الثورة الاجتماعية طريقنا إلى السلطة!

 

جليل شهباز

gelil@arcor.de

 

إن بوسع كل من تتبع تاريخ الثورات العمالية، أن يستنتج بأن الطبقة العاملة لم تبادر أبدا" إلى استخدام القوة والعنف للدفاع عن مطالبهم الاقتصادية وحقوقهم السياسية والاجتماعية، إلا بعد أن ترغمها البرجوازية على ذلك، أي عندما لا يبقى أمامهم أي خيار آخر غير القوة والعنف.  وبما أن صراع العمل ورأس المال يعتبر المحرك الرئيسي لحركة المجتمع وفي نفس الوقت يشكل مركزا" يتمحور حوله كل تناقضات النظام الاجتماعي البرجوازي، فإن طبيعة الصراع القائم بين البرجوازية والعمال يدور في الأصل حول ظاهرة استغلال العمل المأجور وفي هذا الأثناء فإن البرجوازية تسعى إلى استغلال قوة العمل البشري في العملية الانتاجية الى أقصى حدوده بغية تحقيق أعلى معدلات القيمة الزائدة، في حين إن مصلحة العمال تتطلب إلغاء ذلك الاستغلال ونسف كل ركائزه الاقتصادية والاجتماعية.  وعلى هذا الأساس فعندما يدور نضال الطبقة العاملة حول تخفيف شدة ذلك الاستغلال، وعلى الرغم من أهمية ذلك النضال بالنسبة للعمال، إلا أنه لا يحررهم من عبودية العمل المأجور. وبنفس المعنى فإن كل القوى والأحزاب السياسية من الذين يستغلون نضال الطبقة العاملة وفق ذلك المفهوم سيدورون بالضرورة في فلك البرجوازية وسيتحولون إلى أفضل خدم لها لأنهم بمثل هذه المساعي يحرفون نضال العمال عن مساره الثوري ويساهمون في مساعدة مختلف الاتجاهات والقوى والأحزاب السياسية داخل الطبقة العاملة وخارجها ليضموا تلك الطاقات الجبارة إلى قواها السياسية بغية تحقيق أهدافها وبرامجها السياسية. وبطبيعة الحال فإن الأحزاب الماركسية تسعى أيضاً لجعل الماركسية راية لنضال تلك الطبقة والتي تتميز بتوحيد نضال كل العمال وربط نضالهم الاقتصادي اليومي بنضالهم الثوري الذي يهدف إلى تحرير العمل بشكل نهائي وتام من عبودية العمل المأجور للنظام الرأسمالي ومن ثم لتحرر معهم كل المجتمع من مختلف أشكال الظلم الاجتماعي.

وبناء على ما تقدم نسأل، أي الطرق ينبغي أن يسلكها الحزب الماركسي للظفر بالسلطة السياسية وتحقيق الاشتراكية ؟  هل الطريق السلمي، وما يسمى بالعصيان المدني وفق الاصطلاح السياسي لليمين المعادي للشيوعية داخل الحركة الشيوعية العمالية وما يرافقها من تكتيك المساومة والتوافقات والإصلاحات والصفقات السياسية والتنازلات والانهزامية والذيلية!؟  أم طريق الثورة الاجتماعية التي ستحطم النظام الاجتماعي البرجوازي وتكنس كل بقايا وآثار ذلك النظام الفاسد وتنتزع بالقوة وبلا تردد السلطة السياسية من البرجوازية ومن ثم تؤسس على أنقاضها الجمهورية الاشتراكية والمجتمع الاشتراكي؟!.  بكل تأكيد ليس أمام الحزب الماركسي، إذا أراد أن يمثل فعلياً الحركة الاجتماعية للعامل وتطلعاتها التحررية، غير أن يسلك سبيل الثور الاجتماعية، وهذا لا يعني على الإطلاق نفي تكتيك النضال البرلماني بل، يجب أن نقر بأن النضال البرلماني ربما يصبح في ظل توازن معين للقوى السياسية والاجتماعية ضرورياً  لنضال الحزب الماركسي وربما يتعذر من دونها مواصلة المسيرة النضالية للعامل نحو الظفر بالسلطة السياسية وبهذه الصورة فإن بإمكان الحزب الماركسي أن يشارك في الانتخابات والبرلمانات والحكومات البرجوازية ولكن يجب أن لا ننسى إن ممارسة ذلك التكتيك السياسي يجب أن يتم في إطار استراتيجية الثورة الاجتماعية للعامل، أي عندما يهدف ذلك التكتيك إلى تحقيق أهداف سياسية محددة تساعد على تقوية النضال الطبقي للعامل وبالتالي تمهد الطريق أمام الحزب الماركسي لتنظيم وقيادة الثورة الاجتماعية للعامل حتى الانتصار النهائي. ولكن عندما يتحول مثل ذلك التكتيك إلى استراتيجية سياسية للحزب "الماركسي" ومحور رئيسي لنضاله، وهذا بالضبط ما يتطلع نحوه حالياً الجناح اليميني لكورش مدرسي داخل حركتنا الشيوعية العمالية بشقيها الإيراني والعراقي، فلا يمكن تصنيفه إلا في خانة خيانة الاشتراكية لأنه عندما يحذف الحزب الماركسي الثورة الاجتماعية من أجندته السياسية فأنه يتحول بشكل مطلق إلى ذيل للبرجوازية وإلى خادم ذليل للرأسمالية وكذلك لأن طرح الثورة الاجتماعية جانباً يعني تفريغ الحزب الماركسي من محتواه الطبقي وروحه الثورية وعلى أثره يصبح نضال الطبقة العاملة خاضعاً للتأثير السياسي لبقية القوى والحركات الاجتماعية من الذين يعادون الطبقة العاملة ويحققون أهدافهم وأمانيهم على حساب حرمان وبؤس وشقاء العمال ويصبح قادة مثل تلك الأحزاب بالضرورة خونة الاشتراكية.  إن الكاوتسكيين داخل الأممية الثانية والمناشفة داخل الحركة الاشتراكية الديمقراطية الروسية خير مثالين على مثل تلك السياسة الانتهازية والانهزامية وللأسف فإن التاريخ يعيد نفسه مرةً أخرى.! فإذا كانت تلك السياسة الانتهازية قد ظهرت في حينه على شكل مهزلة مضحكة فإن ظهورها حالياً ليس سوى مسخرة تافهة!! فهاهو كورش مدرسي ومن لف لفه يتبنون نفس التكتيك الانتهازي داخل حركتنا ويسبحون في نفس المستنقع ألآسن! أنهم ينادون المناضلين الشيوعيين  بتبني تكتيك العصيان المدني ويتطلعون لعقد الصفقات السياسية مع أحط القوى والأحزاب السياسية البرجوازية الموغلة في الرجعية ومعاداة الجماهير من أجل المشاركة في السلطة السياسية!!.

فهل من الممكن إلغاء العبودية المأجورة عندما يسلك الحزب الماركسي سبيل العصيان المدني للمشاركة في السلطة السياسية برفقة الأحزاب البرجوازية؟!!  ان ذلك غير ممكن على الإطلاق. إذا أراد الحزب الماركسي أن يظل أميناً لقضية الاشتراكية والمصالح العمومية والنهائية للطبقة العاملة، لأن الاضطهاد الطبقي للعمال وكل معانتهم وبؤسهم سوف لا ينتهي إلا بتحطيم النظام الاجتماعي البرجوازي وبالتالي إلغاء الملكية الخاصة الرأسمالية ونظام العمل المأجور وكل الفوارق الطبقية والاجتماعية داخل المجتمع.

وحتى لو فرضنا جدلاً صعود الحزب الماركسي إلى السلطة من خلال النضال السلمي والتوافقات السياسية والرقص على ألحان الموازنات السياسية داخل المجتمع، وهذا واقعيا غير ممكن في الظرف الراهن للعراق، فمن دون إلغاء كل الأسباب التي تستمد منها البرجوازية عوامل قوتها وإعادة إنتاج نفسها كالملكية الخاصة والعمل المأجور والنقد والبنوك والجيش والشرطة والسجون وجهاز البيروقراطية.. إلخ، والاستعاضة عنها بحكومة المجالس ( الاشتراكية ) والتي تجسد الإرادة الجماهيرية بشكل مباشر فمن دون كل ذلك فإن أية حكومة أو أي جهد نضالي يهدف (حتى) إلى مس أسس النظام الاجتماعي البرجوازي سوف يجهض فورا. ستكون البرجوازية وأجهزتها القمعية له بالمرصاد وينقضون عليه كالوحوش الكاسرة، لأن الغريزة الطبقية لدى البرجوازية عالية الحساسية لصد كل التطلعات والتوجهات الثورية داخل المجتمع. إن تجارب الثورات العمالية في منتصف القرن التاسع عشر في أوربا وحتى نهاية العقد الثالث من القرن العشرين يؤكد ذلك بكل وضوح. وبهذا فإن السعي لتحقيق الاشتراكية عبر استلام السلطة السياسية من البرجوازية سلمياً من خلال العصيان المدني والتوافقات السياسية ليس سوى ضحك على الذقون وتضليل كبير للعمال.

وعلى هذا الأساس عندما أعلن الاشتراكيون اليمينيون داخل الحزب الشيوعي العمالي العراقي تخليهم عن الثورة الاجتماعية وسلوكهم سبيل الإصلاحات والمساوامات ومغازلة البرجوازية بادر التيار المدافع عن اشتراكية ماركس والخط الثوري لمنصور حكمت داخل ذلك الحزب إلى تأسيس الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي لمواصلة المسيرة النضالية للشيوعية العمالية والسعي الجاد لتحضير وإعداد وتوعية كل القوى الثورية داخل المجتمع العراقي وارتقائها إلى مستوى مهمة خوض عملية الثورة الاجتماعية بغية انتزاع السلطة السياسية بالقوة من البرجوازية وتحطم النظام البرجوازي وقلع الرأسمالية من جذورها وضرب كل محاولة تبذلها البرجوازية لاستعادة ما فقدته بيد من فولاذ.

إننا نناشد كل العمال والكادحين والجماهير المحرومة وكل دعاة الحرية والمساواة والعلمانية والحداثة للالتفاف حول حزبنا الشيوعي العمالي اليساري العراقي لأن ثمة مسؤلية تاريخية عظيمة تقع على عاتقنا تتمثل بتنظيم وقيادة الثورة الاجتماعية للعامل ضد ذلك النظام الاجتماعي العفن من أجل تشكيل الجمهورية الاشتراكية التي تعتبر الضمانة الوحيدة لتحرير جماهير العراق من براثن السيناريو الأسود الأمريكي ومن مخالب المنظمات الإرهابية الإسلامية والقومية وبالتالي إقامة مجتمع مرفه ومزدهر وخالي من الاستغلال والفوارق الطبقية.