نقطة بؤرية واحدة

مسارات داخل حركتنا

 

عصام شكــري

ishukri@gmail.com

 

خطان يحاولان نخر حركة الشيوعية العمالية في العراق. احدهما رسمي وتم تبنيه من القيادة اليمينية لحركة الشيوعية العمالية؛ والاخر هامشي ولكنه يجد متنفساً من خلال دعواته لاختطاط منهج بعيد عن مبادئ الشيوعية العمالية. هذان الطرحان يتوحدان في محاولة نسف الاسس الفكرية والسياسية للاشتراكية العمالية وبرنامج عالم افضل والمنهج الثوري لمنصور حكمت والماركسية الثورية؛ احدهما بالستراتيج والتاكتيك والاخر بالتشويه النظري.

 

المسار الاول يمثل ستراتيج الاشتراكية الانتهازية ممثلا بالحزب الشيوعي العمالي العراقي. رفع هذا الجناح راية التسويف والمماطلة وتأجيل الاشتراكية والغاء الثورة. يعتبر هذا الخط ان الطريق الى انهاء الوضع الراهن يمر عبر التحالف الفوقي لحركة الشيوعية العمالية مع اجنحة البرجوازية المحلية لتأليف حكومة ائتلافية "علمانية" عن طريق انشاء منظمات بوبيولستية ورقية، مثال "مؤتمر حرية العراق".

 

اما المسار الثاني فانه موقف نظري يحاول " تفخيخ" الاسس النظرية للماركسية من خلال احالتها الى نظرية لممارسة الانتهازية السياسية واطار طيع للذرائعية وخداع العمال. انه يتوهم ان بامكان الحركة الاشتراكية العمالية أعطاء دور محايد او موازن للولايات المتحدة فيما يجري اليوم في العراق متصورا ان وجود الاخيرة سيقوي التيارات العلمانية والعمالية في المجتمع مقابل قوى الاسلام السياسي الرجعية. هذا الرأي يقترح اعتبار الولايات المتحدة طرفا محايدا في الصراع  بين حركة الشيوعية العمالية والاسلام السياسي تبغي الاستفادة من حالة الصراع بين قطبي الارهاب لمحاربة احدهم من خلال تحييد الثاني.

 

سبق ان بينا وبمناسبات مختلفة ان المسار الاول انتهازي يحاول تغييب الاشتراكية بذريعة ان تلك "ماركسية كلاسيكية" وان الظروف تغيرت. تبريرات تهدف الى التخلي عن تنظيم العمال والجماهير وتعبئتهم من اجل تحقيق ارادة الجماهير واظهار قوتها. النهج الانتهازي يستند الى فكرة ان التحالف مع البرجوازية لاقامة دولة علمانية لاقومية في العراق أمر ضروري و"عملي". يتم ابتذال ماركسية منصور حكمت في ان الشيوعية العمالية يجب ان "تكون حاضرة في الميدان" وتحور الى " كل شئ ممكن". طرحنا سؤالنا عليهم : ولكن مع من من القوى البرجوازية الحالية في العراق بامكانكم العمل لبناء دولة علمانية لا قومية؟. لم لا تقولوا صراحة ان الاشتراكية وقواها وطبقتها الاجتماعية (العمال) هي وحدها القادرة على تحقيق هذا الهدف؟. كانت الاجابة دوما اما الصمت او التمتمة  الديماغوجية: " بامكاننا التحالف مع الجماهير التحررية!!". ومؤخراً صارت الاجابة اكثر وضوحا بعد ان تم التصريح بانهم سيقبلون بالتحالف مع قوى اسلامية معتدلة لاجل الوصول الى حكومة علمانية تطرد المحتل الامريكي!!.

 

  اما المسار الثاني الداعي الى الصراع مع الاسلام السياسي كونه العدو الاساسي فهو يذهب نفس المنحى من منطلق اخر. انه يستبدل التحالف مع البرجوازية المحلية الى التحالف غير المعلن مع البرجوازية العالمية وسياسة امريكا؛ النظام العالمي الجديد. ان ذلك تحديدا يجعل من هذا الميل ميلا برجوازيا ولا اشتراكيا داخل حركة الشيوعية العمالية تماما كخط الحزب الشيوعي العراقي الذي يراهن على الوجود الامريكي بانه الذي خلص الجماهير من النظام البعثي وعليه فان على الاشتراكيين الكف عن المطالبة بخروج قوات امريكا بل ربما طلب التمديد لوجودها حتى تقوية القوى القمعية. ان نقطة تقاطع هذا الميل مع التيار الانتهازي الاول من جهة وبتيار الشيوعية البرجوازية من جهة اخرى يجعل منه ميلا هداما للحركة الاشتراكية. انه يناقض وبجرة قلم المبدأ الاساسي لاستراتيجية حزبنا في ان امريكا هي قطب اساسي من اقطاب الصراع الارهابي والذي يمثل الاسلام السياسي قطبه الاخر. انه ينكر ان امريكا هي سبب كل الويلات والكوارث التي حلت بجماهير العراق بل وحتى المسؤول الاول عن خلق ودعم وادخال الاسلام السياسي الارهابي الى المجتمع في العراق ان من خلال تنصيبه كسلطة على رؤوس الجماهير وان من خلال قواه الارهابية المعادية لوجودها والتي تسفك دماء الالاف من الابرياء في الشوارع يوميا.

 

هذا الميلان يلتقيان في نقطة بؤرية واحدة.

 

الموقف الاول يتجنب العمل من اجل الثورة العمالية الاشتراكية لانزال الجماهير الى حلبة الصراع ويرغب في عمل حلفا قوميا - اسلاميا (معتدلاً) من اجل طرد المحتل وتحرير "العراق" من خلال تشكيل منظمات شعبوية غير طبقية غير عمالية وذات اهداف غير اشتراكية ( مؤتمر حرية العراق). اما الثاني فيختزل النضال العمالي ضد العدو الاساسي كما يسميه وينهي سؤال العمال والجماهير عن دور الولايات المتحدة في تشكيل الوضع القائم وادامته وجلب هذه الشراذم وايصالها الى سدة الحكم في العراق من الجعفري والسيستاني والصدر وعلاوي والجلبي والضاري والزرقاوي وغيرهم من الشخصيات الرجعية بل واعادة انتاجهم يوميا لابقاء ما يمثله هؤلاء من نهج تفتيتي طائفي عشائري للمجتمع. كيف يمكن لمن يدعي الشيوعية العمالية تصديق كذبة ان البرجوازية راغبة في تحقيق دولة علمانية لا قومية؟ كيف يمكن لمن يدعي الشيوعية العمالية ويؤمن بالنظرية الماركسية الا يرسخ المفهوم الماركسي الواضح والصحيح في ان بامكان العمال وحدهم اليوم بناء الدولة العلمانية اللا قومية والانسانية وفقط من خلال مطالبتهم بان تكون اشتراكية؟. لا تحقق البرجوازية، محلية كانت ام عالمية، للجماهير الدولة العلمانية اللاقومية لان مصالحها الاقتصادية والاجتماعية ترتبط بتفتيت المجتمع بالتناحرات الطائفية والقومية. ان اعتبار الولايات المتحدة حليف للجماهير او عدو غير اساسي في هذه المرحلة هو مغالطة وتناقض اساسي وجذري مع نظرة حزبنا ورؤيتها لدور الولايات المتحدة في العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي واحداث 11 سبتمبر.

 

يجدرالتأكيد بوضوح وبلا اي لبس على ان القوة القادرة على انشاء الدولة العلمانية اللاقومية ( وليس الدولة الاسلامية – القومية كما هو حاصل اليوم) ليست امريكا وليست البرجوازية  العراقية المحلية بل الجماهير المنظمة تحت راية الاشتراكية. اذا كنا نقول في ستراتيج حزبنا ونؤكد بوضوح على ان الدولة الامريكية هي نفسها قطب من اقطاب الارهاب في العالم فهي في العراق احد قطبي الارهاب مع الارهاب الاسلامي.

 

بتصور حزبنا كما ورد في استراتيجيته لانهاء السيناريو الاسود، فان سياسة الولايات المتحدة في العراق ومن خلال سياستها الخارجية العالمية المسماة النظام العالمي الجديد هي المسببة للوضع الحالي في  العراق.

 

ليس ثمة وهم لدينا حول ذلك.

 

قامت امريكا بحرب مدمرة ضد جماهير العراق لارجاع شيوخ آل صباح في الكويت العام 1992 ومن ثم قامت بفرض حصار شامل على جماهير العراق استمر 13 سنة ادت الى هلاك مليون ونصف مليون انسان اعقبته بحرب مدمرة ثانية قتلت فيها مئآت الالاف من العمال والكادحين  وهدمت البنى الاقتصادية للبلد واقتلعت من خلالها نظام البعث بعملية فوقية دون ارادة الجماهير ورغما عنها مسببة السيناريو الاسود الذي نعيش الجماهير فصوله السوداء يومياً.

 

 السلطة الحالية في العراق هي صناعة امريكية وهي سلطة اسلام سياسي وعشائرية وقومية. وكاستنتاج نهائي فان رؤى العمل السابقة كليهما تشتركان في الخروج عن المهمة الاساسية لنا وهي انهاء السيناريو الاسود من خلال تعبئة الجماهير وتسليحها بالماركسية الثورية والاعتراضية.  السؤال الذي على الشيوعيين العماليين ان يجيبوا عليه هو: عن اي سيناريو اسود اسوأ من هذا بامكاننا  الحديث؟

 

 ان الانسجام الفكري الذي يرسمه الحزب الشيوعي العمالي اليساري لا يهدف الى تحقيق  التكامل النظري او الانشائي او الايديولوجي بل الى خلق قواعد وركائز للبنى السياسية لخطواتنا العملية. ان المنهج الاشتراكي العمالي الثوري يفترض ان نقوي قطب الجماهير ازاء قطبي الارهاب البرجوازيان. ان تقوية قطب الجماهير او القوة الثالثة لا  يمكن ان يمر في المعطيات الراهنة عبر عقد الصفقات او النظر في احتمالات "مداعبة" احدى البرجوازيتين محلية كانت ام عالمية بل من خلال تقوية صف الجماهير  بالنقد الحاد والهدام للوضع. نحن نعتقد بان بامكان قوى الانسانية التي لم تشترك بجريمة الحرب ضد جماهير العراق ان تقوم بتحمل مسؤولياتها في انقاذ جماهير  العراق وبالنتيجة ازالة ما يجعلها اسيرة لمخططات قوى السيناريو الاسود. تيار  الشيوعية العمالية ينتمي الى جماهير العمال والمحرومين والقوى الانسانية والراديكالية والمساواتية. علينا ان نتحالف مع هؤلاء وان نقوي جبهتهم فوراً. ان ذلك لن يتم الا من  خلال مناهضة قطبي الارهاب الوحشيين لا في العراق فحسب بل في العالم اجمع . ان  حزبا سياسيا اجتماعيا مقتدرا وقويا ممكن وحده ان ينجز هذه المهمة.

 

علينا كشيوعين عماليين ان نتصدى لمحاولات دك اسس حركة الشيوعية العمالية وان نكون متيقظين لمحاولات جعل ماركسية منصور حكمت وسيلة رخيصة اخرى بيد الفئآت غير العمالية والبرجوازية.

 

لن نسمح بذلك.