خطة بوش ”الجديدة“!

تصعيد المواجهة الارهابية

 

عصام شكــري

 

في خطابه التلفزيوني يوم 10 كانون الثاني اعلن جورج بوش انه ارتكب اخطاء في العراق. وانه قرر تغيير استراتيجيته. واعلن عن معارضته لمقترح لجنة دراسة العراق بسحب القوات الامريكية عام 2008 . وعن قراره ارسال 20000 جندي اضافي والقيام بمشروع لمساعدة القوات العراقية للسيطرة على المناطق السكنية "المختلطة" طائفياً في بغداد وتحويلها الى ”واحات هدوء“ (؟؟). وانتقد سلطة المالكي المهلهلة وهددها بنفاذ صبره على فشلها في السيطرة على الاوضاع. و شدد على مواجهة النفوذ الايراني والسوري في العراق ودعمهم للمليشيات الاسلامية (هاجم مكتب المخابرات الايراني في اربيل في اليوم التالي). واعلن انه لن يقبل بالهزيمة رغم اعترافه بفشل الحرب وبين بان النصر ضروري وحاسم لامريكا. 

 

خطة بوش الجديدة ستفشل مرة اخرى وقد تكون المرة الاخيرة التي يتاح له فيها الفشل. فالجيش الامريكي لم يعد قادرا على بذل المزيد من الخسائر ومعنوياته القتالية هابطة. ومن جهة اخرى فان البرجوازية الامريكية اصبحت منقسمة على نفسها وفقد الشعب الامريكي أي حماسة للحرب ويبدي بشكل متزايد مطلبه بسحب القوات من العراق.

 

لقد افرغت البرجوازية الامريكية كل مافي جعبتها الان من حلول لتحقيق النصر ولم يبق لديها شئ لتجربه في العراق. وبدلا من استتباب الاوضاع لصالح قطب امريكا ونظامها العالمي الجديد وخلق واحة للديمقراطية في العراق، ازدادت حدة الصراع بينها وبين قطب الاسلام السياسي وازداد السيناريو الاسود ظلاماً ووحشية.

 

فلحد هذه اللحظة بلغت خسائر امريكا في العراق 3000 قتيل (حسب ادعاءات البنتاغون) واكثر من 300 مليار دولار. اما الدمار الذي حل بالمجتمع في العراق فلا يمكن للارقام وصفه باي حال من الاحوال. فقد ادت الحرب الامريكية المجرمة الى قتل ما يزيد عن 650000 انسان (34500 قتيل مدني فقط في العام الماضي حسب مصادر الامم المتحدة) ومليارات الدولارات خسائر مادية وممتلكات وبنى تحتية وخدمية ناهيك عن التحطيم الكامل لكل ركائز المدنية في المجتمع واحلال الميليشيات الاسلامية والقومية والعشائرية وملئها فراع الدولة وهيمنتها على المجتمع وحفرها لخنادق الطائفية الدينية والتي تودي بحياة المئات من الابرياء يوميا اضافة الى ملايين من الهاربين والمرحلين من مناطقهم.  ورغم كل هذا الدمار والاجرام الوحشي غير المسبوق فان بوش مازال يعتقد انه قادر على تحقيق النصر. لقد نفضت جماهير امريكا يديها عن بوش ولكنه مازال يرى ان الطريق ستوصل الى نهاية مشرفة لامريكا.

 

ان خطة بوش تفترض ان حل الصراع القائم اليوم مع قطب الاسلام السياسي يعتمد على النصر العسكري على تلك القوى. ولكن تلك كذبة اثبتت التجارب خطئها. فالاسلام السياسي المعادي لامريكا يتغذى تماما من نفس منهج العسكريتاريا الامريكية. ان أي تصعيد عسكري امريكي واي زيادة في التواجد الامريكي في العراق سيؤدي بلا ادنى شك الى مضاعفة الضخ والتعبئة الايديولوجية لقوى الاسلام السياسي المعادية لامريكا من اجل قتالها والحاق المزيد من الخسائر في صفوف جيشها. ان اعتقاد بوش بانتصاره عسكريا هو كذب على الجماهير. فبوش يعرف يقينا ان ليس بامكانه تحقيق الانتصار الكلي في العراق ولكنه يصر في الدفع بالعسكريتاريا لادراكه التام بان النظام العالمي الجديد لامريكا لا يمكن تطبيقه الا من خلال زيادة المواجهة مع قطب الاسلام السياسي وخلق المزيد من التوتر والكوارث والتصعيد الحربي وبالتالي ادامة الهيمنة الامريكية واستمرار تدخلها العسكري المستمر.

 

ان خطة  بوش هي جزء من ستراتيجية النظام العالمي الجديد والقائمة على المواجهة العسكرية وزيادة التصعيد الحربي والمواجهة مع الاسلام السياسي لادامة اجواء الحرب والعسكريتاريا بالضد من الجماهير والقوى الاشتراكية والعمالية تحديدا ومن اجل ادامة الاستقطابات الرجعية داخل المجتمع حيث يكون فيها قطب الجماهير غائبا ومهزوماً وتحت الضربات. ذلك يساعد امريكا والاسلام السياسي معا على فرض وجودهما ويغذيان بعضهما البعض وفرض الخضوع والانهيار المادي والمعنوي على العمال والجماهير المحرومة والواقعة بين فكي هذا الوحش الكاسر.

 

ان ادراك ضرورة السياسة العسكريتارية للدولة الامريكية مهم جدا لنا كعمال واشتراكيين وعلمانيين في ادراك مغزى حقيقة رغبة جناحي الصراع الارهابي بادامة المواجهة وزيادة سعيرها. بدون زيادة حدة المواجهة بين قطبي الارهاب لن يبق لهما أي وسيلة اخرى لادامة وجودها. فامريكا تعرف جيدا ان انهاء الصراع مع قطب الاسلام السياسي سيؤدي الى انهيار سياساتها في المنطقة والعالم تماما كما يعرف الاسلاميون بان خروج امريكا من العراق سيسحب البساط من تحت اقدامهم ويقطع عنهم المؤنة الايديولوجية في "محاربة الكفار والصليبيين والغزاة" اي بفقدوا الوقود الايديولوجي لادامة ارهابهم. ان حاجة كل طرف ارهابي الى الطرف الاخر لخلق الاستقطاب حوله هي سمة اساسية للصراع وللنظام العالمي الجديد لامريكا والتي تذهب الى تنفيذه لا باعتباره اختيارا واعيا بل باعتباره شرطا ضروريا لبقاءها.  ان ادامة الصراع بين قطبي الارهاب البرجوازيين؛ امريكا وحلفاءها من جهة والاسلام السياسي من جهة اخرى يصب في النتيجة في ادامة النظام ككل ومصالح الطبقة البرجوازية والتي تواجه من خلال ذلك الصراع الرجعي الوحشي مليارات البشر من العمال والكادحين والمحرومين والنساء والاطفال والشباب الطامح الى التحرر والى حياة افضل والمحب لقيم الاشتراكية والمساواة والحرية بكل اشكالها.

 

ومن هذا المنطلق يمكننا فهم مسالة استنفاذ امريكا لخياراتها العسكرية والسياسية في العراق. ان ارسال المزيد من الجنود يصب الزيت على نار الصراع مما يؤدي الى المزيد من التراجع الامني وزيادة الارهاب والقتل وهيمنة الرجعية وتراجع دور الجماهير وقواها المدنية والاشتراكية والعمالية والتحررية والعلمانية.

 

ولكن من قال ان امريكا يهمها امر الجماهير في العراق وهي التي تسببت بقتل مئات الالاف منهم وهدمت بيوتهم ومدنهم وحولت بلدهم الى اكبر ساحة معارك؟. اما قوى الاسلام السياسي فهي تشارك مباشرة في قتل الناس وارعابهم وتصفيتهم وخلق كل ما من شأنه ان يبقي المجتمع في العراق خاضع وخائف من بطشهم ووحشيتهم.

 

 اليوم واكثر من أي وقت مضى يعرف المواطنون في العراق بان القوى البرجوازية المتصارعة بشقيها الرجعيين والارهابيين؛ امريكا وحلفاءها من جهة وقوى وميليشيات وعصابات ومجاميع الاسلام السياسي من جهة اخرى، اصبحت عاجزة تماما عن ايجاد أي مخرج للازمة الكارثية التي يمر بها العراق. ان ذلك بالطبع يشمل ميليشيات السلطة الاسلامية-والقومية المنصبة في العراق. لقد فرغت الجعبة من الحلول ولكن القتل يبق دائما هو الحل لامريكا.

 

ان الامكانية الوحيدة اليوم لوقف سفك الدماء وانهاء الاوضاع لصالح الجماهير هو في تدخلنا واحلال بديلنا الاشتراكي الذي نقدمه لكل جماهير العالم . ان حلنا الاشتراكي قائم على تخليص الجماهير في العراق من كلا معسكري الارهاب في العراق. فوجود معسكري الارهاب يعني المزيد من التصعيد العسكري والحرب والقتل والدمار والتفجيرات وانعدام الامان وانسداد الافاق امام الملايين.

 

اخراج القوات الامريكية والبريطانية وحلفاءهم فوراً ونزع سلاح كل الميليشيات الاسلامية والقومية عن طريق قوة حفظ سلام دولية قادرة على تهيئة اجواء سلام وطمأنينة ومن ثم التهيئة لانتخابات تشرف عليها وتستطيع الجماهير من خلالها تحقيق ارادتها السياسية دون ارهاب وتخويف سواء اسلامي او امريكي هو جزء جوهري في منهجنا لانقاذ جماهير العراق.

 

علينا اليوم التقدم بحل الاشتراكية لانقاذ المجتمع في العراق من الكارثة التي وضعتها فيه قوى البرجوازية العالمية والمحلية. حلنا ، اذا ما تمت تعبئة القوى الانسانية وعلى صعيد عالمي حوله بما يكفي لانجاحه، يستطيع ان يحل الازمة الطاحنة لا في العراق فحسب بل في عموم المنطقة. حلنا يقضي بابعاد طرفي الصراع الارهابي عن الساحة فوراً واحلال قوى علمانية  ومدنية وانسانية معادية لطرفي الصراع محلها. حلنا يتطلب النضال المباشر والفوري والبدء بتعبئة الجماهير حوله، داخل العراق وخارجه.

 

ان خطة جورج بوش بارسال المزيد من الجيش، وخطة المالكي الامنية الجديدة في بغداد هما اكذوبتين اخرتين ومحاولتان تشير كل الدلائل الى ضرورة نهايتهما بالفشل لان مستلزمات انتصار تلك القوى ليست متوفرة. ولكن سيستمر بيدفع ثمن فشلها الاف اخرى من الشباب والرجال والنساء والاطفال الابرياء. علينا التدخل فوراً. علينا قيادة حملة عالمية ومحلية فعالة لانقاذ جماهير العراق من انياب قطبي الارهاب. علينا الدفع بمطلبنا امام كل جماهير العالم. ولنبدأ فوراً قبل فوات الاوان.