لِمَ يدافع أسقف عن تطبيق الشريعة في بريطانيا ؟!

 

عصام شكــــري

ishukri@gmail.com

 

يجد الاسلام السياسي حلفاء جدد له في اوربا.  انها قوى الكنيسة ورجال الدين الرجعيين. احد اكثر هؤلاء حداثة واهمية هو روان وليامز اسقف كانتربيري. لقد دافع هذا الاسقف عن مطالب الاسلاميين بتطبيق الشريعة في بريطانيا جنبا الى جنب قانون الاحوال الشخصية المدني المطبق هناك.  لم يحاول رجال الكنيسة ، في بريطانيا وغيرها من دول الغرب، الدفاع عن تطبيق الشريعة؟ ومالهدف الحقيقي وراء مساندة رجال الدين المسيحيين للاسلام السياسي ومحاولتهم دفع مطالبهم للتحقيق؟ هل هي فعلا حماسهم لتحقيق الحريات الدينية ام لاهداف اخرى؟.

 

مطلب الاسلاميين في تطبيق الشريعة يتم في المجتمعات التي يسيطرون فيها على الدولة ( السلطة السياسية ) كيران والسعودية والعراق وافغانستان والباكستان واندونيسيا ونيجيريا وغزة ، او في الدول التي يكونون فيها جزءا من النظام السياسي كمعارضة كما في معظم دول الشرق الاوسط والعالم العربي و"الاسلامي" باستخدام وسائل الارهاب والتخويف والقمع الواسع. انهم يقومون ببساطة بالسيطرة على السلطة واستخدام الجيش والبوليس وقوى الامن من اجل ارهاب المواطنين وخاصة النساء وفرض كل القوانين الاسلامية على المجتمع.

 

الا ان وضع الاسلاميين في الدول الاوربية والامريكية مختلف كلياً. فتلك القوى لا تمتلك اي نفوذا او سلطة داخل تلك المجتمعات من جهة ، ومن جهة اخرى فان القوانين العلمانية الصارمة لتلك الدول لا تتيح لهم المجال واسعا لممارسة الارهاب والتخويف والاكراه على المعايير والقوانين الاسلامية. وبالتالي، فان الاسلاميين يلجأون الى نفس اليات وميكانزمات المجتمعات الغربية، من خلال الدعاية والتحريض والجوامع واخيرا التحالفات والصفقات مع القوى الرجعية والدينية داخل المجتمعات الاوربية. فقوى الاسلام السياسي وخاصة تلك في بريطانيا وفرنسا والسويد والدنمارك وهولندا وكندا، تحاول ترسيخ موقعيتهم السياسية من خلال فرض قوانين تمنحهم الحق في تطبيق الشريعة الاسلامية على الجاليات القادمة من بلدانهم.  في الدول التي يسيطرون فيها على السلطة فان الاقناع ومحاولة التحالف والدبلوماسية واللجوء الى القوانين غائبة كليا. كل ما يحتاجه الاسلاميون هنا هو نصب اعمدة المشانق وحمل السيوف والتلويح بها داخل المجتمعات الخاضعة—اي استخدام الارهاب السافر. اما في الدول العلمانية وخاصة الاوربية فانهم يقومون بالتسلل عبر التحالف مع قوى دينية محلية.  ان محاولات روان وليامز رئيس اساقفة كانتربري في تبني قضية الشريعة الاسلامية في بريطانيا تدخل في هذا المضمار.

 

وقد سبق ان حاول الاسلاميون في كندا تجربة حظهم في استغلال قانون "التعددية الثقافية" الذي يمتلك في ولاية اونتاريو الكندية (وزيرا)، الا ان محاولاتهم جوبهت باعتراضات قوية وشديدة من قبل القوى اليسارية والاشتراكية والعلمانية حيث كان الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي احدها وتم قبر تلك المحاولات واتخذ القرار برفض اقامة محكمة الشريعة الاسلامية من قبل رئيس وزراء اونتاريو الليبرالي ماكنتي. جدير بالذكر ان القوى البرجوازية الكندية المدعية باليسارية كالحزب الديمقراطي الجديد NDP لم يخالف تلك المحاولات قط،  بل على العكس، كان هو نفسه متورطا حتى اذنيه في عقد الصفقات مع الاسلاميين في محاولة لحصد اصوات ”الجالية المسلمة“ في الانتخابات. وبالرغم من كل ذلك فان الانجاز المهم قد تحقق وهو هزيمة قوى الاسلام السياسي وانتصار القوى المساواتية ودحرها لقانون الشريعة الرجعي المعادي للعمال والنساء والذي كانوا يبغون منه امتلاك قدرة على احداث تغييرات سياسية في تلك الدولة من خلال القانون والتشريعات القضائية والسيطرة على ما يسمى الجاليات المسلمة.

 

في نفس الاطار، تدخل محاولات روان وليامز الترويج لتطبيق الشريعة الاسلامية يهدف الى منح الاسلاميين نفوذا سياسيا اعلى وصلاحيات اوسع. ولكنه بطبيعة الحال يحاول الكذب بالادعاء بان المطالبة بالشريعة الاسلامية في بريطانيا تدخل في باب ممارسة حق حرية الاديان Freedom of Religion للمسلمين. ان روان وليامز يحاول ان يستثمر القوانين العلمانية التي يحاربها هو  نفسه من اجل رفع النفوذ السياسي لحركة الاسلام السياسي داخل بريطانيا. الاسقف روان وليامز يقوم من اجل ذلك بحملة دعائية ركائزها تقوم على التالي:

 

· الادعاء بان البشر الذي يعيش تحت سلطة الاسلام السياسي (في الدول العلمانية) هم مسلمون او جالية مسلمة. انه ( كما رفاقه الاسلاميين ) يعرف  البشر الخاضعين لسلطة الاسلاميين تعريفا دينيا. ولكي يصل الى ما يبغيه، فانه يقول ، ولانهم مسلمون ، فهم يودون تطبيق الشريعة الاسلامية عليهم!!.  انه ذلك كذب وتزوير. فمجاميع البشر الهاربة من جحيم الاسلام السياسي وعصاباته وميليشياته وملاليه في افغانستان والعراق والسعودية وايران والباكستان ومصر وملايين النساء المظطهدات واللواتي يعاملن كالعبيد هناط ، هم "مسلمون" يتحرقون شوقا لتطبيق الشريعة الاسلامية عليهم !!.

· ولكن كلامه لحد الان ليس هراءا خالصا. فهو يريد ان يصل الى نتيجة في رأسه. انه يحاول احداث خلط متعمد بين كلمتي الاسلاميين والمسلمين (ليس بالكلمات بل بمفاهيم تلك الكلمات)؛ بين القوى السياسية التي تريد فرض الشريعة الاسلامية من اجل الوصول الى السلطة السياسية (ألاسلاميين) وبين البشر الذي يعيش تحت رحمة وارهاب وبطش الاسلاميين (يسميهم مسلمين). يخلط بين هذين المفهومين لكي يقول "الناس" تريد تطبيق الشريعة ولا يوجد في الامر أي استبداد او استلاب لارادة هؤلاء. انهم اصلا ”مسلمون“.

· ليصل بعدها الى استنتاج نهائي مطابق كليا لمايريده اصدقاءه الاسلاميين اي ان الشريعة وتطبيق القوانين الاسلامية على الجماهير الخاضعة لارهاب الاسلاميين هي تجسيد او تفعيلٌ لحق من حقوق الانسان كما نصت عليه الدساتير العلمانية -   اي حق حرية الاديان. انه حتى يعتبر ان ذلك حقا من حقوق الانسان ويدافع عن كون ان الشريعة ستنصف المرأة
”المسلمة“ في بريطانيا . فهي بنظره ستجد نفسها في وضع يتزوج فيه عليها زوجها بالسر (فالقانون العلماني البريطاني لا يقبل بالزواج المتعدد) وبالتالي فانها ستعيش مهظومة الحقوق كزوجة ثانية او ثالثة او رابعة ( ودائما بالسر )  مما يفسح المجال لاظطهاد النساء!!. انه لا ينتقد تحقير الاسلاميين للنساء من خلال الزواج باثنين او ثلاثة او اربعة ولكنه ينتقد واقع ان القانون الرجعي الذي يرسخ تلك الممارسة الحقيرة لا يسري في البلاد. انه يقترح تأبيد خضوعها وعبوديتها للرجل من خلال التسريع بسن قانون يخلد الحالة ويشرع دونيتها قانونيا. اي رجعية وانحطاط!!.

ان روان وليامز في كل تلك الحجج يكشف عن رجعيته السافرة. ان الاسلاميين او قوى الاسلام السياسي قوى سياسية واقعية لانها مادية.  اما من يسميهم بــ المسلمين او ”المجتمع المسلم“ فهو وهم لا وجود له الا في مخيلة وليامز ورفاقه الاسلاميين. لماذا؟ لان الناس لا يمتلكون تعريفات متعددة بل تعريفا واحدا مشتركا هو التعريف الانساني. لا يمكن بالتالي تعريف الكائن البشري دينيا دون سلبه لانسانيته او اسقاط تعريفه الانساني واحلال اخر تمييزي محله. المجتمع هو الشرط الاساسي لاكتساب الكائن البشري لانسانيته. فلا الدين ولا الطائفة ولا العشيرة او المذهب او اللون او الجنس او العرق بقادر على تحقيق انسانية البشر. ان المجتمع البشري اصبح بكامله اليوم مجتمعا واحدا قائما على العلاقات الرأسمالية في الانتاج . ان من حق البشر في كل مكان ان يتمتع ويطالب باقصى الحقوق الموجودة في مجتمع اخر رسم عنوة بحدود قومية او دينية. ان مطالب انسانية عامة وعالمية كحقوق المرأة والمساواة بالرجل وحقوق الشباب والعمال هي بلا شك حقوق عالمية للانسان في كل مكان. ان الاسلاميين يعارضون ذلك بشدة بحجة الخصوصية الثقافية والدين والاخلاق والعادات والتقاليد وغير ذلك من الترهات. لذا تراهم لا يستطيعون تحمل فكرة المجتمع الانساني القائم على المساواة.

 

ان الانتماء الديني ( وغيره ) سمة تفرض قسراً على الناس من قبل القوى الحاكمة.  يولد الانسان وينمو وينتج (ضمن اطر معينة) ويقاوم الظروف ويتطور على الصعيد الشخصي والعام داخل المجتمع،  وبالتالي فان سمته الاصلية الوحيدة ككائن بشري هي السمة الاجتماعية والتي لولاها لما كان انسانا ولظل كائنا متوحشا بدائيا. ان السمة الواقعية الوحيدة للانسان هي الاجتماعية.وكل سمة اخرى غير اجتماعية ( اخلاقية او فكرية او ايديولوجية ) هي تزييف تفرضه القوى الطبقية داخل المجتمع لسلبه انسانيته واجتماعيته. وفي المجتمع الرأسمالي المعاصر فان البرجوازيين هم الذين يقومون بسلب  الهوية الانسانية للبشر لا من خلال الاستغلال الاقتصادي للمنتجين فحسب ، بل وايضا من خلال فرض الدونية الاجتماعية على طبقات وشرائح باكملها و ابراز تلك الايديولوجيات والافكار والاديان التي تجعل من تحقير ودونية الانسان دستورا دائما للبلاد. ولزيادة الطين بلة، فان الطبقات المالكة تقوم ببث هذه الافكار وجعلها مقدسة لتكون بالتالية ابدية وعابرة للتأريخ. ان ما نراه اليوم من التعريف الديني والقومي—الوطني هو اقرب ما يكون الى المفهوم المزيف وغير الاجتماعي للانسان.

 

ان التعريف الديني للانسان (مهما شاع استعماله ) هو تعريف محقر للانسان، لانه  يجعل منه، ودون ارادته، عبداً ذليلا وتابعا لمخلوق خرافي لاوجود له. ويصور الامر على ان لهذا المخلوق الفنتازي حماة وممثلين ومديري شؤونه من ملالي ورجال دين وشيوخ. انهم الناطقين الرسميين بالارادة الالهية ومن حقهم فقط ان يقرروا كل شئ في المجتمع. انهم يدعون امتلاك الحقيقة الابدية. لقد وجد الاسلاميون ومجالسهم الدينية الرجعية في بريطانيا من روان وليامز صوتا قويا ونصيرا لاهدافهم المعادية للانسانية .

 

و بعد ان يفرغ روان وليامز من محاولته نزع السمة الانسانية عن الملايين من البشر الذين يعيشون تحت سلطة الاسلاميين في بريطانيا واوربا، فهو يتوصل الى استنتاجه الاساسي وهو ان تطبيق الشريعة الاسلامية ممارسة لــ"حق" الحرية الدينية للمسلمين. ولكنه يستعمل بالتحديد قانونا لم ليكن موجودا اصلا لولا وجود العلمانية وفصل الدين عن الدولة الا وهو حق حرية الدين ، لا من  اجل ترسيخ حرية ومساواة المواطنين في المجتمع البريطاني، بل من من اجل ترسيخ النفوذ السياسي لقوى الدين نفسها !!. انه يغطي ذلك بحقوق الانسان!!. الحقيقة ان روان وليامز لايأبه بحقوق المرأة او حريتها او رفع الدونية وتحريرها من العبودية فهي بنظره تستحق حقوقا اقل من المرأة البريطانية لانها ”مســلمة“!!. ولكن الم نقل ان وليامز يعتقد بان المسلمين متشوقين لتطبيق الشريعة؟!

 

قال وليامز كل شئ في سبيل الدفاع عن تطبيق الشريعة ولكنه نسي القول انه يحاول ان يدفع باصدقاءه الاسلاميين الى الوصول الى السلطة السياسية بالطريق الوحيد المتاح لهم في الدول الاوربية ذات الانظمة العلمانية - اي طريق التعبئة والتحريض لتغيير القوانين والتشريعات. ومن الطبيعي ان يحاول هذا الكاهن فك ارتباط الموضوع بالسياسة لان ذلك سيجعله متواطئا بشكل سافر لايصال حركة بربرية وكارهة للنساء الى السلطة السياسية، ولكن ايضا لانه يعرف ان خطواته تلك ستجابه باشد ما يمكن من قبل الحركة العلمانية والراديكالية البريطانية.

الحركة العلمانية البريطانية بدورها لم تتأخر في تلقيم وليامز ردها المفحم تماما كما القمت الاسلاميين في كندا، بما يجب !