق، ولا في ايران، ولا السعودية او الباكستان، الخليج، اليمن، الصومال، المغرب، او مصر، بل حتى ولا في قلب امريكا، دون ادامة  الاعدام، دون قتل المواطنين بحجة حماية المجتمع من الجريمة. "اعدام مواطن" اذن، هو نقطة شروع هذه العملية برمتها. التتمة ص 3

اعدام مواطن، سياسة، تحتضن في احشائها كل جرائم وظلم الطبقة البرجوازية المعاصرة ضد البشر. من هنا فقط يمكن ادراك جانبها المتصل بالانسانية ( اللا انساني ). انها جريمة من يحمي رأس المال ويدافع عنه ضد الانسان المستغَل؛ جريمة طبقة البرجوازية ضد (كل) البشرية.

 

انا لا اطلب، ولا اتوهم الطلب، بمن يدافع عن الرأسمالية محاربة او نقد جريمة الاعدام، لا من موقع انساني ولا من موقف وادراك سياسيين، ولكني اطلب ممن يدعي الشيوعية، الاشتراكية، والانتصار للاشتراكية، ولانسانية الانسان، للعامل المستلب والمرأة المظطهدة، والكادح المحروم، ذلك، واقول: اعدام مواطن او مواطنة عراقية او ايرانية او سعودية او كويتية او مصرية او مغربية او باكستانية او امريكية هو مثال مكثف محمل بالالم  ليس لانتهاك "جلاد" ما، ملثم، لضحية ما، بل لكل البشر. في كل مرة يعدم فيها انسان، فان نفس حبل المشنقة، نفس رصاصة موته وفناءه، سيلف حول رقبة، او تخترق قلب، كل البشرية. وبرأيي، فانه فقط من خلال هذه الرؤية يمكن تبين " لا " انسانية الاعدام. فقط من خلال البشر يمكن تبين معنى "اعدام مواطن". تماما كما ان عبودية انسان في بقعة ما منفية، هو عبودية كل البشرية.

 

لنناضل ضد اعدام احسان فتاحيان، لا لانه كان بريئا او مجرماًً، لا لان محاكمته لم تكن "عادلة"، لا لانه قتل ام لم يقتل، ارتكب جريمة ام لم يرتكب، بل لان اعدام البشر هو وسيلة الطغاة الضرورية، لانتاج المزيد من الطغيان والظلم، ولانتاج المزيد من النقمة والمرارة، ولانتاج المزيد من حاجة الافراد للقتل والعنف، وسيلتهم لاشاعة المزيد والمزيد والمزيد من الوحشية وانعدام الضمير واللا انسانية في المجتمع. انها وسيلتهم لادامة الخوف واللا انسانية. لنوقف ذلك.

 

ليس النضال ضد الاعدام وظيفة البرجوازيين والرأسماليين او ابواقهم ومثقفيهم وساستهم؛ انها وظيفة الانسانية وممثلي الانسانية: العمال، الاشتراكيين، المساواتيين، اليساريين، التحرريين، الانسانيين، والعلمانيين. وظيفة البشرية المتمدنة.

 

لنمحي "اعدام مواطن" للابد.