مهما كانت حسابات البرجوازية وأنظمتها الرجعية

ستبقى المرأة مساوية للرجل!

  

جليل شهباز

gelilshahbaz@yahoo.com

 

لقد تزامن اضطهاد النساء ودونيتها

تاريخيا" مع ظهور الملكية الخاصة التي أقدمت قبل كل شيء على اختزال المكانة الاجتماعية المرموقة وحق السيادة والنسب من المرأة داخل القبيلة وحددت لها مكانة دونية لم تتجاوز جعل المرأة أسيرة" بين جدران المنازل لتقوم أسوة" بأية أداة اخرى بالواجبات والأعمال المنزلية وكذلك جعلها وسيلة للإنجاب وإشباع الغرائز الجنسية للرجال، وهذه المكانة الدونية للمرأة تعتبرخاصية مشتركة بين جميع المراحل التاريخية للأنظمة الاجتماعية المتعاقبة والقائمة على الملكية الخاصة بعد انهيار النظام الاجتماعي المشاعي، ولما كانت المرأة في النظام المشاعي سيدة للمجتمع ومكانتها الاجتماعية تفوق مكانة الرجل بحكم موقعها المتفوق في الإنتاج الاجتماعي، فمع تفوق الرجل في ميدان الإنتاج الاجتماعي على المرأة فإن أول شيئ فعله هو سلب حق السيادة والنسب من المرأة واختزال دورها الريادي المتميز داخل القبيلة وعلى لأعقاب كل تلك التحولات الأجتماعية والأقتصادية فقد توالت سلب حقوقها واحد" بعد الاخرى وتواصلت عملية سلب حقوق المرأة من مرحلة تاريخية إلى اخرى ، إلا أن الدونية التي فرضت على النساء في عهد الراسمالية لم يماثلها تلك المكانة الدونية في اية مرحلة اخرى على الرغم من سن بعض التشريعات التي تقر بالمساواة القانونية والشكلية للمرأة مع الرجل في بعض البلدان ولكن مع ذلك ان انحطاط المجتمع البرجوازي وتفسخه أوصلت تحقير المرأة إلى حد خياطة أعضائها التناسلية وحتى وضع الدروع والأقفال الحديدية عليها أحيانا" لمنعها من الجماع الجنسي الغير الشرعي أثناء السفرات الطويلة للأزواج سعيا" وراء جمع الثروات والأموال، وذلك لتبقى مؤسسة الوراثة البرجوازية، التي تعتبر إحدى أهم الركائز الأجتماعية للنظام البرجوازي، نقية" دون شوائب، ولم يكتف النظام الاجتماعي البرجوازية بذلك فقط بل وجعل المرأة منافسا" للرجل في سوق العمل أيضا" بغية تخفيض الأجور إلى أدنى مستوياتها ومن ثم تحقيق أعلى معدلات الربح من العمليات الإنتاجية. نستنتج من كل ذلك بأن العوامل الاقتصادية يشكل السبب الرأيسي الذي وقف وراء سلب حقوق المرأة أما شتى النظريات السخيفة التي ابتكرها مفكروا الطبقات المالكة عموما" والإسلام خصوصا" حول قدرية دونية المرأة فما هي في الحقيقة إلا سخافات لاتساوي حتى قشرة البصل.

لقد تعمدت الطبقات المالكة عزل المرأة عن الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وذلك لتقوية وتعزيز سيطرتها الطبقية على المجتمع فالمرأة تساوي نصف المجتمع وإن إبعاد المرأة يعني عزل  نصف المجتمع من المشاركة في حسم الصراعات والنزاعات السياسية والاجتماعية وهذا بحد ذاته يعتبر عنصر قوة لجبهة الطبقات المالكة ويسهل لهم السيطرة على خصومهم وبالتالي حسم الصراعات والمنازعات الاجتماعية لصالحهم، ولذلك نرى أن مختلف الأنظمة الطبقية وعلى مر التاريخ قد وضعوا اقسى القيود على حرية المرأة، وحقا" إن المرأة في ظل سيادة الرجل تخضع لشكلين من العنف الاجتماعي.. أولهما: العنف الذي تتعرض له من جراء التمييز الجنسي ويتجلى هذا العنف في الميدان الاجتماعي على شكل العنف المنزلي وعمليات الاغتصاب وحتى قتل المرأة أو رجمها بالحجارة حتى الموت بذريعة غسل العار، وكذلك في فرض مختلف العادات والتقاليد البالية عليها مثل فرض الحجاب..وإلخ، أما في الميدان السياسي فتتجلى في وضع الموانع والعراقيل التي من شأنها أن تسد الطريق أمام مشاركة المرأة  في مختلف المؤسسات الاجتماعية والثقافية والانتماء إلى الأحزاب والمنظمات السياسية والجماهيرية وكذلك حرمانهن من حق الانتخاب والتصويت، أما في الميدان الاقتصادي فإن المرأة تعتبر مخزونا" احتياطا" لقوة العمل، ويظهر ذلك بصورة أوضح في النظام الرأسمالي حيث أنها تسخدم في أغلب الأحيان في فترات الازدهار الاقتصادي عندما يزداد الطلب على قوة العمل ويرتفع الاجور من جراء زيادة الطلب على قوى العمل فيستعين الرأسماليون باستخدام النساء والأطفال لمنافسة اخوانهم الرجال على فرص العمل وبذلك يتمكن الرأسماليون من الحصول على العمل بأدتى المستويات من الاجور وإضافة إلى ذلك فإن الأجور التي تدفع للنساء فهي أقل بكثير من مستويات الاجور التي تدفع للرجال حتى في حالة قيامهن بأعمال مماثلة.. أما ثانيهما: فهو العنف الاجتماعي الذي يتعرض له كل المجتمع من جراء سيادة وسيطرة وأستغلال الطبقة المالكة، ويظهر هذا الشكل من العنف على شكل سيطرة وسيادة رأس المال على كل المجتمع والذي يتجلى سياسيا" في العنف المنظم الذي تمارسه الدولة من خلال مختلف أجهزتها القمعية لحماية رأس المال من خطر الأزمات السياسية والاقتصادية وبالتالي لمنع تعرضها لهزات اجتماعية عنيفة قد تنسف النظام الرأسمالي بأكمله. ولذلك فإن نضال المرأة إبتدأ مع سيادة الملكية الخاصة وإستمرت بمختلف الأشكال ضد اضطهاد الطبقات المالكة التي تسلب حقوقها بأستمرار متى ما تمكنت من ذلك، أما نضال المرأة، في ظل النظام الرأسمالي، التي تجسدت في الحركات النسوية فقد تمكنت من تحقيق انتصارات ومكاسب لايستهان بها وبطبيعة الحال بدعم وتضامن تامتين من الأحزاب الماركسية والحركات الداعية للحرية والمساواة، ولذلك نرى حتى في ظل أعتى الأنظمة الاستبدادية والقمعية في التاريخ المعاصر سقف معين من الحريات والحقوق التي نالها المرأة من جراء تضحياتها الغالية ونضالها الأممي. ولكن تحرير المرأة لن يكتمل مهما كان حجم الحقوق والمكاسب التي تحققها نضال الحركات النسوية أو التي تمنح لها حتى من قبل  أعتى الأنظمة الديمقراطية ما لم يتم إلغاء الملكية الخاصة ونظام العمل المأجور التي تشكل السبب الرأيسي لكل أشكال الظلم الأجتماعي.

أما نساء العراق فبعد ثلاثة عقود من من الحرمان من أبسط الحقوق الأولية وبعد الحصار الاقتصادي الجائر الذي، جردت المرأة حتى من إنسانيتها، وخطف أطفالها من بين أحضانها بسبب نقص الغذاء والدواء، وبعد أن إضطرت الكثير من النساء نتيجة" لسوء أحوال المعيشة إلى بيع أجسادهن بغية تأمين لقمة العيش لهن ولأطفالهن..وإلخ من المعانات والماساة الرهيبة، نجد بعد كل ذلك، وبعد أن أزاح ذلك الكابوس المرعب المتمثل بالنظام القمعي البعثي من حياة العراقيين، فإن الفزاعات والدمى الامريكية من مختلف الأتجاهات السياسية القومية والدينية يسعون لفرض الشريعة الإسلامية على المجتمع العراقي ويظنون أو يتجاهلون بأن المجتمع العراقي لايدري ماذا يجري للإنسان عموما" والنساء خصوصا" في ظل سيادة حكم الإسلام وشريعتهم الرجعية واللاإنسانية، فكان رد نساء العراق قاسيا" على مساعيهم وتلقوا صفعة موجعة عندما أرغم نساء العراق هؤلاء الرجعيين والبرابرة على إلغاء القانون 137، ولكن الأسوء من ذلك، هو أن كلا قطبي الإرهاب في العراق أي أمريكا وحلفائها من طرف وقوى الإسلام السياسي من المعارضين للوجود الأمريكي من طرف آخر يراهنان على ضرورة حرمان المواطنين العراقيين، حتى من أبسط الحقوق والحريات، بشكل عام والنساء بشكل خاص وهذا ما يضمن لهم تحقيق غاياتهم السياسية  المعادية للتطلعات التحررية والمساواتية للجماهير فعلى أثر ذلك الصراع هذاين القطبين تمكن مختلف الزمر والعصابات الإسلامية من التدخل في شؤون المجتمع ويحاولون فرض أشد العادات والتقاليد الإسلامية البالية والموغلة في الرجعية على المجتمع. وفي نفس الوقت أعلنت الحكومة والبرلمان، التي تضم القوميين والإسلاميين من شتى الألوان والأتجاهات، عبودية المرأة بشكل رسمي والتي تجسدت أحكامها في قوانين الدولة وسياساتها الرجعية المعادية للإنسان.. وبغية التخلص من هذه الماساة الإنسانية الرهيبة وتحرير المجتمع عموما" والنساء خصوصا" من شتى قيود الاضطهاد والتمييز الجنسي أنادي نساء العراق وكل دعاة الحرية والمساواة وكل الذين يهمهم أمر علمانية المجتمع ومدنيته بالألتفاف حول الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي الذي يحاول تعبئة كل ضحايا النظام الرأسمالي وسياساته الجائرة في جبهة نضالية عريضة تسعى إلى هدم وتحطيم النظام الأجتماعي البرجوازي وإقامة نظام خالي من الأضطهاد الأجتماعي والقادر على تشكيل حكومة قائمة على الإرادة الجماهيرية وعلى مدنية وعلمانية المجتمع والتي تفرض فصل الدين عن الدولة وعن مناهج التربية والتعليم وتدير المجتمع وتقوده وفق دستور علماني تقدمي يضمن المساواة والحقوق والحريات لجميع المواطنين.. وفقط هذا من شأنه أن يحقق  المساواة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التامة بين الرجل والمرأة داخل المجتمع.