المقاطعين للانتخابات والتوغل بعمق الانتهازية !!

 

عصام شكــري

 

لقد سبق ان تحدثنا عما يسمى الانتخابات في العراق وتم توضيح اهداف تلك المكيدة التي تقوم بها امريكا مع اعوانها للجماهير الغفيرة. قلنا انها تخدم مصالح امريكا, بترسيخ سياسة النظام العالمي الجديد والهيمنة الامريكية ولا علاقة لها بمصالح الجماهير وطموحاتها. قلنا ذلك منذ اليوم الاول ولم ننتظر وقتا يمضي لاكتشاف ذلك. ان اجراء ما يسمى الانتخابات في العراق تهدف الى 1) حل مسألة الدولة وملئ فراغها بــ 2) ممثلي امريكا من قوى السيناريو الاسود من خلال ؛ 3) تسليم السلطة لهم والانسحاب خلف الكواليس لتقليل خسائرها الفادحة ومن ثم ؛ 4) اعلان انتصارها السياسي من خلال بروباكاندا ما يسمى انجاز العملية الديمقراطية وبالنتيجة ؛ 5) محاربة قوى الاشتراكية والطبقة العاملة وارجاع المدنية في المجتمع القهقرى على ايدي الدولة الجديدة الاسلامية – القومية – المذهبية – العشائرية. وبكل هذه المعطيات فأن الخاسر الاكبر ستكون جماهير العراق وخاصة العمالية المسحوقة والمحرومة. هؤلاء هم الغالبية الساحقة من الجماهير في العراق.

 

قلنا ذلك ونعيد قوله لان كمية الهراء التي تساح على الاوراق كبيرة وعلى الاشتراكيين ان يخبروا الحقيقة للجماهير. ان الكتبة المأجورين لامريكا والاحزاب التابعة لها فعلا لا قولا يتكاثرون كالسرطان داخل جسد المجتمع في العراق واصبح العديد منهم يطبل ويزمر للسياسة الامريكية بقوة الدولارات تماماً كما كان يفعل آخرون وما زالوا بدولارات البعث والاسلام السياسي بكل اصنافه.

           

ومن جهة اخرى فان تكرار موقفنا الان ينبع من ضرورة فصل الخيوط التي تشابكت بين مختلف القوى ذات الاتجاهات التي تدعي بالاشتراكية او الشيوعية فيما يخص الانتخابات وبالنتيجة مجمل الوضع السياسي في العراق. فهنالك قوى اليسارالبرجوازي والتي ترى ان الانتخابات خطوة ضرورية لانها ستعمل على خلق دولة مستقرة ديمقراطية الخ من ترهات البرجوازية الوطنية. تلك شعارات تلاك من قبل ممثلي البرجوازية القومية ولا علاقة لها بالطبقة العاملة ومصالحها في تحقيق الاشتراكية. تلك القوى تلصق على اسماءها كلمات الشيوعية لا لانها تضع الحرية ومساواة الانسان وسعادته في اولوياتها بل لان قواعد تلك الحركات السياسية ستنفض عنها اذا ما أزالت قياداتها كلمة الشيوعية وحولوها الى احزاب ديمقراطية على سبيل المثال. ان كلمة الشيوعية تعطي قيمة لتلك الاحزاب، لا تمتلكها بالطبع.

 

اما الاحزاب والحركات التي تتبنى البرامج الاشتراكية ولكنها في حقيقة الامر تسير في مناهج انتهازية فان بعضها يقاطع الانتخابات، وبعضها الاخر يدعو الى عدم المشاركة. هذه القوى المتبجحة بانجازاتها وجماهيريتها لا تتخذ من خلال مقاطعتها موقفا اشتراكيا عماليا او معبرا عن مصالح عموم الجماهير الشعبية بل انها في ذلك تتخذ موقفا تساوميا برجوازيا وهي بهذا لا تبتعد كثيرا عن مسارات الاحزاب القومية المذهبية المعارضة لاجراء الانتخابات او المطالبة بتأجيلها.

 

 ان سياسة اي حزب هي حصيلة لستراتيجية وتاكتيكات تمارس في حقبة معينة للاجابة على المعضلات والصراعات السياسية التي تواجهها الميول والطبقات التي تمثلها هذه الاحزاب. وبهذا المعنى العام فان ما يُبقي اي تكتيك لحزب اشتراكي عمالي، ثوريا ومعبراً عن مصالح الجماهير في تلك المرحلة ، يجب ان يقع ضمن السياق العام للنهج الاشتراكي  للحزب. فالتكتيك لا معنى مجرد او مفترض له  الا من خلال المنهج السياسي العام. وعلى هذا فان الحزب الذي يدعي الاشتراكية وهو ينتهج البرنامج التساومي في ستراتيجيته والتعامل مع القوى الفوقية في المجتمع وليس الجماهير الغفيرة وتنظيمها للقيام بالتغيير الثوري وعندما ينفي امكانية الاشتراكية ويؤجلها وينكر ضرورة الاعداد للثورة الاجتماعية فان تكتيكاته التي يعتمدها تصبح في مجموعها العام ليس فقط غير ثورية بل انتهازية حتى لو اقسم "اغلظ الايمان" بانه حزب التدخل الاجتماعي والسلطة السياسية.. الخ !!.  ان الجماهير عند مثل هكذا احزاب هي مجرد مسمى عاطفي يكرر باستمرار لكي يتم اكتساب الشرعية التفاوضية مع القوى الفوقية الاخرى. اما الجماهير وقوة تلك الجماهير في تلك الاحزاب فغائبة تماماً.  ان قوى البرجوازية المحلية وخصوصا تلك المسنودة من البرجوازية الغربية لا تخاف هكذا اشتراكيين بل تزدريهم. هذا هو سبب عدم اكتراث احد من السلطة او بقية الاحزاب البرجوازية في الرد على طلباتهم الخيالية بشأن الانتخابات.

 

ان الانتهازية في الحركة الشيوعية تيار خطير لانه يوحي للجماهير بالثورية او الراديكالية ولكنه في الحقيقة يقتل الثورية عند الجماهير ويصنمها ويجعلها بعيدة وغامضة. هذا التيار لا يعتمد على قوى الجماهير ولا يؤمن بها بل يؤمن باعداد المسرحيات السياسية مع قوى البرجوازية والتوازنات الفوقية . فتراهم تارة ينادون البرجوازيين ان لبوا شروطنا لنشارك معكم في هذه الانتخابات. وتارة اخرى يصيحون قاطعوا ايها الجماهير هذه العملية التي تقوم بتنظيمها البرجوازية. وثالثة يتنادون الى تأسيس منظمة جماهيرية وبنفس التوجهات التساومية العقيمة مع القوى السياسية البرجوازية الاخرى! ان عقد الصفقات يجب ان يرتكز الى قوة مادية. أية قوة!. فبأية قوة يودون عقد صفقاتهم؟!!.

لن تلبي تلك الصفقات شروطهم او مطالباتهم بل ستلبي حتماً شروط البرجوازية لانهم يمتلكون القوة لا الكلام!!. ذلك لا يشير فقط الى عدم ادراك وفهم الواقع بل الى توغل أعمق في الانتهازية السياسية.

 

ان أمثلتنا السابقة من طلب شروط غير قابلة للتحقيق، الى مقاطعة الانتخابات، الى الاعداد للمنظمة الجماهيرية التي لا جماهير فيها ومن ثم انشاء "دولتها" بينما القوات الامريكية تتفرج ! هي امثلة تبثت ما قلناه في ان التكتيك السياسي سيكون حتما انتهازيا اذا ما كانت الاستراتيجية المعتمدة انتهازية، متهالكة، وتساومية ولا دور فيها للجماهير ولا تعبئة لقواهم المتأججة.

 

من هنا فقط يمكن أدراك العبارات المبتسرة التي تقطع و تلصق من ادبيات الرفيق منصور حكمت كما تقطع وتلصق الكلمات في برامج الطباعة بالكومبيوتر. فما يسمى "التدخل في الصراعات السياسية او الاجتماعية" لهؤلاء في حقيقة الامر هو تدخل فوقي لا أساس اجتماعي له. فالتدخل في حالة الانتخابات ( بالمقاطعة) تترجم في نظر الاشتراكية الانتهازية الى محاولة تثبيت موقف مع البرجوازية وقوى السيناريو الاسود. الجماهير لا يهمها هذا الموقف المقاطع مادامت مستثناة اصلا من المعادلة؛ لا تأثير جدي للمقاطعين على حركتها الاجتماعية او التلاطمات الحادة الجارية في المجتمع. ان الف مقاطعة من هذا القبيل لن تعد بنظري موقفا اشتراكيا عماليا لانها لن تساهم قط في الدفع بقضية الاشتراكية أو العلمانية الى الامام لان الجماهير او الطبقة العاملة مادة الاشتراكية" غائبة تماماً.أن تأثير هذه المقاطعة سيكون فوقي وبالمحصلة، هامشي.

 

لا يخفى أهمية المنظمات الجماهيرية للشيوعيين اذا ما كانوا يريدون فعلاً تغيير الواقع والارتكان الى قوة الجماهير ولكن اين هي تلك؟. اين منظمات العمال القوية المليونية؟ لا توجد. أين منظمات الجماهير النسوية ؟ لاتوجد. أين منظمات العاطلين التي هزت احتجاجاتها شوارع بغداد والمدن الاخرى فيما مضى؟ لا توجد. اين المنظمات المدنية والعلمانية الجماهيرية؟ لاتوجد. فكيف تناضل اذن لتغيير المجتمع وتخرج الجماهير من هذا الوضع المأساوي؟ وبأي قوة؟ !! لا أحد يدري.

 

فالتصريحات و"الشروط" السابقة للاشتراكية المنشفية المتعلقة بالانتخابات والتي يطالبون فيها السلطة المؤقتة والقوات الامريكية بشكل غير مباشر بتوفير الامان والحرية والنزاهة للجماهير وكأن الانتخابات تجري في كوكب آخر !! هي اوضح دليل على "الماهية" المضللة لهم. ان غرضهم من ارسال تلك المطالبات كان تحسس الارض تحت قدمهم ورؤية امكانية التوغل اكثر لدخول حلبة التفاوض السياسي مع قوى السيناريو الاسود. لم ولن يسلكوا طريق تنظيم الجماهير فهو صعب ومرهق ويتطلب التفاني كما ان نتائجه غير مضمونه.!! اما طريق المساومة فخسائره محدودة ومن المحتمل تحقيقه لصفقات مربحة وسريعة !!. هذه هي الماهية الاصلية لتحركهم السياسي النضالي. اللعب مع البرجوازية تمهيدا للدخول في ناديهم.

 

ان الشيوعيين عموما يجب ان ينظروا الى الاصلاح فقط من خلال منظار الثورة الاجتماعية والاشتراكية. أي فقط من خلال تنظيم صفوف جماهير العمال والمحرومين بامكاننا ان ننهج التكتيك المرحلي الاصلاحي.  فقط من خلال قوة الجماهير بامكاننا (بل من واجبنا) الجلوس امام البرجوازية لانتزاع حقوق العمال من بين مخالبها.

 

ان حزبنا الشيوعي العمالي اليساري حين رفض ما يسمى الانتخابات ولم يدعو الى مقاطعتها فانه كان منسجما مع موقفه الاشتراكي والثوري. لم يراهن على دخول "نادي السيناريو الاسود" ولم يقم بحسابات ساذجة حول امكانية "النضال" من فوق بدون ان يكون هنالك رصيد أو قوةً "بين الجماهير". لم ننخدع بتاتاً بمحاولة (او حجة) "مشاركة قوى التحرر واليسار" في الانتخابات الامريكية. ان عدم المشاركة في هذا المهرجان البرجوازي  المسمى انتخابات، والذي نأمل الا يكون دموياً على الجماهير المحرومة في العراق، وفضحه في كل مكان تصل اصواتنا اليه في العراق لا يجعلنا هامشيين كما يدعي ذلك الفصيل الانتهازي بل يقوي موقفنا الاشتراكي ويعلي من قدرنا في عيون العمال والكادحين والشرفاء والذين لا يرون فيما يجري الا مكيدة ضدهم. ان العمل معهم وبينهم هو خطنا وبرنامجنا وحينها نكون اقوياء بهم. حينها بامكاننا فرض الشروط ولوي اذرع البرجوازية اينما استطعنا.

نكرر موقفنا في ان اشتراك الاشتراكيين العماليين في اية عملية سياسية ممكن فقط بتوفر شروط اجراء انتخابات حرة. ذلك لن يتحقق الا من خلال النضال لاخراج القوات الامريكية لا باعتبارها قوات "اجنبية" بالمفهوم القومي المتخلف بل كقوات غاشمة للبرجوازية العالمية تمنع تدخل الجماهير الغفيرة في العراق من تقرير مصيرها وتديم السيناريو الاسود وهو بنظرنا مع نضالنا لنزع سلاح القوى السوداء من القوميين والاسلاميين والعشائر وبقايا البعث (لا تقصير أيديهم وكأنها معطف) يعد الشرط الاساسي لانهاء حالة السيناريو الاسود والتمهيد لاجراء انتخابات وتأسيس دولة لا قومية ولا دينية ومجتمع مدني. ان هذا المجتمع المدني لن يكون في التحليل الاخير الا المجتمع الاشتراكي.