لن يتحقق الامان مازالت القوات الامريكية تحتل العراق والميليشيات الاسلامية والقومية تهدد حياة الجماهير

اكاذيب قوى البرجوازية حول الاتفاقية ”الامنية“

عصام شكــــري

ishukri@gmail.com

 

 بلغ الافلاس بساسة العراق وقواه من السيناريو الاسود حداً بدا معه ان اكاذيبهم بشأن الاتفاقية الامنية مع امريكا قد نضبت كليا وباتوا يواجهون ازمة تلفيق الاكاذيب !.

 

مرة تراهم يقولون، دمرنا المجتمع لتحريره من الطاغية، ومرة اخرى، دمرناه لتخليصه من الارهاب الاسلامي، واليوم، يريدون تدميره بربطه باتفاقية تبقي الاحتلال والاوضاع الكارثية لشدة حبهم للوطن ! وهلمجرا. في كل مرة يزداد هؤلاء ثراءا ووحشية بينما يزداد الناس جوعا وتشردا وقتلا ومأساةً.

 

في معمعة الجدل والمهاترات بين تلك القوى تبرز قوتان سياسيتان. احدهما مجموعة ”الموالين لامريكا“ وهم قوى الاسلام السياسي لاحزاب الدعوة - المالكي والمجلس الاعلى  - الحكيم، والقوميين الكرد - الطالباني والبرزاني، ومعهما ”المرشد الاعلى“ للقوات الامريكية  البعثي المنشق اياد علاوي وكتلته ”العراقية“ . اما المجموعة الاخرى فيمثلها مقتدى الصدر وجبهة التوافق وقوى الاسلام السياسي ”المعادية لامريكا“.

 

تروج كلتا المجموعتان للاكاذيب والافكار الرجعية بشأن الاتفاقية من اجل تقوية مواقعمها ونفوذهما داخل السلطة التي نصبتها امريكا. ساستعرض جانبا من تلك التبليغات السياسية الكاذبة والمتهافتة التي يريدون بها تظليل الجماهير حول مغزى الاتفاقية واهدافها وعلى طرفي المعادلة الحالية لهم في العراق ولنبدأ بما يقوله جماعة امريكا:

 

اولا: ان ”الاتفاقية تحقق مصلحة الجماهير من خلال توفير حماية القوات الامريكية لهم لفترة اخرى“. 

 

يروج لذلك القوى الحاكمة الموالية لامريكا؛ كتلة التحالف الكردستاني والاسلاميين الرجعيين في حزبي الدعوة والمجلس واياد علاوي. تصف تلك القوى الاتفاقية بانه في حالة عدم توقيعها فان كارثة ما ستحيق بالجماهير!. وان خروج القوات الامريكية سيعني انهيار الامن في المجتمع !. ولكن مهلاً، أي كارثة واي مأساة تلك التي ستحدث في حال خروج امريكا ؟ ومنذ متى كانت امريكا مسؤولة عن توفير الامان؟ الم تكن امريكا هي الدولة التي دمرت الامان في العراق ؟ هل يصبح من يسبب القتل والتشريد والكوارث الانسانية ويدمر المجتمع ويملئه بالعصابات الاسلامية والقومية والعشائر، فجأةـ صمام الامان ودونه تحدث الكارثة المروعة ؟! هل نحن بحاجة الى تزويد هؤلاء الادعياء باحصاءات عن عدد السكان العراقيين المدنيين المقتولين من جراء الحرب والاحتلال الامريكي؟ هل نذكرهم بمقتل  اكثر من مليون ومائتي وثمانية وثمانون الف قتيلا مدنيا (1,288,000) خلال السنين الماضية منذ الاحتلال الامريكي؟ (1) هل نذكرهم بعدد المشردين والمهجرين؟! بعدد المصابين بالكوليرا والامراض؟ بعدد السجناء من الاطفال والاحداث والنساء ؟ بعدد النساء المذبوحات والمنتحرات؟ هل كانت تلك الكوارث ستحدث لولا امريكا وجيشها وتحويل العراق الى ساحة بربرية للصراع مع الاسلام السياسي؟

 

ان تلك اكذوبة لاعوان امريكا وان الصحيح هو ان رحيل القوات الامريكية سيسبب كارثة لتلك القوى وليس للجماهير.

 

ثانيا: ان ”الاتفاقية الامنية تمس سيادة وكرامة الوطن و“تثلم“ استقلال العراق“!.

 

ويروج لتلك السلعة البائرة قوى الاسلام السياسي المعادية لامريكا وخاصة مقتدى الصدر وجبهة التوافق وبعض من يسمون انفسهم اليساريين وبقية القوميين العرب والعشائريين. ان حقيقة القول بالاستقلال والوطنية وسيادة العراق واستقلاله هي مجرد اكاذيب للاستهلاك الداخلي . الغرض الحقيقي هو الترويج  لمعاداة امريكا من اجل تجييش القوى الاجتماعية والجماهير المعادية للوجود الامريكي. الجماهير تريد خروج امريكا ولكن الاسلام السياسي يريد ان يستثمر ذلك لمصالحه وليحوز على موقع تفاوضي جديد مع امريكا نفسها.

 

قوى مقتدى الصدر والتوافق والحزب الاسلامي وغيرها هي قوى رجعية، ارهابية، متخلفة، و لا برنامج سياسي لها سوى الاسلام والدين والطائفية وتقسيم المجتمع على تلك الاسس. ان تلك القوى معادية للتمدن وللعلمانية وللمواطنة ولمساواة المرأة. انها لا تريد وطنا (غير مثلوم الاستقلال) كما تدعي بل تريد وطناً يقومون هم بثلمه وتدمير كبرياء وسعادة جماهيره، ويقومون هم بحرمان افراده وسحق مدنيته واخضاعه للشريعة الاسلامية والارهاب. يريدون ان يحوزوا هم على ”شرف“ القيام بانتهاك ”الوطن“ بدلا من ”العدو الصليبي“.

 

لقد قامت قوات مقتدى الصدر وميليشياته الارهابية بقتل المواطنين وانتهاك حقوقهم بكل وحشية، حولت الشوارع الى متاريس وساحات للقتل واطلاق الصواريخ، وفتحت البيوت اوكارا لتعذيب المخالفين وقتلوا النساء في الشوارع وقطعوا رؤسهن. جلبوا الشريعة الاسلامية القرو-وسطية. ان جماهير العراق لم تعد تكترث لهذه القوة المتخلفة وهي الان منبوذة ومكروهة في المجتمع. (2)

 

ثالثا: ان ”حكومة المالكي حريصة على مصلحة الوطن وسيادة العراق و”ناضلت“ من اجل الغاء بعض الفقرات ومارست الضغط على الجانب الامريكي المفاوض“.

من العجيب ان هذا الطرف الرجعي بالذات يتغنى بحب الوطن!! كل قوى السيناريو الاسود ومرتزقة امريكا والجمهورية الاسلامية يلهجون بحب الوطن واستقلاله. ولكن حب المالكي لوطنه ليست كحب مقتدى الصدر! فالاول يحب وطنه لانه يريد ان ”يفرش“ سلطته على كامل التراب الوطني. اما الصدر فانه يريد استخدام الوطنية لاستثمار الرفض الجماهيري للوجود الامريكي من اجل احراز النفوذ و توسيع دائرته؛ وطنية السلطة المدعومة من امريكا، ازاء ”وطنية“ الاسلام السياسي المدعوم من ايران. كلاهما يريد ان تكون الوطنية في خدمة اهدافه.

 

رابعا: ان ”الجماهير منقسمة بشأن الاتفاقية بين مؤيد ومعارض“. 

ولكن الجماهير ليست مكترثة بالاتفاقية. الجماهير تريد ان تعيش بامان وسلام وهي تكافح يوميا من اجل لقمة عيشها وصحة اطفالها وسلامتهم ضد اجرام امريكا وجيشها والميليشيات الاسلامية والقومية والعشائرية. وفي اوضاع اجتماعية طبيعية وانسانية كان من الممكن والمعقول ان تتدخل الجماهير وتقول كلمتها في هكذا اتفاقات رجعية وربما تطيح بها بحركة قوية كما حدث في تاريخ العراق. ولكن الجماهير اليوم، وقد انهكها الاحتلال والتدمير وانعدام الامان والاسلام السياسي الى درجة فظيعة لم تعد قادرة على مجاراة هذه الاوضاع القاسية بينما يقوم الساسة وميليشياتهم بتمزيق جسد المجتمع اربا، فان مسألة انقسامها بين مؤيد ومعارض هي كذب. ان الجماهير تكره الوجود الامريكي ولكن تلك الحقيقة ليست بحاجة الى اتفاقية واستقطابات حول اتفاقات لمعرفتها. ان الجماهير تدرك جيدا ان سبب معاناتها ومأساتها وكارثتها هي الاحتلال والحرب الامريكية وتسليط هذه الشراذم والميليشيات عليها. انها تعرف ان وجود امريكا لن يخلصها من الكارثة، تماما كما تعرف ان رحيل امريكا دون نزع سلاح الميليشيات الاسلامية والقومية لن يجعل حياتهما اكثر راحة وامانا.  الجماهير تعرف ان مصائرها بايدي هؤلاء، وفي كل الاحوال، قاتمة وحالكة. وتعرف ان الحل لن يأتي من خلال هؤلاء.

 

خامسا: ان ”جماهير العراق بحاجة الى حكومة وحدة وطنية تحقق الوفاق بين الكتل السياسية ومن ثم الاستقرار“.

هذا تلفيق الصحافة الغربية وبعض الاطراف البرجوازية العراقية. انهم يقولون على القوى السياسية العراقية ان تتوحد وتعمل معا من اجل ”انجاح التجربة“.!  او ”انقاذ العملية السياسية“. تحلم تلك الاطراف وتزيف وعي الناس بان بامكان (نفس قوى السيناريو الاسود) التي دمرت المجتمع ومزقته اربا، ان تشكل دولة مدنية ولكن ”فقط لو يتفقوا فيما بينهم“!!. ولكن قوى الاسلام السياسي سواء على طرف المالكي والحكيم او الصدر والتوافق هي قوى متخلفة وغير مدنية فكيف تنشأ دولة مدنية ؟ لا يمكن لتلك الاطراف ان تنشأ دولة مدنية متعارفة حتى لو عقدت مئة اتفاق بينها. ان قوى الاشتراكية والطبقة العاملة هي التي بيدها حل الاوضاع وانقاذ الجماهير من مخالب تلك القوى.

 

الاتفاقية الامنية معادية للجماهير . يجب النهوض بوجهها واسقاطها، ولكن، ليس تحت رايات الاسلام السياسي المعادي لامريكا، بل تحت رايات جبهة الجماهير التحررية والعلمانية. ان بقاء القوات الامريكية سيعني المزيد من الكوارث والويلات. المزيد من ارهاب الجيش الامريكي وصعود حركة الاسلام السياسي وارهابها للمجتمع وبالتالي فان الحل هو في خروج الاحتلال الامريكي ونزع سلاح تلك الميليشيات الاسلامية والقومية الرجعية التي ينميها ويقويها نفس الاحتلال. 

 

(1)  Just Foreign Policy عدد قتلى الاحتلال الامريكي

http://www.justforeignpolicy.org/iraq/iraqdeaths.html

 (2)دراسة: تراجع التأييد الشعبي للأحزاب الدينية في العراق وتحول هيكلي لصالح الأحزاب العلمانية http://www.3almani.org/spip.php?article3498