تسليمة نسرين

مناضلة من اجل مساواة المرأة بالرجل

وضد حركة الاسلام السياسي البربرية

جليل شهباز

gelilshahbaz@yahoo.com

 

ذكرت السفارة الفرنسية في الهند ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي سيسلم جائزة للروائية البنغالية تسليمة نسرين التي يهدد الاسلاميون بقتلها منذ فترة والجائزة هي للكاتبة التحررية الفرنسية الراحلة سيمون دو بوفوار. فمن هي تسليمة نسرين وماهي نشاطاتها؟.

 

تسليمة نسرية ناشطة نسوية من بنغلادش قامت بالكثير من الانشطة والفعاليات السياسية التي تخص حياة المرأة وموقعها ومكانتها وحقوقها في  المجتمع البنغالي. وقد تعرضت نتيجة لنضالها للاحكام بالقتل والسجن من مختلف المؤسسات البرجوازية وفتوى

الملالي ومشايخ الاسلام السياسي. كما اثارت حفيظة مختلف الاتجاهات الاسلامية الرجعية المعادية لمساواة المرأة في بنغلادش  حتى اضطرت المؤسسات القضائية هناك الى اصدار احكام غيابية بحق تلك الناشطة الجريئة. ان ذلك يدل على قوة الافكار والمفاهيم التي تطرحها تسليمة نسرين. ان مثل هذه الافكار والمفاهيم التي تطرحها تتعلق بمساواة المرأة بالرجل وكذلك بنقد الدين الاسلامي والمكانة الدونية التي يخصصها الاسلام للمرأة في كل قوانينه وتشريعاته. ان مجرد تعرض تسليمة نسرين لهذه الافكار لهو امر في غاية الاهمية. فهي من خلال نضالها من اجل نشر افكارها التحررية والعلمانية والمساواتية فانما تقوم بالتعرض ومس اهم ركائز مؤسسات الانظمة البرجوازية والنظام الرجولي القائم في مختلف بلدان العالم الثالث. ومن الطبيعي فيما لو اخذنا بنظر الاعتبار طبيعة النظام السياسي الحاكم في بنغلادش والقائم على اساس نفوذ وهيمنة حركة الاسلام السياسي الرجعية ونوعية الافكار والمفاهيم التي تطرحها تسليمة نسرين، ندرك بلا عناء سبب هذه الملاحقات المحمومة وحتى التهديدات بالقتل التي تطلقها مختلف المؤسسات الاجتماعية والقضائية في بنغلادش بحق هذه المناضلة. يجدر القول انه حتى لو افترضنا جدلا بان الافكار والمفاهيم التي تتعرض لها تسليمة نسرين ليست ذات طابع ثوري (بمعنى قلب النظام القائم وتحطيم اسسه القائمة على الاظطهاد واستغلال الانسان للانسان)  فان مجرد طرح تسليمة نسرين لمثل هذه الافكار المساواتية الجريئة داخل المجتمع في بنغلادش يدل على مدى جرأة وشجاعة هذه المناضلة النسوية.

ولكن كيف يمكن لنا ان نفسر الممارسات الاسلامية ضد الكم الكبير من النقاد والكتاب التحرريين والمساواتيين وخاصة النساء اللواتي ينتقدن النظام والدين الاسلامي؟. ان تسليمة نسرين تهدف من كتابتها واشعارها الى نقد الاسلام واعتباره نظام عفى عليه الزمن وعليه الرحيل من حياة الناس وان يحل محله قانون متمدن مساواتي وتحرري وعصري. هل يمكن لنا على ضوء ذلك تفسير نضال تسليمة نسرين والعشرات من الكاتبات التحرريات المساواتيات في البلدان الخاضعة لنفوذ وهيمنة الاسلام السياسي؟ وبالتالي فهم سبب المعاداة الشديدة والهستيريا التي تجابه بها تلك الحركات الاسلامية نقد هؤلاء الكاتبات التحرريات؟.

اذا اخذنا محتوى المفاهيم والافكار التي تطرحها تسليمة نسرين في دراساتها فانها تعرض نقطتين في غاية الاهمية. هاتان النقطتان هما:

اولا) تحليل موقع ومكانة المرأة في المجتمع البنغالي، وثانيا) الهجوم النقدي على الدين والموقع الدوني الذي رسخه الدين والمؤسسة الدينية وتحديدا الاسلام للمرأة في المجتمع. فعندما يتعرض هذا الدين لمعارضة حتى من قبل حزب او شخصية سياسية فان الاسلام يقوم بارهاب تلك الاطراف ومحاولة تصفيتها وانهاء وجودها. فما بالك بشخصية نسوية قامت ( بكل جرأة ) بهكذا انتقاد وتعرضت الى اهم عناصر النظام الفكري والسياسي البرجوازي في بلدان العالم الثالث. ويمكننا من خلال ذلك أن ندرك مدى اهمية المفاهيم والافكار التي تطرحها تسليمة نسرين. بالنسبة للنقطة الاولى والتي تتمثل في طرح مساواة المرأة بالرجل فان البرجوازية تعاديها بشدة لانها عندما تقوم باظطهاد المرأة وخصوصا في بلدان العالم الثالث وخاصة التي يسيطر فيها الدين على حياة الناس وحركة الاسلام السياسي تحديدا، فانهم يفعلون ذلك لعزل نصف المجتمع من الحياة السيباسية والاجتماعية. فالمرأة تشكل نصف المجتمع في كل بلدان العالم. انهم يودون عزل المرأة عن الحياة السياسية والاجتماعية وابقاءها حبيسة جدران المنزل لان ذلك يساعدهم على تعزيز الموقع الطبقي للبرجوازية التي يمثلونها داخل تلك المجتمعات. اما بالنسبة للنقطة الثانية وهي الهجوم اللاذع ونقد الدين فهي نقطة في غاية الاهمية بالنسبة الى النضال الفكري والعملي السياسي ايضا ضد النظام البرجوازي. فالدين كما هو معروف هو احد اهم الاركان والاساليب التي تستخدمها البرجوازية على امتداد التأريخ لسحق مقاومة الطبقات المظطهدة والمحرومة داخل المجتمع. ان الطبقات المحرومة والمظطهدة تحاول ان تقاوم وتنظم صفوفها والاعتراض من خلال المظاهرات والانتفاضات وهنا يأتي الدين ليلعب دوراً روحياً يهدف تحديداً الى شل الطبقات المظطهدة المعترضة وتخديرهم بالخرافات والهذيانات الدينية ولتصور بان ظلمهم وتحقيرهم ودونيتهم هي مسألة قدرية لا قدرة لهم على رفضها ( وان مكافئتهم ستكون في مكان اخر علوي وهمي – الجنة ) حتى لا يدركون ما يجري من حولهم وبالتالي فان الدين يقدم خدمة جليلة للطبقة البرجوازية من اجل حماية موقعها الطبقي السيادي داخل المجتمع واستمرار اظطهاد واستثمار الطبقات المحرومة والكادحة.

ومن المعروف ان تسليمة نسرين عاشت ضمن عائلة محافظة دينياً ولكنها كانت مولعة بالادب والشعر منذ صغرها ولها قصص وكتب في سن الخامسة عشر من عمرها. معظم كتابات تسليمة نسرين تتطرق الى حقوق المرأة ومعاناتها تحت حكم الاسلام والاسلاميين والملالي واظطهاد الاسلام للمرأة وقد طرحت بديلها في كتبها وهو مهاجمة الاسلام والتعرض لمنظومته الفكرية والايديولوجية ليس فقط في بنغلادش ولكن في ايران وافغانستان والباكستان ومعظم دول الشرق الاوسط و العالم الثالث الخاضع لتأثيره.

لقد بينا بانه حتى لو كانت تلك المفاهيم التي تطرحها تسليمة نسرين غير ثورية بالمعنى السياسي الا ان تلك الافكار تمتلك زخما نضاليا تحرريا كبيرا ومهما جدا. فتأثير تسليمة نسرين لا يخص مجتمع بنغلادش وانما عموم المنطقة حيث ان تلك المفاهيم والافكار تتعلق بحياة او بتنوير حياة المجتمع في مختلف بلدان العالم الخاضعة لحكم الاسلام . هناك بالطبع اختلافات نسبية في موقعية المرأة ومكانتها كانسان داخل مختلف مجتمات العالم الثالث مشروطة بأختلاف المستوى الثقافي والحضاري لكل مجتمع هذا أولا" وثانيا" هناك اختلافات شكلية او طفيفة بالنسبة لحقوق المرأة من بلد لاخر ولذلك فان قضية المرأة في بنغلادش ومسألة الدين هي احدى اهم العناصر في النظام السياسي والايديولوجي في بلدان العالم الذي يسيطر عليه الاسلام السياسي. صحيح ان هناك اظطهاد للمرأة حتى في البلدان المتقدمة ولكن بسبب علمانية ومدنية المجتمع في البلدان الاوربية واوربا الغربية على وجه الخصوص فان المرأة بحكم ذلك قد تجاوزت مسألة الدين حيث نعلم بانه في تلك الدول لا علاقة  للدين بالدولة وان للمرأة سقف معين من الحرية ولها مساواة قانونية ازاء الرجل تفتقدها المرأة في بلدان التي يسيطر فيها الاسلام السياسي على المجتمع.

 

ونظرا" لكل ذلك فان قضية تسليمة نسرين لا تخص بنغلادش فحسب بل تخص وتهم معظم البلدان الخاضعة للسيطرة الامبريالية والعالم الثالث والتي يسيطر فيها الاسلام السياسي وله نفوذ لان تلك المفاهيم هي اركان اساسية في النظام الفكري والسياسي للبرجوازية في تلك المناطق. ان قضية تسليمة نسرين هي قضية تحرر المرأة ومساواتها الكاملة بالرجل في كل مكان.