الجماهير تهز عروش الاسلام السياسي والقوميين !

 

عصام شكــــري

ishukri@gmail.com

 

هرب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الى جهة مجهولة يوم الجمعة 14 كانون الثاني 2011 بعد حكم تونس بقبضة حديدية لاكثر من 23 عام.

 

هروب بن علي حادثة ذات دلالة تأريخية وسياسية عميقة. فلاول مرة في التأريخ المعاصر للانظمة القومية العربية تطيح الجماهير باحد رؤوس الانظمة وتجبره على الهرب الى الخارج وتعلن الاحكام العرفية في البلاد. ولكن ذلك لن يبعث ألأمل في نفوس ”ديمقراطيي“ العراق الجديد الذين نصبوا بالحرب الامريكية الاجرامية وحملات القصف الوحشية والقتل الجماعي وتفتيت المجتمع الى اديان وقبائل وطوائف متصارعة سموها "الموزاييك"، بل انه مبعث قلقهم، بالتأكيد.

 

ان هرب بن علي وحدوث الانتفاضة الجماهيرية الثورية لقلب النظام لم يكن هذه المرة بمؤامرة انقلابية عسكرية ولا اخرى مولتها امريكا ومخابراتها ولا ”انتفاضة اسلامية“ هندستها جمهورية الاعدامات والرجم في ايران بملايين الدولارات، بل هي انتفاضة شعبية اشعل شرارتها شاب جامعي كان يبيع الفاكهة بعربته في الشارع وحين تم الاعتداء عليه ومعاملته بوحشية من قبل البوليس، قام بحرق نفسه احتجاجا على الاوضاع المتردية.

 

ولكن الثورة غالبا ما تلهبها قدحة صغيرة. فكما ان نتائج لانتخابات في الجمهورية الاسلامية قد الهبت انتفاضة ثورية عارمة في كل مدن ايران ضد الحكومة الاسلامية مؤدية الى تطورات متسارعة واحدثت صدع لن يلتئم داخل الجمهورية الاسلامية برمتها، فان انتحار الشاب الجامعي التونسي احتجاجا على الظلم الهبت هي الاخرى الجماهير والهمتهم الانتفاضة والانقضاض على الحكومة وقواتها الاجرامية مؤدية الى هرب رئيس البلاد.

 

ان الانتفاضة الثورية لجماهير ايران والانتفاضة الثورية لجماهير تونس حدثان مترابطان. انه انقضاض الجماهير على رموز الهمجية في المنطقة؛ الاسلام السياسي والقوميين العرب. ان الجماهير تستفيد مما لديها من فرص وهي تتحرك وفق ما لديها من مساحة. ان ما جرى ويجري يتجاوز اهداف توفير فرص عمل او تحسين الاقتصاد او زيادة الدخول للفئات المحرومة الى اهداف تحررية اعمق بكثير. انه رغبة عارمة بالقضاء على كل ما هو سائد وكائن. ان انتفاضة الجماهير في تونس وقبلها انتفاضة الجماهير الثورية في ايران راديكالية لا اصلاحية. وهي بهذا احتجاجات موجهة بالاساس ضد نهج وفلسفة وممارسة حركات سياسية بعينها تسلطت سنين طويلة وادت الى ترسيخ واقع مرير من القمع والاظطهاد والبؤس والتمييز؛ انهما حركة الاسلام السياسي والقومية العربية.

 

انتفاضة الجماهير الثائرة في ايران و تونس (وغدا في مناطق اخرى) تحطمان مقولة ان جماهير المنطقة لها تراثها الخنوع الخاص بها. او انها جماهير بليدة او خانعة للقوميين العرب او لقوى الاسلام السياسي. ان الجماهير تضع علامة استفهام كبرى حول التأريخ نفسه. فاحداث تونس تنقل الصدع الاجتماعي الى موقع جديد بين الطبقات الاجتماعية المتناحرة: بين الطبقة العاملة وعموم الجماهير المحرومة من جهة والطبقة البرجوازية المترفة الطفيلية من جهة اخرى. لم يعد الخلاف اليوم بين مؤيدي امريكا من القوميين العرب (يسميهم الاعلام الغربي بشكل مغرض بالليبراليين) ومؤيدي ايران والقاعدة وقوى الاسلام السياسي الجهادية الاخرى. واضح ان الانقسام اليوم يزاح الى خطوط تماس جديدة بين جبهة جماهير مليونية وجبهة حفنة رجعية قابضة على مقادير السلطة.

 

هذا التصدع يرسل برقيات عزاء مستعجلة لحكام المنطقة وطبقاته الحاكمة. وفي العراق سيستلم "الديمقراطيون" الاسلاميون والقوميون والعشائريون من المالكي وعلاوي والحكيم والصدر وبقية شيوخ وملالي الاسلام والقوميين الكرد والعرب تلك الرسائل ويدركوا ان الف كلمة ديمقراطية يطلقونها على حكمهم لن تقدر على ستر وحشية ومرارة الواقع الذي تعيشه جماهير العراق.

 

من يقول ان عصر الثورة قد ولى عليه ان يملي النظر بنضال الجماهير في تونس وايران ومصر والجزائر والعراق وان يرى ان الامر يتجاوز الجوع والفقر الى الرغبة بالحرية؛ الحرية من الاسلام السياسي والحرية من القوميين العرب والحرية من تلكم الايديولوجيات التمييزية والمتخلفة والهمجية والعاجزة كليا عن حل اي معضلة في المجتمع ونشود بدائل انسانية لقوى اشتراكية متمدنة وانسانية؛ بدائل تضع  الانسان والانسانية في جوهر فكرها وممارستها وتقوم على تحقيق اوسع اشكال الحرية والمساواة والرفاه والتمدن  ولجميع البشر.