1606;ظام العالمي الجديد لامريكا على الوضع السياسي واهمية وضع اليسار والطبقة العاملة وقواها الاشتراكية في هذه المرحلة.

 

اولاً

 

ان الثنائية القطبية للنظام العالمي الجديد طوال الــ6 سنوات الماضية منذ الاحداث الفاجعة ضد جماهير امريكا في نيويورك في 11 ايلول 2001 (وبالتالي اعلان اليمين الامريكي ”الحرب على الارهاب“ و ”محور الشر“  ومن ثم احتلال افغانستان – وتدمير العراق)، قد اسفرت عن تبلور اوضاع جديدة نتيجة فشل امريكا في حل أي معضلة  - وسقوط سياستها العالمية. لقد انتقل الصراع من كونه عالمياً شاملاً وعموميا (بؤرته وميدانه العراق) الى صراع داخل اطياف البرجوازية العراقية نفسها – صراع قوى طبقية برجوازية تحمل مشاريع سياسية متباينة .

 

رابعاً

 

التكتل الرباعي يحاول تنفيذ الخطة الامريكية القاضية ببناء سلطة للبرجوازية في العراق تعتمد على النظام البرلماني التعددي. لا يرفع سلاحا ضد امريكا ويعتبرها صديق بل ومنقذ. انه ينهج منهج "ديمقراطي" غربي ويركز على نجاحه في تأسيس دولة ديمقراطية لتصبح "واحة" لكامل منطقة الشرق الاوسط (أي نفس الطورحات الامريكية). لم تعد القوى الاسلامية الطائفية المؤتلفة في الكتلة الرباعية  والتي قاتلت في السابق ورفعت شعارات ”الموت لامريكا“ و ”الشيطان الاكبر“ بقادرة على تمثيل هذا الجناح. من الواضح ان تلك القوى رمت اسلحتها وتخلت عن "اسلاميتها" لا بمعنى انها باتت ملحدة او علمانية بل بمعنى انها فقدت او تخلت عن هدف الاسلام السياسي وبديله للسلطة السياسية: الدولة الاسلامية، ومنهجه– نقد القانون الوضعي او الديمقراطية والبرلمانية والتعددية – تطبيق الشريعة الاسلامية والمواجهة العسكرية مع ”المحتلين“ وال“صليبيين“ الخ. هل ذلك مجرد تاكتيك من قبل تلك القوى؟ بالتاكيد لا. انه موقف ستراتيجي معلن يعبر عنه في الممارسة السياسية وفي الاهداف التي تتطابق مع اهداف الادارة الامريكية وتصورها لشكل السلطة في العراق.  لو كان لتلك القوى القدرة على تغيير اسماء تنظيماتها بالكامل لابعادها عن اي تاريخ "ثوري" لما ترددت في القيام بذلك (وفعلا قام المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق برفع كلمة الثورة من اسمه لتلك الاسباب). وبالطبع وككل الحركات التي تتخلى عن اهدافها الاصلية فانها لن تتخلى بالكامل عن هويتها السياسية لكيلا تتعرض الى خطر الانهيار  الكلي.

 

خامساً

 

ومن جهة اخرى فان حركة الاسلام السياسي المقاتلة (الصدر والتوافق والمجاميع الاسلامية التي تختبأ في الاوكار) قد فرزت نفسها عن المعسكر الاخر بعد رؤيتها سقوط وانهيار المشروع الامريكي وانهيار النظام العالمي الجديد وتزعزع ركائزه. يتزعم تلك القوى مقتدى الصدر من جهة وجبهة التوافق والحزب الاسلامي من جهة اخرى. ان استقالة الهاشمي دليل على ان الاسلام السياسي "السني" يحاول النأى بنفسه عن المشروع الامريكي وليس لانه غير موافق على ”العملية السياسية ” ويود ”اصلاحها“.

 

سادساً

 

من الاهمية بمكان لقوى العمال والشيوعيين واليساريين تشخيص قوى الاسلام السياسي في العراق اليوم اثر الاصطفافات السياسية الحالية وتباين مواقف القوى البرجوازية.  ان الاسلام السياسي اليوم يمتلك محتوى طبقي لانه يمثل جناح في البرجوازية العراقية (كما العربية) ويطرح بديلها للسلطة ولكنه يود رفع راية (كل) البرجوازية من خلال تحدي الغرب وبالتالي نيل الاعتراف الكامل به كممثل لكامل الطبقة في السوق العالمية. لقد نجح حسن نصر الله في لبنان وبمساعدة الجمهورية الاسلامية وفي ظروف المواجهة مع اسرائيل في حمل تلك الراية وباتت البرجوازية العربية تعتبره بطلها المغوار (وبعض اليمينيين في اليسار القومي) وسلمته اعترافها به ازاء البرجوازية الغربية وممثلتها دولة اسرائيل وخاصة اثر حرب اسرائيل على لبنان في تموز 2006 تماما كما رفعت حركة القومية العربية راية البرجوازية العربية في السابق.

 

سابعاً

 

ان من الصحيح القول ان مقتدى الصدر وحركة الاسلام السياسي المقاتل والتي تمثل الان قوة طبقية سياسية في العراق وتحاول ان ترفع راية البرجوازية يدرك جيدا بان أي تنازل او تراجع عن مبادئ الاسلام السياسي سواء السياسية او الايديولوجية لن يكسبه شئ بل الارجح ستؤدي الى العكس؛ خسارته وهزيمته وافلاسه كليا – شأنه في ذلك شأن كل الحركة التي ينتمي لها (لو افترضنا ان تخليه عن السلاح امر واقعي). ان شعار الصدر ب "الموت لامريكا" كما شعار حزب الله وحماس "الموت لاسرائيل" ومطالبتها بمحوها من الخريطة، هو "المصل" الذي يغذي عروق هذه الحركة ويمدها بالقدرة المتجددة على ادامة كيانها القرووسطي الرجعي والارهابي. ان البرجوازية العربية الرجعية والجبانة تلهث وراء هكذا قوى ومستعدة لاعطاءها "مفاتحيها" وتسليمها راياتها من اجل ابقاء مواقعها في الرأسمال العالمي.

 

***********

 

بالرغم من صحة القول بان المجاميع المنصبة من قبل امريكا كانت تعاني منذ اليوم الاول من انقسامات وتفتت، ورغم صحة القول ايضا بان تلك المجاميع هي بمجموعها اسلامية وقومية وعشائرية رجعية ومعادية لمصالح الجماهير، ورغم دقة تعريفها بانها قوى سيناريو اسود جلبت الدمار وانعدام الامان والارهاب والحرب التي قتلت مئات الالاف من العمال والكادحين والجماهير المحرومة ودمرت كامل البنية الاجتماعية والمدنية للمجتمع، ورغم صحة الادعاء، ايضا، انها كلها نصبت من امريكا في انتخابات صورية استغلت فيها معاناة وخوف الجماهير ورغبتها في الهدوء والطبيعية ابشع استغلال، رغم كل ذلك، الا ان تكرار هذه المقولات بعد الان لم يعد كافياً. اليوم يبرز واقع جديد سببه تراجع النظام العالمي الجديد لامريكا اثر هزيمة المحافظين الجدد ساحبا معه كامل الوضع السياسي في العراق الى تخوم مرحلة اخرى. وكما بينا فان افول النظام العالمي الجديد لامريكا بعد سقوط سياسييها المحافظين الجدد لا يعني انهيار مشروع امريكا فحسب بل سيؤدي ، وفي التحليل الاخير، الى سقوط  الخصم الارهابي المقابل- حركة الاسلام السياسي .

 

أفقٌ جديد

 

ان السقوط المحتم للاسلاميين سيؤدي الى فسح المجال امام الطبقة العاملة وقواها الاشتراكية و الشيوعية واليسارية والمتمدنة والتحررية والعلمانية في البروز. بتشديد اعتراضاتها وتقوية صفوفها وابراز بدائلها التحررية والانسانية سيكون ذلك ممكناً. ستعطي الطبقة العاملة وقواها الاشتراكية واليسارية والعلمانية والانسانية والتحررية الامل بامكانية قلب الاوضاع في المجتمع لصالح الجماهير. وبرغم استعمال قوى اليمين الارهابية لشتى وسائل القتل والدمار والرعب والتخويف ضد العمال والكادحين والجماهير الغفيرة في العراق ولخمسة عشر سنة الماضية ذاقوا فيها الاذلال والحروب والحصارات والجوع والموت،  فانها ستحصد اثار فشلها وافلاسها.

 

معسكر الجماهير له امكانية النهوض اليوم اكثر مما مضى. وعلى كل قوى العمال واليسار والاشتراكية التحرك بنفس هذا الاتجاه وان تسعى الى تلمس الامل والافق الجديد وامكانية و ضرورة عالم افضل. علينا ان نجعل من الماركسية سلاحنا ومن الاشتراكية هدفنا فدون ذلك، فان بديل الطبقة العاملة وقواها التحررية سيظل حبراً على ورق وبالتالي يعجز عن التحول الى قوة اجتماعية هائلة وعظيمة تقلب الاوضاع لصال