امنح العقل إجازة مفتوحة

حول "الاعتدال" في الإسلام

 

عصام شكـــري

 

تنتشر مقولة ”الاسلام دين اعتدال“ وباشكال مختلفة؛ الاسلام دين تسامح، دين الوسطية، دين الاخاء والمحبة والسلام !! ويفحمونك بالدليل القاطع: ”الا ترى ان المسلمين يبدأون تحيتهم بالسلام؟“. دليل قوي على ان الاسلام دين السلام والاعتدال والاخاء. اما المجازر وحمامات الدم اليومية في العراق وايران والسعودية ومصر والجزائر والباكستان واوربا فهي من اعمال ”المتطرفين“.!!

 

هذه المقولات تقرأها وتسمعها ”وتشمها“ في كتابات وتعليقات واحاديث العديد من المثقفين والسياسيين ومشايخ اغلب الاديان التوحيدية والمتعددة الالهة وحتى من بابا الفاتيكان البنيديكت السادس عشر (بعد اعتذاره للاسلاميين في المانيا)  وكل المعممين واصحاب المنظمات ”الخيرية“ في العراق والسعودية والخليج ومصر والغرب وقادة المؤسسات الدينية كالازهر ورابطة ”علماء“ المسلمين بل جميع السياسيين في العراق بما فيهم تقاة ”مجلس النواب والحكومة“.  ولكن الاكثر غرابة هو ان تسمع هذا الدفاع والاعتذارية للاسلام من قبل من يعتبر نفسه يسارياً او علمانياً ويدعي العلمية.

 

لم يقولون ذلك؟ هل يدافعون عن ”حقيقة“ الاسلام الذي تتعرض برأيهم الى التشويه والطعن من قبل حركات الاسلام السياسي المقاتلة (الميليتانتية)؟ ام انهم يودون النأي بانفسهم عن حركات بن لادن والظواهري ومقتدى الصدر والجهاد الاسلامي وحماس وخامنئي والمللا عمر وابو سياف؟ هل يريدون اقناع الناس بان هؤلاء ليسوا مسلمين وبانهم هم من يمثل الاسلام الحقيقي؟ ولكن هل تهم مدعي الاعتدال الحقيقة حقاً؟ ماذا عن القصص العجائبية والخرافية التي تمتلئ بها صفحات القرآن والانجيل والتوراة؟! هل فيها حقيقة ”معتدلة“؟ ماذا عن قصة الحصان المجنح الذي حلق الى الفضاء الخارجي (قبل اختراع المحرك النفاث بقرابة 1400 سنة)؟ والمشي على الماء وفتح البحار بالعصي؟. هل يصدق ”المعتدلون“ هذه الخرافات ام لا؟ كيف نكون معتدلين في تصديق قانون الجاذبية مثلا؟ هل سمعنا بعالم فيزياء معتدل؟ هل هناك علماء مترددون بين الخرافة والحقيقة؟ بين الهذيان والمنطق العلمي؟!.

 

الجذر الخرافي للدين:  امنح العقل اجازة مفتوحة

 

الدين ومنذ نشأته الرسمية كمؤسسة في عصر السومريين (ما يسمى بفجر الحضارة الانسانية) قبل قرابة  6000 سنة كان يقوم بمهمة انتاج ونشر الافكار الخرافية التي يصعب على أي اثباتها او نفيها. وفي جميع النصوص الدينية واخرها للاسلام فان الكاتب او المؤلف هو شخصية معنوية خارقة لا تنتمي الى العالم المادي بل الى كائن خرافي شديد القسوة والتوحش ولا احد يعرف ماذا يريد من البشر بالضبط.  انه يدعي العدالة ولكنه يقوم بارتكاب أكثر الإعمال فظاعة (على ايدي اتباعه بالطبع !) بمجرد خروج الناس عن اتفه نصوصه المقدسة غير القابلة للفهم والادراك.

 

وبامكاننا مواجهة أي اسلامي ”متعصب“ واخباره شئ من هذا القبيل: ”ان تناوله لكمية كبيرة من الكحول يزيد من احتمالات عدم اصابته بالسرطان“. سيجيب فوراً ” هل هناك أي اثبات او دليل على ذلك. زودني به!“. وبالرغم من انه اسلامي ”اصلي“ - متعصب ولكنه، في حياته الخاصة يرفض الخرافة ولا يقبل الا بالمنطق والدلائل الحسية ، أي بكل ما ينتمي الى القرن الواحد والعشرين.  انه سيطالب بالدليل لاقناعه !. ولكن لم تراه يشتاط غضبا اذا طلب منه اثبات خرافة واردة في القرآن بدليل حسي او عقلي؟! لم يقبل بفكرة المرأة  التي حبلت دون اخصاب ولا يطلب اي دليل؟! اين يذهب منطقه وعقله في هذه الحالة؟ هل يعطيهما فجأة اجازة مفتوحة؟!.

 

لن يتمكن المدافعين عن ”اعتدال“ الدين او الاسلام تحديدا ان يفسروا هذه الازدواجية المرضية. التناقض الصارخ بين الحياة الشخصية للاسلامي (او المؤمن) وبين قبوله المطلق بخرافات الدين بل وتهديد من يشكك بها بالقتل. ولكن الامر لا يقتصر على خرافة الدين ازاء عقلانية العلم.

 

الرحمة والتسامح؟! ولكن اين هي في الممارسات البربرية ؟

 

المعتدلون يدعون ان الاسلام دين الرحمة والتسامح ولكن الدين يستند بعمومه الى ممارسات بربرية. هذا طبيعي. فالدين نشأ في عصور البربرية والبربرية المتأخرة (احد المراحل التاريخية لـ”تطور“ المجتمع الانساني - انظر كتاب فردريك انجلز اصل العائلة الملكية الخاصة والدولة—1884) وكانت ممارساته بالتالي انعكاسا لواقع العلاقات الانتاجية القائمة آئنذاك؛ قطع الرؤوس وبتر الاطراف والجلد والرجم بالحجارة وفقأ العيون الخ من ممارسات السلطة مالكة وسائل الانتاج ( او القبيلة مالكة الارض) على القوى المعترضة والمناوئة لها. ان واقعة تعذيب الحسين بن علي في صحراء كربلاء اثناء صراعه مع قوى يزيد بن معاوية اثر اغتيال ابيه  ومطالبته بالسلطة لم تكن غريبة الى حد غير معقول في ذلك الوقت بل كانت ممارسة سائدة بين العرب المسلمين في ذلك العصر (بتر الاطراف تدريجيا كوسيلة لتعذيب الخصوم السياسيين انتهاءا ب“دق عنقهم“ وتعليق الرأس المقطوع على رمح وتقديمه الى الخليفة ”المعتدل“ لينتشي فرحاً بالانتصار على خصمه. انظر كتاب هادي العلوي—تاريخ الاغتيال السياسي في الاسلام—2001، المدى للنشر).

 

وفي كل الاديان الاخرى فان الممارسات البربرية البشعة والتي تأنفها النفس الانسانية في القرن الواحد والعشرين هي ممارسة ”طبيعية“ يشجعها ”الاله“ و“الرب“ و“الله”. ولكن اليوم باتت البشرية اكثر انسانية ورأفة واقل بربرية (مازالت الطبقة المسيطرة على وسائل الانتاج اليوم تمارس نفس البربرية ضد المعارضين كالاعدام والتعذيب وهي تجد في الدين واساليبه ملاذها الامن  - فبربرية الدين غير قابلة للنقاش ومن هنا معارضة الاسلاميين الشديدة لالغاء حكم الاعدام بحجة حماية المجتمع من الجرائم!!).

 

ماذا يقول ”المعتدلون“ عن تلك الممارسات؟. شيئان: اما ان تلك النصوص يجب الا تفسر في ضوء الوضع الراهن ويجب تحويرها لتناسب الحالة. واما ان النصوص محرفة و”مدسوسة“ على الاسلام. وفي الحالتين هم يكذبون. ان النصوص التي تعتمد على القسوة المفرطة والوحشية وعلى دونية المرأة وسيادة الرجل عليها وعلى ادامة وتكريس العبودية ضد الملونين من غير العرب و نظام الجواري والسبايا تمتلك اثباتات وادلة واضحة لا تقبل التأويل. هنالك عشرات النصوص الدينية حول الزواج من اربعة نساء وميراث المرأة وشهادتها في المحاكم وعقوبات الافراد حين ارتكابهم جرائم السرقة (قطع اليد من المعصم)  واقامة العلاقة خارج اطار الزواج او العلاقة الجنسية ( الرجم والجلد حتى الموت) ومعاملة افراد المجتمع الذين لا يدينون بالاسلام (الاظطهاد ودفع الضرائب) او غير المؤمنين والرافضين للاسلام (قطع الرأس). اين المعتدلون من ذلك؟ اين هم من رجم النساء في الاماكن العامة بدفنهم في الرمل وضرب رؤوسهم بالحجارة حتى الموت كما يحدث اليوم في الجمهورية الاسلامية الايرانية؟ ما رأيهم بقطع الرؤوس في السعودية من قبل السياف؟ هل هذه ممارسات معتدلة؟ اليست كلها مسندة بنصوص قرآنية او احاديث ”مثبتة“؟ أي كذب يحاولون تمريره على الناس!.

 

ليس صرخة ألم. انه ألألم بعينه

 

من يروج لاعتدالية الاسلام يستنكر بربرية قوى الاسلام السياسي ولكنه يعتذر لنفس الاسلام مصورا اياه كايديولوجية معتدلة ”تم تشويهها“ وبان المشكلة هي ان من يطبق تلك الايديولوجية هم مجموعة من “المتعصبين“. وبالاضافة الى القوى التي ذكرناها في مقدمة المقال فان هناك جزء واسع من اليسار الاوروبي والامريكي يبرر موقفه من الاسلام وقواه السياسية قائلا ان الدين هو ”صرخة الم الضعفاء“ في تبرير للارهاب الاسلامي على انه ”رد“ على ظلم الغرب للمسلمين. كل اؤلئك ”المعتدلين“ ليسوا باكثر من اعتذاريين انتهازيين للدين.

 

ولكن انتهازيتهم ليس ثقافية بل انتهازية الطبقة التي ينتمون اليها. ابناء الطبقة البرجوازية الصغيرة المترددة . وبالرغم من اختفاء هذه الطبقة الا ان بنيتها الفوقية ما تزال شاخصة. انهم اساتذة الجامعات والمثقفين والكتاب والسياسيين المحترفين. يبغي اولئك ادامة الاسلام والدين في حياة الجماهير ولا يريدون نقده او كشف هويته ”الحقيقية“ للناس رغم ان بعضهم يرتكب كل ”المعاصي“ . انهم يقفزون لمهاجمة من ينتقد الدين ويتهمونه فوراً بالعنصرية و“الاسلاموفوبيا“ ناسين ان الدين هو نفسه فكر عنصري وتمييزي بين البشر وبان نقد العقائد والافكار ليست ممارسة عنصرية. يريدون صب الدين في قوالبهم التسامحية والمعتدلة ناكرين اثاره وافعاله الوحشية على حياة الناس وخصوصا النساء. يختارون ما يروق لهم من نصوص الدين . يختارون قيم لم يكونوا ليحسوا بها اصلا لولا التضحيات الجسيمة لاجيال دافعت عن انسانية البشر بوجه بربرية الدين وارست اسس المدنية والحضارة الانسانية والعلمانية والتمدن. يتصورون ان قيم الانسانية والتسامح موجودة في الدين ولا يدركون بانهم لولا نضال البشر ( وثوراتهم الكبرى) من اجل تلك القيم وتخليصها من انياب الدين لما كان لهم حتى ”شرف“ هذا الاكتشاف الفذ !!. ان نظرة على تاريخ الثورة الفرنسية وثورة اكتوبر الاشتراكية تكفي لتعرفنا كيف دفعت تلكم الثورتين العظيمتين المجتمع الانساني العالمي قرونا للامــام.

 

 ان من مروجي تلك الانتقائية والاعتذارية مثقفين مرموقين ونشطاء معادين للامبريالية في امريكا والغرب امثال جورج غالاوي ونعوم تشومسكي وسيمور هيرش وطارق علي وغيرهم. انهم يداهنون قوى الاسلام السياسي ويبررون دوما اعمالها البربرية ضد الجماهير بحجة الامبريالية، لدرجة ان اسامة بن لادن في خطابه الاخير اشاد بنعوم تشومسكي ونسى ان يدعوه هو الاخر للاسلام !!).

 

لم يعد بامكان هؤلاء بعد الان اقناع احد بان الدين معتدل، وانه ”صرخة ألم الضعفاء“. فالدين اصبح اليوم الالم بعينه.