اقتباسان: بصدد موقف الشيوعية العمالية من الاحداث في ايران

 عصام شكــــري

 

في الاقتباسين اللاحقين نورد كلمتان قصيرتان الاولى للينين والثانية لمنصور حكمت.  يؤكد كلا القائدان فيهما على الالية الاجتماعية لحدوث الثورة ومسألة انتهاز الجماهير للفرصة ودور الحزب الشيوعي.

 

بظل الصراع الذي تخوضه حركة الشيوعية العمالية اليوم بقيادة الحزب الشيوعي العمالي الايراني في ايران ترد تلك الاقتباسات بشكل مفحم على الميول اليمينية وادعياء الشيوعية ممن ينظرون  بأن حركة الجماهير الثورية لا تكون الا وفق مقاسات(هم) النظرية.

 

وبحكم عجز تلك القوى وهامشيتها الاجتماعية والسياسية فانها تعامل التدخل السياسي الواسع للجماهير على انه غير مكتمل الشروط. في الوقت الذي يروجون فيه لتلك النظرية من اجل التبرير لموقفهم السياسي، فانهم يقومون في الواقع بكسر ظهر الحركة وفرض الهزيمة عليها !  ذلك الموقف ليس فقط انهزاميا بل  انه، وبظل الاوضاع الثورية المتأججة اليوم في ايران، يصبح رجعيا. ذلك الموقف يمنح الفرصة، في عز ازمة الجماهير وصراعها مع تلك الرجعية، لنظام القمع الاسلامي  لململة صفوفه وتشديد قمعه ضد الجماهير. يتجاوز هذا الموقف اذن سمة اليمين التي اطلقت عليه حين حاول انتهاج طريق المساومات مع قوى الاسلام السياسي في اوضاع اخرى مختلفة، الى التخندق  مع النظام الاسلامي ضد الجماهير المعترضة.

 

فيما يلي كلام لينين ومنصور حكمت:

 

" فأن تجربة الثورة الروسية (ثورة 1905) ، مثلها مثل تجربة البلدان الاخرى، تثبت بما لا يقبل الجدل انه حين تتوفر الشروط والظروف الموضوعية لازمة سياسية عميقة، يمكن لاصغر النزاعات وابعدها، على ما يبدو، عن البؤرة الحقيقية للثورة، ان تتسم باهمية خطيرة للغاية، بوصفها ذريعة، بوصفها القطرة التي تطفح بسببها الكأس، بوصفها بداية انعطاف في الامزجة والخ...". 1

 

ان كلام لينين مازال ينطبق على الاحداث الثورية الحالية في ايران اليوم بل ربما بشكل اكثر مما كان لتجربة ثورة 1905. فتجربة الثورة الايرانية التي تتفتح امام ناظرينا لهي اشمل واكثر سعة من الثورة الروسية في العام 1905 سواء من ناحية الكم او النوع. وان ما يبدو ان الجماهير تريده ،هو في الواقع، وكما عبر لينين، القطرة التي طفحت بها الكأس، و"بوصفها بداية انعطاف في الامزجة". ومن جانب اخر فان مقاربة بسيطة بين نظام الجمهورية الاسلامية في ايران مع النظام القيصري في روسيا قبل قرابة 100 سنة، يرينا، وان بمرارة، ان الاخير رغم مرور كل تلك السنين على دفنه في مقبرة التاريخ، يبدو الان اكثر تقدمية، كثيرا، ان قارناه بنظام الجمهورية الاسلامية؛ البربري العنصري والمعادي للانسانية وخاصة وضع النساء والفتيات والعمال. النظام الذي مازال يعدم الاحداث ويرجم النساء ويعلق العمال برافعات البناء ويفرض على الملايين وضعا لا يمكن تخيله، نظام بربري بكل المعايير حتى مقارنة بنظام القيصرية.

 

يعبر لينين في المقتبس السابق على انه في حالة وجود ازمة سياسية فان ابسط حدث او اصغره، يتسم باهمية كبيرة ويمكن ان يلهب الامزجة. ان ذلك التحليل يمكن رؤيته فيما حدث في ايران حين اهتاجت الجماهير بشدة وخرجت بالملايين بسبب ظاهري هو نتائج الانتخابات ومساندة الخاسر وسبب حقيقي هو النقمة على النظام والرغبة العارمة بالتخلص منه واسقاطه الى الابد.

 

ان الاحتجاج العارم على نتائج الانتخابات هي بالظبط القطرة التي طفح بها كأس ”لينين“. ومن الواضح جدا ان المزاج الحالي في ايران ثوري بما يكفي لاحداث انعطاف قوي وراديكالي داخل المجتمع. كلام لينين اليوم (بعد مرور قرابة 100 سنة) ينطبق على الحركة الثورية لجماهير ايران بنفس العمق ومتانة التحليل الماركسي الذين امتازا به في العام 1908.

 

اما منصور حكمت فيقول:

 

" أوضحنا أن تصويتهم ( الجماهير الايرانية ) لخاتمي قبل أربع سنوات لم يوضح، لا انتهاج حل وسط، ولا وجود أي أوهام نحو الحركة الإصلاحية الاسلامية او الهيكلية، بل بالاحرى كان تدخلا سياسيا من اجل شل قدرة الحكومة واعلان السخط الشعبي ضد النظام. في السنوات الأربع الأخيرة، اصبح الحزب الشيوعي العمالي في ايران المتحدث الوحيد، وبشكل ما المتحدث الاوحد، على الصعيد الاجتماعي لهذه الراديكالية والمطلب التقدمي لاسقاط النظام". 2

 

ان في كلام منصور حكمت حول يوم انتخابات محمد خاتمي من قبل جماهير ايران قبل 12سنة ما يدل على انه لم يصف مطلقا تلك المشاركة بقيمتها  السطحيةFace Value  والتي يعتبرها التيار اليميني والذين يلصقون اسم منصور حكمت باسماء احزابهم، القيمة الحقيقية والوحيدة لما تقوم به الجماهير، مدعين بان خروجهم  يهدف "لمساندة" احد اقطاب السلطة.  رأى منصور حكمت ، وبدفع من التزامه الصارم بمنهج ماركس النقدي الثوري وليس ب”الحكمتية“، ان انتخابهم لتيار الثاني من خرداد الاصلاحي لم يكن الا ذريعة مناسبة، غطاء رسمي، حجة، او فرصة مواتية، سمها ما شئت، او كما قال منصور حكمت ”تدخلا سياسيا“ من اجل شل قدرة الحكومة والنظام الاسلامي برمته ولم يكن مطلقا ناتج عن توهم الجماهير بالحركة الاصلاحية او لانها تريد انتهاج حل توفيقي.

بنفس الراهنية ونفاذ البصر الماركسي الثوري التي يتسم بها تحليل منصور حكمت حول موقف الجماهير من موسوي، بنفس الوضوح، ينطبق رأي منصور حكمت وكلماته حول الدور القيادي للحزب الشيوعي العمالي الايراني اليوم في تمثيل هذه الحركة الثورية والراديكالية والتعبير عنها بل وفي قيادتها الى النهاية المظفرة. في السابق ، كما اليوم يعبر الحزب الشيوعي العمالي الايراني بشكل قيادي عن راديكالية وتقدمية ثورة الجماهير من اجل اسقاط الجمهورية الاسلامية.

**********************

1 لينين، مقالة " تقييم الوضع الراهن" ، جريدة البروليتاري، العدد 38، اول تشرين الثاني  1908.

2 منصور حكمت، مقابلة مع انترناسيونال،  بعنوان "يوم الانتخابات" هو يوم اعتراض، 2001 – ترجم المقتطف عن الانكليزي عصام شكـــري، المصدر:http://hekmat.public-archive.net/en/2130en.html