على هامش لقاء مؤسسة النهب العالمية مع ممثلي النقابات العمالية العراقية

البنك الدولي: الخصخصة للعراق والتأميم لامريكا

عصام شكـــــري

ishukri@gmail.com

 

اجتمع عدد من ممثلي النقابات والاتحادات العمالية العراقية في عمان عاصمة الاردن يوم الاربعاء 3-12-2008 مع ممثلي البنك الدولي. وقد اسفر اللقاء عن القاء ممثلي الرأسمالية العالمية في البنك الدولي على مسامع ممثلي العمال شروط البنك الدولي من اجل السماح بمنح القروض والدخول الى ”السوق“ العراقي. وقد تم نشر بعض تلك الشروط والتي تتعلق بالغاء البطاقة التموينية والخصخصة والغاء الصناديق الاجتماعية وتقليص حجم الدولة بتسريح الموظفين والعمال والهجوم على مكتسبات الطبقة العاملة العراقية ووضع الملايين من البشر كليا تحت رحمة البنوك والشركات والمؤسسات الرأسمالية العالمية وبحجة تحفيز وتنشيط الاقتصاد وخلق فرص عمل وغيرها. وضع ممثلو النقابات العمالية من جهتهم ملاحظات هامشية ( حتى لا يمكن القول عنها اصلاحية ) تتعلق باجراء اصلاحات في المؤسسات الحكومية و”اعتراف“ الحكومة بالعمال (الغاء قانون صدام حسين المسمى تحويل العمال الى موظفين) وايجاد قانون عمل وحماية ”المسرحين“ (يقصدون العمال العاطلين والمطرودين) في حالة الخصخصة وايضا طلبوا معالجة الفساد الاداري.!! (انظر نص بيان اتحاد المجالس والنقابات العمالية الصادر حول ذلك الاجتماع).  وقد تميز موقف اتحاد المجالس والنقابات العمالية برفض السير في خطى الاتحادات والنقابات العمالية بل وانتقاد موقفها المتراجع ازاء هذه المؤسسة الاستغلالية وتسليمها لفكرة دخول البنك الدولي الى العراق وبدء تنفيذ شروطه الدنيئة ضد جماهير العمال والكادحين والمحرومين والتي ستؤدي الى افقار الفقراء واغناء الاغنياء والى تدمير ما تبقى من مكتسبات ضئيلة للطبقة العاملة ناضلت اجيال من العمال  والعاملات في العراق من اجلها واهرقت الدماء وفنى المئات في السجون من اجل تحقيقها كالضمانات الاجتماعية وتقليص ساعات العمل والسلامة المهنية والتقاعد والاستشفاء  والاجازات والاجور وحقوق التنظيم والتظاهر وغيرها. وقد اصدر فلاح علوان رئيس اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق بهذه المناسبة بيانا وضح فيه اسباب رفض التعامل مع البنك الدولي وكشف النقاط الواردة في سلسة شروطهم المتعلقة بمنح القروض بانها محاولة خبيثة لفرض الفقر والحرمان والمجاعة على الجماهير.

 

ان البنك الدولي هو مؤسسة اخطبوطية للرأسمال العالمي. انه احد اهم اذرع الرأسمالية التي تمص رحيق عمل المليارات من العمال في الدول النامية وتتحالف مع الطبقة البرجوازية في تلك الدول ضد عمالها تحالفا قذرا. ان البنك الدولي ولانه يمتلك الارصدة المالية ويعطي القروض والمنح للدول ( لنتذكر ان الدولة هي الممثل السياسي والقمعي للطبقة البرجوازية )، فانه يضع شروطا تخدم اهداف الطبقة البرجوازية المتشابكة في كل انحاء العالم.

 

وهنا تجدر ملاحظة التالي:

 

1)  البنك الدولي في فرضه الشروط على الدول والاتحادات العمالية فانما يسعى بالاساس ودون الدخول في تفاصيل الى انهاء سيطرة الدولة  بانتهاج سياسة الخصخصة ( اي بيع المؤسسات والشركات الحكومية الى شركات ”خاصة“ privatization ).  ان تلك السياسة هي سياسة اقتصادية تعتمد على اليات السوق او ما يسمى بالسوق الحرة ( رفع القيود ).

 

2) الا ان ما يجري الان في امريكا نفسها وفي عموم دول اوربا والصين وروسيا يسير في طريق اخر كليا.  فتلك الدول تعاني من ازمة خانقة سببها بالظبط اتباع سياسة السوق الحرة. امريكا نفسها تعاني من اكبر ازمة اقتصادية في تاريخها الحديث منذ الكساد العظيم في الثلاثينات من القرن الماضي، سببها سياسات اليمين والبنوك والشركات المستندة الى مبادئ ملتن فريدمان ومدرسة شيكاغو (نظرية التقطير نحو الاسفل Trickle Down theory). ان الاوضاع متوترة في امريكا لدرجة ان كلية الحرب قد اصدرت تحذريا الى الجيش الامريكي باحتمالات حدوث تمردات جماهيرية نتيجة الاوضاع الاقتصادية والغضب الشعبي وبالتالي ضرورة ان على في درجة عالية من الجهوزية لقمع التمرد المحتمل للجماهير الغاضبة .

 

يمكن الاطلاع على ذلك التحدذير في الرابط التالي  http://phoenix.bizjournals.com/phoenix/stories/2008/12/15/daily34.html

 

3) ان سياسات السوق الحرة التي تشكل العمود الفقري لمؤسسات لصوصية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد باءت بالفشل وبالتالي فان الصراخ يتعالي من قبل الاقتصاديين الرأسماليين بل وجورج بوش نفسه بضرورة تدخل الدولة لانقاذ الشركات والبنوك ( مستشار الدولة السابق في الحكومة الامريكية نورييل روبيني يقول ان ما يجري في الولايات المتحدة هو ”اكبر عملية تأميم عرفها التاريخ“ تعليقا على ما قامت به الحكومة الامريكية من الاستيلاء على شركتي (فاني مي) و(فريدي ماك) بمليارات الدولارات!).

 

4) هكذا اذن : سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وكل المؤسسات في امريكا تواجه اللعنات من قبل الاقتصاديين والرأسماليين في كل انحاء العالم وتشكل عمليات التأميم الحل الوحيد المتاح ( التأميم هنا معاكس تماما للخصخصة اي استيلاء الدولة على تلك المؤسسات بشراءها ) وفرض القوانين والتشريعات المقيدة للسوق. لقد ظهر اقتصاديون فجأة ليطالبوا حتى بالغاء اتفاقية التجارة الحرة لامريكا الشمالية (كندا وامريكا والمكسيك) NAFTA  واستبدالها بسيطرة الحكومة على انتقال الرساميل.

 

 5) الدولة في امريكا تحاول العودة للعب الدور الذي حذر منه ملتن فريدمان في الثمانينات والتسعينات ( ودافع عنه كينز بعد الحرب العالمية الاولى) لتتدخل في حركة رأس المال وتنظيم عشوائية السوق ( ليس معنى ذلك ان تدخل الدولة يعني نجاحه في وقف الازمة فالتخبط في اوجه). الا ان النقطة المثيرة للاهتمام ناشئة عن هذا التناقض: في الوقت الذي يحاول اقتصاديو الرأسمالية ارجاع دور الدولة في امريكا ، يأتي ممثلو البنك الدولي الى العراق او الاردن او اليمن او مصر او افغانستان ويجتمعوا مع عمال تلك الدول ورأسمالييه ولكن ليقولوا ماذا ؟! ليقولوا ان الحل الوحيد المتاح امامكم (لاعادة بناء بلدكم الذي دمرته حكومتنا !!) هو القبول بشروطنا في خصخصة الاقتصاد وبيع كل ممتلكات الدولة وتسليمها الى الشركات الخاصة. اي نحن ننصحكم باتباع سياساتنا الفاشلة والكارثية في امريكا بالذات.! انها الحل الوحيد المتاح لديكم !!

 السياسة الحقيرة التي ادت الى افقار وحرمان وتجويع الملايين من البشر في امريكا يريدون تطبيقها على الملايين من العمال في العراق! هؤلاء لا يخجلون. فسياساتهم الكارثية والمدمرة لحياة ملايين البشر واغراقهم في البؤس والفاقة يتردد صداها في كل مكان بينما المدراء التنفيذيون اصحاب المعاشات التي تصل الى ربع ونصف مليون دولار سنويا يتحدثون عن نعم ومزايا السوق الحرة وضرورتها لانهاض اقتصاد البلد.

 

4) ال جستن لين، رئيس الخبراء الاقتصاديين والنائب الأول لرئيس البنك الدولي لشؤون اقتصاديات التنمية يقول ما معناه ان المليارات من البشر واجهوا في الازمة الاقتصادية الحالية صدمتين احدهما الارتفاع في اسعار المواد الغذائية والوقود والازمة المالية وهو بالتالي يحذر من “ تزايد معدلات البطالة في مختلف أنحاء العالم. ”.  انتبهوا لمنصب هذا الشخص، انه النائب الاول لرئيس البنك الدولي. ان عبارته السابقة تقول التالي: الازمة الاقتصادية الحالية التي اجتاحت العالم نتيجة سياسات السوق الحرة ( نظريات ملتن فريدمان ومدرسة شيكاغو اليمينية ) وانهاء دور الدولة كليا واطلاق اليات السوق للتحكم في كل شئ أدت ( فعليا حسب اعترافه ) الى تزايد معدلات البطالة في مختلف انحاء العالم والى الانهيار..... والسؤال هنا: لم يريد اذن ان يجر عمال العراق وكادحيه الى تتبع نفس مسارات تلك السياسات المنهارة والتي ادت الى خسارة الملايين من البشر لاعمالهم وبيوتهم ومدخراتهم؟!.  يريد آل جستن لين للبنك الدولي ولصندوق النقد الدولي ان يعبدان لعمال العراق نفس الطريق الذي عبدوه لجماهير امريكا وعمالها !. اي سياسة رأسمالية مبنية على الخداع والدناءة من اجل استغلال جهد وعرق وانسانية ملايين من العمال في العراق.

 

ان ممثلي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها ليسوا خبراء في الاقتصاد بل خبراء في الكذب والخداع والنهب. عمال وكادحو امريكا نفسها يأنون وعلى وشك الثورة من سياساتهم الاقتصادية ومن السوق الحرة والخصخصة التي روجوا لها في عهد ريغان وجورج بوش الاب والابن وادت الى كارثة عالمية ولكن خبراء البنك الدولي يأتون لعمال العراق ويطلبون منهم بكل وقاحة وصلف الرأسمالي: ”طبقوا سياسات السوق الحرة، طبقوا الخصخصة، اطردوا العمال، الغوا المكتسبات: وتلكم شروطنا.!!