"تسليم الامن للعراقيين"

اعتراف الغرب بسلطة ميليشيات الاسلام السياسي !

 

عصام شكــري

 

في الوقت الذي يتساقط فيه المئآت من الابرياء في العراق يومياً مضرجين بدمائهم وبلوغ اعداد القتلى في العراق في شهري تموز وآب الماضيين 6600 قتيل حسب مصادر في الامم المتحدة، وفي الوقت الذي يقول فيه كوفي انان بوضوح وبحضور جلال الطالباني ووزيرة خارجية امريكا كونداليسا رايس في نيويورك بان "العراق على شفير حرب اهلية مدمرة"، وفي الوقت الذي تعاني فيه الاغلبية الساحقة من الجماهير من الجوع والحرمان بكل اشكاله، فأن نوري المالكي، يصف يوم تسليم القوات الغربية المحتلة راية السلطة للميليشيات الاسلامية في الناصرية بانه يوم عظيم!!.

 

ولكن هذه العظمة المزيفة التي يتغنى بها المالكي لا علاقة لها بالواقع الذي تعيشه الجماهير سواء في الناصرية المحرومة او المثنى او بقية محافظات الجنوب المرعوبة والمقموعة تحت سلطة الميليشيات الاسلامية او في عموم العراق بل لها كل العلاقة بوصف وضعية قوى الميليشيات الاسلامية الموالية لامريكا والغرب والمكافأت التي تمنحها قوى الغرب لها. ان لها على هذا الاعتبار كل علاقة ب"عظمة" الاحتقار التي تكنه القوى الاسلامية للجماهير والاستخفاف بمعاناتهم ومآسيهم.

 

 ان وصف المالكي لهذا اليوم بانه عظيم لا يقصد به  الناس او الواقع بل هو تعبير عن امتنانه وبقية حلفاءه لاعتراف الدول الغربية بقدرة ميليشيات الاسلام السياسي الحاكمة (الموالية للغرب) على القيام بـ"مهمة" شن ” الحرب ضد الارهاب ” نيابة عنها. أي بتعبير اخر قتال الميليشيات الاسلامية (المعارضة لامريكا). انها "عظمة" النظام العالمي الجديد تعلن عن نفسها على لسان المالكي حين تسلم مصائر الملايين من الجماهير الى حفنة من الاسلاميين وقادة الميليشيات التي تنهش بعضها وتقتل الابرياء بوحشية قل نظيرها!.

 

وبينما كان صدام حسين يتحف الجماهير بالايام العظيمة التي تشير الى "انتصارات جيشه على الاعداء الطامعين" و يخرج الى الجماهير في ساحة الاحتفالات ببغداد مطلقا أعيرة القومية العربية في الهواء معلماً الغرب بوجوده واهليته للحكم، فان المالكي الذي يحتمي بالجنرالات البريطانيين والامريكان لم يجد اليوم الا يوم خميس بائس ليحتفل بتسليم راية اعتراف الغرب بميليشياته.

 

ولكن لا يوجد في الناصرية ولا المثنى اسلاميين معارضين لامريكا!؟. فاي عظمة تلك ان تاخذ الراية من الغرب في مناطق لا يوجد فيها اصلا معارضة مسلحة او صراع محتدم بل "مجرد" جماهير عزلاء غاضبة؟؟          

 

ان واقع اليوم ليس فقط واقع ظالم وغير عادل للملايين من جماهير العراق بل واقع لا انساني ووحشي. لا نتحدث عن الحقوق "العليا" في مجتمع مدني طبيعي بل على اكثر المطالب بدائية وتراجعاًُ. لم يعد احد يتحدث عن "العدالة" ولاعن الحرمان والفقر ولا حقوق العمال او النساء او الاطفال اوالشباب ولا الحقوق المدنية كحقوق المواطنة المتساوية و حرية التعبير والتظاهر والاضراب والتجمع ولا عن حرية الصحافة والحريات السياسية الكاملة. لا نتحدث عن العلمانية وفصل الدين عن الدولة ونقد ممارسات الدين والخرافة والتعسف الفكري وبث الاوهام والخرافات والممارسات الوحشية الدينية بين الجماهير والشباب والاطفال. لا نتحدث عن تحرر المرأة ومساواتها بالرجل ولا عن حق ملبسها والحريات الشخصية العامة ولا نشير الى حق التعليم المجاني والصحة المجانية للجميع. اليوم لا وقت للناس لجواب تلك الاسئلة بل للبقاء و محاربة الموت الاتي من كل اتجاه و بفضل ”عظمة" قادة الاسلام السياسي والميليشيات الوحشية وجنرالات المحافظين الجدد في امريكا وبريطانيا. لقد رسمت علامات الاستفهام مجدداُ على مسألة بقاء البشر احياء. لم يعد امراً بديهيا ان يظل البشر احياء حتى يمرضوا او يموتواا نتيجة الشيخوخة " الطبيعية". ملايين البشر تتجول بلا أي ضمانة في انها ستعود الى بيوتها بسبب قنابل ومفخخات واغتيالات وصواريخ الميليشيات الاسلامية والقومية وجيوش الغرب. ان يستيقظ الناس صباح اليوم التالي ويرقبون اطفالهم ذاهبين للمدرسة بسلام وطمأنينة اصبح امراً مؤرقاً للملايين. الهروب من البلاد اصبح حلماُ لكل الشباب.   نتحدث هنا عن شئ اساسي، والمفترض انه بديهي، في أي مجتمع مدني في العالم؛ اي البقاء على قيد الحياة!.

 

ولكن " معالي رئيس الوزراء" مع كل هذا التراجع المخزي للبشرية في العراق لا يجد حراجة في وصف الوضع في العراق اليوم بانه عظيم!!.

 

ان الجماهير تدرك ان كلمات المالكي وغيره من زعماء الاسلام السياسي في العراق وغير العراق تسخر منها ومن انسانيتها وهي كلمات كاذبة تبغي تكريس الواقع والاحتفاء بالدم وتجميل القبح والوحشية وانتهاك الانسانية.

 

بامكان جماهير العراق وخصوصا في جنوب العراق توحيد صفوفهم ضد قوى ارهاب الاسلام السياسي وارهاب دول امريكا وبريطانيا المحتلة معاً فان ذلك سينزع عن تلك القوتين شرعيتهما التي يحاولون فرضها بالارهاب والتخويف وارعاب الجماهير. بامكان الجماهير في كل العراق، تلك القوة العظيمة فعلا، لو قامت، ان تقضي بقبضتها الواحدة على هؤلاء وتأخذ زمام المبادرة منهم ومن ميليشياتهم ومن قوى الغرب الارهابية التي تحميهم وبامكانها ان تبني مجتمعها الانساني؛ الحافل بالمساواة والحرية والرفاه والتمدن.  انها مهمة ملحة وعاجلة لانها مسألة حياة او موت للناس. ندعو الجماهير الى مشاركتنا والانظمام لنا من اجل تحقيق هذا الهدف.