حول الانتخابات

بدائل القوى الاشتراكية

 

  عصام شكري

antisanctions@yahoo.com

 

 النظر الى الانتخابات من خلال الواقع الدامي الذي يعيشه المجتمع في العراق اليوم - اي السيناريو الاسود الذي خلقته امريكا وحلفاءها من البرجوازية العراقية في العراق خلال ال 20 شهراً الماضية، يرينا مكانتها وموقعها الحقيقيين لا ضمن الحركة السياسية التي تجري في العراق اليوم فحسب بل دورها ومكانتها ايضا في دعم مسارات تلك الحركة. ان النظر الى الانتخابات  من خلال اعتبار الواقع الراهن مرتكزاً ومنطلقا لتحليلنا يجعل ادراك مسارات حركة القوى البرجوازية السوداء في العراق واضحاً.  فقط من خلال فهم قانون حركة او تطور الاوضاع هذا بأمكاننا كأشتراكيين وكعمال وكثوريين ان نقدم ما ينفي هذا الواقع وينقضه – اي بدائلنا لتحقيق الانفراج السياسي وتطبيع الاوضاع وتغيير مسار حركة المجتمع وانقاذه من البربرية الرأسمالية.

ان أمريكا ومعها القوى القومية والاسلامية على تنوعها والقوى الموالية لها في الحكم والتي تشكل جميعها تجليات مختلفة لحركة الرأسمالية في العراق تطرح اليوم الانتخابات كحل للازمة في العراق من منظور خادع. هذا المنظور يهدف الى تزييف الواقع وبالتالي فتح المجال امام مسارات حركة تلك القوى السوداء المعادية لمصالح الجماهير في العراق وجعلها تصطدم بأقل ما يمكن من الاعتراضات لاتمام مسلسل المجازر وحمامات الدم التي تقوم بها في العراق.

 

بربرية البرجوازية في العراق

ان السيناريو الاسود هو البديل الذي وفرته امريكا للملايين من جماهير العراق. انعدام الأمان والقصف الوحشي وحصد ارواح الابرياء وعدم الاستقرار وانحلال اليات المجتمع المدني وانعدام الحقوق الاساسية وسطوة الخوف وعمليات التفجير والخطف وقطع الرؤوس والاعتداءات السافرة على حرمة الانسان و قمع النساء والتعسف والاجرام. كل ذلك يتم في العراق بنفس الوقت يراد للانتخابات ان تكون ترياق نفس قوى ذلك السيناريو لحل الازمة.!! يخطط لاجراء الانتخابات بينما الالاف من الناس يقتلون بمجازر وحشية مروعة من قبل أمريكا وقوى الاسلام السياسي، اين منها مجازر صدام حسين. لقد ذبحت البرجوازية منذ بدء الحرب على الجماهير في العراق قرابة المائة الف انسان اي بمعدل 5 الاف انسان شهرياً!!.  وفي غضون اسبوع واحد ذبحت القوات الامريكية 6 الاف انسان معدم في مدينة الفلوجة. وبينما دماء هؤلاء طرية لم تجف،  لاترى المجاميع والزمر الرجعية الدنيئة المؤتلفة في الحكومة العراقية اليمينية الموالية لامريكا والتي لا تحمل قطرة من ضمير او حياء، ضيراً من التاكيد على ان الانتخابات ستجري في موعدها المحدد في 30 من شهر كانون الثاني المقبل. ان هذه البربرية وموت الضمير لا حدود لهما عند هذه القوى التي تخطط لاستلام مقدرات المجتمع. 

 

الانتخابات ليست نفياً للسيناريو الاسود

 ان مناهضتنا كقوى اشتراكية وثورية لموقف القوى السوداء من الانتخابات يتجسد في معارضة اجرائها في ظل هذه الظروف الدموية لاعتبارين. فمن جهة، ولكون الانتخابات تجري ضمن ظروف السيناريو الاسود فهي لن تمثل في مغزاها السياسي الا اعادة انتاج  لذلك السيناريو وبنفس قواه الوحشية. وعلى هذا الاعتبار فانها تمثل حلقة مهمة من حلقات المسار الامريكي لاحكام وترسيخ بدائله الدموية في العراق.  ومن جهة اخرى، انها ونتيجة لهيمنة قوى السيناريو الاسود تلك تفتقر بشكلها الحالي الى اهم مرتكزات العملية الانتخابية المدنية اي العلمانية؛ بمعنى اتخاذ معيار المواطنة في العملية الانتخابية وليس المعيار المذهبي او الطائفي او الاثني.

ان الظرف الامني والمعيشي والسياسي غير طبيعي تماما اليوم في العراق وغير ملائم البتة لاجراء استفتاء عام فما بالك بانتخابات. ان نفس ممثلي قوى السيناريو الاسود نفسه يتحدثون عن عدم توفر الامان لاجراء انتخابات رغم ان غرضهم هو الدفاع عن رغبتهم بتأجيل الانتخابات دون تغيير يذكر على امل نسيان الجماهير لحمامات الدم الامريكية والتي ستتعارض حتماً مع "شعبيتهم" الانتخابية القائمة على المذهبية والطائفية!. وعلى هذا الاعتبار، فان اصرار بوش ونكروبونتي وعلاوي وبرهم صالح وغيرهم من ساسة اليمين على الانتخابات يهدف الى تثبيت المسار الامريكي الحاسم واستحكام موضعة قواه الرجعية في الواقع السياسي العراقي من جهة وعلى سياسة المطرقة الوحشية واراقة المزيد من دماء الالاف من الناس، من جهة اخرى.

 

الانتخابات طائفية - غير علمانية

ان الانتخابات المقترحة وحتى لو استئنينا ظروف اجراءها، هي انتخابات لا تتمتع بالحدود الدنيا للمصداقية المدنية حتى بالنسبة للانتخابات الامريكية!!. انها انتخابات مذهبية وطائفية واثنية تهدف الى تكريس حالة التطاحن بين الجماهير. انها تفتقر الى الاساس العلماني اي مبدأ المواطنة. ان ذلك بالطبع ليس ناجما عن سهو او قصور قانوني او حقوقي بل لان ذلك هو تحديدا جزء من المنهج السياسي للقوى الرأسمالية السوداء. ان الناس يعاملون اليوم من خلال اجهزة تلك القوى واحدها " المفوضية العليا المستقلة للانتخابات" وخلافا حتى للمقاييس الامريكية على انهم كتل من "الكيانات" الطائفية والقومية والمذهبية والدينية والعشائرية وليس على اساس مواطنيتهم. ان الانسان في هذا المجتمع يعامل على انه انسان منتمٍ، شاء ذلك ام أبى، الى كيان ديني او مذهبي او عشائري لا على اساس كونه عضو في مجتمع مدني يتمتع بحق المواطنة المتساوية المعاصر. ان المواطنين في العراق فاقدين لمواطنيتهم في ظل السيناريو الاسود وبطبيعة الحال في اية انتخابات تجريها نفس تلك القوى.

يتم اعادة انتاج السيناريو الاسود من خلال برلمان "منتخب" مكون من طوائف واديان وكيانات متحاربة ومتنازعة المصالح قد يصل الامر بها الى اية لحظة الى اللجوء الى الاقتتال الطائفي الدموي، حتى لو القيت المئآت من عبارات التعددية والموزاييك والتنوع الثقافي والاثني والاخوة وبناء عراق المستقبل وغيرها من الترهات والاكاذيب التي تحاول البجوازية خداع الناس بها. لقد صم الساسة الامريكان اسماع الجماهير في كوسوفو ويوغوسلافيا وغيرها من الدول المبتلاة بـ"الديمقراطية" الامريكية بهذه الخرافات والتي سرعان ما انكشفت حقيقتها. ان ذلك سيجعل المجتمع في العراق يعيش على فوهة بركان التطاحن الاثني-الديني حارقا معه في اية لحظة الملايين من العمال والكادحين. ذلك سيقضي على اية امكانية لعلمانية المجتمع ويحول حقوق الناس الى حقوق "نسبية". سيؤسس لمجتمع لا يقوم على الثقافة الانسانية العالمية بل على اسس الثقافة النسبية. حينها يصبح امتهان كرامة الانسان واحتقاره "نسبية ثقافية" خاضعة للطائفة او المذهب او الكيان القومي. ذلك يضع حجر الاساس لامتهان حقوق الملايين من النساء وما يسمى "الاقليات الاثنية والدينية" ويرسم بين الجماهير خطوط احقاد قومية ودينية محتقنة. ان هذه المرامي معادية للعمال ولكل الجماهير المتطلعة للحرية والمساواة في العراق.

ان معظم الاحزاب السياسية القائمة في العراق اليوم هي احزاب طائفية ومذهبية وقومية حتى لو صار عددها بالمئآت. ذلك يشمل كل احزاب البرجوازية في العراق من احزاب الاسلام السياسي الى احزاب الطوائف الدينية والقوميات المختلفة من عربية وكردية وتركمانية. تلك الاحزاب تود دمغ الملايين من العمال والكادحين والنساء بهذه التعريفات الرجعية لجعلها وقودا لها في منازلتها الرجعية المقبلة. ان الكثير من الاحزاب الاسلامية الحالية ليست مناهضة لعلمانية الانتخابات فحسب بل مناهضة وبشكل صارخ لابسط سمات الحداثة السياسية مثل مبدأ المساواة بين المواطنين وهي في صلب مبدأ المواطنة. ان تلك الاحزاب مازالت تعتبر المرأة كائن دوني اقل من الرجل. وهاهي اليوم تجاهر القول وبكل وقاحة بالحديث عن النزاهة والحرية والمساواة الخ من مبادئ الانتخابات المدنية!!. ان تلك الخصائص تشمل ايضا كماً هائلاً من القوى العشائرية المتعفنة والتي كانت الى وقت قريب حليف مخلص لصدام حسين.

القانون الانتخابي للولايات المتحدة لا يسمح بترشيح المواطنين الامريكيين على اساس كاثوليكيتهم او بروتستانتيتهم او اسلامهم او يهوديتهم او بوذيتهم بل مواطنيتهم. فلا يتم تطبيق نفس قوانين الدولة المحتلة (أمريكا) على البلد المحتل (العراق)؟! لم لا يتم اعتماد القوانين الامريكية التي تعتمد مبدأ المواطنة المتساوية؟ هل لان المواطنين في العراق اقل تمدنا واكثر همجية؟!  وهل ينسجم ذلك مع ذبح جيش الولايات المتحدة لمئة الف انسان في العراق؟.

 

البديل المتاح

ان الانتخابات غير ممكنة عمليا ما دام السيناريو الاسود وقواه الرجعية قائماً. يجب انهاء السيناريو الاسود اذا ما اريد اولا ان تتم الانتخابات. انهاء السيناريو الاسود يعني تحديدا انهاء الاحتلال الامريكي او تحييده وشله عن التأثير على الانتخابات او التلاعب في الوضع السياسي والتأثير عليه بأي شكل من الاشكال. كما ان انهاء السيناريو الاسود يعني من جانب آخر نزع سلاح كل القوى السوداء والعصابات التي تنتمي لها وانهاء دورها في السيطرة على مقدرات المجتمع وخلق حالة الدمار والرعب فيه. ان ذلك بالطبع يتطلب وجود قوة محايدة لا تنتمي الى امريكا وبريطانيا تحديدا ولا الى قوى السيناريو الاسود الاخرى المحلية ولم تشارك في جرائمها خلال ال20 شهرا الماضية. تلك الظروف يجب توافرها اذا ما اريد للانتخابات ان تخرج عن نطاق سيطرة القوى السوداء واهداف امريكا وان تكون معبرة عن تطلعات الملايين من جماهير العراق بل ان تسهم في انزال قوى الجماهير الى الميدان. ان ذلك يوفر الفرصة لكي تكون الانتخابات نفسها علمانية ومدنية، اي قائمة على اساس المواطنة.

 

استقدام قوة محايدة

ان التجسيد الواقعي لانهاء السيناريو الاسود حتى وان كان كمرحلة اولى يتم من خلال امكانية استقدام القوة المحايدة غير المشتركة في الحرب والجرائم ضد العراقيين من جهة وبالمباشرة بعلمنة الانتخابات فورا. من الممكن ان تكون تلك القوة مثلا هي قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة والتي بامكانها ان تحيد الوجود الامريكي او حتى تحل محله تماما وتنزع سلاح العصابات الاسلامية والقومية والعشائر وتحافظ على الامن وتحفظ علمانية الانتخابات وحريتها.  ذلك يشكل مدخلا مناسبا وبديلا لتطبيع الاوضاع والالتفاف على السيناريو الاسود وانهائه في العراق من خلال شل وتجميد قواه. اننا نضع الامم المتحدة المسؤول المباشر عن ايصال الاوضاع في العراق الى هذه الدرجة من الانحدار والدمار والبربرية امام مسؤولياتها ونقول انكم انتم المسؤولين عن هذا المآل وعليكم الاسراع باعتماد هذا البديل الوقعي والذي يحمي جماهير العراق كلها من منزلق خطير تعده الولايات المتحدة وقوى السيناريو الاسود من اسلاميين وقوميين وعشائريين. ان بامكان هكذا قوة ان تساهم في الاعداد للانتخابات من خلال توفير الاجواء السلمية؛ ابعاد النفوذ الامريكي، شل القوى والمليشيات القومية وعصابات الاسلام السياسي وتحييدها، انهاء الارهاب او الحد منه وتوفير مناخ انتخابي يتمتع بالعلمانية والسلم الاجتماعي .

وفي كل الاحوال فان نضالنا من اجل طرد قوى السيناريو الاسود من الساحة واحلال القوى الاجتماعية الاشتراكية والثورية واليسارية محلها يجب ان يحتل مكانة بارزة في منهجنا. ان ترك القوى المدمرة البربرية مستمرة في مشروعها سيشكل في كل الاحوال ليس عرقلة لاي انفراج سياسي يذكر في العراق فحسب بل ادامة لاطباق تلك القوى المجرمة على خناق الجماهير ولآجال طويلة قادمة.