حزب ريبوار احمد

 هزيمة لنهج المساومة وعقد الصفقات

 

عصام شكـــــري

ishukri@gmail.com

 

منذ انشقاق قيادة الحزب ””الشيوعي العمالي““ العراقي عن خط منصور حكمت، دأبت تلك القيادة على تجربة خطها اليميني ووضعه موضع التنفيذ داخل المجتمع في العراق، وفي كردستان ايضا. وبعد اربع سنوات من تلك التجربة، التي امتازت باكثر المساومات والتحالفات ميكافيللية ومعاداة للاشتراكية، فان المشروع الذي وقفت عليه، وحشدت كل طاقاتها من اجل انجاحه، وحاولت تعريف نفسها من خلاله، قد انهار وحشر الحزب بكامله في مأزق سياسي حاد. وقبل توضيح الاسباب الحقيقية لهذا المأزق ، يكون من المفيد استعادة ما حدث منذ العام 2004 من احداث اوصلت قيادة ريبوار احمد والتيار اليميني في حركة الشيوعية العمالية الى ما هي عليه اليوم من تراجع وفشل، لوضع المسألة في اطارها السياسي والتاريخي.

 

 لقد عمل المنشقون في محفل كورش مدرسي و ريبوار احمد، بشكل منسق ومخطط، منذ البداية، من اجل الانفصال وشق الحزب الشيوعي العمالي الايراني، وضرب الشيوعية والاشتراكية والماركسية الثورية والترويج لبحوث مبنية على افكار مفادها ضرورة انتهاج سياسة المساومة مع قوى البرجوازية من اجل الوصول الى تحالف معها والتخندق في جبهة او منظمة تسعى لتشكيل حكومة ائتلافية. ان المشروع اليميني هذا، ولتبرير خطه التحالفي اعتبر وجود اجزاء اسلامية - معتدلة وقومية - علمانية، داخل القوى السياسية البرجوازية، سيمكنها من اجراء المفاوضات معها؛ لتشكيل حكومة ائتلافية حسب طرح كورش مدرسي في ”مجلس مؤسسان“ ( المجلس التشريعي ) في ايران، او منظمة جبهوية تحالفية مع الرجعيين سواء الاسلاميين او القوميين من العرب والكرد، كما الحال في ”مؤتمر حرية العراق“.

 

البحث الذي قام به كورش مدرسي  استند الى فرضية انتهازية مفادها:

 

1) الثورة هي عنف لا داعي له؛ لذا يجب انتهاج الطريق اللا عنفي والسلمي “المتمدن“؛

2) الجماهير تخاف او تهرب من كلمة الاشتراكية، لذا يجب عدم اخافتها بالترويج للاشتراكية؛

3) السعي للسلطة السياسية عن طريق عمل التحالفات والمساومات مع الاجزاء المعتدلة من البرجوازية لتشكيل حكومة ائتلافية او ”حكومة الحزب“ ومن ثم، استفتاء الناس حول الاشتراكية.

 

اما حزب ريبوار احمد الذي التحق بهم بعد انشقاقهم فان نسخته كانت اكثر بؤسا بسبب توفر الامكانية المباشرة للتطبيق ونقل البحوث النظرية الى واقع مادي فوراً وبالتالي تلقي النتائج بشكل مباشر. ان مساعيه في ترجمة بحث كورش مدرسي و رحمن حسين زاده افضت بسرعة الى:

 

1) تشكيل منظمة جبهوية سموها ” مؤتمر حرية العراق“ تشبها بالمؤتمر الوطني الافريقي و بتبرير كاذب غير تاريخي - 1 من اجل التغطية على مهمتها الاساسية  وهي عقد الصفقات مع قوى السيناريو الاسود وغيرهم من الرجعيين بحجة ”تحرير العراق من الاحتلال“.

2) رفع راية بيضاء واستسلامية امام القوميين الكرد، الذين تغيرت مواقعهم السياسية كليا بعد احتلال العراق واصبحوا جزءا اساسيا من قوى السيناريو الاسود، وتم تسليمهم ارفع المناصب في الدولة المنصبة من امريكا - وخاصة جلال الطالباني الذي قدمت له مكانة لم يكن يحلم بها من قبل وهي رئاسة الجمهورية.  سعى حزب ريبوار احمد لعقد صفقة معه ورفع له رسالة  يبيبن فيها انه اوقف الصراع معه من جهة واحدة.

3) من جهتها قامت منظمة مؤتمر حرية العراق بالسعي للاشتراك في الانتخابات التي نظمتها قوى الاحتلال نفسها وقوى السيناريو الاسود عن طريق عقد التحالفات والصفقات والسعي لتشكيل قوائم انتخابية مشتركة مع قوى السيناريو الاسود .

 

في تلك الفترة، وضع الخط الاشتراكي والراديكالي للشيوعية العمالية ولمنصور حكمت على المحك وكانت الشيوعية العمالية تمر بمأزق خطر. 

 

الا ان الكوادر الاشتراكية والشيوعيون العماليون داخل الحزب الشيوعي العمالي العراقي السابق،  قد تصدوا لتلك المحاولة ودافعوا عن خط منصور حكمت ممثلا بسياسة الحزب الشيوعي العمالي الايراني وخط حميد تقوائي الراديكالي. تم التصدي لهذا الميل اليميني وكان ذلك واجبا شيوعيا، لا يقل اهمية عن التصدي للقوى البرجوازية الرجعية نفسها. تم تشكيل الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي، ورفع راية الاشتراكية وعدم السماح بتنكيسها في مجتمع العراق. لقد حاولوا تعريض أمل ومساعي الطبقة العاملة بالاشتراكية للهزيمة ولكنهم فشلوا.

 

واليوم وبعد مضي 4 سنوات، فانهم يعلنون عن فشل اخر؛ فشل يعرفه كل من يتابع الامور السياسية في العراق. لقد اتضحت مصداقية ما قلناه عن ذلك الميل اليميني وصحة ما اعتبرناه في قرارنا السياسي بان حزب ريبوار احمد لم يعد حزبا شيوعيا عماليا وان الكوادر الشيوعية والاشتراكيين بل والطبقة العاملة ستنفض عن ذلك الحزب وستفلس سياساته. ان ما تصوروه مسار التحول الى حزب ”جماهيري“ قد صار في الواقع مسار التقلص والانكماش الجماهيري.

 

لوم ” الاداة  ” الحزبية

 

ولكن كيف يبرر ريبوار احمد نفسه اسباب فشلهم؟

 

المقتطف التالي من مقابلة له نشرت في جريدتهم ”الشيوعية العمالية“ العدد 273 يوضح رأيه:

 

”حزبنا وبعد عدة سنوات من العمل والنشاط السياسي والعملي وإقامة العديد من المشاريع السياسية والجماهيرية والعمل الحزبي والشيوعي المباشر، وصل الى النتيجة التالية وهي أن أداتنا الحزبية ليست مهيأة وفاعلة ومناسبة بالشكل اللازم لإداء وإنجاز سياساتنا وخططنا ومشاريعنا ودفعها الى الأمام . ووصلنا الى النتيجة القائلة أننا بدون حيازة جهاز حزبي شيوعي منضبط ومحكم البناء وموحد، على كافة مستوياته، وبدون ترسيخ تقاليد وآليات ومناهج الحزب السياسي، ليست هناك إمكانية لبناء حزب سياسي بالمعنى الواقعي والحكمتي للكلمة“.

 

هنا يقر ريبوار احمد يالتالي:

 

1) عجز قيادتهم عن بناء الحزب؛

2) ينحي باللائمة في هذا العجز لا على قيادة الحزب بل على التشكيلات والتنظيمات الحزبية (الاداة الحزبية) لانها ”ليست مهيأة وفاعلة ومناسبة بالشكل اللازم لإداء وإنجاز سياساتنا وخططنا ومشاريعنا...“ .

 

انه باختصار يرمي سبب الفشل على التنظيمات الحزبية والتشكيلات.

 

الا ان كل من قرأ ابحاث الشيوعية العمالية يعرف جيدا، ان منصور حكمت لم يبرر يوما فشل الحزب او تراجعه، بضعف التنظيمات او تقاعسها. بل بضعف القيادة.  ان ذلك هو عكس ما يقوله ريبوار احمد تماما.

 

القيادة بنظر منصور حكمت هي المسؤولة عن كل ما يجري في الحزب سواء من ناحية التذبذب الايديولوجي وسيادة الانتهازية او من ناحية فقدان المشروع السياسي الستراتيجي او الضعف التنظيمي وغياب التحزبية والروح الشيوعية الوثابة (انظر ”مبادئ واساليب القيادة الشيوعية“- منصور حكمت) او كونها قيادة تنظيمية صرف وليست قيادة مجتمع (رسالته لقيادة الحزب الشيوعي العمالي العراقي عام 1999). ولكن ريبوار احمد يصر على ان المشكلة هي في التنظيمات غير المنظبطة والفاقدة للتقاليد ...الخ.

انه يفعل ذلك فقط لكي لا يصرح  بالسبب الحقيقي وهو ان سياسته في المساومة وعقد الصفقات هي التي سبب هذا التراجع وضعف التنظيمات وتراجع الحزب بشكل كبير. فمنهج قيادة حزبه دفعت التشكيلات الى التسليم والخضوع الى مؤتمر حرية العراق، تلك المنظمة التي شكلت بناءا على نموذج كورش مدرسي اليميني لتحل محل الحزب، من الناحية الفعلية، وتم اجبار الكوادر على الانظمام لها، ورمي كل ما ينتمي للشيوعية العمالية من سنن وتقاليد وشيوعية خارج محرابها. 

كيف يمكن لاي شيوعي ان يسخر شيوعيته في تنفيذ سياسية التحالف مع اكثر القوى السياسية البرجوازية انحطاطا ؟. كيف يمكن لاي كادر شيوعي او منظمة حزبية ان تنفذ باخلاص وحرص هكذا سياسة؟ ان الانسان العادي غير الماركسي سيرفض الجلوس شخصية مثل حارث الضاري بما يمثله من رجعية حركة الاسلام السياسي الطائفي، فما بالك بكوادر شيوعية قضت سنين طويلة في النضال الشيوعي؟ هل هناك من يقبل التحالف مع شخصية كاياد علاوي القومي—البعثي، بحجة انه ”علماني“ لدعوته للانظمام الى ”جبهة التحرير“ تلك؟. ان الملايين في العراق يعرفون دور أياد علاوي في الترويج للحرب الامريكية ويعرفون انه قطب من اقطاب السياسية الرجعية العسكريتارية استخدمته المخابرات الامريكية لتزوير ملفات خاصة باسلحة الدمار الشامل وتم تقديمها على انها وثائق اصلية. ان الكوادر الشيوعية لا يرضيها ان يرسل قادتها رسالة استسلام الى جلال الطالباني (الرسائل لم ترسل عندما كان الطالباني معارضا لنظام صدام، بل بعد ان اصبح مسؤولا منصبا من قبل امريكا بعد حربها المدمرة ! ) وبانه سيكون مسالما وعاقلا ووديعا وسيوقف الهجوم من طرفه على الاتحاد الوطني، في حين ان الطالباني وحزبه هو احد اهم اركان قوى السيناريو الاسود والتي تعتمد امريكا عليهم اعتمادا كاملا في ترسيخ نفوذها وسياساتها الرجعية والاجرامية؟.  ترى هل يمكن لوم من يعتقد ان رسائل الاستسلام لا تليق بالشيوعية العمالية وانه بدلا من ذلك يجب فضح هذه السياسة وكشفها للعمال ؟ هل يمكن لوم الكوادر والتشكيلات ؟!

 

النشاطات الاخرى

 

اما المشاريع والفعاليات الاخرى التي اشتهر الحزب بها طيلة الفترة السابقة للانشقاق وكان معرفا بها داخل المجتمع فتم محاربتها وتصفيتها وشن الحرب على كوادرها وشخصياتها او على الاقل اخضاعهم لارادة المنظمة ”مؤتمر حرية العراق“ سواء في ”المجالس والنقابات العمالية“ او في ”منظمة حرية المرأة“. وكما هو معروف فقد تم في مؤتمرهم الاخير ابعاد اهم العناصر التي كان لها دور قوي في الدفع بمكانة الحزب الشيوعي العمالي العراقي قبيل انحراف قيادته الى اليمين في العام 2004 واقصاءها من اللجنة المركزية . 

 

اما ريبوار احمد فيحول الموضوع الى تهكم يليق بنقابي بيروقراطي حين يسأل عن الامر قائلا: ”أنا وبعد القال والقيل في انتخابات اللجنة المركزية والمكتب السياسي، طوال عمر الحزب وحتى قبل الحزب، صار من الاعتيادي بالنسبة لي أن في آلانتخابات هناك نقص ما من منظار أي رفيق وآي شخص يعبر عن عدم رضاه من نتائج الانتخابات“.

 

نعم صحيح.!! كم الرفاق مزعجين ودائمي الشكوى لا يجب الاكتراث بشكواهم، خصوصا اذا كانوا من الوجوه الاجتماعية للحزب ولكنهم غير ”منسجمين“ مع سياسة اليمين.!!

 

السبب في القيادة

 

ان الخط اليميني لحزب ريبوار هو الاساس والسبب والعلة في التراجع الذي جروا الحزب له وليس التنظيمات والافراد.  ان القول ان سبب فشل الحزب يعود الى ان التنظيمات لا تنفذ سياسة الحزب وانها غير منظبطة ...الخ هو تبرير مظلل. الحقيقة هي العكس تماما.  ان سبب غياب جهاز حزبي شيوعي منظبط ، مسؤول ومتفان، هو نتيجة لا سبب.  السبب يكمن في قيادة الحزب و غياب خطها الشيوعي الراديكالي وابتعادها عن سنن الشيوعية العمالية. السبب هو نهجها اليميني التحالفي. ان الحصيلة الطبيعية لهكذا سياسة لا يمكن ان يكون اكثر من تنظيمات عاجزة وغير منظبطة.

 

ازاحة سنن وتقاليد الشيوعية العمالية

 

ان الجهاز الحزبي ليس منظمة او تجمع تربطه علاقات مهنية او  ادارية، كما في البنوك او دوائر التقاعد. ان الجهاز الحزبي يتشكل بالسياسة اولا واخيرا.  وفي التنظيم الشيوعي فان روح اي جهاز حزبي واي تنظيم بدءا من الخلية الحزبية الصغيرة وحتى المنظمات الكبيرة والجماهيرية التي يرعاها الحزب يجب ان تتشكل حول السنن السياسية والتقاليد الشيوعية العمالية الراديكالية والثورية والجريئة والانسانية قبل كل شئ اخر. ولكن بعد خروجهم عن خط الشيوعية العمالية كان من الطبيعي توقع انهيار التنظيمات الحزبية ايضا،  بسبب ان التخلي عن تلك السنن الشيوعية والاشتراكية، لم يعد مقتصرا على المنظمات الجماهيرية بل انتقل الى التنظمات الحزبية وصار جزءا من بنية العقلية والممارسات الحزبية السائدة.  ان ضعف التنظيم الحزبي لا يعني فقط استقالة الاعضاء او جلوسهم في البيت او مللهم او  تقاعسهم،  بل يعني بالمعنى الواقعي تحول العلاقات التي تربطهم داخل تنظيماتهم الى علاقات برجوازية. انه يعني ترسخ السنن غير الشيوعية. علاقات قوامها المصلحة والتسلق والمحاباة.

 

لقد بدأت عملية ازاحة السنن الشيوعية العمالية مباشرة بعد انحراف قيادة الحزب والتحالف مع المنشقين وتيارهم اليميني وطرح مشروع مؤتمر حرية العراق في المنظمات انحدارا الى الخلايا الحزبية. وذلك لم يكن صدفة او من قبيل ”تحصيل حاصل“. لقد انتهجت القيادة السياسية للحزب منهج عزل واقصاء سنن الشيوعية العمالية واعتبارها سنناً مثالية (غير اجتماعية!) فاسحين المجال لكل انواع الممارسات الوصولية اللا رفاقية المبنية على الحضوة لدى القيادة والخنوع وعلى المصالح والتكتلات المحفلية. ولم تكن تلك الظاهرة وليدة اليوم، الا انها فجأة وجدت فضاءا رحبا وانطلقت بكل عنفوانها بعد ذهاب القيادة كليا الى اليمين الكورشي.

لقد اعتبروا ان قولك انا ”شيوعي عمالي“ يعني ان المجتمع سينفر منك وسيهرب لان المجتمع لا يحب الاشتراكيين ( الم يقل كورش مدرسي علينا اقناع الناس بجمال الاشتراكية!!). وبدلا من ترسيخ القيم المبدأية والانسانية للشيوعية العمالية داخل المنظمات والخلايا والتنظيمات فانهم بالعكس ”استوردوا“ سنن وتقاليد المجتمع المتخلفة  الى داخل التنظيمات وصارت الاخيرة هي السائدة. وصار السعي المحموم لضم كل من هب ودب الى التنظيمات، الشغل الشاغل لهم.

 

نفي الشيوعية والاشتراكية

 

الحديث عن الشيوعية او الطبقة العاملة او نقد البرجوازية او نقد الاسلام السياسي او الترويج للالحاد او للاشتراكية، اصبح بالنسبة للتيار اليميني مقولات مستنكرة، غريبة، ايديولوجية، تنتمي الى تيار سابق. الناس تخاف من سماع هذه الكلمات وتنفر منها، لانها غير اجتماعية، ايديولوجية بنظرهم. ولانهم ”عمليون“ فهم لا يحبون الايديولوجيا.

 

كلام مظلل بالطبع. ان الهدف الاول من القول بان الاشتراكية والافكار الشيوعية والالحاد ونقد الاسلام هو كلام ايديولوجي سببه رغبتهم في عدم اغضاب قوى البرجوازية من اسلاميين وقوميين “معتدلين“ من اجل ظمهم الى ”المؤتمر“. اما الاشتراكية؛ فليس الان وقتها، فيما بعد، لنصل للسلطة مع هؤلاء اولا، ونرى !.

 

في هكذا اجواء عابقة بالمساومة وانعدام المبدأية وبحجة كونهم ”عمليون“ و“براكماتيون“ تم استبدال السنن الشيوعية العمالية بسنن المنظمات البرجوازية الجبهوية التعسة التي يعتقدون انها ستجلب لهم الشعبية. ولكن الشعبية ذهبت، هي الاخرى، ادراج الريح.

 

ان الشيوعية العمالية والاشتراكية والثورة الاجتماعية للعامل هي مقولات اجتماعية وليست ايديولوجية. نشأت في قلب المجتمع؛ في ضمائر و قلوب مليارات من العمال الراديكاليين قبل ان تحط في رؤوس الشيوعيين الخائفين من البوح بها.  ان الشيوعية والاشتراكية كلمات عزيزة على الناس وهي الوحيدة القادرة على جلب العمال وتعبئة الناس. اما لدى تلك القيادة ولدى كورش مدرسي فالعكس، يجب تتبع ما يقوله المجتمع لكي يكونوا اكبر عدد ممكن من الاصدقاء !

 

وبهذا الابتعاد عن السنن الشيوعية وتغليب سنن البرجوازية، فان طلب وجود انظباط شيوعي في التنظيمات يبدو امرا سخيفا حقاً.  كيف تطلب وجود انظباط حزبي وترسيخ تقاليد وانت ضالع في سياسة التحالف مع قوى رجعية كنت بالامس تسميها قوى السيناريو الاسود واليوم تكتب لها الرسائل التي تعلن فيها استسلامك او طلبك للحوار واللقاءات الدبلوماسية؟!. حتى في الحياة اليومية للانسان، حتى في تعاملاته مع الاخرين، لا يمكن ان يكون مخاتلا وغير مبدأي، وعند انفضاض الناس عنه يتهمهم بالجحود !. لن ينفع ان تبني الف منظمة تقام على  سنن غير سنن الشيوعية العمالية والاشتراكية. ستنهار.

 

ان الميكافيللية التي مارستها قيادة الحزب كانت تنضح نضحا في تصريحاتهم المثيرة للشفقة من قبيل:”سنتحالف مع الشيطان من اجل تحرير العراق“.!!  هذه عينة فقط. وهي تهدف الى تبرير اقامة الاتصال بالاسلاميين والرجعيين (هم المعنيين بالشيطان!). الا يسمي الناس ذلك ماكافيللية؟، اليس هو المبدأ الشهير: الغاية تبرر الوسيلة !. حتى المجتمع بكل كوارثه ومصائبه لن يمنح احترامه لهكذا سياسة. وبعد، هل يطلب من الكوادر والتنظيمات، اذن، ان تمارس الانظباط الشيوعي وفق هذه المبادئ؟! هل هذه هي سنن ماركس وانجلز ولينين ومنصور حكمت ؟!.

 

*******

لقد اتمت قيادة حزب ريبوار احمد دورة كاملة نحو اليمين. لقد جربت حظوظها في انتهاج التحالفية والدبلوماسية ونصبت ديكورا  حاولوا به اخفاء معالم الشيوعية العمالية، وبعد ان نخرت السنن والتقاليد البرجوازية التنظيمات الحزبية والجماهيرية على حد سواء، بسبب تلك السياسة، بدأوا التململ من الاخفاق والفشل. واليوم يحاولون ايجاد التبرير والتركيز على بناء الحزب والانظباط وو....ولكن السؤال مرة اخرى هو: بناء الحزب وفق اي ستراتيجية واي سياسة ؟!

ان اخفاق حزب ريبوار احمد ليس سببه العجز التنظيمي، بل  سياسة التحالف مع قوى السيناريو الاسود.

 

انها هزيمة سياسية بامتياز لنهج المساومة وعقد الصفقات.

——————————————————

هوامش

1  ان تشبيه الاوضاع التي تم فيها تشكيل المؤتمر الوطني الافريقي باوضاع اليوم تشبيه خاطئ  فمن جهة، كان الصراع  الاجتماعي في مجتمع جنوب افريقيا  محتدما بين جبهتين ، احدهما انسانية، يسارية، وتقدمية يمثلها الحزب الشيوعي الجنوب افريقي وحلفاءه من جهة، وجبهة يمينية وعنصرية يمثلها النظام الحاكم وحلفاءه في الغرب واسرائيل. الوضع العالمي من جهته كان هو الاخر مستقطبا بين معسكرين احدهما اكثر انسانية وتحررا وعلمانية وهو معسكر الاتحاد السوفييتي واخر رجعي ويميني وعنصري هو معسكر الغرب  وامريكا وحلفاءها. لم يكن النظام العالمي منقسما بين قطبين كلاهما رجعي وارهابي كما اليوم بين امريكا والاسلام السياسي. ان تشكيل تحالف مع قوى اسلامية معادية لامريكا و ”معتدلة“ يعني من الناحية العملية الانحياز لقطب الاسلام السياسي. ولكن عندما تسألهم من هي القوى العلمانية التي يمكنهم معها تشكيل حكومة علمانية يلوذون بالصمت.!!