حرب بافيت وحمامات السيد البيضاء

 

عصام شكــــري

ishukri@gmail.com

 

صرح وارن بافيت الملياردير الامريكي بان الاقتصاد الامريكي يقف الان على الهاوية  ناصحا بترك  الديمقراطيين والجمهوريين لخلافاتهم جانبا والتحالف تحت قيادة اوباما لشن ”حرب اقتصادية“ لاستعادة الثقة بالبنوك“.

 

من الواضح الان ان قيادة امريكا للعالم اصبحت تحت طائلة السؤال بعد فشل سياستها العسكريتارية في العراق تحديدا. اليوم، تحت قيادة اوباما، تواجه امريكا مأزقين: مأزق انهيار مكانتها الدولية على صعيد سياسي وستراتيجي، ومأزق اخر سببه انهيار اقتصادها الرأسمالي الاكثر تقدما المبني على احدث انظمة الاقراض والتمويل وحرية التجارة وقوانين السوق الحرة. اهم دعامتان لامريكا تنهاران اليوم. ولكن، كيف يقترح السيد بافيت شن ”الحرب الاقتصادية“ وفضائح طبقته البرجوازية تزكم الانوف ؟!.

في نفس الوقت الذي يحاول الاقتصاديون الامريكيون فهم ما يحدث وتقديم العلاج له،  تنهال ضربة جديدة على رأس اوباما والبرجوازية الامركية في فضيحة مالية جديدة.  هذه الفضيحة تخص شركة AIG للتأمين.

فقد قامت الخزينة الامريكية مؤخرا بدفع كفالة بقيمة 160 مليار دولار الى شركة AIG  العملاقة للتأمين لانقاذها من الافلاس. كانت تلك احدث خطوة لادارة  اوباما لانقاذ احد اكبر المؤسسات المالية الرأسمالية بعد (فاني مي وفريدي ماك) المؤممتين ايام بوش .

 

اين الفضيحة في هذا ؟!

 

مباشرة بعد استلامها للمليارات ال 160 تقوم شركة AIG بتقديم مكافآت بملايين الدولارات لمدراءها ( اي انها منحت لنفسها مكافآت شخصية بملايين الدولارات)!. وبلغة علماء الاقتصاد الامريكي التعسة فان دافعي الضرائب ( المواطنين الامريكيين ) دفعوا اموالا لانقاذ شركة رأسمالية عملاقة من الانهيار في حين ان الشركة نفسها قامت بمنح مدرائها مخصصات وهدايا بملايين الدولارات نزلت في حساباتهم  الخاصة. وبعبارة اكثر وضوحا يجد المواطنون الامريكيون انفسهم يمولون، دون اي رغبة او معرفة منهم، مستغليهم اصحاب المليارات مرة بعد اخرى وبخداع واضح من الدولة التي يفترض (حسب الدستور) ان تدافع عنهم * يجد دافعي الضرائب ان اموالهم تذهب الى الجيوب الخاصة للمدراء وكبار الرأسماليين!!. ولكن مهلا: المواطنون الامريكيون والملايين من العمال والكادحين يتم رميهم من قبل نفس هؤلاء المدراء واصحاب الشركات على قارعة الطريق بعد طردهم من وظائفهم او مصادرة بيوتهم نتيجة عجزهم عن السداد!!. هل يجد ”الشعبوي“ اوباما الجرأة ليقول انه مصدوم !.

 

ولكن لنرجع الى  صاحب ”الحرب الاقتصادية“ المقدسة: كيف يقوم رئيس ”مصدوم“ بحرب اقتصادية دفاعا عن طبقته البرجوازية الاستغلالية التي لم تكتف فقط بنهب المال من الدولة بالتواطئ معها بل لتجد ايضا الصفاقة اللازمة لتوزع بين اعضاءها ملايين الدولارات وهي نفس اموال الدولة لمساعدتها!.

هل يستغرب احد الان كيف يظهر رئيس امريكي ”محترم“ كثرت امال المحرومين في امريكا حول قدرته على  مساعدتهم على شاشة احد البرامج الكوميدية ليخفف وطأة ، لا فضيحة دفع المخصصات العالية داخل شركة AIG ، بل فضيحة تحالف الدولة  مع الرأسماليين من رؤساء الشركات العملاقة الذي ينهبون الطبقة العاملة الامريكية علانية ولكي يزيف على وجهه صدمة مفتعلة.

 

ولكن الجماهير الامريكية ستضغط على اوباما وستفضح تواطئه وخدمته للطبقة البرجوازية التي تغنى على حساب كدح الملايين من العمال و”دافعي الضرائب“. والان يبدو ان وارن بافيت خسر حربه الاقتصادية حتى قبل بدأها.

—–————

 

اما السيد المجاهد (حفظه الله) فقد اطلق حمامات السلام في سماء العراق قبل ايام. الملله مقتدى الصدر زعيم الاسلام السياسي الشيعي الذي ارتكبت عصاباته ”المعادية للامبريالية“ مجازر دموية وارعبت الملايين من الشباب والنساء والرجال والاطفال في بغداد ومدن الجنوب يطلق حمامات السلام البيضاء ليعلن مباركته لانخراط  اتباعه في عملية الجهاد السلمي ولينصحهم بانزال السلاح ورفع المكانس. الملله المجاهد يغير جلده بعد ان اقنعه الامريكان بانهم سيعطوه فرصا لم يحلم بها لاستحصال ما هو اكبر من ”الخمس“ وربما ”النصف“ واكثر من الخاوات التي يجرها شقاواته وجلاوزته جراً من المواطنين تحت تهديد السلاح والمتفجرات والخطف والتصفية.

 

———————

 

لا صرخات السيد بافيت بشن الحرب الاقتصادية واصلاح الاقتصاد ولا دعوات السيد الملله بنذ العنف واللجوء الى الاساليب السلمية صادقة.

 

كلاهما كاذب ومخادع.

 الاول يبغي انقاذ الرأسمالية الامريكية وطبقتها المميزة من محنتها وهي تمر باكثر اوقاتها حلكة، والاخر يريد ان يكمن لحين سنوح الفرصة له من جديد للانقضاض متريثا ربما انسحاب قوات الاول  ليعيد رفع راية الاسلام السياسي: راية الدم والقتل وانتهاك حقوق المرأة و البربرية.

 

 السيد بافيت والسيد مقتدى كلاهما في مأزق: كلاهما يشخصان ويجسدان مأزق الطبقة البرجوازية وحيرتها وتخبطها ولكن في موقعين متباعدين سياسيا وجغرافيا. لا حروب بافيت الاقتصادية ستنقذ البرجوازية الامريكية والعالمية من ورطتها ولا حمامات السيد  البيضاء ستنقذ حركة الاسلام السياسي البربرية من مصيرها: اما قعر المجتمع او مزبلة التاريخ.

 

 

 

البرجوازية تمر بازمة عميقة تتطلب تغيرات في سياسات اجنحتها المختلفة. تلك التغيرات هي التي استدعت نبذ سياسات العسكريتاريا الامريكية وجعلت من الملله المكفن يحمل غصن الزيتون !!.

 

———————-

 

* نهب العمال من قبل الرأسماليين ياخذ اشكالا متعددة داخل النظام الرأسمالي: مرة عن طريق ضرائب الحكومة ومرة عن طريق فائض قيمة العمل الانتاجي من قبل الرأسمالي الصناعي وقبلها من فوائد الاقراض المصرفي والرأسماليين الماليين ومرة من الايجار ورأسماليي الارض  وهلمجرا...