دراسات في الاقتصاد السياسي الماركسي

الطابع المزدوج للعمل

 

 جليل شهباز

إن للعمل، اسوة" ببقية السلع، خاصيتان:

أ ـ القيمة الاستعمالية.

ب ـ القيمة التبادلية.

تنشأ هاتين الخاصيتين بالنسبة للعمل كنتيجة لخصائص العمل المنتج للسلع.والتي تحمل طابعا" مزدوجا" فهي من إحدى الجوانب عمل نافع وتنتج قيما" استعماليا" معينا"، ومن الجانب الآخر عبارة عن عمل إنساني منفق، أي عبارة عن عمل بصورة مجردة ولا علاقة لها بأشكالها الحسية. « إن جميع الخصائص التي تميز العمل المنتج للقيمة الاستعمالية تتلاشى عند التعبير عن هذا العمل المنتج بالقيمة الخالصة »1. وبهذا فإن الفرق بين القيم الاستعمالية محدد بالفارق النوعي للعمل المنفق عليها. فعلى سبيل المثال إن عمل النجار يتميز عن عمل الحداد. فالأول يستعين بأدوات خاصة بأعمال النجارة وهدفه صنع مختلف المواد الخشبية المفيدة للإنسان، في حين أن عمل الحداد مرتبط بأنواع اخرى من العمليات وأنه يعمل مستعينا" بوسائل وأدوات اخرى ويهدف إلى إنتاج مختلف الأدوات والوسائل التي تساعد الناس في حياتهم العملية وخوصا" في الزراعة. ونتيجة لاختلاف نوعية العمل لدى كلا المنتجين فإن منتجاتهما كقيم استعمالية متميزة عن بعضها البعض، كما وإن العمل المتجسد في هاتين النوعين من السلع يتميزان عن بعضهما من الناحية الحسية. وكذلك يختلفان بطابع عملياتهما وأدواتهما ونتيجتيهما النهائية. ذلك لأن العمل الذي ينتج القيم الاستعمالية يسمى بالعمل الحسي ويتصف هذا النوع من العمل بأنه عمل نافع يصنع القيم الاستعمالية وهذه بدورها تشكل ضرورة طبيعية وهو شرط لوجود الناس المستقل عن العلاقات الاجتماعية والذي بدونه يستحيل وجود حياة للإنسان. فالإنسان يضطر من أجل ضرورة صنعها إلى استخدام مختلف المواد الطبيعية وتحويلها وفق صورة معينة. وبذلك فإن القيمة الاستعمالية عبارة عن وحدة عضوية بين المادة الطبيعية وبين عمل الإنسان النافع.

إن السلع لا تتميز فيما بينها من حيث شكلها المادي واختلاف نوعية الأدوات والوسائل المستخدمة في صنعها فقط، بل يوجد أيضا" فيما بينها أمر عام، هو القيمة.« والقيمة الاستعمالية هي، في المجتمع الذي علينا دراسته، في الوقت نفسه، الدعائم المادية للقيمة »2. ولكن القيمة بحد ذاتها ليست أكثر من نتيجة لهذه المسألة العامة القائمة بين مختلف أنواع العمل النافع. فعمل النجار يتميز عن عمل الحداد العام الموجود بين مختلف أنواع العمل النافع، فالعمل الذي ينفقه النجار في إنتاج منضدة، يختلف عن العمل المنفق في انتاج المنجل الذي يصنعه الحداد، من حيث خصائصه النوعية، ذلك لأن نتاج عمل الأول هو المنضدة في حين أن نتاج عمل الثاني هو المنجل. ألاّ أن كلا النوعين من العمل المنفق يتضمنان شيئا" واحدا" مشتركا". وهو أن كلا" منهما عبارة عن إنفاق قوة عمل إنسانية يحتوي على: قوة عمل العضلات والدماغ، فإذا اختزلنا العمل المنتج للبضائع من الشكل المحدد للنشاط الانتاجي وبالتالي عن الشكل النافع للعمل، فسيبقى أمر واحد فقط : وهو انفاق قوة العمل الانسانية فهذا العمل المنتج إذا تم تجريده من خصائصه الحسية، سيصبح عملا" مجردا" أي عملا" إنسانيا" بشكل عام.

ومع كل ذلك لا يمكن أن يكون العمل بصورة عامة وفي جميع الظروف الاجتماعية، عمل مجرد ففي الاقتصاد الطبيعي يبرز العمل مباشرة" من دون تمييز منتوج معين عن منتوج آخر حيث أنه يبرز كعمل إنساني عام كما وفي ظروف المشاعة البدائية على سبيل المثال عندما لم يكون هناك بعد الانتاج البضاعي فإن عمل كل فرد من أفراد المشاعة كان يبرز بشكل مباشر بصفة عمل إنساني عام كقسم من مجموع العمل الاجتماعي. حيث أن العمل الاجتماعي المشترك كان يوحد بين مختلف أفراد المشاعة وإنعدم داخل المشاعة وجود المنتجين بشكل منعزل عن بعضهم لأنهم كانوا ينتجون ما يحتاجونها من المنتجات بشكل جماعي، بغية اشباع الحاجات الجماعية المشتركة، وفي نفس الوقت كان يتم توزيع تلك المنتجات من قبل المشاعة ذاتها. وعندما ظهر المالكون الخصوصيون لوسائل الانتاج، المنتجون للسلع، والمرتبطون فيما بينهم بالتقسيم الاجتماعي للعمل، وبالتبادل، أصبح الطابع الاجتماعي للعمل يتبدى فقط في سياق التبادل لقد حلت الملكية الخاصة تاريخيا" محل الملكية المشاعية، والعمل في ظل الملكية الخاصة لم يعد عملا" اجتماعيا" مباشرا". وكان تبادل السلع وحده هو الذي يشير، إلى العلاقة التي تربط بين منتجي البضائع جميعا"، وإلى أن عمل كل منهم يشكل جزءا" من مجموع العمل الاجتماعي. وبذلك لم يظهر الطابع الاجتماعي لعمل منتجي البضائع إلا من خلال التبادل. لأن هذا العمل الإنساني العام الذي يتبدى طابعه الاجتماعي من خلال التبادل، هو العمل المجرد. والعمل المجرد هو الشيء العام القائم في عمل منتجي السلع المنفردين. أنه إنفاق قوة عملهم باعتبارها عملا" إنسانيا" عاما" وواحدا". بيد أنه يخطأ من يعتقد بأن العمل المجرد عبارة عن مفهوم مجرد حيث أن العمل المجرد هو من الناحية العملية مقولة موضوعية في العلاقات الاقتصادية والنشاط الاقتصادي العام. في حين إن الانتاج السلعي يتطلب من الناحية الواقعية تقسيما" اجتماعيا" للعمل. إلاّ أنه إذا وجد في المجتمع أنواع متباينة من العمل ومرتبطة فيما بينها، فإن العمل الاجتماعي ستكون عبارة عن المجموع الواقعي لكل هذه الأنواع المختلفة عن بعضها البعض. إن المنتجون منعزلون عن بعضهم البعض إلى هذا الحد أو ذاك ولكن فقط، التقسيم الاجتماعي للعمل يوحدهم ويميزهم عن بعضهم البعض في آن" واحد. وتبدو هذه الظاهرة الأقتصادية أيضا" في سياق التبادل، على أن العمل المجرد هو ذلك الشيء العام، الملازم لمختلف أنواع العمل ضمن شروط إنتاج السلع.

إن المنتجين عندما يقارنون بضائعهم كقيم فأنهم يقارنونها بعملهم الإنساني العام، وعليه فالقيمة تعبر عن العلاقات الإنتاجية بين منتجي السلع. ومن هنا يكتسب كل السلع المنتجة القيمة الاستعمالية. وبهذه الطريقة يمكننا تحديد وفهم كل من القيمتين الاستعمالية والتبادلية وكيفية إنتاجهما.

 

المراجع :

1ـ سميث. آدم، " محاضرو في طبيعة وأسباب ثروة الشعوب" ص 201، لندن 1876

2ـ سينيور، "المبادئ الأساسية للأقتصاد السياسي"، ص 303، باريس 1936