كيف ينقذ المجتمع من أسهموا في دماره ؟!

 

عصام شكـــري

 

مأثرة واحدة اسجلها بحق المهزلة الانتخابية الحالية وهي قدرتها العجيبة على تحويل اصناف المهرجين المأجورين للمخابرات المركزية الامريكية والجمهورية الاسلامية (نفايات النظام العالمي الجديد) الى وطنيين: القومي أياد علاوي الذي عمل مخبرا لــ  CIA وروج لحرب امريكا المجرمة على مجتمع العراق والتي ادت الى مقتل مئات الالاف والى هذه الكارثة الاجتماعية الواسعة، اصبح اليوم وطنيا يتحدث عن "المؤامرات الانتخابية" التي تحاك ضد العراق. والاسلاميين الدمى الذين نصبتهم امريكا وتحركهم الجمهورية الاسلامية في احزاب الدعوة والمجلس والتيار الصدري بصحبة المجاهد (في سبيل المال) احمد الجلبي اصبحوا اليوم وطنيين يتلوون الما على مصير الوطن وتدمع عيونهم حزنا على ”ثلم“ سيادته  بينما يتقاسمون عوائد النفط المنهوب!.  في حمى هذه المهزلة والصراع على النهب والسلب والارهاب، يتصدر هؤلاء المهرجون صفحات الجرائد والمجلات والفضائيات وهم يقسمون اغلظ الايمان بان كل منهم هو ”الملاك “ غيرالمجنح الذي سينقذ العراق من التمزق والطائفية بينما خصمه في القائمة الاخرى ” طائفي ومتآمر“.
 

اياد علاوي الذي كان كل "نضاله" السياسي قبيل احتلال العراق يتلخص في التنقل بين  ال MI6 و ال CIA  لحثهما على ضرورة واهمية الحرب على العراق متوسلا شنها باسرع ما يمكن. داعية الحرب والقتل هذا الذي تغرق يداه بدماء الالاف من العمال والنساء والاطفال والشباب والشيوخ كان في البدء  مسؤول حزب البعث الفاشي في  السبعينات ثم مواليا لامريكا وخادما لمصالحها، تحول اليوم بقدرة قادر وفقط بظل هذه الاوضاع المشوهة الى وطني ذو غيرة ينتقد قرارت هيئة المسائلة والعدالة ويعتبرها واجهة لتنفيذ اجندة الجمهورية الاسلامية في العراق. !  وبدلا من تقديم اعتذار الى الشعب العراقي على جريمته في التعاون مع الحكومة الامريكية على تدمير المجتمع  وقتل مئات الالاف من الابرياء واغراق الجماهير بالدم وتمزيق المجتمع بالدين والطائفية والقومية والمذهبية والتواطئ مع حليفه المجرم جورج بوش وديك تشيني ورامسفيلد فانه يتحدث عن ”مؤامرات“ خصومه وكيف تبنى الدول وكيف انه وحده القادرعلى تحقيق الرخاء!.

 

غريمه نوري المالكي هو الاخر يطرح نفسه كوطني كرئيس حكومة  الميليشيات الاسلامية والقومية التي يسميها ب ”دولة القانون“. المالكي وحزبه الدعوة الاسلامية مازالا يصارعان من اجل منح امريكا لهم فرصة اخرى لبناء ”الدولة المركزية” التي ملت الاخيرة من تكرار شروط بناءها على اسماع المالكي و“التعنيفات“ التي يتلقاها من السفير الامريكي في العراق (الحاكم الفعلي). ماذا عمل المالكي بعد كل تلك الفترة ؟ اين هي الدولة الان؟ اين الاوضاع الطبيعية والرفاه والحريات؟ هل فقط ببناء الجيش والشرطة والمغاوير والامن ودعمها بالمزيد من  المعتقلات و“اقبية التعذيب“ وشن حملات تصفية واغتيال للمعارضين وفرق الموت تبنى الدولة؟.

 

ولكن المفارقة ان بناء اجهزة القمع هي ليست لحماية المجتمع والجماهير بل من اجل حمايته هو وحزبه الاسلامي ومصالحهم. انه يدعي القضاء على الارهاب ”التكفيري الصدامي“ كما يسميه ليصحو الناس في اليوم التالي على انفجار مهول اخر. حتى الماء والكهرباء وابسط الخدمات لم ترجع لحد اليوم بينما استشرى الفقر والحرمان والامية والفساد في كل مكان. ان صراخ المالكي حول ارجاع البعثيين وتسييره التظاهرات ”الاستهلاكية“  هو دعاية اجهاضية لتقولات رفاقه الاسلاميين الشيعة الموالين لايران حول تواطئه مع البعثيين واتهامه باحتكار السلطة. ولكن حزب البعث  انتهى. لن يستطع حتى لو اراد ووافقت امريكا ان يعود كما كان. فاعادة انتاج نفسه بمواصفاته الفاشية الاستبدادية السابقة تتطلب شروطا غير متوفرة له اليوم.  بل ولا يمكن ان يوفرها ولو اراد. احد تلك الشروط هي الاوضاع العالمية المتغيرة ونهاية الايديولوجيا القومية الفاشية ونفور وكراهية الجماهير لها.

الجميع اليوم يدعي انهم قادرين على انقاذ وتخليص المجتمع  ذلك سببه الرغبة في اخفاء الوقائع التالية او بدفع منها:

 

1)  ان جميع القوى الحالية من اسلامية او قومية هي قوى في حالة افول. فتغير التاكتيك الامريكي الى تاكتيك التساوم والتحاور ومنح الشرعية للاسلاميين من اعداءها ادى الى تفريغ تلك الحركات بمجملها من محتواها الذي قام على اساس العداء للغرب ولامريكا.

 

2) فشل كل مشروع امريكا في العراق ومن ظمنه القوى التي نصبتها وبدائلها جميعا. ليس فقط في تشكيل دولة مركزية قوية بامكانها ارجاع الاوضاع الطبيعية بل حتى في في بناء محميات دينية وطائفية وقومية بظل الفيدرالية. ان التخبط والصراعات والفشل والمزيد من الانهيار هو السمة الاساسية لهم. وذلك ما تراهاالجماهير واضحا امامها.

 

3) كره ومقت الجماهير لتلك القوى بعد 7 سنين من الدمار والقتل والارهاب والنهب والسلب وتحطيم المجتمع وضرب مكانة المرأة واستشراء الفساد والفقر والامية والتهجير والانتهاكات.

 

4) ومن الناحية العملية فان ذلك  يعني ان الجماهير باتت اكثر تأهيلا لركل هذه القوى برمتها والتحول الى قوى اليسار والعلمانية والاشتراكية والتمدن والانسانية بشرط ان تكون قوى اليسار والشيوعية حاضرة.

 

ولتلك الاسباب وغيرها بدرجة اقل فان المرشحين للمهزلة الانتخابية يعزفون كلهم على وتر ”العراق“ وخدمة العراق و“المؤامرات“ على العراق وهكذا. بعد ان قتلوا الاف البشر بالتواطئ مع امريكا، وبعد ان فشلوا في تشكيل دولة واستبدلوها بمافيات ميليشيات اجرامية وبعد ان يأست امريكا من ادوارهم اصبحوا اليوم يتغنون كجوقة نشاز بالوطنية وانقاذ المجتمع.  ولكن دون جدوى.

 

اجلا ام عاجلا ستطوى جماهير العراق المتمدنة والعلمانية صفحة كل هؤلاء .