فرنسا اعتراض المحرومين العنيف و"الحثالة" البرجوازية

 

 عصام شكــري

ishukri@gmail.com

 

تخالها لوهلة مشاهد من فلسطين او امريكا الجنوبية او افريقيا او العراق.

 

ولكنها فرنسا. لقد اعلن عن اجراءات طوارئ في اكثر من 38 مركز حضري ومدينة ومن ضمنها باريس. وصرح رئيس الوزراء دومينيك دوفلبان " بان العنف الذي نشهده...غير مقبول وغير معذور". ووعد بان الدولة سترد بشكل حازم وعادل وبان الاولوية هي لاسترجاع النظام العام. وانتشرت اعمال العنف الى اكثر من 300 مدينة صغيرة وكبيرة في كل انحاء فرنسا محطمة اكثر من 4700 سيارة ( لحد كتابة هذا المقال) وتم اعتقال اكثر من 1200 شخص منذ 27 تشرين الاول الماضي. نصف المعتقلين تقل اعمارهم عن 18 سنة.

 

بدأت اعمال العنف في منطقة كليشي- سو- ديبواه في شمال شرق باريس حين قتل شابان بالصعقة الكهربائية عندما كانا يحاولان الهرب من الشرطة في احد المحطات الكهربائية. وقد كانت هذه الحادثة الشرارة التي ولدت اعمال العنف الهائلة وسرت موجة من الحقد والتمرد بين شباب الضواحي المحرومين من التعليم والعمل والكرامة والمهمشين في مناطق حضرية تعاني من الاهمال والجرائم والحجر عن المجتمع و اغلبهم من اصول عربية او افريقية من الجيل الثاني والثالث. لقد زاد من غضب الجماهير المحرومة تصريحات وزير الداخلية الفرنسي اليميني العنصرية نيكولا ساركوزي الذي وصف المحتجين ب"حثالة المجتمع" او القمامة.

 

وفي رده على الاحداث المتسارعة قال رئيس الوزراء ان الدولة كانت ستعطي مصاريف اكبر الى المؤسسات المجتمعية لرفع مستوى الابينة السكنية وتحسين المناهج التعليمية بما يتناسب مع الضواحي بتوفير برامج العمل التدريبية من عمر 14 سنة لهؤلاء الذين يفشلون في الدراسة ومنح دراسية لاولئك الذين ينجحون.

 

ومن الملقت للنظر ان منظمات الاسلام السياسي الرجعية المسيطرة على تجمعات المواطنين المهاجرين في ضواحي المدن والتجمعات الحضرية الفقيرة والتي تسمم حياة الشباب والطلبة بالعنصرية الاسلامية المضادة وتزيد من عزلتهم  من خلال الادعاء بان لهم ثقافة اخرى وتقاليد وعادات مختلفة عن المجتمع الفرنسي وان عليهم عدم  الاختلاط بالمجتمع، قد وقفت في هذه الاحداث تحديدا الى جانب الدولة وادانت تلك الاعمال ووصفتها بانها "غير متمدنة" في اشارة مثيرة للسخرية الى " احتمالية " تمدن تلك الحركات الاسلامية المتخلفة.

 

ويرى العديد من المراقبين بان ما حدث هو اعنف اظطرابات تشهدها فرنسا منذ ثورة الطلاب العام 1986 وان ذلك يشير الى خلل في نموذج النظام المتبع في فرنسا والقائم على فكرة صهر الجاليات بدلا مما يسمى الحفاظ على الخصائص الثقافية للمهاجرين او ما يعرف بقانون النسبية الثقافية. الا ان الامر ليس كذلك. ان حرمان الجماهير المهاجرة والتمييز ضدها من جهة وابقاءها معزولة ومطوقة وخاضعة لارادة القوى الدينية الاسلامية المحلية من جهة اخرى اصبحت ظاهرة راسخة من ظواهر سياسة الحكومات البرجوازية الغربية وخاصة ضد جماهير العمال المهاجرة. ان البرجوازية الفرنسية اليوم وفي تجاذباتها مع قوى الاسلام السياسي داخل المجتمع الفرنسي تمارس سياسة عنصرية تؤدي الى عزل الملايين من الشباب من ابناء المهاجرين في كيتوات منفية ومعزولة ( تجمعات فقيرة معزولة ثقافيا واجتماعيا). وهي في هذا تتواطئ مع قوى الاسلام السياسي . تلك السياسة اليمنية الرجعية ليست سياسة خاطئة او غير موفقة بل هي في الاساس جوهر تعامل البرجوازية الغربية مع ظاهرة الاسلام السياسي في ظل النظام العالمي الجديد. تلك الظاهرة تشابه سياسة الدول الغربية ازاء الجماهير القاطنة في الدول المبتلاة بالاسلام. ان جوهر تلك السياسة هو  الاتكال على قوى الدين الرجعية واطلاق العنان لها لتقرر مصير الجماهير الخاضعة لسطوتها. انها سياسة تمييزية وذات معيار مزودج. انتهازية وغير انسانية.

الامر لا يتعلق بفشل النظام السائد في فرنسا ( كنظام ثقافي مطبق على المهاجرين) مقارنة بالانظمة الاخرى السائدة في الغرب. الامر يتعلق بالسياسة العميقة الجذور للحكومات الغربية والتي تعتمد على عزل تلك التجمعات وحصرها داخل حدود ثقافاتها المزعومة ( كبتوات بؤس اجتماعي وثقافي في نفس الوقت). ان الحرمان الاقتصادي والاجتماعي في فرنسا هو جزء من سياسة العزل تلك. ان فرق فرنسا عن بقية دول الغرب في هذا المجال تكمن في حدة العزل والحرمان وحدة تطبيق سياسة العزل الاجتماعي ghettoziation.

 

الامر سببه الحرمان. سبب الحرمان هو البرجوازية. اما العلمانية و المساواة القانونية بين المواطنين فليس له علاقة او مسؤولة عن تلك الظاهرة كما يحاول بعض اليمينيين من الطرفين الادعاء او الايحاء. فلو كانت هنالك علمانية مطبقة حقا في فرنسا لما تم عزل وتهميش هذه القطاعات الواسعة من البشر وتركت تعيش في اسوأ الظروف وتحت رحمة رجال الدين وشيوخ الجوامع والملالي وقوى الرجعية. ان سياسة البرجوازية الغربية ازاء المهاجرين ومنها البرجوازية الفرنسية والتيارات اليمينية الحاكمة والتي تدعى " النسبية الثقافية" ادت الى عزل الملايين من العمال المهاجرين العرب والافارقة في تجمعات حضرية مزرية وبائسة وتفتقر الى الشروط الانسانية من جهة ومعاملة الشرطة الفرنسية العنصرية غير الانسانية للشباب العاطل عن العمل قد ادى الى تلك الاحداث الناقمة والعنيفة.  ان العنف واحراق الممتلكات العامة هي نتائج للا انسانية النظام الرأسمالي ووحشيته ومعاداته للمساواة. انها رد فعل الجماهير العنيف على اللامساواة واللاعدالة والتمييز الرأسمالي.

 

اذا كان من نظام يجب مقاضاته ومحاسبته فهو النظام الرأسمالي الوحشي غير الانساني الذي يحرم الملايين من البشر ويحصرها في تجمعات منفية ومهملة ومليئة بالبؤس والبطالة وانعدام الفرص ومحاصرة بزعماء الاسلام السياسي بينما ينعم البرجوازيون بكل الخيرات التي يوفرها ويالسخرية نفس هؤلاء العمال وابناءهم وبناتهم من عملهم وكدحهم.

 

ان من يستحق كلمة الحثالة هم البرجوازيون المتنعمون والمترفون على حساب كدح وشقاء العمال سيئي الحظ والمحرومين من الاحساس بانسانيتهم والمظطرين يوميا الى عرض سلعتهم الوحيدة على البرجوازيين لكي يشتروها بالنقود –  قوة عملهم، جهدهم وانسانيتهم الجريحة.