سيناريوهات عاجزة

 

عصام شكــري

 

ان الحرب الامريكية على العراق ليست اجرامية فحسب بل انها رجعية باثارها ودلائلها على المجتمع.

 

والادلة على رجعية الحرب تتضح من خلال ما يتم التخطيط له والبدائل التي يحاول مفكرو اليمين و”ستراتيجييه" التقدم بها  للخروج من الازمة التي تعاني منها حكومة امريكا في العراق ولتقوية مواقع الحزب الجمهوري المتراجعة وخطورة احتمالات خسارته للانتخابات القادمة.

 

فبعد نشر التقارير المتعددة التي تفضح اكاذيب المحافظين الجدد وفشل سياسة جورج بوش في العراق وانهيار الاوضاع الامنية بشكل تام واندلاع الحرب الطائفية وتصاعد الارهاب بشكل كبير والخسائر المتزايدة للقوات الامريكية، فان اليمين الحاكم لا يجد مفراً من التاكيد المستمر بانه يمضي قدما في سياساته العسكريتارية لادامة الاحتلال. ولكن الحكومة الامريكية تستعين "بلجان" مشتركة من الحزبين للبحث في امكانيات الخروج من الوضع الحالي وتقديم سيناريوهات "مناسبة" .

 

تبغي تلك السيناريوهات الاجابة على : ماذا لو سحبت امريكا قواتها من العراق؟.

 

اول تلك البدائل والافكار المطروحة من قبل هذه اللجان و“مراكز القرار“ يتظمن سيناريو انسحاب الجيش الامريكي من العراق وترك الميليشيات والقوى الاسلامية الطائفية تتقاتل فيما بينها لحين تغلب احدها وسيطرته على الاوضاع. أي ان امريكا تريد النأي بجيشها عن التدخل في الحرب الطائفية والمذهبية وانتظار النتائج من خلال بروز قوة اسلامية او قومية تستطيع لجم الامور لصالحها والتغلب على خصومها.  ان هذا المنهج اليميني الرجعي قد تم تطبيقه حرفياً في افغانستان من قبل امريكا والغرب عموماً حينما مزقت الحركات الاسلامية والقبائلية و"المجاهدين" المدعومين من امريكا المجتمع وقتلت الالاف من البشر في حروب طاحنة بينها للسيطرة على السلطة بعد خروج القوات السوفييتية مما اسفر عن الانتصار النهائي لحركة طالبان وسيطرتها على معظم اراضي افغانستان وتأسيسها للامارة الاسلامية البربرية.

  اما البديل الاخر الذي يتقدمون به فهو المضي قدماً في مشروع ”تقسيم“ العراق (لا مشروع الاقاليم او الفيدرالية) الى 3 كيانات على اسس اسلامية – طائفية وقومية؛  الجنوب تحت سيطرة الاسلام السياسي الشيعي و الوسط والغرب تحت سيطرة الاسلام السياسي السني والعشائر و الشمال للقوميين الكرد. هذا البديل ، حسب واضعيه ، سيوفر حلا حاسماً وسريعاً للصراع الطائفي ولاحتمالات توسعه من خلال "عزل" الطوائف والاثنيات والقوميات عن بعضها من الان داخل حدود خاصة بها يصعب على الطرف الاخر اختراقها.

 

 وهناك بديل ثالث يمثل في انهاء محاولات الحكومة الامريكية ”غير المجدية“ للاستمرار في تطبيق الديمقراطية في العراق واعتبار تلك المحاولات هي مضيعة للوقت وعقيمة لم تنتج الا المزيد من التدهور وتفجر الاوضاع وزيادة حدة الاختلافات وان البديل قد يشمل ارجاع الدكتاتورية السافرة القادرة على ”ضبط الامور“. ان سبب هذا المقترح هو اليأس الذي اصاب امريكا من محاولاتها جعل العراق "واحة للديمقراطية في الشرق الاوسط"!!.

 

ولانهدف الى مناقشة جدوى تلك القرارات بل لكشف ماهية  اساليب البرجوازية الامريكية والتي كبدت الجماهير في العراق لحد هذه اللحظة 655 الف قتيل وهي الان تبحث عن تجنب صراع طائفي واسلامي وقومي لقواها التي جلبتها والتي قد تؤدي الى سقوط اضعاف ذلك العدد!!.

ان تلك الحلول لا تظهر لكل الجماهير في العالم سوى مدى العجز والحقارة والرجعية والاستخفاف الفظيع بالجماهير وحياتها من قبل البرجوازية الامريكية وجناحها اليميني الارهابي بحياة الملايين من جماهير العراق بينما يخططون لهم حياتهم وموتهم وعدد طوائفهم ودويلاتهم وينصبون القوى الاسلامية والقومية الرجعية عليهم بينما تتفرج المليارات من البشر على هذه المهزلة - التراجيديا والجرائم التي تحدث في العراق. ان خروج امريكا من العراق وترك الامور بيد العصابات الاسلامية ستكون مأساة للجماهير تماماَ بقدر بقاء تلك القوات وادامة الحرب مع تلك الميليشيات حتى وان تمكنت احدى القوى الاسلامية، وهذا مستبعد بظل تدخل الجمهورية الاسلامية الايرانية والسعودية وتركيا وسوريا في دعم الميليشيات الاسلامية لسيطرة احداها على الوضع وضبط الاوضاع. ومن جهة اخرى فان المضي في تقسيم العراق الى دويلات على اسس طائفية جار وان بشكل فدرالية الا انه يصطدم بمعارضة نفس القوى الاسلامية التي ترى في الحدود الجغرافية للتقسيم خسارة لها فيما ترى قوى اسلامية وقومية اخرى منه مكسبا لكونها ستتمكن من الاستحواذ على الموارد النفطية والطبيعية. ان الفيدرالية تشهد تعثرا ومعارضة داخل كتل ومجاميع الاسلام السياسي (السني والشيعي) وان احتمالات حله للاوضاع هو الاخر احتمال بعيد. ومن جهة اخرى فان تقسيم العراق سواء بشكل نهائي او بشكل الفدرالية الرجعية يواجه معارضة تركيا بسبب تخوفها من "استقلال كردستان". ان المحصلة النهائية لكل تلك الاحتمالات هي انها لن تفعل اكثر من زيادة السيناريو الاسود السائد حاليا في العراق سوادا وقتامة ودموية. ولن تدفع بالامور سوى الى التدهور من سئ الى اسوأ.ا تلك الحلول لا تبين عجز البرجوازية الامريكية عن ايجاد بدائل لنتائج حربها الاجرامية فحسب بل وتثبت ان القوى الاسلامية والقومية المتسلطة لن تقوم الا بارتكاب المزيد من الجرائم كبديل عن القوات الامريكية والبريطانية في محاولتها السيطرة على السلطة السياسية في العراق.

 

تلك السيناريوهات الرجعية توضح، بطريقة النفي، مضمون بديلنا التحرري والانساني لحل الاوضاع في العراق بل والى امكانياته الواقعية. حزبنا يطرح بديله من موقعه كقوة اشتراكية ويعتمد على تنظيم الجماهير لانه بدونها فان الواضح