انهم يخططون لرواندا جديدة في العراق

حول دستور الدولة الفيدرالية

 

عصام شكــري

ishukri@gmail.com

 

الولايات المتحدة الامريكية تسير على نهج التفتيت وشرذمة المجتمع في العراق. انها تفعل ما فعلته في التسعينات في رواندا عندما تركت الملايين من الناس عرضة لتصفيات عرقية وحشية لم تر البشرية لها مثيل من قبل. الفرق انها اليوم مسؤولة مباشرة عما "يمكن ان" يحدث من مذابح في العراق مقارنة برواندا التي وقفت فيها امريكا متواطئة مع  لوردات الحرب الاثنية من قبائل الهوتو الذين امروا بقتل مئآت الالاف من المدنيين التوتسي. امريكا اليوم تهئ لرواندا اخرى في العراق من خلال محاولة امرار دستور "الدولة الفيدرالية" وفرض هيمنة الاسلام السياسي على مقدرات المجتمع والتأجيج المذهبي الحقير بين صفوف الجماهير.

 

ومن جهتهم اجل حلفاء امريكا من البرجوازية الاسلامية - القومية المصادقة على الدستور المقترح الى يوم 22 آب لان قبائلهم ( هل لديهم احزاب؟) تتناحر حول الحصص والمغانم: كركوك، تقسيم الثروات، صلاحيات رؤساء الاقاليم الفيدرالية، تدخل الاسلام الفج في شؤون المجتمع المدني، محاربة المرأة والحط من منزلتها الاجتماعية والنيل من حقوقها من خلال " الاسلام مصدرمن مصادر التشريع". ان هؤلاء القبليين يختلفون فقط حول مواقع رسم خطوط التماس بين محمياتهم الاثنية والطائفية تمهيدا لاغراق الجماهير بدماءها من جديد. وبطبيعة الحال امريكا ترغب في ذلك الحل لانه اولا يبعد القوى الاشتراكية والراديكالية العمالية عن التكتل والتعبئة وثانيا لانه يبقي لوجودها وتدخلها معنى.

 

وبالرغم من ان امريكا تحاول باستماتة ان "تقنع" اصحابها الاسلاميين والطائفيين - القوميين بضرورة الاتفاق السريع على الدستور ونبذ الخلافات (لاعلان انتصار ديمقراطية امريكا الدموية) الا ان الحقيقة المرة والبائسة في نفس الوقت تظل تطل من بين ثقوب وخرق تلك الديمقراطية الطائفية/العشائرية وهي ان امريكا تود لهذا الدستور ان " يقونن " مسار تفتيت المجتمع في العراق ويقضي على اي مدنية حققتها الجماهير في نضالاتها التاريخية. تلك القوننة تتمثل في الاسراع بانجاز دستور الدولة الفيدرالية الاسلامي المعادية للجماهير.

 

اليوم يدور الصراع بين اطياف البرجوازية في السلطة على الفيدرالية وتدخل الدين في الدولة ووضع المرأة وحقوقها. ولكن حقيقة الامر ان المعترضين على الفيدرالية مما يسمى بــ " اخواننا العرب السنة !!" يعترضون لاسباب لا علاقة لها بمصالح الجماهير او التنبيه من خطر منزلق الحرب الاهلية او الاقتتال بل من منطلقات ما يسمى "المصلحة القومية" والتوازن الطائفي. فالصراع يحتدم بين القوميين الكرد "التحالف" من جهة وبين "الائتلاف" الشيعي من جهة اخرى وبين الاخير واحزاب الاسلام السياسي السنية، وبين القوميين الكرد والاحزاب القومية التركمانية، وهلمجرا وهكذا دواليك. احزاب شوفينية بلا برامج اجتماعية الا بما يخدم مصالحها في الاستحواذ والهيمنة وتعزيز المواقع الطائفية ووضع المجتمع على برميل بارود.

 

ان الاختلافات على الدستور التي تطفح بها وسائل الاعلام وتعطي اهمية كبرى لها هي مظهر استعراضي سخيف آخر يبين مدى حقارة الطبقة البرجوازية المتعفنة في العراق والتي لم و لن تكترث باي الم يصيب الجماهير او باي انحدار يصيب وضع العمال والكادحين والنساء والاطفال المحرومين من الرفاه والامان والمساواة والحرية بعيدا عن نفوذ الاسلام والقومية والطائفية وتكريس التناحر وتعميق الكراهية بين الجماهير.

 

ان هذه البرجوازية تتعمد تناسى الام الناس ومعاناتهم اليومية وتحاول بمعونة الحليف الامريكي تصوير مسألة الدستور وكأنه خاتمة المطاف او نهاية لحقبة وبداية لحقبة اخرى " زاهرة". تلك اكاذيب جديدة ( وقد انتهى مهرجان الانتخابات) تمارسه امريكا واعوانها من اجل التغطية على سياستهم الاجرامية ضد الجماهير. ان الطبقة البرجوازية التي ثبتتها القوة الامريكية رغم ارادة الناس في العراق تحاول جر المواطنين من رقابهم الى مشروعهم الطائفي وان تجعلهم يحفرون خنادق الحرب بايديهم تمهيدا للتمترس بها.

 

ان الحكومة التي جاءت بها امريكا الى السلطة وحاولت من خلالها ردم الفراغ الناشئ عن تدمير الدولة السابقة لم تتمكن لحد اليوم من ممارسة اي دور حقيقي يمكن ان يكسبها تعريف الدولة. فالكل يعرف ان الدولة غير موجودة فعليا ( اذا غضضنا النظر عن اطلاق العيارات النارية في الهواء من قبل قوات الامن وبشكل همجي) لانها لا تستطيع ان تجيب على ابسط حاجات المجتمع من قبيل توفيرالامان، ناهيك عن الخدمات الاساسية كالماء والكهرباء والبنزين وفرص العمل والتأمين الصحي. انها غير قادرة حتى على ادامة الحصة التموينية الهزيلة للمواطنين. ان الدولة العراقية الحالية هي عبارة عن خليط من مجاميع اسلامية وعشائرية تتحدد مهمتهم في تحطيم مدنية المجتمع وانهاء اي دور لعلمانية في العراق من خلال الاستمرار في سياسة التفتيت الطائفي من خلال الفيدرالية.

 

ان الدستور الذي يتم الحديث عن تأجيله والصراع حول بنوده هو في الحقيقة محصلة للسياسة الامريكية في العراق منذ سنتين ولسياساتها العالمية منذ انتهاء الحرب الباردة والقائمة على الهيمنة وشرذمة المجتمعات المبتلية بالتدخل الامريكي؛ سياسة انهاء مجتمع المواطنة واحلال مجتمع القبائل والطوائف، مجتمع العشائر والرجولية واهانة المرأة وسلبها لحقوقها. الدستور المقترح هو الصياغة القانونية المحلية للنظام العالمي الجديد لامريكا في العراق. لا تعريف لهذا الدستور في اللحظة الراهنة اكثر من هذا التعريف.

 

اننا ومن هذا المنطلق نرى ان ما يجري من مهرجان سياسي لقوى اليمين العراقي الموالي لامريكا هو اعادة انتاج نفس خصائص الدولة الاسلامية – العشائرية - القبائلية المتخلفة التي نصبتها امريكا واكسابها الشرعية الجديدة وهو لن يكون الا استطالة من استطالات النظام العالمي الجديد الذي تحاول امريكا ترسيخه في كل انحاء العالم .

 

انهم يخططون لرواندا جديدة وعلى الشيوعية العمالية تمزيق هذا المخطط الدموي من خلال تشديد نضالنا الاشتراكي من اجل تحقيق دولة العلمانية والمواطنة – دولة الحرية والمساواة للجميع.