الأعتراضات الجماهيرية في اليونان، هجمة ثورية ضد النظام الرأسمالي

 

جليل شهباز                                                                                  

gelilshahbaz@yahoo.com                                                                             

 

 

كما هو معلوم لقد إندلعت، منذ أسبوع، أعتراضات جماهيرة واسعة في معظم المدن اليونانية على خلفية قيام الشرطة اليونانية بإطلاق النار على مظاهرة سلمية نظمها المتعاطفين مع مطالب اللآجئين ضد الحكومة اليونانية والتي راح ضحيتها أحد الصبيان على اثر إطلاق النار تلك. وهذا ما أثار الأستياء والغضب لدى قطاعات جماهيرية واسعة والتي سرعان ما تحولت إلى اعتراضات جمايرية عارمة على شكل المظاهرات والإضرابات الجماهيرية ضد الحكومة اليونانية. مما لا شك فيه إن قتل أحد الصبيان بهذه الطريقة البربرية مهما كان السبب يعتبر جريمة وحشية ولا بد لها من أن تثير الغضب والاستياء لدى كل من يمتلك ولو ذرة من المشاعر والأحاسيس الإنسانية. ولكن الذي حصل لم تكن أعتراضات ضد السلطة بسبب مقتل أحد الصبيان فقط بل، تعدت ذلك بكثير. فلو القينا نظرة" خاطفة على ما جري منذ اليوم الأول ولحد هذه اللحظة سيتبين لنا على الفور إن ما يجري في اليونان هي هجمة على الراسمال ونظامه السياسي الفاسد، ولم يكن مقتل ذلك الصبي سوى القطرة الأخيرة التي افاضت الماء من القدح الممتلئ. وعليه فإذا ما نظرنا من حولنا، فسنرى بأن النظام العالمي الجديد وديمقراطيته السياسية والبرلمانية قد حولت حياة الإنسان على سطح الكرة الأرضية إلى جحيم لا يطاق. فبالإضافة إلى الحروب المستمرة والتي لا يهدأ رحاها وتحصد أرواح الملايين من البشر سنويا"، وكذلك الصراعات الدموية العنيفة التي تجري بين مختلف الأجنحة والتيارت السياسية والاجتماعية البرجوازية من أجل السلطة والمال والتي من جرائها يتم نسف كل مقومات الأمن والأستقرار والأجواء الآمنة لمعيشة الإنسان. نرى من الجانب الآخر الارتفاع الجنوني للاسعار والتضخم الأقتصادي والبطالة وسلب كل منجزات نضال الطبقات الكادحة التي حققوها بأنهر من الدماء وجبال من العظام والجماجم،  كالضمانات الأجتماعية والتأمين الصحي والتعليم المجاني والتعويض عن البطالة...وغيرها. وبطبيعة الحال إن كل ذلك قد دفع أكثر من ربع سكان الكرة الأرضية ليعيشوا دون خط الفقر، وليس هذا فحسب بل، إن الفقر قد أصبح ضيفا" ثقيلا" ولا يمر يوم دون أن يطرق ذلك الضيف اللعين أبواب عشرات الألوف من العوائل في مختلف بلدان العالم. ومما زاد من الطين بلة" هو أنهيار النظام المالي العالمي وما رافقته من أزمة مالية وأقتصادية خانقتين وبالطبع فإن الجماهير الكادحة هي التي تضررت بالدرجة الأساسية من تلك الأزمة ذلك لأن العديد من المؤسسات المالية والإنتاجية قد غلقت ابوابها من جراء تلك الأزمة وهذأ ما أدى إلى توسع وزيادة جيش العاطلين عن العمل وهذا يعني أن مئات الألوف من العوائل قد فقدوا مصدر رزقهم ومعيشتهم. وبما أن الأزمة مستمرة ونتعمق وتتوسع يوما" بعد يوم فمن المؤكد أن ذلك سيؤدي إلى غلق المزيد من المؤسسات المالية والإنتاجية وهذا ما أكده بعض الأخصائيين الأمريكيين في مجال علم الأقتصاد حيث قالوا: إذا إستمرت الأزمة الحالية بمثل هذه الحدة فإن أكثر من خمسة ملايين عامل سيطردون من أعمالهم نتيجة" لإفلاس مختلف المؤسسات المالية والإنتاجية. فإذا كان الأمر كذلك في أمريكا، فما بالك في بلدان العالم الثالث. تخيلوا بمعيتي ماذا سيحدث لمئات الملايين من العمال والشغيلة وبقية الجماهير الكادحة في البلدان الفقيرة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللآتينية، من المؤكد بأنه سيحدث كوارث ومأساة إنسانية رهيبة، وللاسف إن كل المؤشرات تدل على أن الأزمة الحالية ستستمر إلى أمد غير معلوم.

وبهذا فإذا أخذنا حجم المعاناة والفقر والبؤس والظلم الأجتماعي بمختلف اشكاله والوانه التي المت بالبشرية بسبب النظام الرأسمالي، بنظر الاعتبار، فسيكون واضحا" بأن الجماهير الكادحة أينما كانت لا تحتاج سوى لشرارة واحدة كي تندلع الأنتفاضات والثورات ومختلف أشكال الاعمال الثورية ضد النظام الاجتماعي البرجوازي الفاسد. وهذا ما حصل في اليونان، فلو أمعنا النظر قليلا" بنوعية الاعتراضات الجماهيرية ومطاليبها في مختلف المدن اليونانية مثل: كسر ونهب البنوك والدكاكين والأعتراضات الواسعة أمام مختلف مراكز القرار السياسي في اليونان والمطالبة بإسقاط الحكومة وتغييرها، تدل على أن ما يحدث هو أبعد بكثير من مجرد قتل صبي على يد الشرطة، حيث أنه تعبير عن مدى الحقد الدفين للجماهير على النظام الاجتماعي البرجوازي كما وأنها تدل أيضا" على أن الجماهير لم يعد بوسعها أن تتحمل أكثر الظلم والاضطهاد والأستغلال ولذلك بدأت الجماهير بأخذ زمام المبادرة بيدها وبدأت القيام بالأفعال الثورية ضد النظام البرجوازي الرجعي في اليونان. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ألا وهو، إلى أين ستسير مجرى الأحداث في اليونان؟ في الحقيقة إن كل تلك الأعتراضات والأعمال الجماهيرية التي حدثت لحد الآن قد إنبعثت إما بشكل عفوي أو بتحريض من بعض الأحزاب والمنظمات والأتحادات المدافعة عن حقوق الإنسان أو المنتمية إلى بعض الأتجاهات اليسارية ولذلك فإن أحتواء مثل تلك الأعتراضات ليس أمرا" صعبا" على الحكومات البرجوازية وخصوصا" من اللواتي لهن تجارب طويلة في كيفية التعامل مع مختلف أشكال الأعتراضات الجماهيرية والحركات اليسارية وفي أغلب الأحوال إذا تعذر عليهم أحتوائها بالوسائل التقليدية العادية، أي بالقمع والتنازلات، فأنهم يلجأون إلى التغيير الحكومي وربما هذا هو الذي سيحصل، ذلك لأن المعارضة تطالب بإجراء أنتخابات مبكرة وهذا يعني تغيير حكومي وربما نتيجة الأنتخابات تكون لصالح الجناح اليساري للبرجوازية ولكن التغيير عندما يجري فإن الذي يحدث هو مجرد تغيير لبعض الوجوه وربما يرافقها بعض الإصلاحات الأقتصادية والسياسية الطفيفة ولكن التركيبة الأجتماعية والطبقية لمختلف مراكز القرار السياسي سيبقى على حاله دون تغيير. وعليه فإن الحكومات البرجوازية سيتمكنون بمثل هذه المراوغات السياسية من أحتواء الأعتراضات الجماهيرية. ولكن مع التواجد القوي للطبقة العاملة في الميدان السياسي والاجتماعي ومع وجود طليعتها السياسية المتمثلة بالحزب الشيوعي العمالي فإن الأمر سيختلف. ذلك لأن الحزب الشيوعي العمالي سيسعى إلى تنظيم وقيادة نضال الطبقة العاملة وسيحاول جذب مختلف القطاعات الجماهيرية إلى النضال السياسي جنبا" إلى جنب الطبقة العاملة. ثم أن الحزب الشيوعي العمالي لا يناضل فقط من أجل مطاليب محددة تخص هذه الفئة أو تلك بل، سيناضل من أجل المطالب العمومية الطبقة العاملة وكل الجماهير الكادحة وهذا من شأنه أن يوحد نضال الطبقة العاملة وكما هو معلوم كلما زادت وحدة الطبقة العاملة كلما زادت قوتها ومقاومتها وسيجعلها قادرا" على تحمل مسؤولياتها الطبقية وإلى إدراك رسالتها التاريخية ومهماتها السياسية. كما وإن الأنتصارات الصغيرة في المعارك الطبقية، كأن تجبر الحكومة على بعض التنازلات سوف لن يجعل الحزب أن يكف عن النضال أو الإصابة بالغرور بل، إن كل أنتصار سيكون حافزا" للدخول في معارك أكبر وأعظم وكل تنازل من الحكومة وبما فيها التغيير الحكومي سوف لن تنطلي على الحزب الشيوعي العمالي بل، يدفعه لفرض تنازلات أكبر وأكبر على الحكومة وسيستمر الوضع على نفس المنوال حتى هدم النظام البرجوازي والظفر بالسلطة السياسية.