مقابلة مع رئيس تحرير نحو الاشتراكية

بمناسبة ذكرى ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى

 

 

نحو الاشتراكية:تحل على العالم الذكرى 94 لاندلاع ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا. ثورة اكتوبر احد المنعطفات الثورية التي غيرت وجه العالم. هل ممكن ان تعطي قراءنا نبذة مختصرة على تأريخ هذه الثورة. كيف قامت ومن هي القوة الرئيسية التي استطاعت الانتصار فيها ؟

 

جليل شهباز: في الحقيقة لم تندلع ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى نتيجة" لصدفة معينة أو كنتيجة لإرادة حزب سياسي معين أو لرغبة قوة سياسية معينة، بل انطلقت تلك الثورة العظيمة كثمرة لنضال وجهود لينين والبلاشفة من جهة وبقية اتجاهات وقوى الاشتراكية الديمقراطية الروسية من جهة اخرى ، حيث أن هذه الثورة كانت نتيجة حتمية لنضال الاشتراكية الديمقراطية الروسية عندما بدأوا بالتحضير سياسيا" وفكريا" منذ عقد السبعينيات من القرن التاسع عشر بغية الغاء النظام الطبقي فبدأ بليخانوف بتأسيس فرقة تحرير العمل ومن بعده اسس لينين ولنفس الغرض أواخر القرن المذكور منظة اتحاد النضال من اجل تحرير الطبقة العاملة ثم بدأ العمل الثوري فخاضت الاشتراكية الديمقراطية الروسية نضالا" شاقا" منذ ذلك الحين بغية التحضير والاستعداد لتحقيق التحولات الثورية العظيمة في روسيا ولذلك فان الارتقاء الفكري والسياسي وكذلك النضج الحزبي  للاشتراكية الديمقراطية الروسية التي أوصلت البلاشفة الى مستوى قيادة وتنظيم النضال الجماهيري والبروليتاري، قد مرت عبر الكثير من المراحل النضالية الشاقة فتارة" اصطدموا يالاقتصادوية والشعبوية واخرى مع المناشفة ومن ثم مع خونة الاممية الثانية و...إلخ،  وبعد ان تمت تصفية الاشتراكية الديمقراطية الروسية من كل الشوائب والرواسب الغريبة في جسم حركتهم وبعد أن اكتسبوا الخبر النضالية والثورية من خلال نضالهم البطولي ضد القيصرية وبوليسه السياسي صلبت عود البلشفية واصبح بمثابة العنصر الذاتي للثورة وصار مستعدة" لكل الاحتمالات وقيادة كل التحولات.

وعلى هذا الاساس فعندما استلم  كرينسكي والاشتراكيين الثوريين وبقية حلفائهم السلطة السياسية على أعقاب ثورة فبراير التي أطاحت بالحكم المطلق القيصري كانت البلاشفة أقلية في الساحة السياسية الروسية ولكنه نتيجة لعبقرية لينين والاستعداد السياسي والنظري والتنظيمي للبلشفية وارتقائهم الى مستوى قيادة وتنظيم كل الاعتراضات الجماهيرية والعمالية تمكنوا في ظرف تسعة أشهر من الزمن من قلب موازين القوى الطبقية والاجتماعية لصالح العمال والأغلبية الساحقة من الجماهير المعدومة والمحرومة وفي أواخر شهر اكتوبر تمكنوا من الاطاحة بحكومة كيرينسكي البرجوازية واعلان الحكومة السوفيتية التي جسدت الإرادة الجماهيرية المباشرة ويذلك أصبح لأول مرة في التاريخ الأنساني تشكيل حكومة تمثل المظلومين والمضطهدين وحكومة تمثل أغلبية الجماهير وليست الاقلية اسوة بالحكومات البرجوازية، في حين كان أهم العوامل التي ساعد على نجاح ثورة اكتوبر تمثل بطرح البلاشفة للبديل المجالسي للسلطة السياسية أمام المجتمع وكذلك برنامج الثورة الزراعية التي دعت الى الغاء كل القيود والعلاقات الاقطاعي والشبه اقطاعية على الفلاحين والانتاج الزراعي والتي نجحت بفضل تحالف الفلاحين الفقراء مع العمال والجنود الساخطين من الحرب ذلك لأن مصلحتهم واحدة ولأن الملكية الخاصة ونظام العمل المأجور كان سبب كل معاناتهم الانسانية. كما وان شعارهم الداعي الى الوقف الفوري والغير مشروط للحرب الامبريالية كان من احدى اهم العوامل التي ساعد على استقطاب الجنود حول الحزب البلشفي والتي لولاهم لما تمكن البلاشفة من تغيير موازين القوى الطبقية والاجتماعية لصالحهم ولكن الأهم من هذا وذاك هو أن برنامجهم الحزبي كان برنامجا" ثوريا" حيث أنه عبر المصالح العمومية للغالبية العظمى من الجماهير المسحوقة فكان مع مثل هذا الوضع أمرا" سهلا" على البلاشفة من جر أكثر فئات الجماهير تخلفا" الى الحياة والنضال السياسيين. ولكنه بعد انتصار الثورة كان الاحتفاظ بالسلطة السياسية من إحدى أهم التحديات التي واجهت البلاشفة وبذلك أعلن البلاشفة مبدأ شيوعية الحرب وخاضوا معارك شرسة لحماية السلطة المجالسية، أما بهذا الخصوص فان كل الفرقاء المتحاربة في الحرب العالمية الاولى قد تحالفوا مع الحرس الأبيض التي ضمت كل القوى التي تضررت من انتصار الثورة، ضد الحكومة الثورية السوفيتية ولكنه بصمود البلاشفة والعمال الثوريين وفقراء الفلاحين وتضحياتهم الغالية ونتيجة لاخلاص البلاشفة لثورتهم المجيدة وتصميمهم على النصر مهما كان الثمن تم دحر كل محاولات أعداء الثورة من أيتام النظام القديم وأسيادهم الامبرياليين الذين بذلوا كل ما في وسعهم بغية انتزاع السلطة السياسية من البلاشفة والعمال الثوريين وبالتالي استعادة فردوسهم المنهار. وكذلك كان توفير الغذاء للجماهير تحدي اخر لم تكن اقل اهمية" من سابقتها الا أن البلاشفة تغلبوا بتفانيهم وثقتهم العالية بالقدرات الجماهيرية الخلاقة من تجاوز هذا التحدي أيضا". وبذلك وكما ذكرتم فان ثورة اكتوبر قد غيرت حقا" الوجه التاريخ للانساننية وأصبحت ثورة اكتوبر والحكومة السوفيتية قبلة لكل دعاة الحرية والمساوات والعدالة الاجتماعية.

 

نحو الاشتراكية:الحزب الشيوعي العمالي ينظر الى هذه الثورات باهتمام كبير ويعتبرها فرصة للبشرية لكي تنتشل نفسها من دمار الصراع الرجعي الذي لف العالم قرابة العشرين سنة. كيف تصف وضع الجماهير بين رحى الصراع الارهابي بين قطب امريكا وقطب الاسلام السياسي، وبين وضعها اليوم وهي "تحرر نفسها" بمعنى من المعاني من هذين القطبين الارهابيين وتنشأ معسكرها الخاص؟

 

جليل شهباز: لقد عانت جماهير المنطقة الكثير من قمع واستبداد أنظمتم الرجعية وكا ن أمرا" طبيعيا" أن تثور وتنتفض جماهير المنطقة على تلك الأنظمة الفاسدة عندما تكون الفرصة ملائمة وعندما تكون الجماهير مستعدا" للأنقضاض على مستبديهم، ولذلك فمع بداية السنة الجارية توفرت الفرصة وانقض جماهير المنطقة على أنظمتهم  وقد تهاوت عروش تلك الأنظمة واحدة" بعد الاخرى والحبل مازال ماشيا" على الجرار. ولكنه على الرغم من هذه الانتصارات الثورية المهمة فهاك أمر سلبي وخطير في هذه الثورات وهو متمثل بالاسلام السياسي الذي أقحم نفسه في الاعتراضات الجماهيرية والذي يسعى جاهدا" لتحقيق مآربها الدنيئة واللاإنسانية كالطحالب المتسلقة وتبذل كل ما في وسعها للوصول الى السلطة السياسية وبالتالي لاغتزال المحتوى الثوري والانساني من هذه الأوضاع الثورية المجيدة وإنني على يقين بأن ذلك يتم بدعم غير محدود من البيت الأبيض وبقية الأنظمة الغربية ذلك لأنه فقط بوسع الإسلام السياسي أن يسد الطريق أمام القوى الثورية لمنعهم من الوصول الى مرحلة الانقضاض على الملكية الخاصة ونظام العمل المأجور ولهذا فإن الإسلاميين قد تمكنوا في تونس من حصد أغلبية المقاعد البرلمانية وأنهم الان منهمكين لعقد تحالفات سياسية مع بعض القوى السياسية التونسية الرجعية بغية تشكيل حكومة اسلامية كما وان المجلس الانتقالي الليبي يسير على نفس الاتجاه وقد أعلن على عكس الإرادة والرغبات الجماهيرية بجعل الشريعة الإسلامية أساسا" للتشريعات القانونية والنظام السياسي في ليبيا ومن المحتمل أن يحدث نفس الشيء في مصر لأن حركة اخوان المسلمين هي من أكثر القوى السياسية تنظيما" وقوة" وهي ذات امكانيات مالية واقتصادية خيالية. ولذلك فعلى الجماهير الثورية أن تنتبه لخطورة الاسلام السياسي ومساعيها الخبيثة للوصول الى السلطة، وعلى الجماهير الثائرة أن تعلم أيضا" بأن القوى الإسلامية ليس بوسعها أن أن تحقق الأماني والرغبات الجماهيرية وان سلطتهم سوف لن تختلف كثيرا" عن سلطة الجمهورية الاسلامية في ايران وعن سلطة حركة طالبان المقبورة. وبمجرد وصول تلك القوى الى سدة الحكم سوف تحول حياة ومعيشة الجماهير الى جحيم لا يطاق. وبهذا فلازال الفرصة متوفرة لكي تستمر الجماهير الثائرة في المنطقة على درب الثورة والتخلص من كل القوى الرجعية وكذلك من النفوذ السياسي الغربي المتمثل بالقطب الامريكي  هذا القطب الذي كان ولازال سببا" لكل المأسات والكوارث الانسانية التي ابتلى بها المجتمع الانساني ومن ضمنه شعوب المنطقة منذ أكثر من عقدين من الزمن. وبغية الوقوف بوجه هذين القطبين الرجعيين فعلى الجماهير الظافرة أن تنشأ جبهتهم الإنسانية وأن يقف بالمرصاد لاحباط كل محاولاتهم في استعباد واستغلال شعوب المنطقة.

 

نحو الاشتراكية:لينين شخصية ثورية عظيمة. لقد كان هذا المفكر الفذ ماركسيا ويستند الى النظرية الماركسية الثورية. هل يمكن ان تبين لنا المفاصل الاكثر حسما في تأريخ هذا المناضل الثوري وكيف ينظر حزبنا لشخص لينين كقائد ثوري ؟

 

جليل شهباز: لقد كان لينين منذ نعومة أظافره وحتى آخر يوم من حياته مناضلا" سياسيا" صلبا" وقائدا" سياسيا" من الطراز الأول وان أهم ما يتميز به هذه الشخصية الفذة وهذا القائد العظيم هو قيادته الحكيمة في تحويل الفكر الماركسي من ميدان النظرية الى الممارسة والتطبيق الثوري أما بهذا الصدد فقد قال في كراسه ما العمل ( لا نظرية ثورية بدون عملية ثورية ). ولذلك فإن التطبيق الخلاق للنظرية الماركسية على الواقع الروسي المتخلف في حينه يعتبر اعجازا" سياسيا" وتاريخيا" تميز به لينين، كما وأن مبادرته لتشكيل منظمة اتحاد النضال من أجل تحرير الطبقة العاملة وهو لا يزال في مقتبل العمر المرحلة الاولى لنضجه السياسي والفكري وتسلحه بالنظرية الماركسية  حيث أن هذه المنظمة وتحت قيادته قد خاضت نضالا" مريرا" وشاقا" من أجل توحيد جميع قوى الاشتراكية الديمقرطية في حزب موحد وقد كان هذا الانجاز التاريخي عاملا" أساسيا" في نجاح الثورة الروسية فلولا تأسيس هذا الحزب لما تمكنت القوى الاشتراكية الديمقراطية الروسية المتبعثرة والمشتة في منظمات سياسية صغيرة من قيادة وتنظيم النضال الطبقي للعمال  وبقية الاعتراضات الجماهيرية من أجل اسقاط النظام الرأسمالي وتشكيل النظام الاشتراكي على أنقاضه، وهذه النقطة تعتبر مرحلة متميزة في تاريخ روسيا  والفضل فيها يعود الى الجهد الثوري لذلك القائد الثوري العظيم. كما وأن لينين ومعه البلاشفة قد خاضوا نضالا" لا هوادة فيه ضد مختلف أشكال التحريفية والاتجاهات اللاماركسية داخل الحركة الاشتراكية الديمقراطية الروسية فطردوا الاقتصادوية والشعبوية والمنشفية والتصفويين من الحزب وأبان الحرب العالمية الأولى خاضوا نضالا" شاقا" ضد انتهازية وتحريفية الأممية الثانية عندما طرحوا أبان الحرب الأمبريالية شعار الدفاع عن الوطن وعندما أنحاز أغلبية منظمات وأحزاب تلك الأممية الى برجوازية بلدانهم لبرروا بها ذلك الشعار الرجعي للحرب اللصوصية التي كانت تخوضها البلدان الأمبريالية من أجل مصالحهم الطبقية الرجعية واللاإنسانية ومن ثم التحالف مع تلك الحكومات الفاسدة. وبهذا فبفضل هذا النضال أصبحت البلشفية اتجاها" عالميا" وممثلا" فعليا" للعمال الثوريين والاشتراكية العمالية العالمية ونضالهم الطبقي وبالطبع لولا لينين وعبقريته ومنهجيته الفكرية والسياسية الثورية لما حصل ذلك. ولهذا فان هذه المسألة تعتبر نقطة تحول وعلامة فارقة في تاريخ  الحركو العمالية العالمية. كما وأنه قبل اندلاع ثورة فبراير بقليل اصبح الأوضاع السياسية والاجتماعية في روسيا في غاية التعقيد بسبب الافرازات السياسية للحرب العالمية الاولى على الأوضاع الروسية من جهة وتصاعد الاعتراضات الجماهيرية من جهة اخرى بالاضافة الى ازدياد وتوسع حدة التناقضات الطبقية داخل المجتمع الروسي حيث انه وصل تعقيد الأوضاع الاجتماعية الى درجة من الخطورة ارغم معها شخص مثل بليخانوف بكل عظمته على الرغم من كونه احد خصوم لينين، لينادي البلاشفة بغية استدعاء لينين للعودة فورا" الى روسيا حيث أكد لهم انه فقط بوسع لينين بحكم عبقريته السياسية ومنهجيته الثورية ان يخرج روسيا من هذه الاوضاع المعقدة وبالفعل فقد حصل ذلك  على الرغم من أن البلاشفة كانوا أقلية سياسية في ميدان الصراع السياسي على السلطة الا أنه بعودة لينين من منفاه في سويسرا تمكن من تطوير البلشفية وجعلها قادرة لتلعب دورا" بارزا" في ثورة فبراير الديمقراطية البرجوازي ومن ثم وعلى أثر الانتصارات المستمرة للبلشفية في جميع ميادين الحياة الاجتماعية بعد انتصار ثورة فبراير وتشكيل الحكومة البرجوازية بقيادة كيرينسكي أصبحت البلشفية قوة أساسية داخل المجتمع الروسي  ولعبت الدور الرأيسي في التعجيل بتطوير الصراع الاصطفاف الطبقيتين وبالتزامن مع هذه الحالة السياسية والاجتماعية في روسيا بدأ البلاشفة معها التحضير للمعركة النهائية مع البرجوازية في روسيا وكانت ثمرة كل هذه الجهود الثورية انتصارهم في تلك المعركة الحاسمة في أواخر شهر اكتوبر من عام 1917 فتحقق أهم حدث في تاريخ روسيا الحديث  وفي مجمل التاريخ الانساني وبطبيعة الحال كان ذلك الانتصار أهم مرحلة في تاريخ لينين السياسي. أما بعد ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى وأثناء مرحلة شيوعية الحرب التي دامت زهاء خمسة سنين فقد تحالف كل اللصوص الامبرياليين ممن حاربوا بعضهم البعض في تلك الحرب اللصوصية القذرة بغية اجهاض تلك الثورة العظيمة وهي لاتزال في المهد فبادروا بتقديم كل أشكال الدعم والمساعدات العسكرية والمالية لقوى الثورة المضادة من الحرس الأبيض وبقية أيتام حكومة كيرينسكي وأتباع القيصرية الا أنه بحكم حنكة لينين السياسية وصمود البلاشفة واصرارهم بالحاق الهزيمة بقوى الثورة المضادة وبحكم تحالف الفلاحين الفقراء مع العمال الظافرين فقد هزمت الثورة المضادة شر هزيمة وتم تثبيت أركان الحكومة السوفيتية بشكل نهائي وكان هذا الانتصار بالنسبة للينين والبلاشفة لا تقل أهمية من انتصار ثورة اكتوبر. ولهذا فإنني أعتقد بان ماهو مذكور أعلاه تمثل أهم المراحل في تاريخ ذلك المناضل والقائد العظيم .

أما الان فإن المجتمع الانساني برمته أمام طريقن لا ثالث لهما( فإما البربرية الرأسمالية أو أن يسلك المجتمع الانساني درب البلاشفة بغية سحق الرأسمالية وأقامة الاشتراكية على أنقاضها ).

 لتبقى عاليا" ذكرى ثورة اكتوبر الاشتراكية العظيمة وعاشت الشيوعية العمالية.

 

نحو الاشتراكية: شكرا جزيلا.