مقابلة مع جليل شهبازعضو المكتب السياسي حول تداعيات الصراع الحالي بين المالكي وعلاوي

 

نحو الاشتراكية: بعد انتهاء مهلة المائة حول خلفية تفعيل الوزارات الحكومية اشتد الصراع بشكل حاد بين المالكي وعلاوي وكتلتيهما الرجعيتين. باعتقادكم ماهو السبب الحقيقي لاشتداد ذلك الصراع بعد انتهاء هذه المهلة؟ وما هي خلفياتها وتداعياته؟ وأين يتجه ذلك الصراع؟ وماهو رأي الشارع العراقي حولها؟

 

جليل شهباز: في الحقيقة ان السبب الحقيقي لاشتداد الصراع بين بين كتلتي العراقية ودولة القانون على خلفية انتهاء مهلة المائة يوم هو الصراع على السلطة والسيطرة على كل المقدرات المالية والاقتصادية للشعب العراقي وكانت انتهاء مهلة المائة يوم فرصة ثمينة بالنسبة لعلاوي وكتلته الرجعية لتفعيل الصراع مجددا" على السلطة السياسية,

 

أما خلفايات ذلك الصراع وتداعياتها، باعتقادي ان خلفيات ذلك الصراعات ترتبط بصورة غير مباشرة بالصراع السني الشيعي التي اخذ طابعا" دمويا" عنيفا" ووحشيا" بعد الاطاحة بالنظام البعثي وبعد انجرار العراق نحو الحرب العرقية والمذهبية على خلفية السياسات اللاإنسانية التي مارستها امريكا وحلفائها في العراق والتي تنفجر مجددا" كلما سنحت الظروف بذلك. أما السبب المباشر لتفجير ذلك الصراع فهو مرتبط بالانتخابات البرلمانية الاخيرة عندما حصلت كلتة العراقية على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية وعلى الرغم من ذلك تمت حرمانها من تشكيل الحكومة بسبب التحالفات الجديدة التي تشكلت بعد الانتخابات والتي كان اهمها تحالف كتلة دولة القانون مع بعض التكتلات الشيعية الاخرى والتي بموجبها أصبح التحالف الشيعي أغلبية برلمانية والتي عرفت بكتلة التحالف الوطني كما وأن الضغوط الشديدة

 

التي فرضت على كتلة العراقية من قبل كل القوى السياسية العراقية في مؤتمر أربيل ومبادرة مسعود البارزاني اضافة" الى الضغط الامريكي الغربي والدور الإيراني التي ساعد على تقوية الموقع التنافسي للقوى الشيعية في الصراع على السلطة كل ذلك حالت دون قدرة كتلة العراقية بتشكيل الحكومة. وعلى هذا الأساس فكان فشل المالكي في تحقيق برنامجه الحكومي خلال مهلة المائة يوم فرصة ذهبية بالنسبة لعلاوي وكتلة العراقية لاعادة تفعيل قضية الصراع على السلطة. وباعتقادنا ان هذا الصراع سيبقى مستمرا" بين الشعة والسنة وبين مختلف القوى السياسية الناشئة على تلك المكونات العرقية والمذهبية طالما بقيت الحياة السياسية والبرلمانية في العراق قائما" على اساس الطائفية والعرقية والمذهبية. أما بالنسبة للموقف الجماهيري من ذلك الصراع لقد أخذ هذا السؤال جوابها من الموقف الجماهيري الرافض لكل من الحكومية وكذلك المعارضة على حد سواء، وهذا الموقف الجماهيري قد تجسد بشكل واضح في المظاهرات والاضرابات التي عمت في معظم المدن العراقية في الفترة الأخيرة.

 

 

نحو الاشتراكية: كما هو معلوم، بعد اشتداد الصراع بين هاتين الكتلتين، وأسوة" بما كان يحدث على خلفية كل صراع بين مختلف القوى السياسية سواء داخل الحكومة أوخارجها، ترافقها دوما" موجة من العمليات الارهابية الدموية في الكثير من محافظات العراق ومنها بغداد وهذا ما يحدث حاليا" في هذا الصراع أيضا". برايكم هل أن إحدى طرفي ذلك الصراع أوكلاهما يقفان خلف تلك العمليات الارهابية؟ ولماذا يلجأون باستمرار لهذا الأسلوب الدموي بغية حل نزاعاتهم، علما" أن أسلوب الحوار السلمي ممكن المنال؟

 

جليل شهباز: هذا صحيح، ان النزاعات السياسية بين مختلف القوى السياسية العراقية تتطور بشكل سريع الى نزاع دموي بين تلك القوى لأن النزاعات والخلافا السياسية بين تلك القوى عميقة حدا" ويستحيل حلها بالحوار السياسي السلمي ولذلك يلجأون دوما" الى استخدام القوة والعنف بغية فرض مختلف برامجهم وخططهم الرجعية والمعادية للانسان العراقي على نظرائهم السياسيين في الساحة السياسية العراقية وبما أن انتماءاتهم السياسية تعود الى الى التقسيم المذهبي والعرقي التي فرضها امريكا والتحالف الغربي على المجتمع العراقي، فإن هذا الوضع سيبقى على ما هو عليه لغاية بروز قوى اليسار والعلمانية كلاعب أساسي في الموازنات السياسية في العراق وحينئذ من الممكن أن يتغير الأوضاع السياسية في العراق لصالح الجماهير العراقية. أما بالنسبة للطرف المسؤول عن تدهور الوضع الأمني في العراق على خلفية ذلك الصراع، فإننا نرى بأن كلا طرفي الصراع مسؤلان عن تدهور الوضع الأمني وسفك الدم العراقي ذلك لأن كل القوى السياسية المذهبية والعرقية، ومن ضمنهم كتلة العراقية السنية والتحالف الوطني الشيعي، في العراق لايهمهم من أوضاع العراق السياسية والاجتماعية ومستقبل جماهير العراق سوى تأمين الوصول الى السلطة ونهب المال العام ولذلك فحتى اذا كان احد طرفي ذلك النزاع لم يبادر الى استخدام العنف فهو الاخر أيضا" مسؤول أمام الجماهير عن هذه الأوضاع الامنية المتدهورة لأن سياساته الرجعية وسعيهم الى السلطة والمال مهما كان السبب لا يترك مجالا" للحوار السياسي السلمي والحضاري.

 

نجو الاشتراكية: كما هو معروف، ان علاوي هو بعثي سابق وان كتلته هي كتلة قومية ويضم في صفوفها الكثير من القوى والشخصيات السياسية القومية الشوفينية. فهل ما زالت هناك ميل معين داخل المجتمع العراقي نحو النزعة القومية؟ وهل هناك قوى دولية وأقليمية معينة تدعم أجندتهم السياسية؟ وما هو الموقف الامريكي الغربي من ذلك الصراع؟

 

جليل شهباز: في الحقيقة، بعد انهيار النظام البعثي تراجع المد القومي كثيرا" في العراق وتقوقع فقط في بعض المناطق السنية ولكنه بعد الانتخابات البرلمانية الأولى وتقسيم السلطة والثروة الوطنية على أساس الانتماءات العرقية والمذهبية انتعش التيار القومي من جديد في المنطقة السنية من العراق وقد أشرنا الى ذلك بشكل واضح في تحليلاتنا السياسية وصحافتنا الحزبية، وقد أكدنا دوما" بأنه عندما يتم تقسيم المجتمع والثروة الوطنية على اساس مذهبي وعرقي فأن هذا من شأنه أن يؤجج بالضرورة المشاعر العرقية والمذهبية ولتشكل فرصة ثمينة للقوى السياسي القومية للنهوض من جديد، وكذلك عندما يتم تشكيل الحكومة والبرلمان على نفس الأسس فهذا من شأنه أيضا" أن تدفع مختلف القوى السياسية القومية والمذهبية لبذل كل ما في وسعهم بغية فرض خططهم وبرامجهم القومية والمذهبية على الجماهير مهما كان الثمن من أجل تحقيق مصالحهم السياسية الحزبية الضيقة في أسرع وقت ممكن. وعلى هذا الأساس فإن الميل القومي في ظل هذه الأوضاع السياسية في العراق يستمد موضوعيته من هذا التقسيم الطائفي والمذهبي والعرقي للمجتمع وبطبيعة الحال طالما كان الميل القومي متواجد داخل المجتمع فإن مختلف القوى القومية ستستطيع أن تصبح قوى فاعلة داخل المجتمع العراقي. أما القسم الثاني من سؤالكم: فأن ما ذكرنا يشكل العامل الداخلي بالنسبة لأنتعاش النزعة القومية ونهوض والقوى السياسية القومية. أما دور العامل اخارجي فمن الممكن ملاحظته بسهولة في كيفية تركيب الخارطة السياسية العراقية حيث أنه لا توجد قوة سياسية في العراق غير مدعوم من قوى أقليمية أو دولية معينة ولذلك فإن مختلف القوى السياسية القومية في العراق لها ظهيرة أقليمية قوية وقد لعب دورا" بارزا" في دعم القوى السياسية القومية وحتى أن تشكيل كتلة العراقية بمختلف مكوناته قد تم بإيعاز ودعم غير محدود من تلك القوى الأقليمية ومن دون ذلك الدعم لما تمكنت العراقية من تحقيق تلك النتيجة المهمة في الانتخابات وبطبيعة الحال ان هذا الدعم والدور الدولي والأقليمي في العراق يقع ضمن دائرة التوازنات الدولية والصراع على مناطق النفوذ. أما الدور الأمريكي في ذلك الصراع، فإنني أرى بأن التدخل كان مرهونا" بطبيعة الصراع مع إيران ودورها في الشأن السياسي العراقي وان حرمان علاوي وكتلة العراقية من تشكيل الحكومة بعد مؤتمر أربيل ومبادرة مسعود البارزان جاء على خلفية ذلك الصراع وكانت كل المؤشرات حينئذ تدل على ميل كفة الصراع في المنطقة لصالح إيران وهذا ما مكن التحالف الشيعي من تشكيل الحكومة.

 

نحو الاشتراكية: ان علاوي وبرفقته الكثير من المحللين السياسيين يعرفون كتلة العراقية بالعلمانية! فأين يقف علاوي وكتلته القومية من العلمانية؟ وما هو موقف قوى اليسار والعلمانية في الساحة السياسية العراقية من الصراع الدموي الجاري حاليا" في العراق؟ وهل هناك امكانية موضوعية لتصبح قوى اليسار والعلمانية قوة سياسية فاعلة وجادة في الخارطة السياسية العراقية؟

 

جليل شهباز: ليس مهما" بالنسبة لنا كيف يصف علاوي وكتلته نفسيهما؟! بل المهم هو كيف يصف الناس هذا الشخص وهذه الكتلة. فالقاصي والداني يقولون بأن علاوي هو بعثي سابق وقومي حالي، ويقولون أن كتلته هي كتلة قومية رجعية وتضم في صفوفها العديد من القوى والشخصيات السياسية الشوفينية مثل ظافر العاني وصالح المطلك وأسامة النجيفي وإلخ، وكل من في العراق يعلم بأن حزب البعث المقبور له نفوذ قوي داخل هذه الكتلة، وليس هناك في العراق والمنطقة من لا يعلم بأنه لولا الدعم المباشر والغير محدود من السعودية وبعض مشايخ الخليج لإستحال أن تحقق العراقية تلك النتيجة المهمة في الانتخابات البرلمانية ولذلك فإنه من الممكن أن يكون علاوي وكتلته أي شيء ياستثناء أن يكون علمانيا" وان تاريخه السياسي وعلاقاته المشبوه وكل مواقفه السياسية يثيت ذلك دون لبس أو إبهام.

 

أما موقف قوى اليسار والعلمانية من ذلك الصراع الدموي فهو واضح حيث أن مظاهراتهم الأسبوعية في ساحة التحرير تعبر عن مواقهم المناهضة لذلك الصراع وان كل لافتاتهم وجدارياتهم تحمل مختلف الشعارات التي تدين ذلك التدهور الأمني وذلك الصراع الرجعي على السلطة والثروة ولا يمر يوم دون أن نرى مختلف الفعاليات السياسية والجماهيرية التي تنظمها قوى اليسار والعلمانية ضد مخططاتهم ومختلف نزاعاتهم الدموية والمشبوهة. أما بخصوص الشق الأخير من سؤالكم: فبطبيعة الحال هناك إمكانية موضوعية لكي تصبح قوى اليسار والعلمانية لاعبا" أساسيا" في الخارطة السياسية العراقية وإن هذه الموضوعية تستمد واقعيتها من الأوضاع السياسية والاجتماعية المأساوية التي أوجدتها السياسات الرجعية واللاإنسانية الامريكية والتي نفذتها مختلف القوى السياسية القومية والمذهبية في العراق سواء من كان منهم في السلطة أو المعارضة ونحن نؤكد بأنه طالما بقي الفساد الاداري ونهب المال العام وحرمان الجماهير من الحقوق والحريات، وطالما بقي جماهير العراق محروما" من الخدمات الإنسانية ومن العيش الرغيد، وطالما بقي المواطن العراقي محروما" من تحديد مصيره السياسي بنفسة، فإن قوى اليسار والعلمانية ستظهر دوما" في الساحة السياسية العراقية، وان ما يحول دون صيرورتهم قوة فاعلة في الساحة السياسية العراقية لا يرتبط بانعدام الموضوعية في بروزهم، بل أن تشتتهم وفقدان الإرادة السياسية التي من شأنها ان توحدهم في جبهة عريضة بوجه القوميين والاسلاميين هو السبب الوحيد الذي يحول دون صيرورتهم قوة أساسية فاعلة في الأوضاع السياسية للعراق.

 

نحو الاشتراكية: أنتم في الحزب الشيوعي اليساري العراقي، كيف تقييمون الصراع السياسي الحاد الحالي بين المالكي وعلاوي؟ وما هو مواقفكم السياسية العملية من هذا الصراع؟ وما هو سبيلكم النضالي لاخراج العراق من دوامة الأزمات السياسية التي تعصف بالعراق وبالتالي تشكيل حكومة مدنية قائمة على الإرادة السياسية المباشرة للجماهير؟

 

جليل شهباز: لقد ذكرت فيما سبق إن القوى السياسية القومية والمذهبية في العراق لا يهمهم أي شيء في الشأن السياسي العراقي باستثناء السلطة والثروة وإن ما يحصل حاليا" بين علاوي والمالكي يقع في هذه الدائرة ثم إن مثل هذه القوى السياسية لا يتمكنون من تغيير سلوكهم السياسي ولا ممارساتهم الوحشية واللاإنسانية  ذلك لأن الفكر القومي والاسلامي وما تفرزان من ممارسة سياسية لا يمكن أن يولد منها غير بؤس الإنسان وحرمانه من الحقوق والحريات وهذا ما يحصل حاليا" في العراق.

أما مواقفنا السياسية العملية، فتتمثل بإصدار العديد من البيانات والمقالات الحزبية التي تتضمن إدانة واضحة وصريحة لهذا النزاع الدموي وما رافقه من تدهور أمني ووقوع ضحايا كثيرة من بين المواطنين الأبرياء وقد تناولت مقالاتنا وبياناتنا ومجمل صحافتنا الحزبية أيضا" أمر تعرية النوايا الخبيثة لكلا طرفي هذا النزاع وتوضيح الطبيع اللاإنسانية لهذا الصراع وناشدنا فيها جماهير العراق بالالتفاف حول سياسات حزبنا لصد هذا النزاع الوحشي وارغامهم على على الخضوع للإرادة الجماهيرية وحقوقهم العادلة وحتى نتحول الى قوة فاعلة لاحباط كل السياسات المعادية للإنسان. كما وأن تنظيماتنا يشاركون في معظم الفعاليات والأنشطة الاعتراضية للجماهير المنظمة لهذا الغرض كما وان نشطائنا وكوادرنا الحزبية قد أجروا العديد من اللقاءات الصحفية مع مختلف وسائل الإعلام أدانوا فيها ذلك الصراع الدموي وكشفوا محتواها الرجعي واللاإنساني وفي خارج العراق فعلت تنظيماتنا نفس الشيء.

إننا في الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي نناضل من أجل الغاء نظام العمل المأجور لأن هذا النظام يولد كل أشكال الظلم الاجتماعي وكل أشكال الحرمان والشرور الذ يصاب به الإنسان وكذلك يولد كل أشكال النظم السياسية الشريرة والمستبدة التي تلحق الأذى بالإنسان لا وبل تجرده من انسانيته. ولذلك فإن سبيلنا لإنهاء هذه الأوضاع اللاإنسانية هو النضال من أجل جمهورية إنسانية يكون فيها الإنسان الغاية والوسيلة.