ريبوار أحمد وحزبه اليميني، يركعان أمام البرجوازية القومية الكرديــــــة!

 

 جليل شهباز

gelilshahbaz@yahoo.com

 

بعد أن سارت قيادة الحزب الشيوعي العمالي العراقي وراء الجناح اليميني المنشق من الحزب الشيوعي العمالي الإيراني، قلنا في إحدى رسائلنا الموجهة إلى الحزب المذكور ( بأنه إذا أصر قيادة هذا الحزب على السير وفق هذا المنهج السياسي فسوف ينزلق هذا الحزب إلى هاوية لا تحمد عقباها! ). ولكن الذي حصل هو أسوء من ذلك بكثير. لأنه عندما ينزلق حزب ما نحو سياسة مناقضة لطريقة تفكيره ومنهج عمله السياسي فمن الممكن أن يأمل المرء بإصلاح ما تم إفساده ولكن الذي فعله ريبوار أحمد وحزبه اليميني هذه المرة قد قضي حتى على آخر الآمال بعودة هذا الحزب إلى المواقع المشرفة للشيوعية العمالية. حيث أن ريبوار أحمد ليدر الحزب الشيوعي العمالي العراقي قد وجه رسالة ذليلة إلى الاتحاد الوطني الكردستاني بتاريخ 20 تشرين الأول 2005 أعلن فيه ومن طرف واحد إنهاء حالة التوتر والتقابلات السياسية مع الاتحاد الوطني الكردستاني، وأظن بأن المرء لا يحتاج إلى أي جهد فكري ولا أي تحليل سياسي لكي يثبت بأن المدلول السياسي لتلك الرسالة لا تعني سوى رغبة ريبوار أحمد وحزبه في رفع الراية البيضاء للبرجوازية القومية الكردية وركوعهم الذليل أمام أحزابهم الرجعية والفاسدة، فلو ألقينا نظرة" خاطفة على تلك الرسالة سنرى بسهولة كيف تجسد تلك الوثيقة الذليلة سياسة يمينية واستسلامية أمام القومويين الأكراد حيث أنه يقول:

( في سنة 2000 ونتيجة بعض الخلافات والنزاعات السياسية بين الحزب الشيوعي العمالي العراقي والاتحاد الوطني الكردستاني و... وبهذه الصورة فإن الاتحاد الوطني قد جر الاختلاف السياسي إلى ميدان المعركة والمواجهة  المسلحة معنا. )! أمر غريب أنه يؤشر إلى الخلاف والتقابلات السياسيين وكأنهما محصورتان فقط بين هذين الحزبين ولاعلاقة لهما بما يجري وما يحصل داخل المجتمع وكذلك يؤشر إلى الخلافات والتقابلات السياسيتين وكأنهما غير موجودتان بين الطرفين قبل سنة 2000.

أما بهذا الخصوص فحتى من كان ملما" فقط بألف باء الماركسية يعلم جيدا" بأن الخلافات والتقابلات السياسيتين بين مختلف القوى والأحزاب السياسية الجدية داخل المجتمع تنبع أصلا" من المنازعات والصراعات والتقابلات التي تجري داخل المجتمع بين مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية وليس من رغبة وإرادة الأحزاب. في حين إن الأحزاب السياسية التي تمثل تلك الطبقات والشرائح الاجتماعية في الميدان السياسي وتمثل مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ستكون أحزاب فعالة واجتماعية وذات تأثير ونفوذ واسعين بين الجماهير بذلك القدر الذي يجسد فيها تلك المنازعات والتناحرات في عملهم السياسي ومنهجهم الفكري وشعاراتهم وتوجهاتهم وكذلك عندما يجسد برامجهم السياسية أهداف وأماني وتطلعات تلك الطبقات والشرائح

 وليس هذا فقط، بل عندما تقوم تلك الأحزاب السياسية في كل لحظة بتنظيم وقيادة نضال الطبقة الاجتماعية نحو تحقيق أهدافهم العامة وبالتالي تحقيق مطالبهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وذلك من خلال الاستيلاء على السلطة السياسية أو فرض تلك المطالب على الطبقات الحاكمة وسلطاتهم السياسية أثناء التقابلات الاجتماعية الجارية داخل المجتمع.

بما أن الوضع هو بهذه الصورة فهل أن الخلافات والتقابلات السياسية ستنتهي عندما يرغب الحزب السياسي بإنهائها وعندما يرغب بالاستسلام أسوة" بحزب ريبوار أحمد؟! بطبيعة الحال الجواب، هو كلا!  لأن التناقضات والصراعات والتلاطمات السياسية والاجتماعية بين مختلف طبقات المجتمع وكما أشرنا هي ليست من صنع الأحزاب والقوى السياسية بل انعكاس لحالة اجتماعية محددة تاريخياً بنظام الملكية وشكل النظام الاجتماعي والعلاقات التي تنشأ بين الطبقات واختلاف وتضاد المصالح الاقتصادية لتلك الطبقات داخل المجتمع أثناء عملية الإنتاج الاجتماعي. ولذلك فعندما يقرر ريبوار أحمد على إنهاء النزاع والتقابلات السياسية ويعلن استسلامه للاتحاد الوطني فأنه سوف لن يستطيع إنهاء التقابلات السياسية داخل المجتمع الكردستاني فإن ما سيحصل هو فقط انتقال ريبوار أحمد وحزبه اليميني الانهزامي بشكل علني إلى معسكر أعداء الطبقة العاملة وأعداء الحرية والمساواة فهنيئا" لهم بذلك!! ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل أن إنهاء التقابلات السياسية وتنقية الأجواء داخل المجتمع الكردستاني في ظل الأوضاع السياسية والاجتماعية الحالية في العراق وكردستان أمر لصالح الجماهير المحرومة وفي نهاية المطاف ستصب في مجرى المصالح العمومية لجماهير كردستان؟! بطبيعة الحال الجواب، هو كلا أيضا"! وعلى الرغم من أنه لا ينكر أحد بأن جو سياسي سليم وخالي من القمع والاستبداد هو أفضل لنضال الجماهير! ولكن ذلك أمر محال وسأذكر لاحقا" السبب الذي يحول دون ذلك، وعليه فإن أية ممارسة سياسة في ظل مثل هذه الأوضاع السياسية، سيما أن الاعتراضات الجماهيرية ضد الأحزاب القومية الكردية الحاكمة قد بدأ يتوسع في الكثير من مناطق كردستان، تدعو  الجماهير إلى التخلي عن النضال والاعتراضات التي تدافع عن مصالحهم ومطالبهم الإنسانية بكل الوسائل الإنسانية الممكنة! وأي تكتيك سياسي يرغمهم على ذلك! لا تعني في الحقيقة سوى ممارسة سياسة انتهازية مبتذلة وخيانة واضحة وصريحة لاشتراكية ماركس والشيوعية العمالية. ثم أية معركة هي التي تقصدها فإذا كنت تقصد ما حدث في 14 تموز فإن ما حصل في ذلك الوقت لم تكن معركة حتى وفق أبسط المقاييس والقواعد العسكرية، حيث أن الجميع يعلم إن الذي حدث في ذلك الوقت كانت مجزرة وحشية .

 

ارتكبتها عصابات الاتحاد الوطني الكردستاني بحق خيرة كوادر الحزب الشيوعي العمالي العراقي، وعلى الرغم من إنني أحيي روح التضحية والبسالة والفداء لدى الرفاق الخمسة الذين اغتالتهم عصابات الاتحاد الوطني، إلا أن وزر تلك الجريمة البشعة يقع على عاتق قيادة الحزب الشيوعي العمالي العراقي بذلك القدر من المسؤولية التي تقع على عاتق عصابات الاتحاد الوطني. ذلك لأن قيادة الحزب الشيوعي العمالي العراقي قد جر الحزب الشيوعي العمالي العراقي، إلى مواجهة غير متكافئة ومعلومة النتائج مسبقا"، لا لشيء سوى لتهور قيادة ذلك الحزب وعدم تقديرها الصحيح لموازين القوى العسكرية والاجتماعية فجعل هؤلاء الرفاق لقمة سائغة في افواه هؤلاء البرابرة.

 

ثم يقول ريبوار أحمد (في السنين الخمسة المنصرمة وعلى أثر إصرار الاتحاد الوطني على سياسته القمعية الداعية للحرب والملاحقات بحق حزبنا وسلب الحريات السياسية، فإن التقابلات والتهديدات أصبحت مستمرة وإن هذه الأجواء التي حدثت فيما بيننا كان لها أثرا" فعالا" وسلبيا" على الأجواء السياسية للمجتمع. )ـ يتحدث ريبوار أحمد هنا وكأنه يروي، ما حصل في 14 تموز والنتائج التي ترتب على ذلك، لسكان كوكب آخر! لا يا سيدي الفاضل! إن ما حصل في ذلك الوقت يتذكره الجميع لأنه لم يمضي سوى بضعة سنين على تلك الجريمة البشعة! كما وأن كل جماهير مدينة السليمانية وكل كوادر وأعضاء ومؤيدي الحزب الشيوعي العمالي العراقي من الذين يرون الوقائع اوالأحداث السياسية بشكل موضوعي وواقعي يعلمون جيدا" بأن تنظيمات حزبكم قد انهارت على أثر تلك الهجمة الوحشية لعصابات الاتحاد الوطني على حزبكم وإن من تبقى من كوادر وأعضاء ومؤيدي ذلك الحزب إما كانوا ملاحقين من قبل الأجهزة القمعية للاتحاد الوطني أو كانوا محتجزين في زنزاناتهم ويعلمون أيضا" بأن قيادة الحزب الشيوعي العمالي العراقي قد أعلنت بشكل غير مباشر استسلامها للاتحاد الوطني الكردستاني بشكل ذليل وبأن عناصره القيادية الذين كانوا محتجزين لدى الاتحاد الوطني أثناء المفاوضات قد وقعوا تعهدات بترك صفوف الحزب الشيوعي العمالي العراقي وعدم ممارسة العمل السياسي وكذلك يعلم القاصي والداني بأن ذلك الحزب بعد تلك الهجمة لم يمارس أي نشاط حزبي يذكر لا في مدينة السليمانية ولا في بقية مناطق كردستان فما بالك بقيامهم بتنظيم الاعتراضات الجماهيرية دفاعا" عن مطالب الجماهير وأمانيهم وتطلعاتهم الإنسانية كما تؤشر إليها تلك الوثيقة الانهزامية المذلة. فإذا كان الأمر كذلك فأية أجواء كان بين ذلك الحزب والاتحاد الوطني هي التي عكرت صفوت الجماهير وأحدثت التشنجات والتهديدات وكان لها الأثر السلبي الفعال على جماهير كردستان؟! لا يا سيدي! أنكم بمثل هذا الادعاء الكاذب لا تستطيعون حتى تضليل تلاميذ المدارس الابتدائية! فإذا كنتم ترغبون في تقديم الخدمة المجانية لأعداء الشيوعية والطبقة العاملة بغية كسر الإضرابات وإنهاء الاعتراضات الجماهيرية برفقة أصحاب العقب الحديدية! فلا تخجلوا من قولها صراحة" لأنكم الآن تقاتلون في خندق أعداء الحرية والمساواة وتسبحون برفقتهم في نفس المستنفع ومنذ أن جريتم وراء كورش مدرسي وسياساته اليمينية وتبنيتم منهجه السياسي التوفيقي المبتذل كنا نعلم بأنكم سترمون أنفسكم في أحضان أعداء الاشتراكية إن عاجلا" أم آجلا". أما التشنجات والأجواء القمعية السائدة داخل المجتمع الكردستاني فليس لها على الإطلاق أية علاقة لا من قريب ولا من بعيد بدفاعكم عن مطالب الجماهير وحقوقهم الإنسانية بل، أن تلك الأجواء هي في حقيقة الأمر ناتج عن أزمة القوموية الكردية وفشلها في إدارة المجتمع الكردستاني .

ثم يقول ريبوار أحمد في مقطع آخر من وثيقة استسلامه: ( فيما إذا قام الاتحاد الوطني باحترام الحرية السياسية وقام بإزالة الموانع أمام عملنا ونشاطاتنا واسترجع لنا الممتلكات التي قام بحجزه فأنهم بذلك سيفسحون المجال أمام نجاح هذه المبادرة)ـ حقا" إن ما يقوله ريبوار أحمد هنا هو أمر في غاية الغرابة! فإذا افترضنا بأنك لا زالت تعتبر نفسك ماركسيا"! ففي أي زمان ومكان قد سمعت بأن الأحزاب القومية تحترم الحرية السياسية؟! حتى يحترم الاتحاد الوطني الكردستاني الحرية السياسية في كردستان العراق! أن العالم بأجمعه يعلم بأن تاريخ الأحزاب القومية الكردية هو تاريخ دموي وبربري، حيث أنهم لم يطيقوا تحمل المخالفين لهم ولسياساتهم الرجعية، حتى عندما كانوا في أقصى درجات ضعفهم أثناء قتالهم مع الحكومة الفاشية البعثية وعندما كانوا محاصرين من جميع الجهات، فقد قاموا بتصفية الآلاف من مخالفيهم السياسيين وبالإضافة إلى ذلك فإن القتال مستمرا" بين مختلف أجنحة التيار القومي الكردي حتى هذه اللحظة وكان آخر جولة لمعاركهم قد تمثل بهجمة الحزب الديمقراطي الكردستاني على مقرات الاتحاد الإسلامي الكردستاني في مناطق بهدينان التابعة لمحافظتي دهوك ونينوى، كما وأنهم جعلوا دوما" من أماكن معيشة وعمل الجماهير في كردستان العراق ميدانا" لمعاركهم وصولاتهم وجولاتهم وعلى أثر معاركهم المستمرة أصبح آلاف الناس البسطاء من الذين توهموا بالقوموية الكردية ضحايا لمعاركهم الوحشية هذا ناهيك عن قمعهم للاعتراضات الجماهيرية وسلبهم للحقوق والحريات! فلا أدري كيف تتوقع بأن يحترم الاتحاد الوطني الكردستاني الحريات السياسية أو تعير أدنى اهتمام لإرادة الجماهير بينما هم الآن مدعومين من أعظم القوى الدولية ولهم موقع قوي في السلطة السياسية ليس في كردستان فقط بل في الحكومة المركزية أيضا".. وبناء" على كل ذلك فحتى المبتدئين بالماركسية يعلمون جيدا" بأن قوة سياسية برجوازية قومية، في إحدى بلدان العالم الثالث والخاضع حاليا" لمفعول السيناريو الأسود والذي تعتبر إحدى أهم العناصر الفاعلة في ذلك السيناريو، لا تستطيع أن تحترم لا الحريات السياسية ولا حتى أدنى المطالب الإنسانية للجماهير. ملخص الكلام إذا احترم الاتحاد الوطني الحريات الإنسانية فذلك يعني إما إننا نعيش في بلد خارج دائرة السيطرة الامبريالية أسوة" بكل بلدان العالم المتقدم! وهذا غير صحيح بكل المقاييس التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وإما إننا نعيش في بلد اشتراكي قد أصبح فيه الإنسان الغاية والوسيلة! وهذا غير صحيح

 

أيضا". وإذا أخذنا كل ذلك بنظر الاعتبار فسيتبين بإن الغاية الحقيقية التي تكمن وراء تلك الوثيقة المذلة ليس سوى أمر من أثنين فإما أن ريبوار أحمد وحزبه اليميني يسعون لتضليل الجماهير أسوة" بكل القوى السياسية البرجوازية بغية المشاركة في العملية السياسية في ظل السيناريو الأسود الأمريكي برفقة كل القوى السوداء لذلك السيناريو وبالتالي على كرسي في البرلمان أو مقعد في الوزارة! فهذه مصيبة، أو أنكم لا تدركون ماذا تفعلون ولا تعلمون بأن المدلول السياسي العملي لتلك الوثيقة تعني الانتقال فعليا" إلى الجبهة المعادية لاشتراكية ماركس والشيوعية العمالية، فالمصيبة هنا أفظع وأكبر. أظن أن هذا القدر من الاستدلال تكفي لكشف المضمون الانهزامي واليميني لحزب ريبوار أحمد.

 

أما الشيوعية العمالية فأنها بكل تأكيد لا تطرح أي تكتيك سياسي لنضال العمال والجماهير الكادحة من دون تحليل دقيق للأوضاع الداخلية والأقليمية والدولية، لأنه من دون ذلك لا يمكن أن يقوم الشيوعيين بتنظيم وقيادة النضالات الجماهيرية وفق المسار التاريخي الصحيح لنضال الطبقة العاملة والجماهير الكادحة، وهي في نفس الوقت تساعد الشيوعيين على معرفة التقدير الصحيح لموازين القوى الطبقية والاجتماعية داخل المجتمع ومن ثم معرفة الفرق الدقيق بين الأعداء والأصدقاء وبالتالي تساعد الحزب السياسي على عقد التحالفات السياسية المفيدة لتقوية وتطوير النضال الطبقي وتقوية الحزب الطليعي وارتقائها لترتفع إلى مستوى قيادة وتنظيم نضال العمال وكل الجماهير الكادحة وهذا بالضبط ما يفعله الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي، ولذلك فإننا في هذا الحزب لا نسلك طريقا" ولا نسير في أي درب يتعارض حتى ولو للحظة واحدة مع النضال الاشتراكي للعمال أو يتعارض مع الحركة المطلبية لعموم الجماهير ونسعى دائما" لتقوية وتوسيع وارتقاء النضالات الجماهيرية وسنقف دوما" في الخندق الأمامي لكل معاركهم الطبقية وكلما كسبنا معركة سنشد الأحزمة لمعارك أكبر وأوسع حتى تحطيم النظام الاجتماعي البرجوازي الفاسد والظفر بالسلطة السياسية وإقامة الاشتراكية على أنقاض ذلك النظام المنهار.