حول تصريحات النائبة الاسلامية - لقاء آل ياسين

الجهاد ضد العلمانية الغربية !

عصام شكـــري

 ishukri@gmail.com

 

 

النائبة لقاء آل ياسين، عن التيار الصدري تحدثت في لقاء لها مع وكالة انباء اكي الايطالية عن الوضع السياسي في العراق ومسألة الاتفاقية الامنية وانسحاب القوات الامريكية وعن شروع التيار الصدري بالجهاد ضد ما اسمته           " العلمانية الغربية ".

 

ولكن قبل البدء في تناول هجومها على العلمانية والتمدن، لنبدأ في الاطلاع على ماقالته في السياسة، وخاصة في معرض حديثها عن الوضع في العراق ونقدها للاتفاقية الامنية بين امريكا وحلفاءها في العراق ولمسالة الانسحاب الامريكي.

 

تقول في تصريحها:

 

"موضوع الانسحاب الذي يؤيده التيار الصدري يجب أن يبقى منفصلا كل الانفصال عن الاتفاق العراقي الأمريكي بأبعاده السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، وان إقحام هذا الموضوع في الاتفاق سواء أكان في شكل اتفاقية إطارية طويلة الأمد أم في صورة بروتوكول أمني أو مذكرة تفاهم يعّد بمثابة محاولة لذر الرماد في العيون، والاتفاق تحت أي مسمى من المسميات سيكون مرفوض من قبلنا جملة وتفصيلا".

 

النائبة في التصريح السابق تحاول التعبيرعن وطنية التيار الصدري التي لاحدود لها. فالتيار الصدري، بنظرها، لا يريد القوات الامريكية. لا الان ولا فيما بعد. وهو لا يريد رؤية الشركات الامريكية ولا القواعد العسكرية الامريكية. وايضا لا الان ولا فيما بعد. كما انه لا يفرق ان كانت تلك القواعد مؤقتة او دائمة. التيار الصدري يكره الشركات الامنية الامريكية الان ولا يطيق وجودها فيما بعد. موقف قومي مجيد يضاف الى تاريخ كل حركتها الاسلامية التي لا تعترف بحدود و قوميات !. والواضح ايضا في تصريحها السابق انها شديدة القلق على مستقبل العراق وعلى استقلاله وسيادته ”المثلومة“ من قبل الامبريالية الامريكية و"الصليبيين" و"الغربيين".

 

ان كره الصدريين للغرب ولامريكا تحديدا غريب حقا!, فهم يدعون الى خروج الامريكان فورا ولكنهم لا يقولون من سيحميهم وحلفاءهم من الملالي في مجلس النواب من ”انتحاريي وانتحاريات شيخ الاسلام الاخر اسامة بن لادن"؟ او من ضحايا جيشها "غير المنتظر" فيما لو انسحب حلفاءهم الامريكان ؟ هل ستحميهم قوات الجمهورية الاسلامية ورئيسها احمدي نجاد؟! ربما. ولكن هل ستولول بنفس الحماسة حينها ايضا على ”سيادة“ برجوازيتها ”المثلومة“ في العراق ؟! لا اظن.

 

في مكان اخر، تتحدث النائبة عن فصل موضوع الانسحاب الامريكي، الذي تؤيده بالطبع، عن موضوع الاتفاقية الامنية، الذي تعارضه بحدة. وهنا لدينا سؤال اخر لها وللتيار الصدري: الستم جزءا من السلطة في العراق؟ الا تدفع الدولة رواتب تلك البرلمانية وتحميها مع بقية الملالي والمشايخ ورؤساء العشائر والقوميين؟ اليست السيدة لقاء آل ياسين منخرطة مع زملاءها في مجلس الاديان والطوائف والعشائر والاقوام ( مجلس النواب ) بــ"العملية السياسية" ؟! اي بعبارة اخرى ”بعملية“ اقتسام السلطة والنفوذ في العراق وتحت اشراف السفير كروكر؟. الا يجلس كل هؤلاء، بتعبير مجازي بالطبع، في احضان امريكا والغرب؟! فعن اي وطن تتباكى النائبة؟!. ان كلامها نفاق ورياء رخيصين !. ولنتابع ما تقوله في مكان اخر عن الاتفاقية الامنية ومحاذيرها :

 

"أمريكا بوصفها دولة احتلال تحاول من خلال اتفاقها مع الحكومة العراقية تثبيت قواعد دائمة لها في البلاد وإضفاء الشرعية على وجود هذه القواعد من حيث العدة والعدد ومواقع التمركز، فضلا عن منح الحصانة القانونية لجنودها ولشركاتها الأمنية".

 

ان ما قالته للتو لهو يرقى الى مرتبة الاكتشاف العلمي واقترح ان تسارع فورا لتسجيله في ”مديرية تسجيل براءات الاختراعات“ قبل ان يسرقه احد منها !.

 

هل هناك طفل واحد في العراق لا يعرف هذه البديهة؟ "امريكا ....تحاول ....تثبيت قواعد دائمة لها..." لا بل "اضفاء الشرعية على وجود هذه القواعد" من ناحيتي "العدة والعدد" وانها تريد ان تمنح "الحصانة القانونية لجنودها...". وبعبارة اقل فذلكة، امريكا تريد اقامة قواعد عسكرية لها في العراق !. من المحرج اننا لم ننتبه الى هذه الحقيقة من قبل ؟!

 

واذا كان القوميون العرب قد دعوا قبل 50 او 60 سنة الى وطن قومي تتطور فيه برجوازية وطنية عربية تسعى الى التصنيع والنهضة العلمية وتحقيق الرفاه والقضاء على الامية، وتحرير المرأة من العلاقات ”الشرقية“ لتحوز على قبول البرجوازية الغربية واعترافها وتدخلها في منظومة الرأسمال العالمي، فماذا تفعل النائبة مع صحبها الملالي، اليوم في العام 2008 للعراق بعد ان يتمكن جيشها المؤلف من قطاع الطرق والسلابة من تحريره المزعوم من امريكا والقواعد الامريكية؟ اي دولة ستشكلها ؟ جمورية اسلامية دستورها القرآن، على غرار الجمهورية الاسلامية في ايران ؟ جمهورية تنصب المشانق في الساحات العامة وتسحب الناس من بيوتها لمشاهدة حفلات الاعدام والتعذيب الاسلامية البربرية والسادية لرجم النساء بدفنهم في الرمال واعطاء الناس احجارا باحجام ”قانونية“ لرميها على رأس المرأة المدفونة الباكية؟ حفلات شنق الشباب بكرينات البناء و بشكل جماعي؟ ام الممارسات الدينية الوحشية كجلد الذات وضرب الوجوه وقطع الجباه بالسيوف واغراق الاطفال بالدم ؟ هل هذا هو بديل النائبة لقاء آل ياسين ”الوطني“ المعادي للامبريالية للعراق وجماهيره ؟ حكم الاولياء الصالحين وحثالة الاسلام السياسي ؟!. هل هذا بديلها الشرقي للعلمانية الغربية ؟

 

ولكن كلا . الموضوع لا علاقة له بالوطنية وبالاستقلال والعزة. ليس له علاقة بالامبريالية الامريكية ولا الشركات الامنية ولا القواعد الدائمة ولا المؤقتة. لا الدفاع عن النفط ولا الموارد ولا كرامة المواطنين.  الموضوع له علاقة بوضع حزبها السياسي وموقع حركتها الاسلامية داخل معسكر قوى البرجوازية في العراق اليوم؛ ذلك الموقع المنكسر والمهزور. الحركة السياسية المسماة التيار الصدري والتي تعتاش على معاداة "الصليبيين" والمحتلين والاستكبار و ”لا لا امريكا“، بدأت بالانكماش والتراجع. من جهة قمعت عصابتهم جيش المهدي، وحلت، ودمج قادتها في جيش القمع الموحد للسلطة الاسلامية – القومية – الامريكية الحاكمة، ومن جهة اخرى، فان التيار يواجه ازمة اكثر عمقا و ستراتيجية، سببها افول نظام امريكا اليميني القائم على الثنائية القطبية الارهابية مع ارهاب حركة الاسلام السياسي.

 

اما قمع حركة مقتدى الصدر، فمعروفة للمواطنين في العراق. الكل يعرف ان الجيش الحكومي ومعه الجيش الامريكي سحق عصابات جيش المهدي في اغلب المناطق. وتنفس الناس الصعداء في كل معاقلهم، البصرة، العمارة، الناصرية، النجف، كربلاء، الحلة، مدينة الثورة والشعلة ببغداد وغيرها. ولكن ليس ذلك فقط. فقد سبق ان شنت حكومة المالكي حملات عسكرية دعائية ضد هذه العصابة ورجعوا الى بناء قدرتهم الميليشياتية من جديد. الا ان السبب الثاني اي التخلخل السياسي الحاصل داخل معسكر ارهاب دولة امريكا، داخل البرجوازية الامريكية نفسها، وانهيار مشروعها على الصعيد العالمي، والذي شكل العراق ساحة الصراع الاساسي فيه هو سبب مباشر. فالبرجوازية الامريكية اليوم تتحدث عن انسحاب جيشها من العراق، عن الفشل في تحقيق الامان والامن، عن ضرورة الانسحاب وترك الامور كما هي، عن فشل اليمين  في حل الامور، عن البداية من جديد، عن التغيير في السياسة الخارجية، عن الحوار مع الاسلام السياسي.. الخ.

 

ولكن ذلك لا يمكن النظر اليه بمعزل عن الوقائع الاخرى. تخلخل موقعية امريكا سيسبب موضوعيا، ضعضعة وفتور داخل صفوف خصمها الارهابي الاخر: اي حركة الاسلام السياسي المناهضة والمقاتلة لامريكا بدولها ومنظماتها واحزابها، ويضعها، برمتها، تحت طائلة السؤال. ان اوكسجين هذه الحركات هو "معاداة الغرب " و "الاستكبار" و "الصليبية". ولكن الاستكبار والصليبية يحزمون امتعتهم ! مالعمل ؟!

 

هنا تأتي النائبة لتتحدث بحماسة عن قواعد امريكا الدائمة والشركات الامنية وحرصها على معاداة الاتفاقية الامنية!!. النائبة وتيارها الاسلامي يبحثان اليوم بيأس عما يجعلهم يديمون الحديث عن الامبريالية والغزاة، ولكنها تعرف جيدا ان عدوها ( وصديقها بنفس الوقت ) لم يعد كما كان في السابق: صلفا، شرسا، مهاجما، عنيدا، قاسيا وصداميا.  انها تسمع عبارات التغيير – الانسحاب – التراجع – مراجعة السياسات، وذلك مقلق لهم !. فكيف سيقنعون الناس بعد اليوم بالجهاد ؟ كيف سيعبأون القوى ؟!.

 

واذا ما رمينا جعبة التيار الصدري حول الاحتلال الامريكي و "الاستكبار" والقواعد الامريكية الدائمة، وادعاءات الحرص على الوطن جانبا، فلن يبق من حديثها مع الوكالة الايطالية الا التالي: لقد تم  قلع مخالب تيارنا الصدري ونزعت اسلحته. ولكن لتبرر هذه الهزيمة فانها تقول سيتحول جيش المهدي اليوم الى منظمة للجهاد الفكري والتنويري !!

.

ولكن هذا ”التنوير“ الظلامي موجه ضد من ياترى ؟ انظروا المقطع التالي:

 

"ضرورات المرحلة الراهنة وحساسيتها اقتضت من الصدر أن يأمر في بيانه الأخير بتولي جزء كبير من جيش المهدي وليس كله مسئولية الجهاد الفكري والتنويري والإصلاحي ضد الأفكار العلمانية الغربية التي تحاول التغلغل إلى المجتمع العراقي المعروف برصانة البناء القيمي والروحي فيه وفطرته الدينية القوية"

 

بعد ان شبع زبانيته من النهب والسرقات واستباحة الناس، التفت العلامة مقتدى الصدر الى العلمانية الغربية وقرر ان يجاهد ضدها دون "كفن" هذه المرة. دلائل مشجعة حقاً. العلمانية اليوم تواجه الهيبة الالهية نفسها !. لترتعد فرائص العلمانيين من التيار الصدري و“تنويره“ الشرقي.

 

ولكن ماهي اسلحة المجاهد الصدر ضد العلمانية الغربية؟ لننظر: شريعة اسلامية مليئة بالعنصرية والتمييز والتخلف، طائفية ونظام ابوي رجعي وتمييز سافر ضد المرأة، ارهاب وقمع، سلب ونهب، تحويل البيوت المستولى عليها الى اوكار للتعذيب، عصابات النهي عن المنكر والامر بالمعروف، قطع رؤوس النساء في المدن،  انتهاك حرية الشباب واغراقه في الممارسات السادية للدين ( لم يسلم منها حتى الاطفال الرضع ) انتهاك الطفولة وارعاب الاطفال بالدين. ماذا هناك بعد ؟!. عتاد وسلاح في غاية التطور.

 

بهذا العتاد الشرقي الاسلامي القرو- وسطي، وبهذه السجل المترع بالدماء ستهاجم النائبة لقاء آل ياسين العلمانية الغربية.!

 

ان الاسلاميين يحاولون دوما وبمنطقهم العنصري ثنائي الالوان ( اسود وابيض) ان يلحقوا العلمانية بحكام ونظم الغرب والطبقة الرأسمالية الغربية . ان محاولتهم هي كمن يحاول ان يلحق العلم الغربي Science بالطبقة الرأسمالية الغربية او الحكومات الغربية. انها سخافة لا اكثر. وهي في نفس الوقت محاولة مغرضة حقيرة ترمي ابعاد الناس عن منجزات البشرية في كل انحاء العالم بلصقها بالحكومات الغربية. ان حقيقة الامر هو ان العلمانية الغربية والعلم الغربي والحضارة الغربية والاشتراكية الغربية والانسانية الغربية والالحاد الغربي لا تنتم لحكام الغرب ولا لرأسمالييه، بل على العكس انهم اعداءها السافرين تماما كما ان النائبة وتيارها الصدر عدو سافر للعلمانية والتمدن والانسانية ويفخر بكل ماهو بربري.  ان تلك المنجزات ملك لكل العالم ولكل البشرية. نفخر في العراق بالعلمانية الغربية كما نفخر باشتراكية ماركس الغربية والمجتمع المدني الغربي والثورة الفرنسية الغربية وكل منجز حرر البشرية من التخلف والرجعية والبلادة وانعدام الضمير الانساني والقسوة.

 

ولاطمأن السيدة النائبة لقاء آل ياسين الى ان العلمانية الغربية ستقوى اكثر في العراق. وسنتاكد نحن العلمانيون والشيوعيون والاشتراكيون وكل التحرريون ودعاة المساواة الى ان حقوق جميع المواطنين في العراق ستكون حقوقا عالمية وباعلى المستويات، سندافع عن حقوق المرأة العالمية وحقوق العمال العالمية وحقوق الاطفال العالمية وحقوق البنات العالمية وحقوق الشباب العالمية وحقوق المجتمع المدني العالمية وحقوق الحيوان وحقوق كل من يظطهد داخل المجتمع بحجة الدين والقومية والعرق والجنس والمكانة الاجتماعية والعوق الجسدي والميل الجنسي والقدرات الابداعية او الجسدية.

 

سنتاكد تماما من ازاحة كل القيم والممارسات الاسلامية والقبلية والقومية والعرقية، الشرقية البليدة والمهترئة والمتخلفة، التي تتبجح السيدة النائبة ورفاقها الملالي بانها تريد الحفاظ عليها، وسنرميها بكامل عفشها، كما عبر فردريك انجلز، على كومة ازبال التاريخ اللا انساني البائد.

ان حركة الاسلام السياسي حركة رجعية ومتخلفة ويجب على الجماهير في العراق عدم الوقوع خلفها والترويج لقيمها لانها معادية لهم ولحرياتهم ولامكانياتهم في التقدم واحراز حياة سعيدة وانسانية واكثر مساواة.

ادعوا المواطنين الى تبني العلمانية والدفاع عن اقصى الحقوق المدنية والفردية واوسعها نطاقا، ولكل فرد في مجتمع العراق، بلا استثناء او تمييز. لنجعل من التيار العلماني في العراق والمنطقة تيارا انسانيا هادرا يكنس في مجراه الجارف كل مخلفات الشرق وافكاره العنصرية، دينية كانت ام قومية ام عرقية ام جنسية، كل افكار وممارسات عصور البربرية المتاخرة، المعادية للقيم الغربية الحديثة ولحرية ومساواة وتمدن وانسانية البشر.