اغصان زيتون مخضبة بالدم

 

عصام شكــري

 

اغصان الزيتون التي طلب خليل زاد من المالكي التلويح بها ازاء قوى الاسلام السياسي والبعثيين من حاملي السلاح ”ضد امريكا والموالين لها“ اغصان مخضبة بدم الجماهير يلوح بها عضو ميليشيا اسلامية لاخر على امل تشكيلهم معاً لدولة. ولكن هل يستطيع رؤساء الميليشيات الاسلامية والرجعيين من اعداء المواطنة و مروجي التمييز بين الناس على اأسس الطائفية والدين والاثنية واعداء المرأة وكل اشكال المساواة بين المواطنين، هل يستطيع هؤلاء الرجعيون اقامة دولة؟ بينما جوهر واساس الدولة القانوني والاخلاقي هو المواطنة والتساوي الحقوقي بين الافراد ؟!!.  الجواب كلا.

 

اليوم لم يعد السؤال المطروح بين الجماهير المفجوعة بهذه الطغم وميليشياتها شبه العسكرية والتي تحركها ايديولوجية اسلامية طائفية مغرقة في الرجعية واخرى فاشية وعشائرية معادية لابسط قيم المساواة وحقوق المواطنة المتساوية، هو : هل تنجح تلك الميليشيات شبه العسكرية في بناء دولة في العراق بل : "هل تنجح امريكا في تشكيل الدولة من قوى الاسلام السياسي"  بعد ان حطمتها بحربها المدمرة؟.

 

وبالطبع لن يستطيع ان يجيب المالكي او ايٍٍ من مستشاريه من مشايخ الاسلام والطائفيين ورؤساء الميليشيات العسكرية على ذلك بل ولا حتى جورج بوش نفسه.

 

الجواب على معضلة الدولة او الاحرى غيابها ايأتي من واقع الصراعات السياسية الجارية في المجتمع وطبيعة القوى المتصارعة؛ الصراع الدموي بين قوى الارهاب والرجعية في المجتمع؛ قطب امريكا ودولتها وجيشها من جهة وقطب الاسلام السياسي بكل الوانه وتجلياته الرجعية من جهة ثانية.

 

ان ائتلاف قوى الاسلام السياسي الميليشياتي الطائفي (الشيعي) وان تلفح بما يسمى الشرعية الدستورية واللجان التمثيلية والدعم الامريكي السخي، قد فشل تماماً في الاجابة على هذه المسألة. كل المؤسسات  البرجوازية الرجعية التي اقامتها (او الاحرى لصقتها) امريكا لم تنجح لحد هذه اللحظة في انشاء دولة في العراق حتى وان اقيمت الحكومة تلو الاخرى.

 

ان غياب الدولة واقع صارخ في وجوه تلك الملايين التي تعاني من مرارة الحرمان من ابسط شروط الحياة الطبيعية من امان وطمأنينة ومجتمع مدني وحياة سياسية واجتماعية. ان معيار الدولة المعاصرة القائمة على المواطنة مفقود تماماً في العراق ومحلها تسود حكومة المافيات الاسلامية.

 

ان غياب الامان واستشراء الارهاب واعمال القتل والسلب والنهب والسطو والاختطاف والفديات والارهاب الاسلامي وفرق الموت الطائفية كلها ظروف ناشئة عن غياب الدولة بعد تحطيم امريكا لها واشتداد الصراع الارهابي بين الميليشيات الاسلامية على دوائر النفوذ الجديدة. ان ضحايا هذا الصراع الارهابي هم الناس. انهم يعانون ايضاً من غياب واسع وفظيع للحقوق الاساسية ولمبادئ المساواة والمدنية وانهيار حقوق المرأة والشباب والاطفال وفقدان العمال والكادحين لحقوق ناضلوا عشرات من السنين لنيلها. بدلا من الدولة المدنية الحديثة التي لا تحبذ ديانة على اخرى ولا مذهب على اخر ولا قومية على اخرى وتعتمد المواطنة معياراً للدستور تسود الان مافيات دينية- اسلامية وطائفية وقومية واثنية متصارعة لا تعترف الا بكياناتها ولا تعرف ( اتباعها) الا على اساس كونهم: شيعة سنة اكراد عرب تركمان يزيديين صابئة مسيحيين وغيرها من التعريفات التمييزية المتخلفة.

 

ان مقترح رئيس وزاء الحكومة العراقية التي نصبتها امريكا الذي قدمه الى ”برلمان“ قوى الاسلاميين والقوميين حول ما يسمى بالمصالحة الوطنية مع الاسلام السياسي السني والبعثيين السابقين بعد ان فشلت الخطط الامنية الدعائية المتتالية واخرها "معاً الى الامام!!" لن تخفف من حدة الازمة التي يعيشها المجتمع بغياب الدولة وسيادة هيمنة قوى رجعية ومتخلفة في بلد خاضع لهيمنة اكبر قوة ارهابية في العالم: امريكا.  ان اغصان الزيتون الدامية لن تفعل اكثر من تحولها الى سياط جديدة تلهب ظهور الجماهير وتزيد من الامهم وتصعد من حدة الارهاب والتفرقة الطائفية والتفتت الاجتماعي في العراق.

 

ان محاولة امريكا لاعادة بناء الدولة في العراق ليست محاولة جديدة بل قد تكون سياسة جديدة انتهجتها الادارة الامريكية  منذ ان صرح زلماي زاد بكلمة السر؛"حكومة وحدة وطنية"، اثر الازمة التي واجهتها ”الحكومة المؤقتة“ قرابة الاربعة اشهر ونصف وبداية التصفيات الطائفية واشتداد  الصراع بين حلفاء امريكا وحلفاء ايران من الميليشيات الحاكمة والتي انتهت باقصاء الجعفري واستبداله بوجه اكثر ”اخلاصاً“ في ”حرب امريكا على الارهاب“ ! - اي المالكي.

 

ان مقترحات المالكي التي طرحها يوم الاحد على " البرلمان" تهدف الى اقامة حكومة ائتلافية بين الاسلاميين من موالين ومن معارضين لامريكا. تلك المقترحات لن تستطيع ان تؤدي الى اقامة دولة مدنية في العراق.

 

ان اقامة دولة في العراق يتطلب قبل كل شئ توفير الشروط المطلوبة لانشاء دولة مدنية واولها تطبيع الاوضاع  السياسية والامنية عن طريق وضع حد للصراع الارهابي بين القوات الامريكية من جهة وقوى الاسلام السياسي والقوميين من جهة اخرى. ان الاحتلال الامريكي وتسلح الميليشيات الاسلامية - القومية هو اساس يسند واقع الارهاب الدموي ويديم استمرار السيناريو الاسود. 

 

لايمكن  البحث عن مسببات هذا الصراع في العشائر "السنية" التي "ستقبل" بنزع السلاح والانخراط فيما يسمى "العملية السياسية"  او قبول دخول القوميين والبعثيين والمزيد من الاسلاميين في "برلمان الاكثرية الشيعية " الرجعية او في تجميد العمل بقرار ” اجتثاث البعث“ الدعائي. تلك اكاذيب واحلام نهارية للبرجوازية العراقية الرجعية المرتبطة بمشاريع امريكا وهي تبغي منها اعادة انتاج نفسها وتجديد قواها المرفوضة من الجماهير بالايغال بتسليط قوى اخرى رجعية على الجماهير وسحبها الى جانبها.

 

لبلوغ أي تطبيع اجتماعي او سياسي او امني او مدني يجب اولا اخراج قوى السيناريو الاسود من الساحة السياسية في العراق ونزع سلاحها واخراجها . ان ذلك يترجم عمليا بمطلبنا بانهاء الاحتلال الامريكي الوحشي و نزع سلاح كل تلك الميليشيات الاسلامية والبعثية والقومية واقامة انتخابات حرة باشراف وحماية دولية. سيناضل حزبنا بدوره وفي ظروف كتلك من اجل الدولة العلمانية غير القومية ويطرح بديله لتلك الدولة أي الجمهورية الاشتراكية.

 

ان مقترحات  المالكي او أي من الاسلاميين الطائفيين وبقية الرجعيين من اعوان امريكا فيما يسمى الحكومة العراقية لن تجيب مطلقاً على مسألة غياب الدولة فتلك القوى لا تستطيع ولا تريد تحقيق الدولة بالمفهوم المدني - أي دولة علمانية غير قومية تضمن الحقوق المتساوية لكل المواطنين بلا تمييز. ان القوى الاسلامية والقومية لا تستطيع ابعاد الدين عن الدولة او المجتمع فذلك بالضبط  هو ما سيسبب تجفيف منابع رجعية تلك القوى وتسلطها على المجتمع( الدين والقومية) ويجعلها قشوراً يابسة تكنسها الجماهير في اول فرصة سانحة.