مهزلة الأنتخابات البرلمانية في كردستان وتداعياتها السياسية

 

جليل شهباز  

كما هو مقرر ستجري الأنتخابات البرلمانية، وأنتخاب رئيس الأقليم في كردستان العراق أواخر شهر تموز المقبل، وعلى الرغم من أن النتيجة معلومة مسبقا" ولكننا مع ذلك نرى من الضروري الإشارة إلى بعض الأمور والنقاط الهامة الذي تتعلق بمجريات سير عملية الأنتخابات وتداعياتها السياسية لأن ذلك من شأنه أن توضح للعمال والكادحين ماهية تلك الأنتخابات، ولماذا ستنحسم مسبقا" لصالح بعض القوى السياسية الرجعية. ولتوضيح هذه المسألة بشكل أدق نرى من الضروري الإشارة إلى لقاء لمسعود بارزاني مع الجالية الكردية في مدينة برلين، ففي هذا اللقاء وأثناء معرض حديثه عن مستجدات الأوضاع في كردستان أشار إلى نقطة أثارت دهشة وأستغراب الحضورعندما أكد بأن أكثر من مليون وماتي ألف شخص يقبضون رواتب شهرية من حكومة الأقليم، وبناء" على هذه المعلومة القيمة، فإذا قمنا بتناسب هذا الرقم إلى المجموع الكلي لسكان كردستان العراق، وإذا علمنا أن أكثر من نصف ذلك الرقم هم من أرباب العوائل، فسيتبين بأن أكثر من ثلثي سكان كردستان العراق يعتمدون في معيشتهم على تلك الاجور بأعتبارها المصدر الرئيسي لمعيشتهم، هذا فيما عدا نسبة كبيرة من الجهاز الاداري الهائل المتفرغ لاداء مهمات الدولة والمهمات لسياسية والجماهيرية المسخرة لخدمة الحزبين الرئيسيين الحاكمين في كردستان. فماذا يعني ذلك؟ وما علاقة ذلك بالنفوذ السياسي والأجتماعي للقوميين الكرد؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة للأنتخابات البرلمانية المزمع إجرائها في كردستان؟.

 

بأعتقا دنا أن الإجابة على تلك الأسئلة من شأنه أن توضح مهزلة الأنتخابات بكل تداعياتها السياسية.وعليه ففيما يتعلق بالسؤال الأول، ففي الحقيقة أنها تعني، بأن الغالبية العظمى من سكان كردستان تعتمد مائدة طعامهم وكل المستلزمات والوسائل الضروية لمعيشتهم على ذلك الاجر الذي يقبضونه من حكومة الأقليم. وهي تعني أن من يقطع عليه ذلك الراتب هو بمثابة الحكم عليه  بالموت جوعا". ذلك لان هناك توقف كامل لعجلة الإنتاج داخل المجتمع الكردستاني  الأمر الذي يترتب عليه توفر فرص العمل إذا ما فقد شخص ما عمله بامكانه تعويضها وليس الرمي في الشارع. فكما هو معلوم أن الحزبين الكرديين وحكومتهما الكارتونية لا تعيران أي أهتمام  لتوفير الرفاه والحياة الكريمة والتخلص من ظاهرة البطالة والجوع والبؤس، وليس هذا فقط، بل أن الإنتاج الصناعي شبه متوقف وكذلك الإنتاج الزراعي، على الرغم من توفر كل العوامل الضرورية لتنمية هذين القطاعين الأقتصاديين، أما القطاع التجاري فإن كل مفاصله الأساسية محتكرة من قبل عصابات المافيا التابعة للحزبين الكرديين وحكومتهما. ولذلك فإن المجتمع الكردستاني، وبحكم السياسات اللآإنسانية لسلطة القوميين الكرد، قد تحول إلى مجتمع مرهون بارادة القوميين الكرد حتى في لقمة معيشته.لذا نؤكد  بأن قطع تلك الاجور وغياب فرص العمل سيعني قطع الرؤوس.

 

وبما أن الوضع في كردستان هو بهذه الصورة فهذا يعني، من الناحية الشكلية على الاقل، بأن المجتمع الكردستاني مسلوب الإرادة وخاضع بصورة كلية لإرادة السلطة القومية الحاكمة. وهذا أمر مفهوم لأنه حين يكون الإنسان خاضع أقتصاديا" وبشكل مطلق لسيطرة قوة معينة فسيكون ذلك الإنسان مسلوب الإرادة وبإمكان تلك القوة أن يوجه ذلك الشخص إلى حيث يشاء، ونفس الشيء صحيح بالنسبة للسلطة والمجتمع، وفي حالة كهذه بإمكان السلطة أن تقود المجتمع وكذلك بإمكانها أن تفرض أشد القوانين والسياسات رجعية" على ذلك المجتمع. وفي حالة كهذه فإن أنعدام الحريات والحرمان من الحقوق والرجعية السياسية بكل أشكالها ستجد الباب مفتوحة أمامها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل أن ذلك الواقع المأساوي في كردستان هو حصيلة لتخطيط مسبق من قبل الحزبين الحاكمين؟ أم أن ذلك حصل بسبب القوانين الأقتصادية لحركة المجتمع؟ بأعتقادنا إن الأمر لا يختلف كثيرا"، فيما إذا كان ذلك الوضع قد حدث بسبب السياسات اللآإنسانية للحزبين الحاكمين أم بسبب القوانين الأقتصادية المرتبطة بالسياسة، حيث أن النتيجة هي واحدة وذلك لأن المجتمع  الكردستاني قد أصبح من الناحية الأقتصادية مجتمعا" يعتمد كليا" على  اجور الدولة. ومن الناحية السياسية منفردا امام سلطة القوميين الكرد نتيجة الاستبداد والطغيان وتحول بسببها غالبية المجتمع إلى ما يشبه الركيزة لادامة سلطة القوميين الكرد. ولذلك نرى أنه بعد عقدين من حكم القوميين الكرد ليس فقط، ينعدم عند القوميين الكرد أي توجه نحو التنمية الأقتصادية بل، يسعون لإخضاع الحركة الأقتصادية في كردستان كي تسير وفق أحتياجاتهم السياسية والاجتماعية بما يعزز سيطرتهم الطبقية على المجتمع الكردستاني. أما بهذا الخصوص فلا أظن أنهم سيسعون إلى تغيير ذلك الواقع الفاسد لأن كل سياساتهم الأقتصادية وخططهم وبرامجهم تشير إلى سعيهم للحفاظ على الوضع القائم ذلك لأن أي تغيير في مسار الحركة الأقتصادية للمجتمع الكردستاني من شأنها أن تضعف مكانة ونفوذ القوميين الكرد داخل المجتمع الكردستاني.

وعلى هذا الأساس فبامكان القوميين الكرد الاحساس بانهم سيذهبون إلى الأنتخابات البرلمانية مطمئنين، على الرغم من ظهور تيار آخر في كردستان بين المثقفين الذي يسمى نفسه بتيار التغيير والذي يقوده نوشيروان مصطفى، بأعتقادي أن ذلك التيار لا يشكل أي خطر على نفوذ الحزبين الرأيسيين للأسباب السالفة الذكر إضافة" إلى ذلك إن ذلك التيار يفتقد إلى الجذور الأجتماعية داخل المجتمع الكردستاني لأنه محصور بين المثقفين والمستائين من السياسات الجائرة للحزبين الحاكمين ولأن برنامجهم الأنتخابي وكل سياساتهم لا تحتوي على ما هو ذات علاقة بالمصالح الأساسية والحقوق الإنسانية للمجتمع الكردستاني وإن جل أهتمامهم منصب على مسألة ”الفساد“ وعدالة توزيع الموارد المالية والسلطة بين مختلف الأجنحة للطبقة البرجوازية الكردية. كما وأن الحركة الإسلامية الرجعية بمختلف تياراتها عاجزة أيضا" من إجراء أي تغيير داخل المجتمع في حالة فوزهم، ذلك لأن أهتمامهم منصب على نفس الشيء أيضا". وأستنادا" على كل ذلك فإن كل القوى السياسية والأجتماعية في كردستان تعلم علم اليقين بأن التغيير يعني الثورة على الملكية الخاصة ونظام العمل المأجور وإن إجراء أي تغيير في الأوضاع الأقتصادية والسياسية والأجتماعية من شأنه أن تعصف سلطة البرجوازية وكل ركائزهم الأجتماعية والأقتصادية ولذلك فإن كل القوى السياسية البرجوازية إما يتحاشون من عملية التغيير أو يدعون  بها زورا" لكسب أصوات الناخبين المتعطشين إلى الحرية والمساواة والرفاه. وفي هذا الأثناء فإن عملية التغيير لا يمكن أن يتم إلا بهمة المناضلين الشيوعيين ونضالهم وتضحياتهم بعد الأعتماد على  إرادة وقوة العمال والكادحين، ويجب أن يعلم الجميع بأن الشيوعيين قادرين على فرض التغيير لأنه ليس لهم أية مصلحة للحفاظ على الوضع القائم.

وها أن ما يسمى بالأنتخابات في إبران تؤكد صحة تحليلاتنا وتصوراتنا وتكتيكاتنا السياسية ذلك لأن دعاة التغيير أو ما يسمى بالاصلاحيين قد صعدوا موجة الأعتراضات الجماهيرية ضد النظام الاسلامي الحاكم في إيران، وأنهم يعلمون جيدا" بأن كل الصراعات السياسية والتلاطمات الأجتماعية تسير على عكس إرادتهم لأنهم ينتمون إلى نفس الجبهة  الرجعية مع التيار المتشدد ويعتبرون جزء" من نفس النظام السياسي الرجعي ولا يسعون أبدا" إلى الإطاحة بالجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه، أما بهذا الصدد فإن دورتين من حكم الرأيس الأسبق خاتمي يشهد على ذلك فلم يتغير أي شيء أثناء فترة حكمه. ومن جانب آخر فإن أغلب الشعارات التي يرفعها الجماهير في كل أعتراضاتهم الأجتماعية الجارية هي شعارات راديكالية ليس لها أية صلة بخطط وبرامج الإصلاحيين وعليه فإن ما يجري في إيران هي ثورة على الوضع القائم أفلتت من يد الإصلاحيين وتتجه نحو الإطاحة بالجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه. أما بهذا الصدد فإن الحزب الشيوعي العمالي الإيراني يلعب دورا" بارزا" في التعجيل بمسيرة الأعتراضات الأجتماعية نحو الإطاحة بالجمهورية الإسلامية كما وإن التوجيهات والإرشادات السياسية لقيادة الشيوعية العمالية وليدر الحزب الشيوعي العمالي الايراني  الرفيق ( حميد تقوائي ) الذي يبثها للجماهير المنتفضة عبر فضائية ( كنال جديد ) هي الأخرى تلعب دورا" بارزا" في تقوية التلاطمات الأجتماعية والصراع السياسي داخل المجتمع الإيراني بغية الإطاحة بالجمهورية الاسلامية.

والسؤال هنا: هل إن ما حدث في إيران بعد الأنتخابات سيتكرر في كردستان بعد الأنتخابات البرلمانية؟ في الحقيقة فان الوضع الثوري في ايران هو الذي برز وانفجر بصيغة احتجاجات ضخمة. ان تلك الاوضاع غير متوفرة حاليا في العراق ولكن تمكن الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي وبرفقة كل القوى السياسية والأجتماعية الداعية للحرية والمساواة في القيام بدوره السياسي ورفع راية الشيوعية العمالية فان الاوضاع ستتغير حتما وخاصة اثر اندلاع الثورة الاشتراكية في ايران وتغييرها كل مسارات الاحداث في المنطقة والعالم.

 

أن الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي عليه تقوية صفوفه والتحول الى حزب قوي وان مؤازرة ثورة جماهير ايران الراهنة هي احدى اهم وظائفنا في المرحلة الراهنة.