لا يجب انتظار مساومات امريكا مع الاسلاميين والقوميين، علينا كشفهم والتقدم ببديلنا !

 

عصام شكــــري

ishukri@gmail.com

 

 

قالت صحيفة  كريستيان ساينس مونيتور في خبر نشر بتاريخ 15 تموز ( اي بعد 15 يوم على انسحاب القوات من المدن) بان عدد القوات الأميركية الموجودة في العراق حاليا يصل الى 128 ألف مقاتل.

 

ورغم ان تعبير "القوات الموجودة" توحي بان تلك القوات  تتواجد في العراق لتأمين الحماية للجماهير، وهي ليست قوة محتلة تتحكم بكل شئ، الا ان الملاحظ ان عدد القوات الامريكية  المحتلة للعراق كبير الى درجة تجعل من فكرة سلطة المالكي الاسلامية القومية حول ”تحرير العراق“ سخافة وضحك على الناس.

 

فالقوات الامريكية مازالت، رغم الانسحاب المسرحي لها من المدن، قوات احتلال جرارة، 128 الف عسكري امريكي بكامل سلاحهم، قوات تسيطر من الناحية الفعلية على كل شبر في ارض العراق واجواءه بما في ذلك كل اجهزة الدولة التي نصبتها. تلك القوات لم تغادر العراق، بل غيرت موقعها الجغرافي فقط، وبتعبير اكثر واقعية، توارت عن الانظار، في الصحراء. وبالتالي فانه وباي معيار، لا يزال العراق دولة محتلة من قبل جيش دولة اجنبية. لا يستلم الجيش العراقي الذي جمعته امريكا من الميليشيات المسلحة للقوى الاسلامية والقومية التي جلبتها اثناء الحرب والاحتلال  اوامره مباشرة من جنرالات الجيش الامريكي فحسب، بل انه جيش لا يمتلك اي قدرة على البقاء متماسكا تحت راية الدولة في اي منعطف تمر به. ان البرجوازية الاسلامية والقومية تحاول منذ 6 سنوات ان تؤسس دولتها وهي تعرف ان احد اهم شروط ذلك التأسيس هو انشاء الجهاز القمعي المنظم اي قوات الجيش والشرطة والامن والمخابرات، ولكن المسألة في العراق مختلفة كليا.

 

فبسبب ان العراق دولة محتلة وحكومتها منصبة من قبل نفس القوات المحتلة وان الصراع مندلع لحد الان بين ذلك الجيش ومن وراءه الجيش الامريكي الداعم له والقوى المعارضة لامريكا والتي تسمي نفسها ”المقاومة“ فان تشكيل الدولة في ظل هذه الظروف بكل مكوناتها هو مسألة عقيمة وعبثية.

 

ذلك الجيش وفي الازمات والاوقات الحرجة، لن يطيع سوى اوامر قادة الميليشيات التي شكل منها. ان من الواضح وضوح الشمس ان القوى الاسلامية والطائفية والقومية المؤتلفة في السلطة هي قوى متصارعة على المصالح والنفوذ والنهب والمكاسب وانها ستجر ميليشياتها معها لتخدم تلك المصالح حين الحاجة. ذلك واضح للجميع.

 

ورغم تلك الحقائق الواضحة والتي لمسها المواطنون لمس اليد في خانقين وكركوك وبغداد والناصرية والانبار والبصرة فان الحكومة الاسلامية القومية التي نصبتها امريكا تتبجح بان الانسحاب هو تحرير للعراق في محاولة يائسة للظهور بمظهر القوة المقتدرة اي بمظهر الدولة.

 

من الناحية العملية الناس تعرف ان تلك اكاذيب. فالجيش اضعف من ان يواجه اي ازمة مسلحة قد تنشأ نتيجة صراع ، لنقل بين الاسلاميين في حكومة بغداد والقوميين الكرد في حكومة كردستان، او بين نفس الجيش والقوى المعادية لامريكا من الجهة الاخرى.

 

لنؤكد للقراء كلامنا هذا بالخبر التالي الوارد من وزارة الدفاع الامريكية:

 

تقول وزارة الدفاع الامريكية بان قوات امريكية جديدة سيوكل لها "مهمة التدريب والمشورة" يبلغ عددها 14 الف جندي تظم مهندسين وشرطة عسكرية ومتخصصين في فرض القانون "العراقي" والادارة والتمنية والاقتصادية وتقديم المشورة في المجالات الثقافية.

 

ان ذلك يعني ان هناك 14 الف مقاتل مستعدين لخوض حرب عسكرية تستخدم فيها حتى الطائرات والمدفعية الثقيلة. ولكن هل يجرؤ احد على قول ذلك؟. انها اذن بنظرهم 14 الف مقاتل امريكي سيجلبون من اجل تقديم ”المشورة في المجالات الثقافية“. !!

 

ولكن يبدو ان الامريكيين وقد حاولوا اختبار قدرة جماهير العراق على التفكير المستقل دون غسيل دماغ الاسلاميين والقوميين ورجال الدين والملالي ورجال اعلامهم المنمقين فانهم قد صدقوا ان تلك الجماهير ستخدع بتقديم  ”المشورة الثقافية“.

من الواضح ان القوات الامريكية ستبقى على اهبة الاستعداد لخوض قتال شرس وعنيف. وان التفجيرات واعمال القتل التي تقوم بها القوى المعادية لامريكا تبين ان الصراع بين تلك القوتين البربريتين لم يحسم بعد وان محاولات امريكا استجلاب تلك القوى لم تنجح لحد الان.

 

هنا نأتي الى النقطة المهمة وهي تغير السياسة الامريكية ازاء قوى الاسلام السياسي المعادية لها ومحاولة استرضاء الاخيرة للجلوس مع امريكا بدلا من مواجهتها. تلك السياسة عالمية ولكنها تجري في العراق ايضا. في هكذا سياق تجري محاولات امريكا بالانسحاب الكامل من العراق ربما في نهاية العام 2011 اذا ما نجحت في استجلاب قوى الاسلام السياسي والبعثيين الى طاولة المفاوضات والاشتراك في السلطة.

 

ان السياسة هي التي تحدد الحرب او القرار العسكري وليس العكس وان الانسحاب من المدن هو قرار تابع لقرار التفاوض مع اعداء امريكا في العراق وهو بمثابة اعلان حسن نوايا حول جدية امريكا في قراراتها وتسليم الراية الى القوى الاسلامية والقومية بمختلف فئاتها.

 

وفي حال فشلت امريكا في انجاح المفاوضات مع قوى الاسلام السياسي واعداءها من البعثيين فان خروجها النهائي في العام 2011 سيكون مقامرة حقيقية.

 

فمستقبل القوى الحالية سيتعرض الى انتكاسة قوية وربما الانهيار التام دون تأمين شروط بقاء تلك القوى في السلطة. ذلك سيضع العراق برمته في اشد حالات الخطر وربما ينهار الوضع الامني كليا وتنشب حروب نفوذ بين تلك القوى تجر الجماهير معها الى الدمار والكارثة من جديد.

 

ولكن في العراق توجد  ايضا حركة الشيوعية العمالية. دون تلك الحركة فان مصير الجماهير ستتحدد حصرا داخل بدائل القوى الرجعية والوحشية اي قوى امريكا والاسلام السياسي والقوميين العرب والكرد وغيرهم.

 

علينا ان نتواجد، ان نطرح بدائلنا، نفضح مخططاتهم، نكشف تحالفاتهم وصفقاتهم، نوضح مراميهم واهدافهم ونقول ان جبهة امريكا والاسلام السياسي والبعثيين والقوميين والعشائريين هي اليوم بدأت تتشكل كجبهة واحدة. ربما لم تاخذ شكلها النهائي بعد ولكن خطط امريكا  ( راجعوا خطاب اوباما في القاهرة ) تبغي اجراء المفاوضات مع وحوش الاسلام السياسي والقوميين من اجل استجلابهم للسلطة ومنحهم الشرعية.

 

علينا الا نعتبر ان الامور تسير في طريق الحل بسبب ان امريكا اليوم تقف موقفا ”لينا“ مع قوى الاسلام السياسي المعادي لها. ان الحقيقة هي ان موقف امريكا التفاوضي والتساومي هذا مع قوى الاسلام السياسي المعادي لها سيضع الجماهير في دائرة خطر كبير اخر ويعرض كل امالهم وطموحاتهم الى الانهيار. انه يعني تسليم مصائر جماهير العراق الى القوى المتهمة اصلا بارتكاب الوحشية والاجرام وعرضت حياة ومستقبل الملايين من البشر الى الخطر المحدق وتسليط تلك القوى وكسبها رضى وشرعية الغرب وعلى رأسه امريكا.

 

مهمتنا اليوم تكمن في ادامة النضال من اجل خروج القوات الامريكية بكاملها وفضح السياسة الامريكية التي تبغي عقد الصفقات والمساومة الحقيرة مع القوى الاسلامية والقومية المعادية لامريكا لا لافشال تلك المحاولات ولكن ايضا لنبين بان تلك القوى باتت اليوم في خندق واحد.

 

سيناريو امريكا وحلفاءها الاسود لم ينته بعد. ان الامر يتعلق بورطة امريكا والقوى الاسلامية والقومية التي لم تنجح في تقديم اي بدائل وها هي تتخبط بكل وضوح وتحاول ان تستثمر كل الفرص من اجل الظهور بمظهر المنتصر وفبركة الانتصارات على غرار ما كان يفعله نظام صدام حسين في الماضي.

 

نحن فقط، الجماهير الغفيرة للعمال والنساء والتحرريين والشيوعيين والاشتراكيين والعلمانيين قادرين على احلال ذلك البديل الانساني وانقاذ المجتمع. علينا ادامة النضال من اجل احلال بديلنا وعدم انتظار مساومات امريكا وحلولها الكارثية مرة اخرى.